رغم التحالف الظاهر.. أبرز محطات الخلاف في العلاقات الروسية الإيرانية

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم علاقة إستراتيجية ممتدة لعقود طويلة بين روسيا وإيران؛ فإن صورة فوتوغرافية نشرتها سفارة موسكو في طهران أثارت غضب واستياء المسؤولين الإيرانيين.

الصورة كانت لسفيري بريطانيا وروسيا لدى إيران سيمون شركليف، ولوان جاغريان، وهما يجلسان في بهو السفارة الروسية الخارجي في العاصمة الإيرانية طهران.

تحاكي الصورة المميزة من حيث المكان والجلسة والدولتين الممثلتين، صورة شهيرة التقطت عام 1943 إبان الحرب العالمية الثانية.

الصورة القديمة جمعت رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، ورئيس الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين، وقتما كانت إيران تخضع لاحتلال مشترك بين لندن وموسكو.

وإلى جانب تشرشل وستالين، كان حاضرا بالصورة القديمة الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، إذ التقى الثلاثة لأول مرة فيما عرف بمؤتمر طهران.

ذلك المؤتمر، شهد اتفاق القادة الثلاثة على "غزو نورماندي" الشهير أو ما عرف بأكبر إنزال بحري في التاريخ، وهو ما مهد لاحقا لهزيمة القوات النازية الألمانية.

استدعاء للماضي

ردت إيران على الصورة الجديدة باستدعاء سفيري روسيا وبريطانيا، إذ اعتبرها مسؤولو النظام الإيراني إهانة لبلدهم وشعبهم، فيما وصفتها وكالة الأنباء الإيرانية بـ"المسيئة" للإيرانيين.

وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، أبدى امتعاضه من الصورة التي نشرتها سفارة موسكو، ووصفها بـ"غير اللائقة تماما".

ظريف، خاطب موسكو ولندن قائلا: "أريد أن أذكركم أن أغسطس/ آب 2021، ليس أغسطس/ آب 1941، ولا ديسمبر/ كانون الأول 1943".

وأضاف عبر "تويتر"، 11 أغسطس/ آب 2021: "أظهر الشعب الإيراني، أثناء محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، أن مصيرهم لا يمكن أبدا أن يخضع لقرارات في السفارات الأجنبية أو من قبل قوى أجنبية".

السفارة الروسية في طهران قالت: هناك بعض "التباس" في رد الفعل الإيراني إزاء الصورة، مؤكدة أنها "لا تأتي في أي سياق مناوئ لإيران".

وأكدت عبر "تويتر"، 12 أغسطس/ آب 2021، أن "المعنى الوحيد الذي تحمله هذه الصورة هو الإشادة بالجهود المشتركة للدول المتحالفة ضد النازية إبان الحرب العالمية الثانية".

سفارة موسكو في طهران دافعت عن موقفها مبينة أنه "لا نذهب إلى إيذاء مشاعر الشعب الإيراني الصديق".

الجانب البريطاني لم يقدم تبريرا أو دفاعا كما فعل الروس؛ لكن سفير لندن في طهران الذي لم ينشر الصورة عبر "تويتر"، أعاد فقط نشر التعليق الروسي على رد الفعل الإيراني.

بدا للإيرانيين أن الصورة تستدعي عهدا يعتبر "مهينا" بالنسبة لبلادهم، على صعيد العلاقات بين لندن وموسكو، إذ رأى أستاذ الأدب الإنجليزي في طهران سيد مرندي، أن "السفيرين يهينان كل الإيرانيين".

وأضاف في تصريحات صحفية 13 أغسطس/ آب 2021 أن "مؤتمر طهران عام 1943 كان انتهاكا للسيادة الإيرانية، ورمزا لجرائم تاريخية اقترفتها أميركا، وروسيا، وبريطانيا ضد الإيرانيين".

"زواج منفعة"

نشر الصورة وردود الأفعال الإيرانية حيالها، أعاد إلى الواجهة أحاديث سابقة عن طبيعة العلاقة بين طهران وموسكو، وطريقة تعامل الجانبين مع بعضهما رغم كثرة التناقضات في القضايا الإقليمية والدولية.

الكاتبة هدى رؤوف أشارت في مقال سابق للواقعة إلى علاقات البلدين، وأكدت في مقالها بصحيفة "إندبندنت عربية" 20 مارس/ آذار 2020، أن موسكو تتعامل مع طهران على أنها جزء من مشروعها الإستراتيجي لتحدي سيادة واشنطن.

