بين الدعوات والتحذيرات.. ما إمكانية حل "الحشد الشعبي" في العراق؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أصبح حل الحشد الشعبي واحدا من البرامج الانتخابية لإحدى القوى السياسية الشيعية البارزة في العراق، مع أنه يمثل في الوقت نفسه خطا أحمر لآخرين، ولا سيما الجهات التي تمثل المعسكر الإيراني.

ويعود ذلك إلى أن "الحشد الشعبي" يتشكل من غالبية المليشيات الخاضعة لإرادة طهران في العراق.

ويتقدم التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، صفوف المطالبين بحل الحشد الشعبي ودمج عناصره في صفوف القوات الأمنية، حيث تعهد في برنامجه الانتخابي بتنفيذ ذلك في حال حصل على المركز الأول وتسلم منصب رئيس الوزراء في الدورة المقبلة.

وعلى الطرف الآخر، يقف تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، على رأس الرافضين لأجندة حل الحشد الشعبي، كونه يمثل الجناح السياسي لهذا التشكيل العسكري، معتبرين ذلك بأنه "مؤامرات مرفوضة"، وأنه بات من الماضي، ولا يمكن استعادته.

مبررات الحل

ولأكثر من مرة، دعا مقتدى الصدر، إلى حصر السلاح بيد الدولة كما حدث في عام 2017، بعد زيارة نادرة إلى السعودية.

وقتها طالب الصدر، رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، بدمج العناصر المنضبطة من الحشد الشعبي في القوات المسلحة وسحب السلاح من فصائله.

وفي 20 سبتمبر/أيلول 2021، كشف  رامي السكيني النائب في البرلمان العراقي، عن كتلة "سائرون" التابعة للتيار عن تبنيهم فكرة حل الحشد الشعبي.

وتابع خلال مقابلة تلفزيونية: إن "التيار الصدري كان قد طالب في وثيقة الإصلاح بدمج الحشد الشعبي".

ووثيقة الإصلاح، هي الورقة السياسية التي طرحت في سبتمبر/أيلول 2021، وكانت السبب في عودة الصدر عن فكرة مقاطعة الانتخابات.

وأضاف السكيني إن "الصدر غرد أكثر من مرة حول عزل المنضوين في الحشد الذين يحملون خطابا وسلاحا أعلى من خطاب وسلاح الدولة".

ودعا مقتدى الصدر، في سبتمبر/أيلول 2021 إلى محاكمة العناصر المسيئة بالحشد الشعبي في العراق، مؤكدا على ضرورة دمجها بالقوات الأمنية حفاظا على هيبة الدولة.

وتشير تقارير صحفية إلى أن الصدر وقادة مليشيات مسلحة منضوية في الحشد الشعبي، على خلاف حاد منذ شهر أو أكثر بقليل حول عملية دمجه وإبعاد الجماعات المسيئة عنه.

وفي موازاة ذلك، كان نوفل أبو رغيف، المتحدث باسم تيار "الحكمة الوطني" الذي يتزعمه عمار الحكيم، قد لفت في أبريل/ نيسان 2021 إلى خطورة بقاء الحشد الشعبي، وأيد حلهم.

في السياق، أكد النائب رعد الدهلكي أنه "يفضل حل الحشد الشعبي ودمجه في الأجهزة الأمنية الرسمية حتى لا يكون أداة بيد العصابات الخارجة على القانون".

ولفت إلى أنه كان لـ"الحشد الشعبي دور كبير في محاربة تنظيم الدولة، لكن للأسف أصبح مستغلا من جماعات إيران المسلحة".

دعاية انتخابية

وفي مقابل هذه الدعوات، أعلن رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، رفضه لما وصفها بـ"مؤامرات" دمج أو حل الحشد الشعبي، مؤكدا أنه باق ومهمته الحفاظ على سيادة العراق، ودعم الأجهزة الأمنية الأخرى.

وفي 17 سبتمبر/أيلول 2021، قال العامري خلال حضوره تجمعا انتخابيا لدعم قائمة "الفتح" في محافظة ديالى (شرق البلاد) إن "هناك مؤامرات تدعو لدمج أو حل الحشد الشعبي، ولن نسمح بهذا الأمر".

وأوضح العامري، أن "تحالف الفتح حريص على بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية، وضرورة بناء جيش متكامل، وتبادل الأدوار بين الأجهزة الأمنية، مطالبا بـ"تسليح الجيش وتزويده بالإمكانات المطلوبة وبالدفاعات الآلية، والطائرات وكل أنواع الأسلحة".

