تديره المعارضة.. كيف تسعى روسيا لإغاثة الأسد عبر "باب الهوى"؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تجتهد روسيا في سبل البحث عن منافذ تساعد في إنعاش ولو جزء يسير من اقتصاد النظام السوري المنهار وإن كان على حساب قوت النازحين السوريين ومن جيوب الدول الداعمة لهم.

ويصر المجتمع الدولي على قبول النظام السوري بالانخراط في العملية السياسية، قبل أي محاولة لإشراكه في أي مسألة تعود عليه بالنفع المالي الذي تراه الدول فرصة جديدة لمزيد من قمع وقتل السوريين وإخضاعهم لحكمه. 

ودعا رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فولكان بوزكير، في تصريح له في 5 مارس/آذار 2021 لمواصلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا من دون انقطاع، مؤكدا على زيادة الطلب عليها بنسبة 20 بالمئة عما كانت عليه عام 2020.

وتدخل المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري الخارج عن سيطرة رئيس النظام بشار الأسد عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا والواقع شمال إدلب، والذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثة 5 ملايين نازح سوري.

المقلق أن فترة السماح بدخول المساعدات عبر "باب الهوى" تنتهي في يوليو/تموز 2021 وسط تهديد روسي بعدم التجديد إلا بشروط معينة.

وبدأت تتزايد مخاوف السوريين في مناطق الشمال في حال فشل مجلس الأمن الدولي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر "باب الهوى" بسبب التعنت الروسي واستخدام حق النقض، الأمر الذي سيؤدي لإغلاق المعبر.

ونتيجة الفيتو الروسي الصيني، أجبر مجلس الأمن على إغلاق معبر "باب السلامة" مع تركيا، واعتماد باب الهوى وحده فقط لنقل المساعدات لمدة عام كامل منذ 12 يوليو/تموز 2020.

وتسيطر هيئة تحرير الشام على معبر باب الهوى منذ سبتمبر/ أيلول 2017، ولا يمكن تقدير عائدات المعبر المالية بشكل دقيق؛ إلا أنه وفقا لتقارير محلية فإن عائدات المعبر من البضائع المستوردة تبلغ قرابة 10 مليون دولار شهريا.

ويجري عبر المعبر إيصال نحو 85 بالمئة من حجم المساعدات الإنسانية الإجمالي على سوريا، ولهذا يسيل لعاب النظام السوري عليه.

وتتمركز قوات الأسد اليوم على بعد 20 كم من معبر باب الهوى، بعد أن سيطرت على الفوج 46 غرب حلب في منتصف فبراير/شباط 2020، وقطعت بذلك عقدة طرق حلب إدلب القديم وحلب "باب الهوى" باتجاه بلدة الأتارب الخاضعة للمعارضة السورية.

آلة حرب

وشدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في اجتماع مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في 19 مايو/أيار 2021 على وجوب تأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، بحسب بيان للخارجية الأميركي.

وتبدو تصريحات الوزير محاولة لثني موسكو عن إغلاق معبر باب الهوى، لا سيما أن روسيا ومن ورائها الصين نجحا خلال السنوات السابقة عبر فيتو مجلس الأمن في سد 4 معابر أمام دخول المساعدات الأممية للسوريين.

وأرجع رائد الصالح مدير منظمة الدفاع المدني السوري التابع للمعارضة (الخوذ البيضاء)، أسباب تعالي الأصوات المحذرة من إغلاق معبر "باب الهوى"، أو التغيير من وضعه الحالي إلى "وجود كارثة وأزمة إنسانية كبيرة ستحدث إذ أصبحت الأمور بيد النظام السوري". 

ووصف الصالح لـ"الاستقلال" ما يجري بأنه "المرحلة الأخيرة والتي تحاول فيها روسيا سد آخر منفذ بعد إغلاق معبر باب السلامة واليعربية سابقا عبر فيتو مجلس الأمن".

وفسر مدير "الخوذ البيضاء" ما يعنيه استلام النظام السوري إدارة معبر باب الهوى بقوله: "إنه خلال السنوات الماضية كل العالم شهد كيف استخدم النظام الحصار ضد المدنيين كآلة حرب في حمص القديمة والغوطة الشرقية وداريا وكثير من المناطق السورية في تهجير المدنيين من منازلهم".

وألمح الصالح إلى أن "الروس يعملون على محاربة السوريين بلقمة عيشهم من خلال المساعدات والإغاثة التي تقدم من المجتمع الدولي، وخاصة أن موسكو غير مساهمة بها".

