رغم تراجع هجرة المعارضين.. لماذا بدأ مؤيدون للأسد اللجوء إلى أوروبا؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا يزال حلم الوصول إلى أوروبا يراود السوريين سواء القابعين في مناطق نفوذ نظام بشار الأسد أو المعارضة، مع استمرار الحرب ضد الشعب إما قصفا أو جوعا.

ووصل الأسد إلى نقطة اللاعودة عن التمسك بالحكم، ورفض كل المسارات الأممية والدولية الرامية لفرض حل تضع فيه الحرب أوزارها في البلاد بعد عشر سنين عجاف.

واليوم إذ يعيش السوريون في مناطق نفوذ الأسد حالة معيشية ضنكة، وسط انعدام القدرة الشرائية وتهاوي الليرة السورية وعجز معظم العوائل عن تدبر قوت يومها، بات خيار اللجوء إلى أوروبا هو طوق النجاة الوحيد لهم.

فبعد إجراء الأسد، انتخابات رئاسية أواخر مايو/أيار 2021، وإعلان فوزه المزعوم بـ95.1 بالمئة من أصوات الناخبين، في مسرحية غير نزيهة رفضتها غالبية دول العالم، اتجهت كثير من العائلات السورية للتفكير بمستقبل أفضل بعيدا عن بقعة باتت أشبه بجزيرة معزولة ممنوع عنها الوقود والكهرباء، عدا عن حالة غلاء فاحش في أسعار المواد الغذائية.

تلك النظرة أخذت من العوائل عقدا من الزمن للبدء بمرحلة جديدة خارج حدود بلدهم الأم التي تحول أكثر من 10 ملايين من سكانها إلى لاجئين أو نازحين داخليا، إضافة إلى أن نحو 40 بالمئة من مساحة البلاد خارج سيطرة النظام، وفيها 90 بالمئة من ثروتي النفط والغاز.

موجة هجرة

قبل عشر سنوات كانت أسباب الهجرة إلى بلد يوفر للسوريين اللجوء ويمنحهم فرصة إقامة بالحد الأدنى من حقوق الإنسان، إعلان النظام حربه على الشعب قتلا واعتقالا وقصفا بالطائرات الحربية على رؤوس المدنيين لإخماد ثورة شعبية نادت بإسقاط حكمه.

أما اليوم فالموت جوعا هو السلاح الجديد الذي يلعب عليه النظام السوري لتفريغ البلاد من السوريين ربما لغايات وأهداف عرف السوريون بعضها وجهلوا كثيرا منها.

والمعطيات الآنفة خلقت موجة هجرة جديدة من مناطق النظام السوري إلى أوروبا، تصاعدت ذروتها منذ مطلع أغسطس/آب 2021، وأعادت للأذهان موجة اللجوء الشهيرة التي حدثت بين عامي 2012 و2015، وأفضت إلى وصول نحو مليون سوري إلى هناك.

واللافت في المشهد الجديد أن النسبة الأكبر من الساعين للهجرة هم من مناطق النظام السوري، الذين باتوا يسلكون طرقا أصعب تبدأ من التهريب الداخلي.

ويجري ذلك بالانتقال من مناطق النظام إلى أماكن المعارضة أو مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ومنها تهريبا إلى تركيا ثم إلى أوروبا بطرق متنوعة بين المشي برا أو عبر ركوب البحر.

كما نشط خط تهريب البشر من سوريا إلى لبنان عبر معابر معدة مسبقا لعمليات تهريب المحروقات والمواد الغذائية وتحديدا في منطقة البقاع، ومنها إلى الشواطئ اللبنانية بقصد الوصول إلى قبرص عبر المراكب غير الشرعية كنقطة متقدمة منها إلى أوروبا.

ويدفع هؤلاء مئات الدولارات كي ينتقلوا من مرحلة إلى أخرى ضمن خريطة طريق يتحكم بها مهربو كل منطقة غير مكترثين لحجم المصاعب والمخاطر التي تعترضهم.

وكان النظام السوري سهل في مايو/أيار 2021 منح المئات من شبان محافظة درعا تأجيلات عن الخدمة الإلزامية العسكرية، لمدة عامل كامل، مع منحهم جوازات وأذونات سفر، مما دفع هؤلاء للسفر إلى ليبيا بقصد الوصول منها إلى إيطاليا.

