قمع عابر للحدود.. "إلباييس" ترصد اعتقالات السيسي للباحثين المصريين بالخارج
قبل نحو عام وفي يوليو/ تموز 2020، تفجرت في ألمانيا قضية تجسس مثيرة للجدل، بطلها موظف مصري في المكتب الإعلامي للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، جرى الاشتباه بأنه يعمل لحساب جهاز استخبارات مصري.
وقالت تقارير صحفية ألمانية حينها إن "مهام ذلك الموظف تتركز في جمع البيانات عن الناشطين المصريين المعارضين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين (التي يعتبرها النظام المصري محظورة) وطالبي اللجوء في ألمانيا".
ورغم خفوت صوت التحقيقات في قضية التجسس تلك؛ فتوقيف سلطات مطار القاهرة لباحثة مصرية مرموقة في العاصمة الألمانية برلين يبدو أنه يؤكد ما أثير عن وقائع تجسس النظام على المصريين بالخارج.
صحيفة "إلباييس" الإسبانية، سلطت الضوء على اعتقال مؤرخة مصرية بارزة تعمل في العاصمة الألمانية برلين، مؤكدة أن ذلك الاعتقال يكشف تفاقم حرب السلطات المصرية ضد الباحثين المقيمين بالخارج، مرة أخرى.
"إلباييس"، قالت: إن المؤرخة المصرية علياء مسلم، هبطت، فجر 11 يوليو/ تموز 2021، في مطار القاهرة مع زوجها وأطفالها الثلاثة من برلين.
ولفتت إلى أن الباحثة المصرية التي تعمل في مؤسسة ألمانية مرموقة، ألقي القبض عليها في مطار العاصمة المصرية.
ونقلت حديث زوجها للموقع الإعلامي المستقل "مدى مصر"، بأن السلطات الأمنية احتجزت زوجته في المطار 17 ساعة، منع خلالها من التواصل معها، وجرى استجوابها عدة مرات.
ولفتت "إلباييس"، إلى أن خبر القبض على علياء مسلم، التي تبحث في الأغاني الثورية للتاريخ المصري، قوبل بموجة من الاستنكار والتضامن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تلك الموجة تلاها ارتياح نسبي بعد ظهر اليوم التالي، عندما قررت نيابة أمن الدولة اتخاذ قرار بشأن القضية.
ونقلت الصحيفة الإسبانية إعلان أحد المحامين الحقوقيين المصريين خبر إطلاق سراح الباحثة المصرية على ذمة التحقيقات، بعد دفع الكفالة المقررة.
اجتثاث من الجذور
محللون وجماعات حقوق الإنسان، تحدثوا لـ"إلباييس"، مؤكدين أن اعتقال علياء مسلم يأتي في إطار تصاعد قمع الأكاديميين في مصر على يد نظام عبدالفتاح السيسي، خاصة من يدرسون ويعملون في الخارج، في إطار التدهور الممنهج للحرية الأكاديمية.
وأوضحت الصحيفة أن اعتقال الباحثة التي تعد نموذجا على التميز والذكاء، يفسر أيضا على أنه جزء من إرادة السلطات للترويج للتراجع الفكري في بلد عانى من استنزاف كبير للأدمغة في السنوات الأخيرة.
وبالنسبة لأولئك الذين غادروا البلاد، تعد هذه الحادثة دليلا آخر على أن الأبواب مغلقة في مصر، وفق رؤية الصحيفة.
الباحث في "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط"، ومقره واشنطن، محمد مندور، يؤكد أن هذه الإجراءات هي "طريقة الدولة للسيطرة على الحديث عما يحدث في مصر والسيطرة على الإنتاج المعرفي".
الصحيفة، بينت أنه منذ عام 2014، ومع تولي رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، مقاليد السلطة، شهد التقدم في الاستقلال والحرية الأكاديمية، التي تحققت منذ ثورة 2011، تراجعا هائلا، ويمكن القول إنه اجتث من الجذور.
وبحسب محللين ومنظمات حقوقية وثقت الكثير من الانتهاكات واستنكرتها، دخلت مصر منذ هذا التاريخ، في دوامة من السيطرة والقمع والمراقبة والرقابة أدت لتراجع غير مسبوق للحقوق والحريات.
أخطر المهاجرين
وأشارت اليومية الإسبانية، إلى أنه وقبل أسبوع من اعتقال مسلم، أثارت التصريحات الغامضة لوزيرة الهجرة المصرية، نبيلة مكرم، حول الشباب الذين يدرسون في الخارج جدلا بالفعل.