وكتبت: "تقول المقولة الشائعة لا يوجد أعداء دائمون، أو أصدقاء دائمون، بل توجد مصلحة دائمة".

وأضافت: "يوجد مستوى آخر من العلاقات الذي أصبحت فيه العلاقة بين دولتين تجمع بين الصداقة والعداء في الوقت نفسه، التي تسمى بـ(الأعدقاء)، أي العدو والصديق في آن"، حسب الكاتبة.

وذكرت أن "أحد الأمثلة لهذه الحالة هو العلاقة بين روسيا وإيران، إذ إن العلاقات الروسية الإيرانية مدفوعة بتداخل وتضارب المصالح".

وأوضحت أنه "ما يعني أن تلك المصالح دفعتهما إلى التعاون أحيانا، والتنافس أحيانا أخرى، أي أن العلاقة بينهما لا تعرف شكل الصداقة الكاملة أو العداء الكامل، بل ما يعرف بـ(الأعدقاء)".

ولفتت إلى أنه "يدير البلدان علاقاتهما على نحو يتسم بالشراكة والتعاون، لكنها على الأرجح تتباين ما بين التعاون (الإستراتيجي) و(التكتيكي) بشأن قضايا الأمن المشترك".

وأشارت أيضا إلى "توافر قدر من عدم الثقة الطويلة الأمد بينهما، وضعف العلاقات الاقتصادية".

وفي 11 مايو/ أيار 2021، نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" مقالا كتبه، كون كوفلين، يصف فيها العلاقة بين إيران وروسيا بأنها "زواج منفعة"، ولكنه اتهم طهران بأنها تضمر شرا.

الكاتب تناول علاقة روسيا وإيران في الملف السوري، إذ يقول: إن "موسكو لم تكن أبدا مرتاحة في تحالفها مع طهران في سوريا، فالهدف المشترك بينهما هو بقاء رئيس النظام بشار الأسد، في منصبه".

وأضاف أن روسيا "لم تتدخل عام 2014 إلا بعدما أبلغها فيلق القدس الإيراني بأن نظام الأسد يوشك على الانهيار"، مشيرا إلى أن زوال نظام الأسد سيكون له تبعات على مصالح روسيا وقواعدها العسكرية في البلاد.

ويرى كوفلين أن "حرص إيران على استغلال تحالفها مع الأسد لفتح جبهة جديدة مع إسرائيل أثار بعض التوتر بين طهران وموسكو لأن الكرملين لا يسعى إلى إثارة نزاع مع إسرائيل، بل العكس هو الصحيح".

وأوضح أن "بوتين له علاقات متميزة مع بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق)، إلى درجة أن موسكو أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية في سوريا".

وقال الكاتب: إن "أي تحالف بين إيران وروسيا هو أقرب إلى (زواج المنفعة) منه إلى الشراكة الإستراتيجية القوية".

 ويعتقد أن "أفضل وسيلة تمكن الروس من الحفاظ على قواعدهم العسكرية في سوريا هي إقناع إيران بوقف سلوكها العدائي تجاه إسرائيل".

إرث الصدام

عودة إلى بدايات العلاقة (الإيرانية- الروسية)، فإنها مرت بلحظات تاريخية فارقة، منها على سبيل المثال، تاريخ انتصار الثورة في إيران 1979، ونهاية الحرب (العراقية- الإيرانية) 1988.

إذ تحسنت العلاقات بين البلدين لتأخذ شكل سلام بارد، كما يصفها الباحث الإيراني المتخصص في هذا المجال، إبراهيم متقي، في كثير من كتاباته.

الباحثة المختصة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي، تناولت الأمر في بحث بعنوان "إيران وروسيا: شراكة أم تحالف إستراتيجي؟" نشره "مركز الجزيرة للدراسات" 18 مايو/ أيار 2016.

وقالت: "مع أهمية التغيير الذي شهدته هذه المراحل إلا أن العلاقات لم تتطور لتصبح عميقة وإستراتيجية".

وأفادت الصمادي بأن مؤرخين إيرانيين تحدثوا عن "البعد الاستعماري" في السياسة الخارجية لروسيا، إذ تعود الموجة الأولى من المنافسة بين إيران وروسيا إلى أوائل القرن 19.

