عرب يرفضون مواجهة إسرائيليين بأولمبياد طوكيو.. مواقف فردية وأثر واسع

12

طباعة

مشاركة

رغم الجهد والعرق الذي يبذله الأبطال العرب في الأولمبياد، وفترة الاستعداد 4 أعوام للبطولة، فقد أثبتوا أن "فلسطين أغلى عليهم من أي ميدالية".

وجاء رفض الأبطال العرب في أولمبياد طوكيو الجاري حاليا، التنافس مع أي لاعب إسرائيلي، لحرمان الاحتلال شرف التطبيع، وكرد شعبي على تطبيع الحكام الذي تمثل في توقيع سلسلة "اتفاقات إبراهام" مع الاحتلال عام 2020.

يوم 23 يوليو/ تموز 2021 أعلن لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين انسحابه رسميا من دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، بعدما أوقعته القرعة في مواجهة لاعب إسرائيلي، وفضل المقاطعة على التطبيع.

وأيده مدربه عمار بن يخلف، مؤكدا بوضوح أنهم انسحبوا من دورة الألعاب الأولمبية لرفضهم التطبيع مع إسرائيل، ولمساندة القضية الفلسطينية، رغم إيقافهما من قبل الاتحاد الدولي للجودو.

وتحظر المادة 50 من الميثاق الأولمبي على الرياضيين اتخاذ موقف سياسي في مجال اللعب.

لم يتوقف الأمر هنا، حيث رفض لاعب الجودو السوداني محمد عبد الرسول، مواجهة الإسرائيلي بوتبول طاهار، رغم توقيع الخرطوم اتفاقية تطبيع مع الاحتلال في 23 أكتوبر/ تشرين أول 2020.

ليست هذه أول مرة يقاطع فيها الرياضيون العرب دولة الاحتلال، فعلى مدار البطولات والدورات الأولمبية التي عقدت منذ 1991، اتخذ كثيرون منهم هذه الخطوة لعدم اعترافهم بشرعية الكيان. 

خسارة مذلة

لاعبون عرب آخرون شاركوا، ولكنهم خسروا أنفسهم قبل خسارتهم البطولة باللعب أمام إسرائيليين وإعطاء دولة الاحتلال شرعية تتمناها، وفق ما يعلق عدد من المغردين على موقع تويتر.

ومن هؤلاء اللاعب المصري إسلام الشهابي الذي شارك في أولمبياد البرازيل 2016 وخسر أمام نظيره الإسرائيلي، وعوقب محليا ودوليا لرفض مصافحته بعد الهزيمة.

ولاعبة الجودو السعودية تهاني القحطاني التي رفضت الانسحاب في أولمبياد طوكيو الحالي، وخسرت في 30 يوليو/ تموز 2021 بشكل مذل أمام لاعبة إسرائيلية بنتيجة 11-صفر.

وأظهر مقطع مصور، تداوله مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، كلا من القحطاني واللاعبة الإسرائيلية وهما يتصافحان 3 مرات عقب المباراة في طوكيو.

وقالت صحيفة "الشرق الأوسط" في 26 يوليو/ تموز 2021: إن المسؤولين السعوديين أعطوا اللاعبة "الضوء الأخضر" لمواجهة نظيرتها الإسرائيلية، بدعوى تجنيبها واتحاد الجودو أي عقوبات قد تفرضها اللجنة الأولمبية الدولية.

وظهرت القحطاني قبل المباراة برفقة وزير الرياضة رئيس اللجنة الأولمبية السعودية، الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل، الذي ساندها في الملعب حتى ودعت الأولمبياد.

وقبل المباراة، طالب سعوديون، منهم الكاتب خالد الدخيل من اللاعبة السعودية الانسحاب لأن السعودية لا تعترف بإسرائيل، والشعب السعودي يعتبرها دولة احتلال، ولا يعترف بشرعيتها.

هذا لا ينفي أن هناك تاريخ من المواقف المشرفة للاعبين سعوديين رفضوا التطبيع واختاروا الانسحاب والتضحية بالألقاب على منازلة لاعبي الاحتلال في البطولات الدولية.

أشهر المقاطعات 

رفض لاعبين عرب ملاقاة الإسرائيليين في أولمبياد طوكيو 2021 ليست المرة الأولى، بل هي مستمرة منذ 1991، وبدأت الجزائر أيضا برفض لاعبها مزيان دحماني اللعب أمام منافس إسرائيلي في بطولة برشلونة 1991.

بل إن اللاعب الجزائري "نورين" سبق أن أقدم على مثل هذه الخطوة، حين انسحب من بطولة العالم للجودو سنة 2019 رافضا اللعب مع إسرائيلي، وهذه المرة الثانية في أولمبياد 2021.