وعلى الصعيد ذاته، قال النائب مختار الموسوي عن تحالف "الفتح" ذاته إنه "لا توجد أي إمكانية لحل الحشد الشعبي، وإن الموضوع فقط للدعاية الانتخابية، لإرضاء الأطراف التي لا ترغب بالحشد من أجل الحصول على رئاسة الوزراء".

وشدد الموسوي خلال تصريحات صحفية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 على أنه "لا يستطيع أي أحد حل الحشد الشعبي سوى المرجع الديني علي السيستاني الذي أصدر فتوى تشكيله إبان الحرب ضد تنظيم الدولة عام 2014".

ورأى النائب أن "زعيم التيار الصدري يتقلب في قراراته فقبل ذلك قال إنه لن يشارك في الانتخابات وبعدها تراجع، لذلك فالحديث عن حل الحشد ليس مطروحا للنقاش أساسا، والأولى أن نناقش القضايا الإستراتيجية".

ولفت إلى أن "حل الحشد الشعبي لا يتم بجرة قلم من رئيس الحكومة، لأنه أصبح له قانون صوت عليه البرلمان في دورته الماضية، وبالتالي فإن حله أيضا إما يكون عن هذا الطريق أو بفتوى من المرجع السيستاني".

وأشار إلى أن "الحشد دافع عن العراق وهو من فرض نفسه للتصويت على قانونه في البرلمان، والحديث عن موضوع حله كله للدعاية الانتخابية، وسنرى من يتحدث عن ذلك بعد انتهاء الانتخابات المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021".

خطوة صعبة

وفي المقابل، يقول المحلل السياسي العراقي، وائل الشمري، إن "من الأفضل دمج الحشد مع القوات الأمنية حتى يتكشف الغطاء وتظهر حقيقة ولائه (يأتمر بولاية الفقيه في إيران) للناس، وكيفية استغلاله لتحقيق سياسات طهران داخل العراق".

وأكد الشمري خلال تصريحات صحفية في 24 أبريل/نيسان 2021 أن "الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران لا تريد أن ينفصل عنها حشد العتبات (تابعة للمرجع الشيعي علي السيستاني في النجف)، وهي تضغط على أجنحتها السياسية داخل البرلمان العراقي من أجل عدم تحقيق عملية الانفصال".

وهذا ما تجلى في تغريدة للمسؤول الأمني في حزب الله العراق "أبو علي العسكري" الذي كتب: "الحشد الشعبي لن يحل، وإذا ما حدث هذا (على فرض المحال) فإن المقاومة الإسلامية ستستوعب مجاهدي الحشد وبصنوفهم وتخصصاتهم كافة"، وفق تعبيره.

لكن الباحث في الشأن السياسي العراقي، أحمد الأعظمي رأى خلال تصريحات صحفية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن "حل الحشد الشعبي بات أمرا صعبا، ولا سيما أن له قانونا في البرلمان يعتبره جزءا من القوات الأمنية، وإذا أراد أي طرف سياسي إلغاء القانون فيجب أن يأتي بأغلبية في البرلمان".

وتابع: "إضافة إلى ذلك فإن إيران لن تسمح بحل الحشد الشعبي الذي تعتبره نسخة الحرس الثوري الإيراني بالعراق لحماية النظام السياسي في البلد الذي تسيطر عليه القوى الشيعية".

وأعرب الأعظمي عن اعتقاده بأن "حديث التيار الصدري عن حل الحشد الشعبي في برنامجه الانتخابي الغرض منه استقطاب القوى السنية والكردية وحتى الغرب وكل من يرفض (تلك القوات) للحصول على منصب رئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة".

ولفت الباحث العراقي إلى أن "زعيم التيار الصدري لا يمكن التعويل على وعوده السياسية فهو شخصية كثيرة التقلبات، والأمر وارد جدا أن يتنصل مما يتعهد به للقوى السياسية وحتى للشعب، فالشواهد كثيرة منذ عام 2003 وحتى اليوم".

ويعتقد الأعظمي أن "الصدر ربما يريد حل الحشد الشعبي، كونه يخشى أن يضرب به التيار الصدري في المستقبل، فهو العصا الإيرانية الغليظة التي باستطاعتها الوقوف بوجهه، لذلك قد يكون من هذا الباب يسعى إلى تفكيكه مع أن الأمر شبه مستحيل".

وبرأي الباحث فإن "قوات الحشد الشعبي لا يمكن تفكيكها في الوقت الحالي إلا بانهيار نظام ولاية الفقيه في إيران، فلو أقدمت أي جهة سياسية حاليا على خطوة حله ودمجه في أجهزة الأمن، فإن طهران لا تتورع عن حرق العراق بأكمله لإفشال الموضوع".