ونبه مدير منظمة الدفاع المدني السوري إلى نقطة خطيرة تتعلق بأبعاد سيطرة النظام السوري على معبر باب الهوى، بالقول إن "النظام سيعمد إلى احتكار وإزالة المواد الأساسية من المساعدات الدولية والتي تستخدم في المشافي وكذلك حليب الأطفال واللقاحات".

وهو ما سيؤدي إلى كارثة إنسانية وتبعات على نقص التغذية على الأهالي الذين يقيمون في المخيمات، بحسب تقديره.

وتكمن مهمة عناصر الدفاع المدني المعروفين باسم "الخوذ البيضاء" بإنقاذ حياة آلاف المدنيين السوريين جراء القصف ويوفرون خدمة الإسعاف والإطفاء والبحث تحت الأنقاض وتوثيق الهجمات بواسطة كاميرات مثبتة على الخوذ.

وتصف المنظمات الحقوقية الخوذ البيضاء بـ"الأبطال"، ونالوا عدة جوائز أوروبية، إلا أنهم يتعرضون لحملة تضليل "بشعة" من الإعلام الروسي بهدف تشويه سمعتهم.

وفشلت روسيا في فتح معابر بين مناطق المعارضة السورية والنظام بعد مقترح قدمته في مارس /آذار 2021، شمل مناطق سراقب وميزناز شرق إدلب ومعبر "أبو الزندين" شمال حلب، حسب وكالة "سبوتنيك" الروسية.

جاء ذلك بعد حملة ضغط شعبي تمثلت بإطلاق وسم "#لا_للمعابر_مع_النظام"، للتحذير من عواقب فتح تلك المعابر سواء من أنها "ستشكل متنفسا للنظام المنهار اقتصاديا، أو للفت المشاركين في الحملة الأنظار على الخشية من "انتقال تجارة المخدرات إلى مناطق المعارضة وإغراقها فيها". 

فضلا عن العامل الأبرز والذي أكد عليه المشاركون وهو "الخوف من عمليات اختراق أمنية في صفوف المدنيين والثوار".

تهميش المعارضة

ويبعد باب الهوى الحدودي عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلومترا، وحاولت موسكو في أكثر من موقف تحويل مسار دخول المساعدات إلى النظام السوري.

بدوره ركز الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي، على أبرز الأهداف السياسية والاقتصادية لروسيا من حملتها الرامية لإيقاف دخول المساعدات الأممية عبر معبر "باب الهوى".

بين الدسوقي لـ"الاستقلال" أن "موسكو تحاول الضغط على الأمم المتحدة والجهات المانحة لها لمنح النظام السوري حق احتكار المساعدات الأممية والتنسيق فقط معه".

وهذه السياسة تأتي بحجة أن سوريا عضو في الأمم المتحدة ولا يتوجب خرق سيادتها الوطنية أو التنسيق مع جهات غير شرعية لإدخال المساعدات، وفق قوله.

ونبه الباحث في مركز عمران إلى أنه "في حال تحقق الضغط الروسي فإنه يعني تهميشا مستمرا للمعارضة السياسية واعتبارها تدريجيا غير شرعية".

ولفت إلى أن "موسكو تحاول تكثيف الضغوط على مناطق المعارضة والداعمين لها عبر تأجيج الوضع الإنساني فيها مع منع دخول المساعدات الأممية القادمة من مناطق سيطرة النظام وابتزازها بها".

نوه أيضا إلى أن "روسيا تحاول استغلال ذلك لتحصيل مكاسب مع الدول الداعمة للمعارضة وتوظيف المساعدات الأممية للترويج للمصالحات وفق الرؤية الروسية في مناطق المعارضة". 

وربط الباحث الدسوقي، مساعي موسكو لمنح النظام السوري حق احتكار المساعدات الأممية "بتزايد ضائقته الاقتصادية وتنامي الاحتياجات في مناطق سيطرته".

وأشار إلى أنه "في حال تحقق ذلك فإنه سيوفر للنظام موردا يساعده على تثبيت شبكاته، وتحويل المساعدات لدعم قاعدته الاجتماعية، كما يفعل حاليا".

ويعاني النظام من وضع اقتصادي صعب وخاصة مع تمرير الأسد انتخابات رئاسية غير شرعية، وبالتالي هو بحاجة إلى تنشيط الحركة التجارية لتوفير السلع والبضائع بأسعار رخيصة وبسهولة مقارنة باستيرادها من الخارج.

وحول هذه الجزئية لفت الباحث في مركز عمران إلى أن "تنشيط الحركة التجارية سيوفر موارد مالية لشبكات اقتصاد الحرب والفاعلين فيها مثل الفرقة الرابعة وأمراء الحرب الداعمين للنظام".