وقالت مكرم: إن المصريين في الخارج، والمصريين من الجيل الثاني والثالث، معرضون بشكل أكبر لتأثير الأفكار السلبية عن مصر وفقدان علاقاتهم مع البلاد.
وذلك، بعد خبر عن تصريحات مزعومة قالت فيها في البداية إنهم في الواقع "أخطر أنواع المهاجرين".
علياء مسلم لم تكن أول شابة مقيمة في الخارج يلقى عليها القبض عند عودتها إلى مصر.
ففي غرة فبراير/ شباط 2021، اعتقل الباحث في الحقوق الإنجابية للمرأة والذي يدرس درجة الماجستير في جامعة أوروبا الوسطى، في فيينا، أحمد سمير سنطاوي، أثناء زيارة عائلته.
وفي 22 يونيو/ تموز 2021، وبعد محاكمة سريعة، حكم على سنطاوي بالسجن 4 سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، ومنذ ذلك الحين دخل في إضراب عن الطعام أدى إلى تدهور صحته.
حالات مماثلة أخرى، أشارت إليها الصحيفة على رأسها قضية الباحث في حقوق النوع الاجتماعي الذي يدرس للحصول على درجة الماجستير في جامعة بولونيا، في إيطاليا، باتريك جورج زكي.
واحتجز زكي في مطار القاهرة في فبراير/ شباط 2020، ولا يزال رهن الحبس الاحتياطي.
رسالة الردع
وأكدت الصحيفة أن أيا من هؤلاء الأكاديميين لا يعمل في قضية سياسية حساسة، كما أن عمل علياء مسلم يحظى بثناء واسع في الخارج.
ولفتت إلى أن ذلك أثار الكثير من الاحتقان بين صفوف المصريين الذين يعتقدون أن اعتقال هذه العناصر خاصة؛ تعزز رسالة الردع التي تسعى السلطات إلى إرسالها للجميع.
"السلطات المصرية تلجأ إلى تكتيكات عديدة لمراقبة المصريين في الخارج"، بحسب مندور، الذي يعد حاليا دراسة حول هذه الأنواع من الممارسات.
ويوضح أن هذه الممارسات تشمل احتجازا أو ترهيب عائلاتهم في مصر، وتجنيد جواسيس، واللجوء إلى الإنتربول، واستخدام علاقتهم مع دول أخرى أو من خلال الهجمات الإلكترونية وسفاراتهم.
عابر للحدود
ويقول: "لقد أصبح القمع العابر للحدود أحد أهم مكونات السياسة الخارجية لمصر".
وأضافت الصحيفة أن اعتقال علياء مسلم يأتي أيضا خلال فترة نما فيها القمع العام.
الباحث بمنطقة شمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، حسين باعومي، أدلى برأيه للصحيفة الإسبانية.
يقول: "في أسبوع واحد، شهدنا مضايقات قضائية، وتوجيه الاتهام والاعتقالات والاحتفاظ فيما يسمى بقائمة الإرهابيين لمختلف المدافعين عن حقوق الإنسان والأكاديميين والسياسيين".
اعتقال المؤرخة مثل اعتقال زكي وسنطاوي، يفسر على أنه انعكاس لعواقب التساهل الدولي في مواجهة الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان في مصر.
وذلك حتى عندما يصبح المتضررون هدفا للسلطات بسبب نشاطهم في الخارج، على غرار ألمانيا في هذه الحالة الأخيرة.
في هذا المعنى، نقلت الصحيفة عن باعومي، أنه "على المجتمع الدولي اتخاذ موقف علني ورفض تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، والتنديد العلني بالقمع".
وكذلك "تبني نهج منسق يتضمن إنشاء آلية للمراقبة وتقديم تقارير عن حالة حقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، وفق الباحث في العفو الدولية.
الصحيفة ذكرت أن من القضايا المماثلة التي حظيت بالاهتمام وعادت لذاكرة المصريين أخيرا، هي حالة الصحفي والباحث، إسماعيل الإسكندراني، المتخصص في الجماعات الإسلامية وفي شبه جزيرة سيناء.
الإسكندراني، اعتقل أواخر عام 2015، في مطار مصري لدى وصوله من برلين، بعد حضوره مؤتمرا بحثيا، وفي منتصف العام 2018، حكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن 10 سنوات.
وخلال العام 2018 أيضا، اعتقل طالب الدكتوراه من جامعة واشنطن، وليد سالم، عند عودته إلى مصر للقيام بعمله الميداني حول استقلال القضاء.
سالم، قضى عدة أشهر في الحبس الاحتياطي قبل الإفراج عنه مؤقتا، في انتظار المزيد من التحقيقات ومنعه من السفر.