وأكدت أن "روسيا نجحت في كسب الحرب ضد إيران في الأعوام (1813 و1828)، وهو ما مهد المجال لتوسيع النفوذ الإقليمي لروسيا، واستمر هذا النسق في العلاقة خلال السنوات (1907- 1917)".

"سياسة إيران العامة تجاه الاتحاد السوفيتي جاءت في سنوات (1917- 1962)، ملخصة على النحو التالي: التعاون في المجالين التجاري والتقني والإحجام في المجال السياسي"، وفق الباحثة.

وتابعت: "شهدت العلاقات تحسنا ملحوظا في جميع مجالات تجارة الترانزيت والتعاون الاقتصادي والفني، لكن في السياسة، بقي الصراع قائما بين البلدين".

ولفت البحث إلى أن "العلاقات بين إيران والاتحاد السوفييتي توطدت في ستينيات القرن الـ20، الأمر الذي يعكس التغيرات التدريجية في السياسة الخارجية والنظرة إلى العلاقات بين البلدين".

"في عام 1962 نجح الساسة الإيرانيون في ترميم العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وتقليل نقاط التناقض، وهو ما أوجد تغييرا مشهودا في فضاء الحرب الباردة"، بحسب الصمادي.

"خلال السنوات (1962- 1979) شهدت العلاقات بين إيران والاتحاد السوفييتي تحسنا استطاع تجاوز الضغوطات، وبدأت ملامح الحرب الباردة بالتراجع، مفسحة المجال لظهور بوادر السلام البارد".

وقالت الباحثة: "عندما انتصرت الثورة في إيران عام 1979، اتخذت السياسة الخارجية الإيرانية شعار "لا شرقية ولا غربية"، في تعبير عن نمط جديد من التعامل الإيراني مع البيئة الدولية، يغادر ثنائية المعسكرين الشرقي والغربي".

وأوضحت أنه "برغم من توقيعه معاهدة صداقة مع العراق، أحجم الاتحاد السوفييتي في بداية الحرب (العراقية- الإيرانية) (1980- 1988) عن دعم بغداد، ورفض إرسال الأسلحة لها لتحتفظ موسكو لنفسها بالحق في الاختيار".

وجزمت بأنه رغم ذلك فإن "السلاح الروسي كان يصل إلى إيران بواسطة كوريا الشمالية وليبيا وأوروبا الشرقية".

"تراجعت العلاقات بشكل كبير، مع طهران التي سعت لمستوى من التعاون لا يجبرها على تقديم تعهدات تجاه التنسيق مع موسكو، وفي المقابل، حافظت الأخيرة على نوع من الدعم يحول دون ميل إيران نحو الغرب".

وأكدت الصمادي أن "هذه السياسة قادت إلى تقوية السلام البارد بين الجانبين، ويمكن تصور أن ذلك حدث انعكاسا لسياسة رئيس الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف الخارجية".

"عام 1989 كشفت زيارة الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني لموسكو، عن وجود وجهات نظر مشتركة بين البلدين في الشؤون الإقليمية والدولية على مستوى القضايا الرئيسة"، وفق البحث.

وأوضح أنه "عام 1989، جرى توقيع اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار بين إيران والاتحاد السوفييتي، تضمنت الاتفاقية تنمية الاستثمارات وتعزيز التعاون التجاري".

"عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، تطورت العلاقات بين إيران وروسيا إذ جرى عام 1992 توقيع البلدين اتفاقية تعاون مشترك لبناء مفاعل "بوشهر النووي" كجزء من اتفاقية تجارية واقتصادية طويلة الأمد بينهما".

ولفتت الباحثة إلى أنه "منذ عام 2000، تشكل الأساس لصعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السلطة في روسيا، وكانت سياسته تقول بتنظيم العلاقات بين إيران وروسيا على أساس الاحتياجات الأمنية لكلا البلدين".

وجزمت بأن "بوتين كان مدركا أن خلق توازن في العلاقات بين إيران وأميركا، سيوجد الكثير من المنافع لإيران والمنطقة".

"وخلال السنوات الأخيرة أظهرت موسكو في أكثر من مناسبة، أنها صديق يمكن لإيران أن تثق فيه".

لكن ذلك لا يعني أنهما تحولا إلى حليفين إستراتيجيين، وأن المسافة ما زالت طويلة ليتحول الشريك إلى حليف، حسبما ذكرت الباحثة.