اتفاق فاغنر ومالي.. ماذا وراء محاولة فرنسا صد التغلغل الروسي في الساحل؟

12

طباعة

مشاركة

بعد تسريب خبر العقد المحتمل توقيعه بين باماكو وشركة "فاغنر" الروسية، ازدادت الاتصالات الهاتفية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظرائه في مجموعة دول الساحل الإفريقي الخمس حول الوضع في مالي.

وذكرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، أن ماكرون تحدث خلال الفترة الأخيرة، مع رؤساء النيجر محمد بازوم، وكوت ديفوار الحسن واتارا، والسنغال ماكي سال، وغينيا بيساو أومارو سيسوكو إمبالو، وأيضا نانا أكوفو-أدو رئيس غانا، الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).

ولم يخف هؤلاء، وفق المجلة، مخاوفهم بشأن الوضع في مالي ونوايا زعيم الانقلاب، الرئيس الانتقالي آسيمي غويتا للبقاء في السلطة.

قلق باريسي

في حديثه مع رؤساء دول الساحل الإفريقي، وقف ماكرون عند المفاوضات الجارية بين السلطات المالية وفاغنر، والتي اعتبر أنها "تتعارض مع الالتزام العسكري الفرنسي" في منطقة الساحل. 

وذكر شركاءه بالتأثير المتزايد للمرتزقة الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى، وحذرهم من احتمال وصولهم إلى مالي.

وتخشى باريس الاتفاقية المحتملة بين باماكو و"فاغنر"، فيما تعتبر المرة الأولى التي يقرر فيها المجلس العسكري المالي خدمة أجندته الخاصة بعيدا عن فرنسا، إذ يريد غوتا البقاء في السلطة، وفاغنر أداة قد تمكنه من تحقيق هدفه، لكن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ‏تواجه دورا حاسما في الضغط على السلطة الانتقالية في مالي.

ويعمل الرؤساء الأفارقة، الذين يشاركون ماكرون قلقه بشأن هذه القضية، على إقناع غوتا ووزير دفاعه، ساديو كامارا، في عدم التوقيع على هذا العقد.

ومنذ بداية سبتمبر/أيلول 2021، يعتبر العقد بين الدولة المالية -ممثلة برئيس المرحلة الانتقالية ووزير دفاعه كامارا- والشركة العسكرية الروسية فاغنر "جاهزا".

وتنص الوثيقة على نشر المرتزقة في البلاد بالتنسيق مع الجيش المالي وحماية كبار الشخصيات.

وبحسب عدة مصادر نقلتها وكالة "رويترز" فإن مالي ستدفع للشركة ستة مليارات فرنك إفريقي أي نحو 9.1 مليون يورو شهريا، فيما قالت مصادر أخرى: إن هذا هو السبب الرئيس وراء تأجيل الصفقة، إذ وجدت الحكومة الانتقالية في مالي كلفتها باهضة.

ولعدة أشهر، شارك مبعوثون من مجموعة فاغنر في لقاءات مكثفة مع سلطات المرحلة الانتقالية في مالي، ولا سيما كامارا، الذي زار روسيا في أغسطس/آب 2021.

وكانت باماكو قد وقعت بالفعل اتفاقية دفاع مع موسكو عام 2019، إلا أن هذا هو أول التزام للسلطات المالية مع شركة عسكرية خاصة ذات نفوذ روسي.

ورقة التهديد

عندما تمت مناقشة العقد في بداية سبتمبر/أيلول 2021 في باماكو، كان رئيس أركان الجيوش الفرنسية، تييري بوركهارد، يزور مالي ضمن جولة في الساحل، ولم يكن كامارا قد استقبله.

بالموازاة، كثف مبعوثو "فاغنر" ضغوطهم مؤخرا على الحكومة الانتقالية في مالي، لدرجة جعلت الدبلوماسية الفرنسية والجيش "يتحركان بقلق".

وأكد مصدر مقرب من قصر الإليزيه لـ"جون أفريك" أن باريس مستاءة وتفعل كل شيء لإحباط توقيع العقد، حتى أن فرنسا طلبت من حلفائها الأميركيين الضغط على المجلس العسكري في مالي مع إرسال دبلوماسيين كبار إلى موسكو ومالي لإجراء محادثات. 

