"ست الشاي".. سلاح إثيوبيا الاستخباراتي لضرب عمق السودان

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

استطاعت أجهزة الأمن السودانية، ضبط عصابات إثيوبية بولاية القضارف، شرقي إقليم كسلا، بحوزتهم 63 فتاة إثيوبية من قوميات محلية، يرجح أنهم تسللوا إلى الداخل السوداني تحت أغراض استخباراتية تهدد الأمن القومي للبلاد. 

وذكرت وسائل إعلام سودانية، أن آلاف السيدات الإثيوبيات يعملن في بيع الشاي والقهوة بشوارع السودان، فيما يطلق عليه في الثقافة الشعبية السودانية "ست الشاي".

وتشهد العلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا مراحلة متطورة من الأزمة على صعيد مختلف الجبهات، بداية من إشكالية سد النهضة، إلى حرب الفشقة والصراع المستعر على الحدود، الذي حسمته القوات المسلحة السودانية باسترداد الأراضي المحتلة هناك. 

الحكومة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد لم تستسلم بدورها، وطورت المناوشات الحدودية إلى توغل استخباراتي ملحوظ، يهدف إلى جمع المعلومات وإحداث القلاقل، لتمثل وجه الإمبراطور الإثيوبي الديكتاتور هيلاسلاسي، قبل 6 عقود، عندما أرسل استخباراته قديما إلى السودان أيضا، وعاث بها الفساد من تصفيات وانتهاكات لسنوات متتالية. 

تجسس الإثيوبيات 

نشرت صحيفة الأخبار السودانية يوم 17 يونيو/ حزيران 2021، عن مصدر عسكري لم تسمه أن القوات المسلحة السودانية، رصدت تجسس إثيوبيات على السودان تحت غطاء الهجرة. 

وقالت الصحيفة: إن "الجيش السوداني ينظر بريبة لتزايد تهريب فتيات إثيوبيات عبر الحدود المتوترة عسكريا مع ترجيح ممارستهن أنشطة تجسسية ضد انتشار القوات السودانية داخل أراضي الفشقة المحررة". 

وبحسب المصدر العسكري فإن "تزايد عمليات تهريب الفتيات الإثيوبيات في الشريط الحدودي تحت غطاء تجارة البشر يأتي وفق مخطط إثيوبي استخباراتي لإجهاض خطط إعادة انتشار القوات المسلحة السودانية في مواقعها القديمة بالفشقة".

واعتبر المصدر العسكري أن "الجيش الإثيوبي يضم في صفوفه قطاعا من الفتيات ما يحفز قياداته للاتجاه للتجسس وتلقي معلومات عبر انتشار الفتيات الإثيوبيات بزعم تجارة البشر".

وأشار إلى أن "الفتيات يعبرن من خلال مناطق ومواقع عسكرية في حين أن المنطق يحتم أنه في ظل الاضطرابات العسكرية الحالية والمعارك المتوقعة يستبعد تزايد نشاط عمليات الاتجار بالبشر". 

وفي 31 مارس/ آذار 2021، تمكنت شرطة مكافحة التهريب والجمارك السودانية بولاية القضارف من توقيف عصابتين تعملان في الاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة والذخائر، بحوزتهم 63 فتاة إثيوبية من قوميات "الأمهرا والكومنت والأرومو والقمز". 

وتنشط عشرات العصابات في مناطق شرقي السودان في عمليات الإتجار بالبشر، خاصة تهريب الإثيوبيات والإريتيريات والصوماليات إلى البلاد التي تعد معبرا للهجرة غير الشرعية لدول أوروبا، وزاد عليها أنها أصبحت وكرا للتجسس وتهديد السودان برمته، أمام الأطماع الإثيوبية. 

بائعات الشاي 

تحدث الكاتب السوداني "بكري الصائغ" عن الأمر في مقالة بعنوان "كما في الستينيات: (الطابور الخامس) الإثيوبي ينتشر وينشط داخل السودان" يوم 15 يناير/ كانون الثاني 2021، لصالح مجلة "الراكوبة" السودانية.

نشر الصائغ شهادته على العصر فيما يخص تاريخ استهداف الاستخبارات الإثيوبية للسودان على مدار أكثر من نصف قرن. 

وقال الكاتب السوداني: "إن من بين الإثيوبيين الذين دخلوا السودان مؤخرا بعد الاجتياح الإثيوبي لإقليم تكرينيا، وكذلك من بين مئات الآلاف منهم الذين دخلوا سابقا واستوطنوا في عدة مدن سودانية، عشرات الآلاف من بائعات القهوة والشاي والكسرة واللقيما".

وتابع: "كثير منهم عملاء ينتمون لخليات أمنية اثيوبية، وبعضهم يشكلون قوة داخل الطابور الخامس الإثيوبي في السودان". 

وأضاف: "تداعيات الأحداث وطبيعة البيئة الظرفية والديمغرافية في تلك المنطقة الحدودية (الفشقة) تفرز تحديات كبيرة على رأسها العمل الاستخباري، بسبب وجود عدد كبير من لاجئي إثيوبيا ومواطنيها الموجودين في معظم بقاع السودان".

بعض هؤلاء يعملون في المطاعم والكافتريات وأماكن حلاقة الشعر، بالإضافة إلى بائعات الشاي المنتشرات بكثافة حتى في أماكن ليست بعيدة عن المناطق العسكرية، وفق المصدر.

