تجسس وتعذيب.. شركات فرنسية تساهم باعتقال خصوم السيسي في مصر

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في تطور هام يعيد الأمل في فتح ملف انتهاكات النظام المصري بحق الشعب، اتهم القضاء الفرنسي مؤخرا 4 مسؤولين في شركتي بيع أجهزة إلكترونية استخدمت للتجسس على شخصيات مصرية معارضة تعرضت بعدها للاعتقال والتعذيب.

واعتبر حقوقيون أن تزويد شركتين فرنسيتين، نظام عبد الفتاح السيسي بأجهزة رقمية ذات قدرات عالية، هي مشاركة مباشرة في "تأسيس منظومة مراقبة وتحكم استبدادية على كل أشكال المعارضة ونشاط المصريين".

وأعاد هذا الحكم القضائي للأذهان، مجريات المؤتمر الصحفي المشترك في القصر الرئاسي بالقاهرة عام 2019، حين وقع سجال علني بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والسيسي، بشأن حقوق الإنسان في مصر.

وقال ماكرون آنذاك: "صورة مصر يمكن أن تسوء بسبب الأوضاع الحقوقية، لن أكون صديقا مخلصا لمصر اليوم، لو لم أعبر عن حقيقة ما أعتقده". 

لكن، هل كان يعلم ماكرون وهو ينتقد الأوضاع الحقوقية في مصر، أن ثمة علاقة لبلاده في قضايا التعذيب والانتهاكات الدائرة هناك؟ وأن شركات فرنسية أمدت نظام السيسي بأجهزة مراقبة مكنته من تتبع معارضيه والفتك بهم؟

شركات الموت 

في 22 يونيو/حزيران 2021، أعلن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان أن قضاة التحقيق في "قسم الجرائم ضد الإنسانية في محكمة بباريس"، وجهوا لشركتي "أميسيس" (Amesys)، و"نيكسا تكنولوجي" (Nexa Technologies) الفرنسيتين تهمة التواطؤ في أعمال تعذيب وإخفاء قسري بمصر وليبيا. 

الأشخاص الذين يمثلون الشركات ومطالبون بالمثول أمام القضاء، هم رئيس "أميسيس" حتى 2010، فيليب فانييه، ورئيس "نيكسا"، أوليفييه بوبو، ومديرها العام، رينو روك، والرئيس السابق، ستيفان ساليس، وجميعهم متورطون في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها نظام السيسي، الذي أودى بمئات الأشخاص داخل السجون أو قتلهم بعد إخفاء قسري. 

وتعود وقائع القضية إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما تقدمت كل من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، وبدعم من معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بدعوى أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد الشركتين (أميسيس - نيكسا تكنولوجي)، لبيعهما منظومة تجسس لنظام السيسي. 

"معهد القاهرة" أعلن آنذاك أنه يوجد "أكثر من 40 ألف سجين سياسي قيد الاعتقال في مصر"، كانوا ضحية تلك البرامج الفرنسية. 

كما صدر تقرير عن تلك المنظمات، أنه "بتزويد فرنسا أجهزة الأمن المصرية بأجهزة رقمية ذات قدرات عالية، تكون ساعدت بذلك في تأسيس منظومة مراقبة وتحكم استبدادية تستغل للقضاء على كل أشكال المعارضة ونشاط المصريين".

ووجهوا دعوة في الوقت ذاته إلى إجراء تحقيق برلماني، مع وقف فوري لهذه الصادرات، لمواجهة ما أطلقوا عليه "الفضيحة المتعلقة بصادرات فرنسية تحمل تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام ضد حقوق البشر".

وتعتبر إدانة القضاء الفرنسي للشركات التي زودت أنظمة ديكتاتورية في مصر وليبيا بأدوات مراقبة استخدمت في قمع المعارضين وتعذيبهم "مؤشر إنذار" لحكومات الغرب بأن جرائم مساندة الاستبداد "لن تسقط بالتقادم".

وأيضا جرس إنذار بأن القضاء الأوروبي قد يكون هو الحصن ضد تخاذل حكومات غربية واستمرارها في تزويد تلك الأنظمة بأسلحة وأجهزة مراقبة، رغم نص قرارات الاتحاد الأوروبي على منع ذلك.

