بعد محاولة "تمهيدية".. لهذه الأسباب ينتظر السودان انقلابا واسع النطاق

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال 6 عقود من تأسيس الجمهورية، شهد السودان ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة، إضافة إلى 8 محاولات فاشلة، ضمنها المحاولة الأخيرة التي جرت في 21 سبتمبر/ أيلول 2021، عندما تحركت وحدة من سلاح المدرعات تحت قيادة اللواء ركن عبدالباقي الحسن عثمان بكراوي، ومعه 21 ضابطا آخرون برتب مختلفة وعدد من ضباط الصف والجنود.

المحاولة أجهضت في بدايتها وقبض على المتورطين فيها، وتبين أن الجيش لم يكن على قلب رجل واحد، وتمت إدانة العملية الانقلابية بأشد عبارات الاستنكار من المكون المدني بالمجلس السيادي السوداني، وكذلك قادة الجيش، وبقية الأحزاب. 

لكن خلف الانقلاب الأخير مجموعة من الجدليات، بعدما شن المكون العسكري هجوما لفظيا وانتقادات للحكومة وأدائها، فيما هاجم أعضاء الحكومة الجيش وقياداته وطالبوا بضرورة إعادة هيكلة القوات المسلحة، ما وضع عملية الانقلاب الأخير في دائرة الشك حول نجاعته ومن وراءه وما تداعياته.

أحداث متسارعة

شهد صباح الثلاثاء 21 سبتمبر/ أيلول 2021، حركة عسكرية محدودة لمجموعة من ضباط الجيش، هدفت للاستيلاء على الحكم، حيث أعلن التلفزيون الرسمي للدولة، عن وجود محاولة انقلابية، داعيا السودانيين إلى النفير والتصدي لها، في نبأ عاجل، لم يحدد هوية المجموعة الانقلابية، ولكنه شدد على الدفاع عن الحكومة القائمة. 

في ذلك الوقت، كانت تشكيلات من المدرعات توجد في عدد من مناطق العاصمة، مع انتشار كثيف لقوات عسكرية، أغلقت الطرق الرئيسة، خاصة المؤدي إلى جسر أم درمان حيث مقر البرلمان. 

ساعات قليلة وأعلن فشل المحاولة والقبض على الضالعين فيها من سلاح المدرعات، على لسان وزير الدفاع ياسين إبراهيم، وسط حالة من الخوف والغضب في آن واحد، تخللها تراشق الاتهامات والسؤال عن الجهة الواقفة وراء الانقلاب الموؤود مع إشارة واضحة للنظام السابق، القابع معظم رموزه على رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير، داخل سجن كوبر بالخرطوم. 

فيما أعلن رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، أن القوات النظامية تقف مع الشعب لحماية الفترة الانتقالية، وذلك خلال زيارته سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة جنوبي العاصمة الخرطوم، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. 

أما رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فقد صرح أن محاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد، "استهدفت تقويض الانتقال الديمقراطي، لكن عزيمة شعبنا كانت أقوى".

وقال متوعدا إن "انقلاب عمر البشير عام 1989، هو آخر فصول الانقلابات في البلاد". 

هجوم ممنهج

المثير للجدل تمثل في التصريحات الصادرة عن الجهات الرسمية، في الأيام التالية للمحاولة الانقلابية، والتي حملت مسحة غضب وبروز خلاف شديد، وبدأت حين هاجم بضراوة، البرهان، القوى السياسية في البلاد، معتبرا أنها "لا تهتم بهموم المواطنين وحل مشاكلهم".

وفي كلمته خلال حفل تخريج قوات عسكرية غربي الخرطوم، في 22 سبتمبر/ أيلول 2021، قال البرهان: "هناك قوى سياسية تهاجمنا ولن نقبل بأن تتسلط علينا وتوجه لنا الإساءات وواجبنا منع استئثار جهة سياسية واحدة بالسلطة خلال الفترة الانتقالية".

وفي نفس الاحتفالية، لم يتوان قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي" عن مهاجمة المكونات المدنية، قائلا إن "السياسيين في البلاد، هم سبب الانقلابات العسكرية، لأنهم أهملوا خدمات المواطن وانشغلوا بالكراسي وتقسيم السلطة". 

وأردف: "دعمنا مبادرة حمدوك، للتوافق، لكنهم (السياسيين) مارسوا الإقصاء وكل طرف يحفر للآخر".

ثم اتهم حميدتي، الشركاء المدنيين في السلطة الانتقالية بـ"إهانة وشتم القوات النظامية".

وأظهرت تلك التصريحات غداة الإعلان عن محاولة الانقلاب الفاشلة، عن وجود أزمة حقيقية بين المكون المدني والعسكري، في أكبر تطور للأحداث بينهما منذ 21 أغسطس/آب 2019، إذ يعيش السودان فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام. 

ردود عنيفة 

جاءت كلمات قادة الجيوش ورأس هرم المكون العسكري "ثقيلة" على المدنيين والأحزاب المشاركة في الحكومة، وهو ما برز في ردة فعل قوى "الحرية والتغيير"، أحد شركاء السلطة، حيث اعتبرت في 23 سبتمبر/ أيلول 2021، أن انتقادات البرهان و"حميدتي"، للقوى السياسية، تستهدف "النكوص عن التحول المدني الديمقراطي وسنتصدى لذلك بكل قوة وصرامة". 