وقالت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها في سبتمبر/أيلول 2021، استندت فيه إلى مصدر فرنسي قريب من الملف: إن "الأمر قد يدفع بفرنسا إلى إعادة النظر في وجودها العسكري في هذا البلد الذي تحارب فيه الجهاديين في إطار ما يسمى بقوة برخان".

فيما اعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أن "أي اتفاق بين باماكو ومجموعة فاغنر سيكون مصدر قلق بالغ ومناقضا لمواصلة الانخراط العسكري لفرنسا في منطقة الساحل المستمر منذ ثماني سنوات".

وربطت عدد من التقارير الصحفية بين الصفقة الروسية المالية، والإعلان عن مقتل زعيم تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى، عدنان أبو وليد الصحراوي، معتبرة أن باريس اختارت هذا الوقت تحديدا لأسباب متعلقة بالاتفاق.

وعن مقتل الصحراوي، يرى الكاتب والباحث في الشأن الإفريقي سيدي ولد عبد المالك، أن "ماكرون حاول بالإعلان عن قتل الصحراوي حصر جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل على فرنسا وأوروبا وأميركا والدول الإفريقية"، في إشارة لافتة تستبعد الأطراف التى بدأت تتدخل في شأن الساحل كروسيا و تركيا و الصين مثلا.

ولم يستعبد، في تعليقه على مقتل الصحراوي لـ"الاستقلال"، أن تكون طبيعة العملية العسكرية وحجم التهليل الرسمي الفرنسي لها ضمن إطار قطع الطريق أمام المساعي الروسية لبسط نفوذ عسكري بمنطقة الساحل، فتزامن توقيت إعلان مقتل "الصحراوي" مع الحديث عن  توقيع حكومة مالي لاتفاق مع "فاغنر" يعزز فرضية اختيار باريس لتوقيت العملية العسكرية.

وقال ولد عبد المالك: إن فرنسا تقف بقوة في وجه هذا الاتفاق، ولوحت بسحب قواتها إذا تم الاتفاق مع "فاغنر"، والقاضي بنشر 1000 مقاتل روسي من المرتزقة في مالي لتشكيل قواتها المسلحة. 

باب موارب

متحدث باسم زعيم المجلس العسكري الحاكم في مالي -الذي تولى السلطة إثر انقلاب عسكري في أغسطس/آب 2020- قال: إنه "ليس لديه معلومات عن مثل هذا الاتفاق، وأضاف لوكالة "رويترز"، في تقرير نشرته في 13 سبتمبر/أيلول 2021، "إنها شائعات، المسؤولون لا يعلقون على الشائعات".

فيما قال متحدث باسم وزارة الدفاع في مالي للوكالة البريطانية: إن "الرأي العام يؤيد المزيد من التعاون مع روسيا بالنظر للوضع الأمني الحالي، لكن لم يُتخذ قرار بعد"، بشأن طبيعة هذا التعاون، ولم ترد وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان على طلبات بالتعقيب، وكذلك الكرملين والرئاسة الفرنسية.

وفي 14 سبتمبر/أيلول 2021، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان: إن وجود مرتزقة روس على أرض مالي "لا يمكن التوفيق بينه وبين وجودنا على الإطلاق".

واعتبر أن ذلك "يتعارض مع عمل شركاء مالي من منطقة الساحل والدوليين"، وهددت باريس التي أعلنت بالفعل انتهاء عملية "برخان" (انطلقت عام 2014) وانسحاب جزء من قواتها من مالي بمزيد من تقليص مشاركتها في القتال ضد التنظيمات المسلحة.

لكن في باماكو، أشاد البعض بالوصول المحتمل لعناصر فاغنر إلى أراضي الساحل، ودعا قسم من الرأي العام إلى ذلك منذ أن أطاح غويتا بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في 18 أغسطس/آب 2020، معتبرين أن فرنسا لم تقدم شيئا في البلاد وأن وجودها يقتصر على استغلال الثروات وممارسة انتهاكات حقوقية وصلت حد اغتصاب الجنود الفرنسيين لنساء وأطفال في البلاد، وفق الأمم المتحدة.

وفيما اعتبرت تقارير دولية أن الباب ظل مواربا بين فرنسا ومالي، ذهبت أخرى إلى أن الإستراتيجية الدولية بأكملها "قد تتغير" بنهاية عملية برخان بشكل كامل ودخول الروس.