وفي بطولة أولمبياد البرازيل 2016 فضلت بطلة الجودو السعودية جودي فهمي الانسحاب على مقابلة اللاعبة الإسرائيلية جيلي كاهن، وقبلها بطل التايكوندو السعودي فهد السميح.

كما انسحب اللاعب أحمد الغامدي من بطولة العالم للناشئين بإسبانيا 2017 لرفض اللعب مع لاعب إسرائيلي أوقعته القرعة أمامه.

وخلال البطولة الدولية للشباب المقامة في أوكرانيا 2018، انسحب لاعبو المنتخب السعودي للريشة قبل بدء مباراتهم مع المنتخب الإسرائيلي، وغادروا الملعب رافضين مصافحة لاعبي الاحتلال.

في منافسات "الجودو"، رفضت الجزائرية مريم موسى مواجهة الإسرائيلية "شاهار ليفي" في بطولة العالم للجودو التي أقيمت بالعاصمة الإيطالية روما عام 2011.

وانسحب لاعب المنتخب اليمني للجودو علي خصروف من مواجهة لاعب إسرائيلي ضمن بطولة كأس العالم في مدينة "دوسلدورف" الألمانية، في البطولة المؤهلة لأولمبياد لندن 2012.

كما انسحب لاعب التايكوندو الكويتي عبد الله الفرهود من مواجهة خصمه الإسرائيلي في بطولة دولية للعبة أقيمت في السويد 2013.

ورفض بطل ليبيا في الجودو محمد الهادي الكويسح، اللعب في بطولة العالم للجودو في كازاخستان عام 2015، مع لاعب إسرائيلي، تعبيرا عن مساندته للقضية الفلسطينية.

ورفض لاعبون آخرون اللعب مع الإسرائيليين في بطولات مختلفة على مدار السنوات الـ 22 الماضية، بحسب رصد صحيفة "الاستقلال".

ولا تقتصر المقاطعة على العرب، إذ يقاطع رياضيون من دول ذات أغلبية مسلمة نظراءهم الإسرائيليين أيضا خلال المنافسات الدولية، أبرزهم من إيران وباكستان.

وبسبب تصاعد مقاطعة إسرائيل رياضيا واقتصاديا، كتب البروفيسور نوح دانا عضو ما يسمى "منتدى القادة الوطني" مقالا في صحيفة "معاريف" 26 يوليو/ تموز 2021 عن "خطة إستراتيجية لتحسين صورة إسرائيل".

اتهم "حركة المقاطعة الدولية BDS، بلعب دور هام في تقديم صورة سلبية عن إسرائيل كانت سببا في مقاطعة دول العالم لها، وشركات منها الأميركية "بين آند جيرزي" للآيس كريم.

مصريون ضد التطبيع

ما يزعج إسرائيل هو رفض لاعبين عرب أبرمت دولهم لاتفاقات سلام معها، مثل انسحاب اللاعبين المصريين أو رفضهم مصافحة الإسرائيليين رغم أن هناك اتفاق سلام بين البلدين.

وأثار رفض لاعب الجودو إسلام الشهابي مصافحة منافسه الإسرائيلي أور ساسون، الذي انتصر عليه في النزال بينهما، ما أثار ضجة في تل أبيب.

حينئذ عاقب الاتحاد المصري اللاعب لرفضه مصافحة الإسرائيلي، وتردد أن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي اعتذر لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو عن تصرف اللاعب المصري.

قال نتنياهو خلال استقباله اللاعب الإسرائيلي، حينئذ، أنه وصلته "رسالة خاصة من مصر"، مفادها أن "هناك من عبر عن احترامه وتقديره لفوزه ولمحاولته مصافحة اللاعب المصري".

عبر حسابه الخاص باللغة العربية زعم: "قلت للاعب الجودو أور ساسون تلقيت رسالة من مصر مفادها أنه بعد انتصارك المؤثر ومد يدك لمصافحة اللاعب المصري كانت هناك أصوات أخرى بمصر".

تساءل متابعون على فيسبوك: ماذا قصد نتنياهو من قوله؟ وكتب أحدهم: "هل يقصد أن السيسي اتصل به ليعتذر عما صدر من اللاعب المصري؟!".

وسبق أن انسحب منتخب الهوكي المصري من مواجهة نظيره الإسرائيلي في نهائي الهوكي في عام 2012، وتخلى بذلك عن ميداليته الذهبية مفضلا المقاطعة.

كما انسحب اللاعب أحمد عوض، لاعب منتخب مصر للجودو، أمام اللاعب الإسرائيلي طيل بلاكير في بطولة العالم بالنمسا عام 2012.

