حضرموت والمهرة.. تطورات شرق اليمن وسيناريوهات ما بعد خروج الإمارات

ياسين التميمي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مثَّل يوم الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول 2025، حدا مفصليا بين مرحلتين متمايزتين لتدخُّل التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية، بقيادة المملكة العربية، منذ الثالث والعشرين من شهر مارس/ آذار 2015، ضمن عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل. 

فقد شكّل هذا اليوم نهاية التحالف بشكله المعروف، بعد أن تحولت الإمارات من مشارك فاعل في قيادة وعمليات التحالف الميدانية، إلى قوة معادية تتآمر وتستهدف المركز القانوني للدولة اليمنية ووجودها ومؤسساتها، من خلال تشجيع ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي (تأسس في 19 مايو/ أيار 2017) على الانفصال.

في هذا اليوم قامت الطائرات الحربية السعودية بقصف معدات عسكرية وسفينتين إماراتيتين قَدِمتا من ميناء إمارة الفجيرة بالإمارات وعلى متنهما شحنة كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية لدعم حرب المجلس الانتقالي في شرق اليمن، وفقا للرواية اليمنية السعودية، بعد أيام من ضبط النفس السعودي، أدت إلى الفشل في إقناع الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي بسحب القوات التي اقتحمت محافظتي حضرموت والمهرة في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وتلت هذا الهجوم على الفور سلسلةٌ من المواقف السياسية الحازمة من جانب السلطة الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس رشاد العليمي، والمملكة السعودية، شملت انتقادا حادا للإمارات واتهامات صريحة لها بالتورط في دعم الانفصال والتحريض عليه، وبأنها شريك عسكري في حرب المجلس الانتقالي التي تهدد اليمن وأمن جنوب المملكة العربية السعودية.

تلا ذلك صدور قرار من الرئيس اليمني بإنهاء اتفاق الدفاع المشترك الإمارات ومنحها مهلة لا تزيد عن 24 ساعة لسحب قواتها من اليمن، ثم تلاه قرار بإعلان حالة الطوارئ العامة في البلاد.

الخارجية السعودية أصدرت بدورها بيانا كانت قد سبقته ببيان آخر صدر عنها في الخامس والعشرين من هذا الشهر بشأن ما بذلته المملكة من جهود صادقة، بالعمل مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لإنهاء ومعالجة الخطوات التصعيدية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة.

 واستند بيان الخارجية السعودية إلى بيان لمجلس القيادة الرئاسي اليمني، والبيان الصادر عن قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بشأن تحرك سفن مُحمّلة بالأسلحة والعربات الثقيلة من ميناء الفجيرة إلى ميناء المكلا دون الحصول على تصاريح رسمية من قيادة القوات المشتركة للتحالف.

في هذا البيان أعربت السعودية "عن أسفها لما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة من ضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة، والتي تعد تهديدًا للأمن الوطني للمملكة، والأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية والمنطقة".

 ووصفت "الخطوات التي قامت بها الإمارات بأنها بالغة الخطورة، ولا تنسجم مع الأسس التي قام عليها تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولا تخدم جهوده في تحقيق أمن اليمن واستقراره".

وأكَّدت في الوقت نفسه" أن أي مساس أو تهديد لأمنها الوطني هو خط أحمر لن تتردد المملكة حياله في اتخاذ جميع الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهته وتحييده".

وشددت السعودية في بيانها على أهمية استجابة الإمارات "لطلب الجمهورية اليمنية بخروج قواتها العسكرية خلال أربعة وعشرين ساعة، وإيقاف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف كان داخل اليمن".

وكما هو واضح جمع البيان السعودي بين الحزم الواضح الذي ينهي التدخل الإماراتي بكل أشكاله في دعم مشروع الانفصال، ويبقي في الآن ذاته على الحد المطلوب من الاحترام المتبادل بين البلدين.