وذكر "رغم تلك التحديات فإن الجيش السوداني قادر بما يمتلكه من إرادة وجرأة على قهر تلك الظروف وإحداث الفارق المطلوب عند أي مواجهة بين الطرفين، كما حدث خلال الفترة الماضية عندما استطاع أن يطرد المليشيات الإثيوبية من الأراضي المغتصبة على الحدود بين الدولتين". 

واختتم حديثه: "المليشيات الأمهرية والجيش الإثيوبي يستخدمان تلك الحيلة الرخيصة للتجسس، من إرسال الفتيات العاملات بالجيش وقيامهن بالمرور عبر نقاطنا العسكرية ومعرفة أماكن تمركز قواتنا وتسليحها من خلال عملهن كبائعات شاي". 

وتنتشر في عموم السودان، والخرطوم تحديدا ظاهرة بائعات الشاي ويتجمع أعداد كبيرة من المواطنين حولهن طوال ساعات اليوم.

واضطرت كثير من النساء بسبب الحروب، والنزوح والفقر في مناطق النزاعات، التوجه إلى المدن السودانية الكبرى لبيع الشاي لإعالة أسرهن، وهو ما تستغله دولة إثيوبيا المتربصة التي تدخل في خلافات وصراعات متعددة مع السودان، في إحداث ثغرات استخباراتية تستطيع من خلالها الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات. 

 

تاريخ قديم

العمل الاستخباراتي الإثيوبي داخل السودان ليس وليد الفترة الآنية، بل هو مستمر منذ عقود طويلة، وتحديدا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، خلال حقبة الإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي، ذلك الديكتاتور الذي حكم بلاده بالحديد والنار. 

وبسبب قبضة الإمبراطور الدموية، وقمعه مئات الآلاف من الإثيوبيين والإرتيريين، الذين أباد منهم الكثيرين بلا رحمة، هرب مئات الآلاف وطلبوا اللجوء إلى السودان، وكان دخولهم للبلاد آنذاك بمنتهى السهولة في ظل عدم وجود حدود واضحة بين البلدين. 

لكن جهاز مخابرات هيلاسلاسي، لم يقف ساكنا واتبعهم في بلد الجوار، إذ أرسل خبراء في مجال الاغتيالات والتصفيات الجسدية، لينتشروا بكثافة شديدة داخل الخرطوم، وبصورة خاصة في مدن كسلا والقضارف وبورتسودان، حيث تمركز فيها معظم النشطاء المعارضين والمطاردين. 

خلال تلك الفترة استطاعت المخابرات بناء صفوف عريضة فيما عرف بـ "الطابور الخامس" الإثيوبي داخل السودان، وهو ما سهل عملية تصفية مئات الناشطين الإثيوبيين بكل سهولة، ونفذ عمليات متعددة مثل زراعة قنابل متفجرة وسط مناطق اللاجئين، واختطاف العشرات ونقلهم إلى معتقلات أديس أبابا المروعة. 

لم تهتم حكومات السودان المتعاقبة حينئذ بـ "الطابور الخامس" الاستخباراتي الإثيوبي، على اعتبار أن الأمر يخص الإثيوبيين، وكذلك عدم المغامرة بخسارة العلاقات مع أديس أبابا. 

لكن ما زرعته إثيوبيا استمر على مر الزمن، واستخدمته في مهام أخرى تتعلق بالسودان نفسه حكومة وشعبا، إذ أصبحت تلك الخلايا تنشط بصورة خبيثة ناقلة أدق المعلومات، ومهددة أمن واستقرار الخرطوم. 

وهو ما تجلى واضحا في الأزمة الحالية مع تعثر مفاوضات سد النهضة، والحرب التي اشتعلت رحاها في منطقة الفشقة الحدودية. وتحاول إثيوبيا أن تسترد موقعها في تلك البقعة الإستراتيجية على الحدود مع السودان. 

 

استخبارات "آبي" 

أما السودان الآن فيواجه نسخة استخباراتية إثيوبية أكثر تطورا من السابقة، فمنذ استلام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مهام منصبه في الثاني من أبريل/ نيسان 2021، سعى إلى ترميم جهاز المخابرات، خاصة وأنه جاء من خلفية استخباراتية، إذ كان عضوا في وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية بالجيش الإثيوبي، وتدرج بها حتى وصل رتبة عقيد عام 2007.

وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أعلن عن إعداد خطة إستراتيجية مدتها 10 سنوات لتغيير أساليب العمل بالجهاز، وإعادة هيكلته بإقصاء الحرس القديم، والسعي إلى استقلاليته بعيدا عن السياسة ومتغيراتها. 

من الناحية الأخرى استعان آبي أحمد، بإسرائيل وجهاز الاستخباات (الموساد) في تعضيد خطته، وهو ما كشفته إذاعة "فانا" الإثيوبية، في 18 يناير/ كانون الثاني 2021.

وقالت الإذاعة: "إن جهاز المخابرات والأمن الإثيوبي اتفق مع جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد على التعاون في مختلف مجالات السلم والأمن ومكافحة الإرهاب".

ووفق الإذاعة الرسمية، جاء ذلك خلال لقاء جمع المدير العام للمخابرات الإثيوبية تيميسجين تيرونه، والمبعوث الخاص لرئيس الموساد السابق يوسي كوهين إلى إثيوبيا وشرق إفريقيا.

وأورد أنه خلال الاجتماع اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات وتحسين القدرات"، وفق بيان للمخابرات الإثيوبية.