وانسحبت روان علي، لاعبة التايكوندو، من مواجهة الإسرائيلية سيفان فنستر، في دور ربع النهائي من بطولة كرواتيا المفتوحة نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.

لعب قائد المنتخب المصري السابق أحمد حسن،  مع فريقه السابق أندرلخت البلجيكي ضد فريق "هابويل تل أبيب" الإسرائيلي، في دوري أبطال أوروبا في بلجيكا، لكنه رفض لعب مباراة الإياب في إسرائيل عام 2007.

شارك اللاعب محمد صلاح فريقه السابق بازل السويسري اللعب أمام فريق مكابى تل أبيب في دوري أبطال أوروبا عام 2013، خشية العقاب، ولكنه لجأ إلى حيلة لتفادي مصافحة لاعبي الفريق الإسرائيلي، بغلق يديه والمرور سريعا عليهم.

ورفض محمد أبو تريكة، نجم المنتخب المصري السابق، المشاركة في مباراة ودية مع نجوم العالم في سبتمبر/أيلول 2014، بدعوة من بابا الفاتيكان، بسبب مشاركة الإسرائيلي يوسي بنايون، وعلق على الرفض بقوله: "نحن نربي أجيالا".

إفلاس التطبيع 

استمرار مقاطعة اللاعبين العرب للإسرائيليين، ورفضهم اللعب معهم في أولمبياد طوكيو، رغم اتفاقات أبراهام، أغضب تل أبيب.

ونعت صحف عبرية "إفلاس التطبيع مع الدول العربية"، وتحدثت عن عدم جدواه.

المحلل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت كتب غاضبا في 27 يوليو/ تموز 2021: "لقد جعلوا منا أضحوكة .. الرياضيون العرب أثبتوا إن إسرائيل ليست موجودة!".

اعتبر قول اللاعب الجزائري: "لا أريد ليدي أن تتسخا لو لعبت مع الإسرائيلي"، مؤشرا خطيرا على صورة إسرائيل السلبية التي يرسمها هؤلاء الأبطال العرب المقاطعون لها رغم اتفاقات التطبيع.

وقال: "في الماضي كان المقاطعون العرب يفتعلون مسرحية ويتظاهرون بالإصابات لعدم اللعب مع الإسرائيليين، لكن نورين بصق علينا وعلى اللجنة الأولمبية حين قال (تصريحاته المذكورة)".

كما انتقد عقوبة اللجنة الأولمبية "المخففة" على نورين، رغم تشديد اللجنة على تقييد التعبير السياسي أثناء المباريات، واكتفائها بمطالبته الابتعاد عن القرية الأولمبية كأنه مصاب بكورونا.

وانتقد انسحاب اللاعب السوداني محمد عبد الرسول أيضا قائلا: "ألسنا في تطبيع مع السودانيين؟".

واعتبر أن ما جرى "سلام بارد لا يمكنه أن يغير الواقع"، بدليل رفض اللاعب المصري مصافحة الإسرائيلي أيضا في بطولة البرازيل 2016، رغم اتفاق كامب ديفيد.

خبراء عرب وصفوا انسحاب ومقاطعة رياضيين عرب مواجهة الإسرائيليين بأنه "دليل على رفض الشعوب اتفاقات أبراهام وأي تطبيع للأنظمة مع الاحتلال".

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة، وصف رفضهم اللعب مع الإسرائيليين بأنه "يثبت أن الحكام العرب في واد والشعوب العربية في واد آخر".

شدد على أن استمرار المقاطعة الشعبية معناه أن "التطبيع مع إسرائيل المفروض على النظم العربية مآله الفشل التام".

وذكرت أن انسحاب لاعبين عرب أمام منافسين إسرائيليين في أولمبياد طوكيو "يثير مرة أخرى مسألة جدوى المقاطعة احتجاجا على قمع إسرائيل للفلسطينيين".

كما زعمت أنه من الممكن أن تطرح حجج على شاكلة: "لماذا لا تتم مقاطعة السعودية بسبب فظائع القتل المروع للصحفي جمال خاشقجي؟ أو مقاطعة دول الخليج القمعية الأخرى؟

ولماذا لا تطرح مسألة مقاطعة الصين لقمعها واضطهادها الإيغور المسلمين وسيطرتها المتزايدة على شعب هونغ كونغ؟، أو ضد روسيا لغزوها شبه جزيرة القرم ومعاملتها للمعارض أليكس نافالني؟".

لكن الصحيفة عادت في النهاية لتعترف بجدوى المقاطعة الأخلاقية مؤكدة أن "تلك الحجج لا تعني أن جميع المقاطعات الموجهة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هي دائما خاطئة بحد ذاتها أو غير فعالة".