وبعد ساعات من صدور البيانات اليمنية والسعودية، صدر عن وزارة الخارجية الإماراتية بيان أعربت فيه عن أسفها الشديد لما ورد في البيان السعودي "من مغالطات جوهرية، حول دور دولة الإمارات في الأحداث الجارية في الجمهورية اليمنية". معلنة رفضها القاطع "الزجّ باسمها في التوتر الحاصل بين الأطراف اليمنية"، واستهجانها "الادعاءات التي وردت بشأن القيام بالضغط أو توجيه أي طرف يمني للقيام بعمليات عسكرية تمس أمن السعودية أو تستهدف حدودها".

وعبر بيان الخارجية الإماراتي عن رفض الإمارات، ما "تضمنه البيان الصادر عن المتحدث العسكري باسم قوات التحالف بشأن العملية العسكرية في ميناء المكلا، و "رفضها التام للمزاعم المتعلقة بتأجيج الصراع اليمني، وأنّ البيان المُشار إليه صدر دون التشاور مع الدول الأعضاء في التحالف".

وزعمت أن "الشحنة المُشار إليها لم تتضمن أي أسلحة، وأنّ العربات التي تم إنزالها لم تكن مُخصصة لأي طرف يمني، بل تم شحنها لاستخدامها من قبل القوات الإماراتية العاملة في اليمن. مؤكدةً أنّ الادعاءات المتداولة بهذا الشأن لا تعكس حقيقة طبيعة الشحنة أو الغرض منها"

وزعمت كذلك "وجود تنسيق عالي المستوى بشأن هذه العربات بين دولة الإمارات والسعودية، واتفاق على أن المركبات لن تخرج من الميناء، إلا أن دولة الإمارات تفاجأت باستهدافها في ميناء المكلا".

وفيما يبدو أنه ردا على بيان الرئاسة اليمنية، "عبرت الخارجية الإماراتية "الالتزام الكامل باحترام سيادة الجمهورية اليمنية". مشيرة إلى أنّ دولة الإمارات قدّمت تضحيات جسام منذ انطلاق عمليات التحالف، وساندت الشعب اليمني الشقيق في مختلف المراحل.

 وضمنت البيان انتقادا غيرَ مباشرٍ لدور السعودية في التطورات الناشئة في شرق اليمن؛ إذ رأى " أنّ هذه التطورات تثير تساؤلات مشروعة حول مسار التعامل معها وتداعياتها، في مرحلة تتطلب أعلى درجات التنسيق وضبط النفس والحكمة، مع مراعاة التحديات الأمنية القائمة والتهديدات المرتبطة بالجماعات الإرهابية بما فيها القاعدة والحوثيون والإخوان المسلمين، وذلك في إطار الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز فرص التهدئة والاستقرار".

وبعد هذا البيان أصدرت وزارة الدفاع الإماراتية بياناً بدا وكأنه يأتي استجابة لمطالب اليمن والسعودية لها بسحب قواتها من اليمن خلال 24 ساعة، أكدت الإمارات أنها "شاركت ضمن التحالف العربي منذ عام 2015 دعما للشرعية في اليمن، ولدعم الجهود الدولية في مكافحة التنظيمات الإرهابية، ولتحقيق أمن واستقرار اليمن الشقيق، وأنها أنهت وجودها العسكري في الجمهورية اليمنية عام 2019 بعد استكمال المهام المحددة ضمن الأطر الرسمية المتفق عليها، فيما اقتصر ما تبقى من وجود على فرق مختصة ضمن جهود مكافحة الإرهاب وبالتنسيق مع الشركاء الدوليين المعنيين".

وأضاف البيان "نظرا للتطورات الأخيرة وما قد يترتب عليها من تداعيات على سلامة وفاعلية مهام مكافحة الإرهاب، فإن وزارة الدفاع تعلن إنهاء ما تبقى من فرق مكافحة الإرهاب في اليمن بمحض إرادتها، وبما يضمن سلامة عناصرها، وبالتنسيق مع الشركاء المعنيين، وتؤكد أن هذا الإجراء يأتي في إطار تقييم شامل لمتطلبات المرحلة، وبما ينسجم مع التزامات دولة الإمارات ودورها في دعم أمن واستقرار المنطقة".

خطورة التطورات الأخيرة في شرق اليمن ودلالتها الرمزية إماراتيا: 

الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأول توقيت يتصادف بشكل لافت ورمزي مع احتفال الإمارات في ذات اليوم من كل عام بذكرى يومها الوطني (عيد الاستقلال). 