إذ نجح الكثير من هؤلاء في ذلك، بينما جرى اعتقال نحو 800 شخص من قبل السلطات الليبية، وأودعتهم في سجون متفرقة بمدينة طرابلس.

وتكرار أزمة الهجرة التي شهدتها أوروبا سابقا، ستفرض ضغوطا جديدة على نظم الأمن والرعاية الاجتماعية في تلك الدول الأوروبية.

وتؤكد وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" المعنية بحدود الاتحاد الأوروبي في تقرير لها 12 أغسطس/آب 2021، أن عدد المهاجرين القادمين بغير الطرق القانونية إلى الاتحاد عبورا من غرب البلقان ارتفع إلى مثليه تقريبا هذا العام وأن أغلبهم يأتون من سوريا وأفغانستان.

ورصدت الوكالة عبور 22600 مهاجر قادمين إلى الاتحاد الأوروبي، في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2021 بزيادة 90 بالمئة مقارنة بالفترة المقابلة من عام 2020.

وتجاوز عدد العابرين بطرق غير قانونية للحدود إلى الاتحاد الأوروبي منذ بداية عام 2021 نحو 82 ألفا بزيادة 59 بالمئة عن الفترة المقابلة من عام 2020.

وأكد أحد السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا نهاية أغسطس/آب 2021، أنهم سمعوا بوصول قرابة 50 ألف سوري إلى دول الاتحاد الأوروبي منذ يوليو/تموز 2021.

لوبي ضاغط

لكن رغم حاجة الكثير من السوريين لموطن جديد بعيدا عن سنوات الحرب، فإن الكثير من المراقبين يرون أن هذا ليس مبررا للدول الأوروبية لقبول لجوء كل سوري يصل أراضيها.

وجهة نظر هؤلاء ومن بينهم الصحفي السوري أحمد الشهابي أنه يجب على أوروبا "التدقيق في هوية هؤلاء السوريين الواصلين إليها؛ لأن بعضهم قد يكون من الشبيحة الذين ساندوا الأسد في قتل بني جلدتهم ثم لما اكتشفوا أنهم مجرد أدوات قرروا الفرار وطلب اللجوء والعيش برفاهية على حساب دماء الآخرين".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، دعا الشهابي "الشخصيات التي تضطلع بالشأن السياسي السوري من المعارضة المقيمة في أوروبا وأميركا إلى تشكيل ما سماه لوبي ضاغط على غرار اللوبي الفلسطيني القوي من أجل ملاحقة المتورطين من هؤلاء اللاجئين السوريين ويرفع الدعاوي القضائية ضدهم".

واعتبر الصحفي أن "سبب لجوء السوري إلى أوروبا هو بشار الأسد، مما يحتم على الدول الأوروبية التفكير بشكل سليم وفرز من وقف مع الجلاد ضد الضحية عن الذي يستحق اللجوء".

واستدرك قائلا: "هناك فئة من الموالين للنظام السوري، أدركت اليوم أن الانتصار المزعوم الذي أعلنه بشار الأسد أصبح بداية لموت بطيء بعد توقف العمليات العسكرية التي كانت عبارة عن إبرة مخدر".

وتبقى مسألة تجنيد النظام السوري لبعض اللاجئين في مهام تجسسية على اللاجئين، محط اهتمام لدى المتصدرين للشأن العام، ولا سيما أن كثيرا من مرتكبي الجرائم المرتبطين بالأجهزة الأمنية استغلوا موجة اللجوء الكبيرة إلى أوروبا ونجحوا في الحصول على اللجوء.

وفي هذا السياق حذر الشهابي أيضا من "تنامي لوبي موال للنظام السوري في أوروبا ممن قتلوا أو شجعوا على القتل، بحيث يشكل هؤلاء اللاجئون الموالون للنظام مستقبلا قنابل مؤقتة بيد الأسد أو ما يسمى محور المقاومة".

ولا تغفل دول الاتحاد الأوروبي محاكمة من يثبت ضلوعهم من اللاجئين السوريين بعمليات "إرهابية، أو جرائم حرب مقترنة بالدلائل والشهود، وهي في هذه الناحية لا تفرق بين الجهة التي كان ينتمي إليها صاحب طلب اللجوء، سواء من مناصري النظام السوري أو فصائل المعارضة أو تنظيم الدولة و"جبهة النصرة".