وزاد الأعظمي، قائلا: "تهديدات هادي العامري ما هي إلا مؤشرات، على أنهم سيعملون كل شيء للحفاظ على الحشد الشعبي، حيث إنه وصف دعوات حله أو دمجه بأنها مؤامرات".

خيار السيطرة

وفي ضوء الحديث عن مستقبل الحشد بعد الانتخابات المقبلة، نقلت صحيفة "المدى" العراقية عن مصدر سياسي (لم تكشف هويته) في 20 سبتمبر/ أيلول 2021 أن "التيار الصدري ومعه بعض القوى السنية تطرح فكرة دمج الحشد الشعبي في المؤسسات الأمنية".

وأوضح المصدر أن هناك طرحا آخر للتعامل مع الحشد "وهو السيطرة عليه"، لافتا إلى أن "هناك نية إلى أن يتم ربط قيادته بإحدى الوزارات الداخلية أو الدفاع لكن من دون أن يجري تذويب المؤسسة أو عناصرها".

المصدر أوضح أن هذه الفكرة المطروحة "ستؤدي إلى ضبط الفصائل بشكل أفضل وتبقي على هيئة الحشد"، لكنه أشار إلى أن الرفض سيكون من "بعض الفصائل التي تأخذ من رواتب المقاتلين".

من جهته، رأى الخبير الأمني والسياسي العراقي أحمد الشريفي أن "المشكلة الرئيسة ليست في المليشيات، بل في الأحزاب التي لا تؤمن بدولة المؤسسات، وهذا الأمر دفع تلك الأحزاب إلى التمسك بالأجنحة المسلحة أكثر من المؤسسات الضامنة للأمن وسيادة البلاد".

وأضاف الشريفي خلال تصريحات صحفية في 12 أغسطس/آب 2021 أن "الأحزاب وجدت في مليشياتها بديلا للمؤسسات الأمنية، تارة للاستقواء على المنافسين، وتارة أخرى للبقاء أقوى من المؤسسات الأمنية الأمر الذي يمكنها من السيطرة على الدولة ومواردها المادية والبشرية".

وتمثل المليشيات في العراق، بحسب الشريفي، "إحدى المخرجات الرئيسة للمتبنيات السياسية للأحزاب العراقية".

واستبعد إقامة أي مشاريع من شأنها تفعيل قضية دمج المليشيات مرة أخرى.

وأشار الشريفي إلى أن قوات الحشد "حصلت على امتيازات عالية قد تنتهي بانتهاء دورها المليشياوي، وهو ما قد يدفعها للقتال من أجل الاحتفاظ بتلك الامتيازات، لا سيما مع استمرار المظلة الحزبية الراعية لها".

ويبدو أن أحد أبرز العراقيل أمام فكرة الدمج، كما يعبر الشريفي، ترتبط بأن "زعماء تلك المليشيات يعتقدون أن دورهم السياسي والاجتماعي سينتهي مع انتهاء وجود جماعاتهم المسلحة، وهذا الأمر يجعل الدولة غير قادرة على إقناعهم".

ونوه الشريفي إلى أن دمجها في المؤسسات العسكرية والأمنية "يجب أن يجري بدراسة دقيقة لكيفيات الدمج بطريقة علمية، وما إذا كانت ستؤدي إلى تجانس بين المقاتلين أم بقاء هوياتهم المليشياوية داخل المؤسسة".

وأكد أن "ما حصل في السنوات السابقة هو دمج للمليشيات من دون ضوابط، ما أدى إلى تشتيت الولاءات داخل المؤسسات العسكرية".

وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، حاول أكثر من مرة ضبط الحشد الشعبي لكنه فشل، فيما كشف حينها عن "ذهاب رواتب الحشد إلى بعض الأحزاب".

كذلك أصدر رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، أمرين ديوانيين في 2019 و2020 قضيا بفك ارتباط "الحشد" مع القوى السياسية، لكنه لم يتحقق فعليا.

لا يعرف بالتحديد عدد أفراد "الحشد"، لكن يجري تداول أرقام بين 120 إلى 150 ألفا.

وفي 13 أيلول/ سبتمبر 2021، أعلن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، إعادة 30 ألف عنصر فسخت عقودهم في السنوات الأخيرة، إلى العمل بعد موجة احتجاجات متواصلة أمام المنطقة الخضراء المحصنة ومقر الحشد وسط بغداد.