تكنولوجيا قاتلة

وبحسب المنظمات الحقوقية، صاحبة الشكوى الجنائية، يمكن لبرامج التجسس التي أمدت بها الشركات الفرنسية النظام المصري، أن تتصنت على ملايين المواطنين، وبالتالي سهولة التعرف عليهم واعتقالهم.

كما أن تلك البرامج تسمح باعتراض كل أنواع المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، إضافة إلى قرصنة البريد الإلكتروني، والتجسس على مختلف الرسائل في منصات التواصل الاجتماعي.

وفي 2017، كشفت وسائل إعلام فرنسية على رأسها موقعا "فرانس 24" و"مونت كارلو الدولية"، أن من ضمن البرامج التي باعتها شركة "أميسيس" لنظام السيسي، برنامجا محدثا من "إيجل"، اسمه "سيريبرو"، للتجسس على المعارضين السياسيين، عبر صفقة تمت من خلال الإمارات.

ويوفر نظام "سيريبرو" مراقبة حية للمستهدفين عبر أجهزتهم اﻹلكترونية، باﻹضافة إلى تخزين البيانات الوصفية لهذه الأنشطة بما يسمح بمعرفة أي اﻷجهزة اتصل بمواقع إلكترونية، ثم تعقبها.  

وفي 5 يوليو/تموز 2017، كشفت مجلة "تيليراما" الفرنسية أن الإمارات أهدت حكومة السيسي نظاما للمراقبة الإلكترونية واسع النطاق يسمى "سيريبر" تطوره كذلك شركة "أميسيس"، وتصل تكلفته إلى 10 ملايين يورو.

وذكرت المجلة الفرنسية أن مصر تمتلك ترسانة أضخم من تلك البرامج، مثل نظام (Remote Control System) واختصاره (RCS)، وهو برمجية خبيثة تصنعها شركة "هاكينج تيم" الإيطالية، للاختراق والسيطرة على أجهزة كمبيوتر المعارضين المصريين، والتقاط كلمات المرور وصور من كاميرا الويب.

كما أوردت أن مصر اشترت أيضا شبكة "x25" من شركة "نوكيا سيمنز" وهي تقنية تمكن السلطات من الوصول إلى الإنترنت حتى في حالة إغلاق البنية التحتية العامة للشبكة.

وأشارت المجلة إلى حصول جهاز أمن النظام المصري "سيء السمعة"، على برنامج "Finfisher" مقابل مليوني جنيه من الشركة الألمانية البريطاني "Gamma Group International".

والبرنامج، هو نظام قادر على اختراق جميع حسابات (Skype وHotmail وYahoo وGmail)، والتحكم في أجهزة الكمبيوتر المستهدفة وتسجيل المحادثات والأنشطة حولها بالصوت والصورة. 

فخ السلطة 

يذكر أن تاريخ النظام المصري في تتبع معارضيه واستهدافهم إلكترونيا مليء بالأحداث والوقائع، ففي 3 أكتوبر/تشرين الأول 2019، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن محاولة القاهرة اختراق هواتف معارضين منهم، صحفيون وأكاديميون وحقوقيون وسياسيون، أدت لاعتقال بعضهم في وقت لاحق.

التقرير أكد تورط الحكومة المصرية في انتهاكات تخص اختراق هواتف المعارضين، والإيقاع بهم، في خط ثابت لا ينفصل، انتهجه نظام السيسي في تتبع معارضيه.

وأورد تقرير "نيويورك تايمز" الذي قام به الصحفيان رونين بيرجمان وديكلان والش، أن "إحدى شركات الأمن الحاسوبي اكتشفت سلسلة من الهجمات الإلكترونية المتطورة التي تستهدف معارضين للنظام المصري ونشطاء حقوق الإنسان".

تلك الشركة هي "تشيك بوينت سوفتوير"، إحدى أكبر شركات الأمن السيبراني في العالم، ومقرها الرئيس في جنوب سان فرانسيسكو الأميركية.

وحسب "تشيك بوينت سوفتوير"، فإن الخادم المركزي المستخدم في الهجمات تم تسجيله باسم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، وأن الإحداثيات الجغرافية المضمنة في أحد التطبيقات المستخدمة لتتبع النشطاء تتوافق مع مقر وكالة التجسس الرئيسة في مصر، وهو جهاز المخابرات العامة (الكائن مقره شرق القاهرة).