لكن لذلك مخاطر متوقعة في حال جرى تنشيط التجارة مع النظام السوري في توظيفها من قبل الأخيرة تتمثل "بتأسيس شبكات منتفعين من الصفقات التجارية في مناطق المعارضة واستغلالها لغايات أمنية وسياسية"، وفق الدسوقي.

درع دفاعي

وتنفس الشمال السوري المحرر الصعداء عقب توقيع اتفاقية "سوتشي" بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في سبتمبر/ أيلول 2018، خاصة أن الاتفاق حد من موجات نزوح بشري جديدة وكان برغبة تركية ملحة.

ويعتبر اتفاق سوتشي بالنسبة لتركيا وروسيا حجر الأساس لضبط الوضع في إدلب ومنعه من الانزلاق والعودة إلى نقطة البداية.

شمل الاتفاق عشرة بنود أبرزها الإبقاء على منطقة خفض التصعيد بإدلب المبرمة في 4 مايو /أيار 2017، وضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على المحافظة.

وكذلك إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومترا على خطوط التماس بين قوات الأسد وفصائل المعارضة عند أطراف إدلب، وأجزاء من ريف حماة الشمالي، وريف حلب الغربي، وريف اللاذقية الشمالي.

كما ينص الاتفاق التركي الروسي على استعادة حركة (الترانزيت) عبر الطريقين ( M4 حلب- اللاذقية) و(M5 حلب- حماة)، وضمان نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب.

ولطالما أشادت الأمم المتحدة بالاتفاق ورحبت بنتائجه، ووصفته بأنه حال دون وقوع كارثة إنسانية، ودعت كلا من النظام والمعارضة إلى الالتزام بنتائجها.

إلا أن قوات الأسد وروسيا خرقتا الاتفاق الذي جاء مكتوبا على شكل بروتوكول تم التوقيع عليه وليس اتفاقا شفهيا، وقصفت قرى وبلدات أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى بالعشرات من المدنيين، في محاولة لفرض أمر واقع جديد في إدلب.

وأبرز تلك الهجمات استهداف الطيران الروسي بتاريخ 21 مارس/آذار 2021، محيط معبر باب الهوى، الذي طال معملا للإسمنت وكراجا للشاحنات مما تسبب بحرائق وخسائر مادية كبيرة.

وكشف استهداف المعبر النوايا المستقبلية لروسيا لتوتير الأجواء في الشمال السوري بهدف حرف مسار دخول المساعدات إلى النظام.

وإلى اليوم، لم ترسم حدود سوتشي بعد وما يزال الاتفاق يتلقى اهتزازات وصلت في أكثر من مرة إلى نقضه من قبل النظام السوري وروسيا.

وخاصة عقب مقتل 34 جنديا تركيا بغارة جوية في منطقة بليون غرب إدلب بتاريخ 27 فبراير/شباط 2020، واتهمت أنقرة وقتها النظام السوري بالوقوف وراءها.

وردت تركيا بإطلاق عملية "درع الربيع" العسكرية بهدف إرجاع قوات الأسد إلى حدود "سوتشي"، حيث نجحت بفرض معادلة عسكرية جديدة توجت بتوصل أردوغان خلال زيارة خاطفة لروسيا في 5 مارس/آذار 2020، إلى اتفاق جديد مع بوتين لوقف إطلاق النار بإدلب وصنف كملحق باتفاق سوتشي عام 2018.

وتمكنت تركيا عقب "درع الربيع" من تدعيم وجودها العسكري في إدلب عبر خلق درع دفاعي عنها، بات اليوم يشكل سدا منيعا أمام أي محاولة لتقدم قوات الأسد أو خلط الخارطة العسكرية الحالية.

وفي هذا السياق يرى مدير مركز القارات الثلاث للدراسات الباحث السوري أحمد الحسن، أن الشروط الروسية المتكررة جرى "رفضها سواء من تركيا أو من الدول الفاعلة في الملف السوري"، مردفا "أنها مرفوضة حاليا".

وبين الحسن في تصريح لـ "الاستقلال" أن روسيا تسعى إلى ما سماه "طرحا بديلا يشمل آلية مشاركة روسية في الطرق التي توجد في مناطق المعارضة وهيئة تحرير الشام بحجة الإشراف التركي الروسي المشترك على العمليات الإنسانية".

وأضاف أن "تركيا ترفض هذه الخطة وتطالب روسيا بأن تكون هذه الإدارة المشتركة ضمن سوتشي 2018 ومخرجاتها والتي تشمل انسحاب النظام السوري إلى حدود نقاط المراقبة السابقة التي انسحبت منها أنقرة".

هذا إضافة إلى إدارة مشتركة تركية روسية للمنطقة منزوعة السلاح التي تشمل ما بين النقاط التركية السابقة والحالية، وفق الحسن.