في هذا اليوم اندلعت معارك في شرق اليمن، نتجت عن تقدم مفاجئ لقوات المجلس الانتقالي الآتية من العاصمة المؤقتة عدن ومعسكرات أخرى في محيط حضرموت.

وتكمن خطوة كهذه في أنها إنجاز جوهريٌ في إنجاح مشروع الانفصال، وتغييرٌ جذريٌ للتفاهمات التي أنتجت الوضع القائم في محافظتي حضرموت والمهرة، وأبقت هاتين المحافظتين في حالة من الاستقرار الهش لكونهما بعيدتين عن مسرح الحرب مع الحوثيين، تسندهما تفاهمات حذرة ومتربصة بين السعودية والإمارات.

 تكمن أهمية شرق اليمن في الموارد الطبيعية النفطية على وجه الخصوص، بالإضافة إلى أنهما يمثلان ثلثا مساحة الجمهورية اليمنية، وأكثر من نصف مساحة الدولة الجنوبية السابقة، وتوجد فيهما كتلة سكانية كبيرة، يتركز معظمها في حضرموت، بالإضافة إلى الملايين من المهاجرين المنحدرين من محافظة حضرموت والمنتشرين في شرق وجنوب شرق آسيا، وشرق ووسط إفريقيا وشبه الجزيرة العربية والخليج.

وبالإضافة إلى ذلك هناك عامل آخر مهم يتمثل في سعي المجلس الانتقالي بقيادة عيدروس الزُّبيدي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، ومن خلفه الإمارات إلى استكمال السيطرة على كامل الأراضي التي كانت تقوم عليها جمهورية اليمن الديموقراطية السابقة، وإنتاج واقعٍ جديٍد تتوفر فيه فرصُ المجلس الانتقالي وداعميه في الوصول إلى هدف الانفصال والسيطرة على كامل المرافق الحيوية للبلاد ومنافذها البرية والجوية والبحرية، وترك الحكومة الشرعية عاجزة عن استثمار الموارد التي تقع تحت يديها، مثل حقول مأرب من النفط والغاز الطبيعي، ومفتقرة للمقومات والمقدرات الفعالة على الأرض، سوى جيوب في أجزاء من محافظات مأرب، الجوف، وصعدة، وتعز، والضالع، أحكم الانقلابيون الشماليون والجنوبيون الخناق عليها من كل الجهات، الأمر الذي كرَّس عجز السلطة الشرعية المركزية في الدفاع عن المركز القانوني للجمهورية اليمنية، وهو أمر يضع السعودية في موقف حرج للغاية ويكرس فشلها الكامل في ظل نتائج الحرب التي كرست الإمارات دولة تصنع الدول.

 كما أن العمليات العسكرية لقوات الانتقالي وبدعم إماراتي سعت إلى إنهاء العقبات السياسية والعسكرية التي وضعتها السعودية، في شرق اليمن وكانت سببا في تعطيل المشروع الانفصالي، ومن أبرز العقبات السياسية، تأسيس مجلس حضرموت الوطني في 20 يونيو/ حزيران 2023، ويضم قيادات تمثل طيفا حضرميا واسعا مناهضا للانفصال ومناديا بحكم ذاتي لمحافظة حضرموت، وبإقليم شرقي في إطار الدولة اليمنية الاتحادية التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني الشامل المنعقد عام 2013 في صنعاء.

أما العقبة العسكرية فتمثلت في نشر وحدات من قوات درع الوطني التي تأسست بقرار من الرئيس اليمني الدكتور رشاد العليمي في 31 يوليو/ تموز 2023، حيث ترافق ذلك مع توترات وصدامات مع بعض وحدات قوات النخبة الموالية للإمارات إلى جانب قوات المنطقة العسكرية الأولى، التي تنتشر على مساحة واسعة تضم وادي حضرموت ومحافظة المهرة، وتتولى حراسة الحدود المشتركة لليمن مع كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وتتحكم بالمنافذ البرية والبحرية في محافظة المهرة، وتحرس الطريقين الدوليين اللذين يصلان  منفذي (صرفيت) و(شحن)، بمحافظات عدن ومأرب وصنعاء.

