حراك واسع.. لهذه الأسباب قد تعقد إسرائيل وحماس صفقة لتبادل الأسرى

12

طباعة

مشاركة

أعادت عملية "نفق الحرية" قضية الأسرى لصدارة المشهد الفلسطيني، وزادت من وتيرة التحركات السياسية لإنجاز صفقة تبادل أسرى بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس.

وفي 6 سبتمبر/ أيلول 2021 تمكن ستة أسرى فلسطينيين من انتزاع حريتهم عبر نفق من زنزانتهم إلى خارج سجن "جلبوع"، وأعيد اعتقال أربعة منهم يومي 10 و11 فيما اعتقل آخر أسيرين، في 19 من ذات الشهر. 

وتعهد الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، أبو عبيدة في خطابه الأخير 11 سبتمبر/أيلول بأن يكون الأسرى الستة في مقدمة صفقة التبادل المقبلة.  

وتأسر حركة حماس أربعة إسرائيليين، بينهم جنديان أسرا خلال الحرب على غزة عام 2014، أما الآخران، فقد دخلا غزة في ظروف لم تعلن الحركة عنها، كما أنها لا تفصح عن مصير الجنود الأربعة "دون مقابل".

خريطة طريق

كان أبرز مستجدات الصفقة المرتقبة تقديم حركة حماس خريطة طريق للوسطاء تشرح بها متطلبات الصفقة وخطواتها.

وقال مسؤول ملف الأسرى في "حماس" زاهر جبارين في 23 سبتمبر/ أيلول إن الاتصالات مستمرة مع الوسطاء حول الجنود المأسورين لدى القسام في غزة، وتم إبلاغ الاحتلال بشروط المقاومة للوصول إلى صفقة التبادل و إن الكرة الآن باتت في ملعب حكومة نفتالي بينيت.

وتشمل خريطة طريق الصفقة مقترحين، الأول أن تكون صفقة تبادل شاملة بمرحلة واحدة، والثاني أن تكون ضمن مرحلتين.

وحسب ما أفصحت عنه حماس، فإن الصفقة في إطار المرحلة الواحدة تشمل الإفراج عن الأسرى المعاد اعتقالهم بعد تحريرهم ضمن صفقة وفاء الأحرار عام 2011 وعددهم 60 جميعهم من الضفة الغربية، والنساء والأطفال والمرضى، إلى جانب الإفراج عن القائمة المتفق عليها بين الجانبين وتشمل معتقلين من ذوي الأحكام العالية.

أما خيار تجزئة الصفقة على مرحلتين، فيقوم في الجزء الأول منه على إطلاق سراح الأسرى المعاد اعتقالهم، والنساء والأطفال والمرضى، مقابل تقديم حماس معلومات موثقة حول المحتجزين لديها.

 فيما تشمل الخطوة الثانية الإفراج عن قائمة الأسرى المتفق عليها من الأحكام العالية والمصنفين إسرائيليا بأن "أيديهم ملطخة بالدماء"، مقابل فك قيد الإسرائيليين.

بدوره، أكد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، في لقاء بث عبر فضائية "الأقصى" (تابعة للحركة) 24 سبتمبر/أيلول أن "الاحتلال يطلب من مصر وتركيا وألمانيا وقطر أن يتدخلوا في الصفقة، ونحن لن نعطي الاحتلال أي شيء دون مقابل".

وأضاف أنه "لا يوجد شيء جوهري في صفقة التبادل، نحن سلمنا فقط خريطة طريق للوسطاء (لم يذكرهم)".

وتأتي هذه التحركات في ملف صفقة التبادل بعد أن اشترط الاحتلال في مايو/ أيار 2021، إعادة الجنود الأسرى في قطاع غزة من أجل السماح بإعادة الإعمار وتحسن أوضاع السكان الحياتية.

إلا أن حماس رفضت ربط الملفين، وشرعت بفعاليات الإرباك الليلي ومسيرات الحدود إلى أن سمحت سلطات الاحتلال بإدخال مواد البناء وفتح المعابر وتراجعت عن سياساتها العقابية التي فرضتها منذ العدوان الأخير على غزة.

واشتد الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية من خلال ما تنفذه عائلات الجنود الأسرى من اعتصامات ومطالبات ولقاءات إعلامية شملت اتهام القادة الإسرائيليين بخيانة تضحيات أبنائهم.

سلم الأولويات

وفي 15 من سبتمبر/ أيلول، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أنه يوافق على صفقة لتبادل الأسرى مع حركة حماس في ظروف معينة، مؤكدا أنه يعارض إطلاق سراح من قتلوا إسرائيليين.

وفور عودة بينيت من مصر منتصف سبتمبر / أيلول، عقد لقاء مع عائلة أفيرا منغيستو المأسور في قطاع غزة، وأكد التزامه باستعادة الجنود المعتقلين لدى حركة حماس.

 وكان بينيت قد ظهر في لقاءات إعلامية وهو يضع صورة الجنديين المأسورين لدى حماس (هدار غولدن وشاؤول آرون خلفه) في رسالة قد تحمل إصرارا على إنهاء هذا الملف.