ودائما ما تثار في الأوساط السورية المعارضة مسألة ملاحقة أزلام النظام السوري الذين وصلوا إلى أوروبا، بعدما ساندوا النظام في تشريد ملايين السوريين وتهجيرهم عن وطنهم.

ورفضت السلطات الهولندية طلب لجوء سوري في مارس/آذار 2019، بعدما اتهمته بـ "التجسس لصالح المخابرات السورية في ألمانيا"، مبررة ذلك بأن الشخص "خطر على النظام العام والأمن"، حسبما نقلت صحيفة "تلغراف" الهولندية عن وزارة العدل.

وكشفت الصحيفة وقتها أن طالب اللجوء السوري وصل إلى هولندا عام 2017، ليلتحق بزوجته وأطفاله، مشيرة إلى أنه كان يعمل في السفارة السورية في ألمانيا بين عامي 1999 و2004.

معوقات الملاحقة

لكن هذه الجزئية يراها كثير من المختصين قضية تحمل نوعا من التعقيد، وذلك لعدة عوامل يلعب عليها هؤلاء منذ لحظة اتخاذ قرار اللجوء.

الصحفي الاستقصائي السوري علي إبراهيم، سلط الضوء على هذه المسألة وفندها بشكل كامل خلال حديثه لـ "الاستقلال".

وقال الإبراهيم: "إن عملية محاكمة هؤلاء ليست بهذه السهولة، لكونها تتطلب وجود مدعين ومدع عام يقبل بالقضية مع توافر ضحايا يرفعون الدعاوى مع وجود شهود ومحاكمة"..

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 ديسمبر/كانون الأول 2016 قرارا نص على إنشاء آلية دولية محايدة مستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ مارس/آذار 2011.

ومهمة الآلية جمع وتحليل المعلومات والأدلة المتعلقة بالجرائم الدولية المرتكبة في سوريا للمساعدة في الإجراءات الجنائية في المحاكم والهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية.

وبالفعل كشف تقرير أممي صدر في أبريل/نيسان 2019، عن امتلاك أدلة تتضمن أكثر من مليون سجل بشأن الجرائم المرتكبة في سوريا منذ العام 2011.

وهنا يطرح السؤال الهام في هذا السياق، هل المحاكم الأوروبية قادرة على محاكمة أفراد مرتبطين بالنظام السوري على أراضيها؟

يجيب إبراهيم: "معظم الداعمين للأسد يتوجهون إلى دول أوروبية ليس لديها آليات لتحاكم الأفراد، بل تحاكم فقط أشخاصا لهم صفة رسمية، وخير دليل على ذلك ألمانيا التي يمارس فيها داعمو الأسد حرية كاملة ولا يتم محاكمتهم".

ويشير الصحفي إلى أن "الوضع الاقتصادي المنهار في سوريا يدفع هؤلاء رغم ارتكابهم الجرائم وممارسات بحق السوريين من اعتقال وقتل وتعذيب، للهجرة مع معرفتهم المسبقة لاحتمالية تعرضهم لمحاكمات هناك".

ولفت إلى أن "الجنائية الدولية هي المحكمة الوحيدة التي تنظر في الانتهاكات الجنائية؛ سواء فردية أو لدول ومتهمين بجرائم ضد الإنسانية مثل ما حصل في سوريا".

لكنه إلى اليوم لم يتم تقديم ملف سوريا إلى تلك المحكمة بسبب عدم توقيع النظام السوري على نظام روما الأساسي الذي ينظم عملها.

وألمح الصحفي الاستقصائي إلى أن "هؤلاء المتورطين بدعم النظام السوري مارسوا انتهاكات استطاعوا تطوير أدوات الاختفاء في أوروبا، بحيث يعمدون إلى إغلاق حساباتهم على فيسبوك ويحذفون صورهم على السوشيال ميديا التي تثبت حملهم للسلاح أو ارتكاب جرائم".

 إضافة إلى "التخفي وراء أسماء وهمية وحذف كل الفيديوهات التي ترجع لهم في يوتيوب، عدا عن تغيير مظاهرهم الخارجية، والإبقاء على السرية التامة لجودهم في أوروبا؛ لأن معظم الذين جرى القبض عليهم بتهم ارتكاب انتهاكات بسوريا، جرى التعرف عليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، وفق الصحفي نفسه.