أزمات المغرب مع إسبانيا.. هل تدفعه لتعميق العلاقات مع هولندا وإيطاليا؟

12

طباعة

مشاركة

طوى المغرب صفحة الخلاف مع هولندا بعقد اتفاقية جديدة في مجال التعاون الأمني، كما اتفق على تعزيز التعاون مع إيطاليا.

هذا التقارب مع الدولتين، أتى في ظل الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا، ما جعل عددا من التحليلات تذهب إلى أن المغرب يبحث عن شريك بديل لمدريد.

وعقد وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، في الرباط، جلسة عمل مع نظيرته الإيطالية لوتشيانا لامورغيس، في 16 يوليو/تموز 2021.

التعاون الأمني، خاصة مجال محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، تصدر أجندة عمل اللقاء، ونوه وزير الداخلية بالتعاون المثمر في المصالح الأمنية بين البلدين، الذي يتميز بـ"تنسيق منتظم وتبادل مستمر للمعلومات".

وبعد لقائها بلفتيت، التقت لوتشيانا لامورغيس وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي ناصر بوريطة.

إيطاليا ليست الوحيدة، ففي 8 يوليو/تموز 2021، أعلن عن توقيع اتفاق ثنائي بين المغرب وهولندا، لضمان "شفافية التمويل الثنائي"، و"تسهيل التبادل المنظم للمعلومات" فيما يتعلق بتمويل المنظمات غير الحكومية.

بعد الأزمة

تهدف خطة العمل بين المغرب وهولندا، وفق بيان الخارجية المغربية، إلى "تكريس التزام البلدين بتعزيز علاقاتهما الثنائية، وتأكيد احترام سيادة ومؤسسات كل منهما، وتوطيد قواعد الشراكة على أساس احترام المصالح المشتركة للبلدين".

وفي هذا الصدد، قرر الطرفان ضمان شفافية التمويل الثنائي ووافقا على إجراء حوار دائم لتسهيل التبادل المنتظم للمعلومات قبل تمويل المنظمات غير الحكومية، مع احترام الأطر القانونية لكلا البلدين.

في فبراير/شباط 2020، ظهرت بوادر أزمة بين الرباط وأمستردام بسبب ملف "معتقلي الريف" بالمغرب، وأعلنت حكومة سعد الدين العثماني أنها "ترفض بشدة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد".

جاء موقف الحكومة ردا على تقرير أعده وفد من البرلمان الهولندي.

 وكان تقرير حول أحداث مدينة الحسيمة، رفعه وزير الخارجية الهولندي إلى برلمان بلاده في 2018، قد فجر أزمة دبلوماسية بين المغرب وهولندا.

واستدعى المغرب السفيرة الهولندية بالرباط إلى مقر وزارة الخارجية لإبلاغها احتجاجها الرسمي على مواقف صادرة عن وزير الخارجية الهولندي ستيفن بلوك.

ناقش وفد البرلمان الهولندي مع وزير خارجية بلاده التدخل والضغط على المغرب من أجل إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، لتزيد زيارة الوفد لمنطقة الريف من تعميق الأزمة الدبلوماسية.

وهي الأزمة التي عادت بقوة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بعد رفض الرباط استعادة المغاربة طالبي اللجوء المرفوضين من قبل سلطات أمستردام.

تفاقمت الأزمة، قبل أيام قليلة من تفشي جائحة كورونا، عندما حل برلمانيون هولنديون في مدينة الحسيمة، وأصدروا تقريرا يرسم صورة قاتمة عن أوضاع عائلات معتقلي حراك الريف، مطالبين بإطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية هذا الحراك، وهو ما لم يستسغه المغرب، واعتبره تدخلا في شؤونه.

استمرت الأزمة بين المغرب وهولندا إلى 2021، وأضيفت لها أخرى مع إسبانيا وألمانيا، ما عزز فرضية أن الرباط تبحث عن شركاء إستراتيجيين جدد فور عقد اتفاقية جديدة مع إيطاليا.

اتفاقية جديدة

أكدت زيارة وزيرة الداخلية الإيطالية للمغرب، وفق موقع "الصحيفة" المحلي، والتي أتت متزامنة مع الأزمة الدبلوماسية المستمرة بين الرباط من جهة وبين ألمانيا وإسبانيا من جهة أخرى، استمرار المملكة في ربط علاقات وثيقة على مستوى الاستخبارات مع مجموعة من الدول الأوروبية.

فإعلان التطرق إلى التنسيق الأمني على أنه من القضايا ذات الاهتمام المشترك مع روما، كان مسبوقا بالعملية الأمنية التي حظيت باهتمام إعلامي دولي، حين أسقطت معلومات وفرتها المخابرات المغربية لنظيرتها الإيطالية القيادي في تنظيم الدولة الملقب بـ"أبي البراء".

إيطاليا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي يعمل المغرب معها مؤخرا على بناء علاقات استخباراتية قوية.

 تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تقطع فيه الرباط علاقاتها الدبلوماسية مع ألمانيا.

وكان من بين أسباب الأزمة كشف سلطات برلين "معلومات حساسة" قدمتها الأجهزة الأمنية المغربية لنظيرتها الألمانية إلى جانب الموقف الألماني الذي تصفه الرباط بـ"العدائي من مغربية الصحراء".

استمرار القطيعة الدبلوماسية مع مدريد بعد دخول زعيم "البوليساريو" إبراهيم غالي إلى إسبانيا دون تحرك السلطات الإسبانية، عزز فرضية لجوء المغرب لقطع تعاونه الأمني مع هاتين الدولتين الأوروبيتين.

وحذرت المعارضة الإسبانية حكومة بيدرو سانشيز، من ذلك.

 وإلى جانب تنسيقه مع إيطاليا وهولندا، لا يزال المغرب يحتفظ بتنسيق أمني قوي مع دول أخرى وعلى رأسها فرنسا وبلجيكا، ما يجعل خلافها الدبلوماسي مع مدريد وبرلين قضية ثنائية يربطها بكل دولة على حدة ولن يكون من مصلحة دول أخرى تحويله إلى خلاف مغربي أوروبي.

أزمة طويلة

مرت الأزمة بين الرباط ومدريد بمراحل صعود وهبوط على المستوى السياسي، لكنها لم تقف عند هذا الحد، حيث طالت الجوانب الاقتصادية والأمنية أيضا.

وحسب معلومات نشرتها شبكة "سبوتنيك" الروسية، في وقت سابق، فإن مباحثات غير معلنة جرت بين مدريد والرباط لبحث نقاط الخلاف، والتي تمسك فيها المغرب بموقفه الرافض لموقف إسبانيا من قضية الصحراء، في حين أن مدريد رفضت بعض التلميحات المغربية أيضا المتصلة بذات القضية.

وفي 10 يوليو/تموز 2021، أعلن رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، إدخال تعديلات على حكومته أطاح من خلالها بوزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا التي تعرضت لانتقادات واسعة على خلفية أزمة نشبت مع المغرب.

وسائل إعلام تعاطت مع التعديل الحكومي والإطاحة بوزيرة الخارجية، على أساس أنها خرجت من الحكومة بسبب سوء إدارة الأزمة مع المغرب.

وفيما يتعلق بالعلاقة بين خطوة الإطاحة بالوزيرة والأزمة مع المغرب، قال الوزير المتحدث باسم الحكومة المغربية السابق حسن عبيابة: إن "تغيير الوزيرة أمر يهم إسبانيا داخليا فقط، خاصة أنها لم تتوفق في ملفات عديدة؛ منها ملف العلاقات مع الرباط".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن ما يهم المغرب ليس تغيير الأشخاص، وإنما المواقف، خاصة أن الحكومة الإسبانية الحالية لديها مشاكل داخلية متعددة، منها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وعلى جميع المستويات.

لا بديل

أستاذ العلوم السياسية، محمد شقير، قال: إن التعاون مع شركاء أوروبيين متعددين أمر قائم دائما في علاقة المغرب مع دول أوروبية.

لكن المختلف هو أنه في الآونة الأخيرة حدثت مجموعة من التوترات سواء مع هولندا أو ألمانيا أو إسبانيا وأيضا مع فرنسا.

وأوضح شقير لـ"الاستقلال"، أن هذا التوتر يدفع المغرب إلى إعطاء رسالة للشركاء الأوروبيين، بأنه لم يعد يقبل بطريقة التعامل السابقة، بل يعتمد أرضية جديدة تقوم بالأساس على الشفافية وتبادل المصالح والابتعاد عن روح الوصاية.

ويعتقد أن الاتفاقيات الجديدة مع هولندا وإيطاليا بنيت على هذا الأساس، "ولا أظن أنها موجهة لإسبانيا، لأن لكل شريك علاقات لها خصوصياتها، والمغرب الآن يضع أرضية جديدة للتعاون مع الشركاء تقوم على نوع من الندية".

وبعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء (لم تقر به أوروبا وباقي دول العالم)، أصبح للمغرب هامش مناورة يحدد أرضية التعاون، وفق المتحدث.

رأى شقير أنه، لا يمكن أن نتحدث عن البديل في العلاقات الأمنية الدولية، فهي ذات طابع شمولي، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب، الذي يدخل المغرب مع عدة شركاء دوليين في شراكات لمحاصرته.

واعتبر وجود توتر بينه وبين بعض هؤلاء الشركاء لا يعني أنه سيفضل دولة على أخرى أو يبحث عن بديل لها، فكلها تنتمي في الأخير إلى الاتحاد الأوروبي ولديها نفس المشاكل، فيما يتعلق بالملف الأمني. 

وختم بالقول: في سياسته الخارجية الحالية يضع المغرب أرضية جديدة للتعامل، وكل دولة تقبل بها من الطبيعي أن يحدث تعاون وتفاهم بينها وبينه.