كيف حدث ذلك؟

بقيت السيطرة على حضرموت والمهرة هدفا ملحا ومغامرا للمجلس الانتقالي والإمارات، وكان يحتاج إلى مبررات تدعم تحركهما العسكري الأخير في هذا الاتجاه وتخفف من وطأة الصدام مع النفوذ السعودي في هذه المنطقة الحيوية.  

لذلك أثار الانتقالي مشكلة العوائق التي تحول دون نقل المواد النفطية من الحقول في هضبة حضرموت إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية في العاصمة السياسية المؤقتة عدن التي تعاني من تردي حاد في هذه الخدمة منذ سنوات. وفي هذا السياق يبرز متهمٌ رئيس، يقف وراء تعطيل وصول الشحنات النفطية، وهو حلف قبائل حضرموت الذي تأسس عام 2013 بزعامة الشيخ سعد بن حبريش والد زعيم الحلف الحالي عمرو بن حبريش.

 ويُعزى ذلك إلى أن مسلحي الحلف فرضوا منذ سنوات سيطرة على حقول النفط، والشركات النفطية بهدف حمايتها من عناصر القاعدة، وتطور دور الحلف ليرفع شعار حماية حضرموت وثرواتها من النهب المنظم الذي يقوم به المجلس الانتقالي، ومن المخططات التوسعية للمجلس والإمارات، وطالب بضرورة تأسيس حكم ذاتي لحضرموت، خصوصا بعد التفاهمات التي تمت بين ابن حبريش والسلطات السعودية، أوائل هذا العام، والتي سهلت له تأسيس معسكرات وتشكيل كتائب مقاتلة.  

ومنذ السادس والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت قوات الانتقالي ممثلة بالتشكيل القتالي الجديد الذي عُرف باسم "قوات الدعم الأمني لحضرموت"، بقيادة صالح علي ابن الشيخ أبو بكر المعروف بـ (أبوعلي الحضرمي) وهو ضابط تابع للإمارات، والمعروف بعلاقات سابقة قوية مع إيران وحزب الله اللبناني وبتلقيه تدريبات في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ظهر أبو علي الحضرمي منذ أوائل نوفمبر في مدينة المكلا وساحل حضرموت، كشخصية تمارس نفوذا أمنيا وسياسيا واضحا، وتلتقي بالمكونات الاجتماعية والعشائرية، وسرعان ما طور أبو علي الحضرمي خطابا تصعيديا ضد حلف قبائل حضرموت وقواته، واستهدف بشكل مباشر زعيم الحلف الشيخ عمرو بن حبريش، وانتهت تلك الخطوات التصعيدية بتحرك عسكري كاسح لقوات الانتقالي، ضد قوات بن حبريش وقوات المنطقة العسكرية الأولى انتهت بسيطرة الانتقالي على محافظتي حضرموت والمهرة بشكل كامل.

وباشر أبو علي الحضرمي بالإشراف على تنفيذ عمليات خطيرة وممنهجة شملت الاعتقالات والتغييب والتعذيب، وممارسة القمع وملاحقة الشخصيات التي تنتمي للتيارات الإسلامية والقادة العسكريين والأمنيين والشخصيات الشمالية الموجودة في حضرموت. 

وسرعان ما تسيد الحضرمي الموقف، وسط تكهنات بأن الدور الأساسي القادم في إطار المشروع الانفصالي سيوكل إليه من جانب الإمارات، وهو السلوك الذي قام عليه المسار الجديد من التدخل السعودي في اليمن، بموجب التفويض من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والذي يرتكز على مهمة أساسية وهي حماية المدنيين من الانتهاكات.   

الدور السعودي: 

بدا لافتا أن الخطوات السعودية كانت سريعة لمواجهة التقدم العسكري للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا في شرق اليمن، لهذا أرسلت اللواء الدكتور محمد عبيد القحطاني رئيس اللجنة الخاصة، وهي فرع استخباري يلعب دورا مهما في إدارة الملف اليمني تحت إشراف وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان.