ووفقا لتقرير "نيويورك تايمز"، فإن الهجوم الإلكتروني بدأ عام 2016، فيما "عدد الضحايا الكلي غير معروف، لكن الشركة حددت 33 شخصا، معظمهم من الشخصيات المعروفة في المجتمع المدني والمعارضة، الذين كانوا مستهدفين في أحد أجزاء العملية التي اكتشفتها".

وحسب ما جاء في التقرير، اعتقل اثنان من النشطاء الذين استهدفوا من خلال الهجوم السيبراني الذي اكتشفته الشركة الأمنية، وهما من الشخصيات المعارضة البارزة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، والصحفي وعضو حزب "الدستور" السابق، خالد داود، وتم اعتقالهما في 25 سبتمبر/ أيلول 2019".

كما أشار التقرير إلى أن الهجوم الإلكتروني على هواتف النشطاء وحسابات بريدهم الإلكتروني، استخدم مجموعة متغيرة من تطبيقات "البرمجيات الخبيثة" لخداع المستخدمين.

وأصبحت تلك الإستراتيجية متبعة بعد أشهر قليلة من وصول السيسي إلى الحكم عام 2014، وبعدها على الفور قرر مجلس الوزراء إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبراني؛ لمواجهة ما أطلق عليه "الأخطار السيبرانية".

وفي فبراير/شباط 2015، أصدر المجلس قرارا بتشكيل لجنة لإدخال تعديلات تشريعية لمنح المحاكم صلاحية النظر في محتوى الويب (المواقع الإلكترونية) وحجب المحتوى، ووافق بعدها مجلس الوزراء في مارس/آذار 2015، على مسودة قانون جرائم تقنية المعلومات.

ثم بدأت القاهرة في الحصول على دعم سيبراني من الدول الغربية بشكل موسع، وببرامج فائقة التطور، منحت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لنظام السيسي القدرة على استهداف ناشطين ومعارضين ومنظمات للمجتمع المدني. 

تتبع منظم 

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الباحث الحقوقي المصري، مصطفى عزالدين: إن "قضايا الشركات التي تمد أنظمة الاستبداد في الشرق الأوسط بمعدات وأدوات ساعدت على القتل والقمع والتعذيب، بالغة الخطورة ومؤثرة داخل نطاق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا". 

وأضاف أن "القوانين هناك صارمة فيما يتعلق بهذا الشأن، وهو أمر يختلف عن البعد السياسي كإقامة علاقات بين نظامين، ولكن أن تتورط شركة بإمداد نظام مثل النظامين المصري أو الليبي وكذلك الأنظمة الخليجية وتحديدا السعودية والإمارات بسلاح أو تكنولوجيا متطورة ساهمت في الانتهاكات، يمكن أن يكلفها مبالغ طائلة وحظرا، وقد يصل الأمر إلى الإغلاق الكامل". 

وتابع عزالدين: "لذلك فإن السبيل الوحيد والمضمون لمتابعة النظام المصري حقوقيا ومحاولة إدانته، يأتي بإدانة تلك الشركات".

ولفت إلى أنه "عندما يحكم قضاء باريس بأن شركات فرنسية ساهمت في التعذيب والقتل داخل مصر، فهذا إقرار ضمني بالجريمة، ويمكن أن يتم البناء عليه مستقبلا أمام المحاكم الدولية، كما حدث تاريخيا في جرائم الانقلابات العسكرية في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية".

وشدد الباحث الحقوقي على "أن هذا يحتاج إلى عمل منظم وترتيب أوراق من المنظمات الحقوقية الموجودة سواء المصرية أو الدولية، حتى لا تضيع حقوق الضحايا، أو يذهبوا في طي النسيان".

وختم عزالدين حديثه بالقول إن "مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني (عام 2016)، هو أحد الأسباب الرئيسة لفتح باب برامج التجسس والتتبع، وهذا مجرد نموذج لضحية من آلاف الضحايا الذين سقطوا بسبب هذه البرامج على يد أنظمة الموت في بلادنا".