وبدوره، قال المحلل السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة في حديث لـ "الاستقلال" إن إعادة اعتقال الأسرى المحررين من سجن جلبوع في عملية نفق الحرية وضعت قضية المعتقلين الفلسطينيين عموما وصفقة التبادل على سلم الأولويات.

وأضاف "من الواضح أن هناك رغبة إسرائيلية كبيرة في إتمام الصفقة، ويريد نفتالي بينيت أن يفي بوعده لأهالي الجنود الأسرى لدى القسام بإعادة أبنائهم".

وهو "ما نتج عنه لين في مواقف الحكومة الإسرائيلية في هذا الجانب، فصلت بين ملفات إعادة الإعمار وفك الحصار وإدخال المنحة القطرية وملف إعادة الجنود"، بحسب أبو شمالة.

وأكد المحلل أن إسرائيل تعيش تحت ضغط حقيقي الآن مع تراجع رغبة الجنود الإسرائيليين بالانضمام لوحدات المشاة.

وتابع أنهم "باتوا يتوجهون بشكل كبير لسلاح الاتصالات والبحرية والطيران والقبة الحديدية والتكنولوجيا وأي سلاح لا يوجد به التحام مع المقاومة بغزة؛ خوفا من الأسر".

ورأى أن "المماطلة الإسرائيلية بإنجاز صفقة التبادل وإعادة الجنود تعزز من هذا التوجه والخوف لدى الجنود بأن مصيرهم غير مهم لدى قادتهم، وقد جاهر العديد من الجنود بهذه القناعات".

وذكر أن "القسام أعلنت عن خريطة طريق لتحرير الأسرى من النساء والأطفال والمرضى وكبار السن ومن أعيد اعتقالهم بعد صفقة وفاء الأحرار".

وبذلك "تكون حماس قد شملت أهم الفئات الحساسة بالسجون بالمرحلة الأولى وفي المرحلة الثانية سيكون التفاوض الأصعب، وسيحاول الاحتلال قدر المستطاع عدم إطلاق سراح الأسرى الخطيرين"، وفق تقديره

مسألة وقت  

بدوره، قال الأسير المحرر والخبير في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات إن صفقة تبادل بين حركة حماس والجانب الصهيوني باتت مسألة وقت.

وبين أن إسرائيل ومصر تعملان على استعادة الجنود وقد أصبح واضحا أن سياسة الإعمار وفك الحصار مقابل الجنود قد فشلت، وبالتالي لم يبق خيار سوى إتمام الصفقة.

وأضاف بشارات لـ"الاستقلال": "بقدر أهمية استعادة إسرائيل جنودها، فإن قرار هذه الصفقة صعب على أي حكومة كونه يعتبر خضوعا لحماس، وخصوصا بعد صفقة وفاء الأحرار التي كان من مفرزاتها خروج أسرى قادوا حركات المقاومة وأضروا بالاحتلال كثيرا".

ولذلك فإن صفقة تبادل مقبلة سيكون لها تبعات كبيرة على واقع الصراع ما بين الاحتلال والمقاومة، وفق تقديره.

وأوضح بشارات أن أكبر معيقات الصفقة هي قضية الإفراج عن الأسرى الذين تسميهم سلطات الاحتلال بـ"الملطخة أيديهم بالدماء" وهم الذين نفذوا أو خططوا للعمليات الاستشهادية التي راح ضحيتها قتلى إسرائيليون.

واستدرك أنه رغم هذا التعقيد فيما يخص منع التفاوض على الأسرى التي تتهمهم إسرائيل بقتل مستوطنين، فإن المقاومة نجحت فعلا في الإفراج عن عدد منهم في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 وكان هذا إنجازا كبيرا ويكشف أنه من الممكن أن تتم صفقة تبادل يخرج ضمنها مصل هؤلاء.

ومن جانبه، قال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس عبد اللطيف القانوع إن ما بيد حركته من جنود سيجبر الاحتلال على الرضوخ في النهاية لمطالب المقاومة والإفراج عن الأسرى، كما رضخ سابقا للقسام في صفقة وفاء الأحرار.

وفي حديث لـ "الاستقلال" وجه القانوع رسالة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بأن المقاومة تضع حريتهم على رأس أولوياتها، وتواصل العمل ليل نهار من أجل إخراجهم من عتمة الزنازين وكسر قيدهم. 

بدورها، تحذر غفران زامل خطيبة الأسير حسن سلامة، من تعمد الاحتلال بث أخبار مغلوطة عن الصفقة ليشكل ضغطا من الأهالي على المقاومة أو حتى يتلاعب بهم، وربما أيضا يستخدم الاحتلال هذا الملف لقضايا داخلية عنده، أو لإسكات عائلات الأسرى الجنود لديهم.

وفي حديثها لـ"الاستقلال"، وجهت رسالة للمقاومة مفادها "أننا ننتظر منكم صفقة كبيرة يخرج فيها كل من تحفظت إسرائيل على الإفراج عنهم في صفقة وفاء الأحرار الأولى".

وحسن سلامة هو أحد قادة القسام والمحكوم بـ 48 مؤبد لمسؤوليته عن عمليات "الثأر المقدس" عام 1996 والتي راح ضحيتها 46 مستوطنا.