باشر وفد اللجنة الخاصة بقيادة القحطاني جهودا مكثفة، شملت لقاءات مع قيادات حضرمية والعمل الوثيق مع محافظ محافظة حضرموت الدكتور أحمد سالم الخنبشي، وأعضاء السلطة المحلية، وتبلور موقف قوي بشأن ضرورة انسحاب القوات التابعة للانتقالي وإخلائها للمعسكرات لتحل محلها قوات درع الوطن.

اتخذ الموقف السعودي مسارين أساسيين:

المسار الأول: عسكري وخلاله تم تجهيز وحشد الوحدات العسكرية من قوات درع الوطن ومن وحدات أخرى في القوات المسلحة اليمنية، تم استقدامها من محافظة صعدة ومأرب، استعدادا للتموضع في حضرموت والمهرة، في حال انسحبت قوات المجلس الانتقالي طواعية، أو خوض مواجهة مسلحة مع التمرد العسكري للانتقالي، بدعم من الطيران السعودي.

كما تم التفاهم مع القوات التابعة لحف قبائل حضرموت التي خاضت خلال يوم الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول معارك في وادي خرد- غيل بن يمين، معارك مع قوات الانتقالي تدخل فيها الطيران السعودي لصالح قوات الحلف.

المسار الثاني: سياسي، وشهد اتصالات مع الجانب الإمارات عبر وسطاء دوليين وإقليميين، وسط معلومات ترددت بين أوساط سياسية يمنية عن أن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، كان جزءا من جهود الوساطة، بالإضافة إلى التنسيق السعودي مع الأطراف الإقليمية والدولية، ومع الأطراف اليمنية المختلفة، خصوصا المكونات الاجتماعية في حضرموت.

 ومن الواضح السعودية التي تفاجأت بالتطورات العسكرية المتسارعة في حضرموت والمهرة، كانت تحتاج إلى وقت كافٍ لامتصاص الصدمة وتحضير الرد المناسب، وهو ما رأيناه في الثلاثين من هذا الشهر حيث انتهجت خط التصعيد العسكري والسياسي في وقت واحد نتج عنه إخراج الإمارات من المشهد اليمني عسكريا وسياسيا.

الدور الإماراتي: 

احتفظت الإمارات بدور مهم لها في حضرموت، بدأت بقيادتها لعملية عسكرية لطرد عناصر القاعدة من المكلا في 24 أبريل/ نيسان من عام 2015، بعد سيطرةٍ دامت عاما كاملا، نتيجة تواطؤ من قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وشروعها كذلك في تدريب قوات عرفت باسم (قوات النخبة الحضرمية)، والتي ارتبطت بشكل وثيق بمحافظ حضرموت السابق وقائد المنطقة العسكرية الثانية، اللواء فرج البحسني الذي تمّ تعيينه عضواً في مجلس القيادة الرئاسي.

لكن قوات النخبة الحضرمية لم تكن كاملة الولاء للإمارات، وهذا الأمر اضطر أبو ظبي لتأسيس قوات الدعم الأمني في حضرموت، من أكثر العناصر ولاء لها داخل النخبة وداخل المنطقة العسكرية الثانية التي تتخذ من المكلا مقرا لها.

أما الدور الحاسم الآخر للإمارات فيتمثل في قاعدتها الأمنية بمطار الريان(المكلا)؛ حيث وُجِدت قوات أمنية معنية بمكافحة ما تسميه الإرهاب ضمن غرفة عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة، وفي مسار للتدخل الإماراتي منفصل كليا عن تدخلها ضمن التحالف العربي بقيادة السعودية، ومن خلال هذا المسار احتفظت الإمارات لنفسها بمجال كبير للعمل وفق أولوياتها، وارتبط وجودها في مطار الريان أو مطار المكلا، بمعتقل سيئ السمعة انتهى إليه العشرات من خيرة أبناء حضرموت اعتقالا وتغييبا وتعذيبا وقتلا.