وأعلنت اللجنة الإعلامية لقوى الحرية والتغيير (قحت) أن "حديث البرهان وحميدتي، هو تهديد مباشر لمسار الانتقال الديمقراطي، ومحاولة لخلق شرخ بين قوى الثورة المدنية والجيش".

واستمر التراشق بين الشقين المدني والعسكري متواصلا، حيث انتقد بشكل حاد وزير وزارة شؤون مجلس الوزراء، خالد يوسف عمر، العسكريين، في تصريحات متلفزة، قال فيها إن "الخطاب الذي تمت تلاوته بواسطة رئيس مجلس السيادة ونائبه، هو يقرأ من ذات كتب التاريخ التي قام بها الانقلابيون من قبل".

وكذلك نشر الناشط بقوى الحرية والتغيير، أمجد فريد الطيب، تغريدة: "يتحدث الجنرالان البرهان وحميدتي عن أن السياسيين انشغلوا بالتصارع على المناصب السياسية، وكأن جرجرتهم في التفاوض حول عدد مقاعد المكون العسكري في مجلس السيادة لم تأخذ أكثر من أربعة أشهر، حدثت فيها مجزرة فض الاعتصام!".

وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2021، شكك الكاتب السوداني عبد الله رزق، في المحاولة الانقلابية ككل، وأنها "مجرد سيناريو لما هو قادم"، وذكر عبر مقالة بصحيفة "الحراك السياسي" السودانية، أن "محاولة الانقلاب مجرد سيناريو تجريبي للخطة الانقلابية الحقيقية".

وقال رزق: "الأمر كله لا يعدو أن يكون خدعة عسكرية تستهدف جس نبض الشارع، لتحقيق الهدف نفسه، وهو الانقلاب على السلطة الانتقالية".

وذكر في هذا الصدد، أن "محاولة الانقلاب تشكل مدخلا جديا لإعادة هيكلة القوات النظامية وبناء جيش وطني واحد، وفق نص الوثيقة الدستورية".

وهي نفس النقطة التي شددت عليها الأحزاب الموالية للحكومة الانتقالية، مثل حزب المؤتمر الشعبي ضمن تحالف قوى الإجماع الوطني، الذين دعوا في بيان، إلى  ضرورة إعادة هيكلة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى. 

ما يؤكد أن "الشرخ" بين المكونات المدنية والعسكرية وصل إلى مرحلة يصعب تجاوزها. 

الجيش يحكم 

في حديث مع "للاستقلال"، قال السياسي إبراهيم عبد العاطي، إن "إشكالية العملية السياسية في السودان على مر العصور، تكمن في المراحل الانتقالية، حيث يعقبها دائما انقلاب عسكري ثم فترة حكم استبدادية طويلة ثم ثورة أو انقلاب على الانقلاب تحت لافتات الإصلاح والتغيير، هذه هي دورة حياة السياسة السودانية وأنظمة الحكم المتعاقبة في البلاد". 

وأردف: "اللحظة الراهنة لم تختلف كثيرا عن الماضي، والتاريخ يعيد نفسه، نحن أمام حكومة انتقالية متعثرة، تحكمها أجندة خارجية واضحة موالية للغرب، لا تهتم بالإصلاحات الداخلية، وفشلت في تحقيق أي نهضة اقتصادية أو تنموية تذكر".

وتابع عبد العاطي: "البلد غارق في الأزمات والديون، وأمام مكون عسكري يرتب نفسه ويعمق دوره ويدخل في كثير من التفاصيل، انتظارا للحظة الخاطفة التي سيقبض فيها على زمام الأمور ويمسك بمقاليد الحكم، ويطيح بالمدنيين، الممثلين في حمدوك وفريقه من حركة (قحت)".

واستدرك موضحا: "الشيء الوحيد الذي يمنع العسكر عن اتخاذ هذه الخطوة، هو الخشية من الخارج والمجتمع الدولي، والاختلاف فيما بينهم، لا سيما الجيش وقوات الدعم السريع". 

واعتبر عبد العاطي أن "الشيوعيين دائما أصحاب مبدأ إقصائي حتى داخل أنفسهم، واليسار عموما يحمل أفكارا واتجاهات معادية لعموم الشعب المحافظ، على الجهة الأخرى يظل الجيش يقدم نفسه ضمن مصاف حماية الوطن، والنأي عن الحرب الأيديولوجية الضيقة، ويشدد كذلك على عدم وجود نوايا انتقامية من الإسلاميين عموما، على عكس الطرف الأول". 

ورأى أن "البشير جاء بانقلاب عسكري، وأطيح به بانقلاب عسكري (1989 ـ 2019)، وهو ما لم يقدره طليعة الثوار وظنوا أن البشير سقط بحسابات الشارع، وأن الانقلاب الأخير رغم فشله، إنما يمهد لانقلاب أكبر وأكثر شمولا ستقوم به القوات المسلحة عن بكرة أبيها".