سيناريوهات بمآلات الأحداث الجارية في شرق اليمن:  

دفعت التطورات الأخيرة في شرق اليمن إلى مرحلة بالغة الحساسية والتعقيد، أبرز ملامحها هي المواجهة الصفرية بين النفوذين السعودي والإماراتي؛ حيث كادت الإمارات أن تسدد الضربة القاضية للنفوذ السعودي في شرق اليمن، وإلحاق هزيمة سياسية وعسكرية وإستراتيجية بالدور السعودي في عموم اليمن، بعد أن أوشك الانتقالي والإمارات أن ينهيا الوجود المادي للدولة اليمنية على الأرض وتكريس سلطتي أمر واقع في البلاد هما:  سلطة المجلس الانتقالي في الجنوب والذاهبة بقوة نحو الانفصال، وسلطة الحوثيين في الشمال والذاهبة إلى تأسيس سلطة بملامح طائفية مع الإبقاء على طموحات بإمكانيات استعادة اليمن بكامل ترابه. وهنا تبرز الإمارات كقوة إقليمية نافذة وصانعة للدول وضامنة لتأثير طويل الأمد في الدولة الناشئة.

أما الآن فيمكن القول: إن المواجهة الصفرية قد حسمت مبدئيا لصالح السعودية، بعد أن أبدت الإمارات خضوعا ظاهريا لإملاءات السعودية بالانسحاب العسكري والمادي من اليمن والتوقف عن تقديم الدعم المالي والعسكري للأطراف اليمنية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي وقواته.

على أن ذلك لا يضمن نهاية مثالية للأحداث وفق ما تريده السعودية، لهذا تتوقع هذه الورقة أن يشهد اليمن خلال الفترة القادمة بتأثير أحداث الشرق ثلاث سيناريوهات أو مآلات نجملها فيما يلي:

السيناريو الأول: 

ويتمثل في تعزيز القبضة السعودية على الملف اليمني وتوفر ضمانات جدية لحماية اليمن من الانقسام المبني على مبدأ القوة المنفلتة.. وهذا سيقود إلى مستويين من المقاربات السعودية: 

الأولى: تتمثل في تحجيم النفوذ العسكري للانتقالي والتمكين للسلطة الشرعية، عبر تفعيل مجلس القيادة الرئاسي الحالي، أو إعادة تشكيله، أو تغيير شكل رأس الدولة كأن يتم تعيين رئيس ونائب مثلاً.

وهذا يشترط أن تنعكس المرونة الإماراتية على استجابة إيجابية فورية من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي للمطالب السعودية.

الثانية: التعامل بحزم من المجلس الانتقالي وحلفاء الإمارات ومنهم العميد طارق صالح وقواته، وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي الموالين للإمارات، حتى تصل إلى المستوى المطلوب من المرونة التي تُبقي الباب مفتوحا للتعاطي مع القضية الجنوبية، بنهايات غير محددة.

السيناريو الثاني:  

أن تذهب الأمور إلى المزيد من التعقيد واستدامة الصراع، بفعل استمرار التدخل الإماراتي عبر أدواتها وحلفائها المحليين، وقد تتطور الأمور في إطار هذا السيناريو إلى تثبيت الوقع الحالي للكانتونات المُسيَّجةِ بقدراتٍ ذاتية على البقاء، وهذا لن يتم إلا مع وجود تدخلات خارجية محتملة بتأثير إماراتي أيضاً، وهذا يرشح اليمن لأن يبقى ميدانا لصراع لا يمكن حسمه إلا بوجود قوة ردع عسكرية فعالة واصطفاف شعبي مؤثر.

السيناريو الثالث (ضعيف):

بروز عوامل داخلية وخارجية تُحِدّ من قدرة السعودية على السيطرة على المشهد في اليمن، بما يسمح للحوثيين بتجديد هجماتهم العسكرية على معاقل القوات الموالية للشرعية والضغط على السعودية نفسها وقد يكون ذلك بموجب تفاهمات مع الإمارات والانتقالي.

وفي موازاة ذلك تتوفر الفرص والإمكانيات للقوات الموالية للإمارات وبالأخص قوات المجلس الانتقالي، لخوض معركة حسم عسكرية، بسقف سياسي مرتفع هو الانفصال، لا يمكن لأي قوة أخرى بعد السعودية أن تقف في وجهه.

هذا السيناريو يعاني من وجود إشكالية تتمثل في وضع قوات العميد طارق صالح الضاربة في الساحل الغربي لمحافظة تعز، والتي وجدت ظاهرياً من أجل خوض معركة استعادة صنعاء من الحوثيين.