كشفتها رسالة إلى أتاتورك.. نبوءة لمفتي القدس تتحقق بعد 84 عاما
تحدثت صحيفة "خبر ترك" عن ما وصفته "خبرا كاذبا" جرى تداوله عبر وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يتعلق بمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك والقدس.
وأوضح الكاتب مراد بارداكجي أن الخبر يقول بأن أتاتورك قال في صيف عام 1937: "نحن مستعدون للتضحية بدمائنا من أجل ضمان بقاء الأراضي المقدسة بيد المسلمين والتي هي آخر وصايا النبي".
وبين الكاتب أن هذا كان تفاخرا مصطنعا ظهر في الهند في ذلك التاريخ، وكتب: "لا تصدقوا الأمر".
وأضاف: واليوم، سأقوم بنشر وثيقة "حقيقية" تتعلق بكل من أتاتورك وفلسطين كتبت في نفس الصيف وهي ما زالت محفوظة حتى اليوم في الأرشيف الرئاسي.
وتمتلئ هذه الوثيقة التي هي عبارة عن رسالة أرسلها أمين الحسيني، مفتي القدس الأكبر والزعيم الديني للسنة، إلى أتاتورك في 19 يوليو/تموز 1937، بالعبارات التي تبدو وكأنها نبوءة أو كهانة لما سيحدث بعد 84 سنة.
القصة كاملة
ويقول بارداكجي: إن الذين يجرون دراسات حول فلسطين والقدس يعرفون أمين الحسيني وحياته جيدا، لكني سأقدم معلومات مختصرة عن المفتي الأكبر وأحكي لمن لا يعرفون، قصة حياته التي كانت مليئة بالحركة والنشاط لدرجة أنها فاقت ما يقدم في أفلام المغامرات.
وأردف: ولد أمين الحسيني في القدس في عام 1897 كمواطن عثماني. وكان في الوقت ذاته أحد أفراد عائلة عريقة احتفظت بمفاتيح كنيسة المهد، المكان المقدس للمسيحيين.
وبعد أن أكمل تعليمه الديني، شارك في حرب تشناق قلعة. وهنا وبعد وفاة شقيقه كامل الحسيني، مفتي القدس الأكبر في عام 1921، تم تعيينه في منصب "المفتي الأكبر" وهو في عمر الرابعة والعشرين فقط، ليبقى في منصبه هذا حتى عام 1948.
وبما أن البريطانيين الذين أنشؤوا انتدابا في المنطقة، حكموا عليه بالسجن لعشر سنوات لأنه كان أحد رواد النضال ضد الهجرة اليهودية المتزايدة إلى فلسطين في تلك السنوات، فقد انتقل الحسيني إلى سوريا، التي كانت تحت حكم الفرنسيين آنذاك، وفق الكاتب.
ومع أنه عاد إلى القدس بعد ذلك، إلا أنه اضطر إلى أن يغادر مسقط رأسه في عام 1937 مرة أخرى.
وتابع: خلال الحرب العالمية الثانية، تقارب الحسيني مع الألمان والتقى بالزعيم النازي أدولف هتلر في برلين عام 1941 طالبا دعمه لطرد اليهود من فلسطين.
وهنا عمل مراقبا على القوات البوسنية والكرواتية والتتارية التي أنشأها الألمان، ونشر رسائل جهادية للجنود المسلمين، حتى أنه أجرى تدريبات على إطلاق النار برفقتهم، وكان يعرف في الغرب باسم "مفتي هتلر". لكنه اعتقل بعد هزيمة الألمان ووضع تحت الإقامة الجبرية في فرنسا.
واستطرد: وعندما قيل بأنه سيتم محاكمته على أنه مجرم حرب، هرب من فرنسا وذهب إلى القاهرة، ومنها إلى غزة ليؤسس حكومة فيها لم يعترف بها سوى عدد قليل من الدول الإسلامية، ولم تدم طويلا.
وأخيرا انتقل من مصر إلى لبنان واستقر في بيروت حتى وفاته عام 1974، وذلك بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948.
ومع أنه كانت هناك محاولات لتحقيق رغبة الحسيني ـ الذي كان قد أوصى بأن يدفن في القدس ـ إلا أن إسرائيل كانت ترفض ذلك دائما بزعم أنه "كان يعلم ويدعم الإبادة الجماعية اليهودية بكل تفاصيلها وأنه كان قريبا من هتلر".
ويقول الفلسطينيون إن نقل ضريح الحسيني الذي لا يزال في بيروت إلى القدس، أول عمل يجب فعله بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، بحسب الكاتب التركي.
المخاوف المتحققة
ولفت بارداكجي قائلا: أرسل المفتي الأكبر أمين الحسيني، الذي عاش حياة مليئة بالمغامرات، رسالة تتكون من 13 صفحة إلى أتاتورك في 19 يوليو/تموز 1937.
وكان يقول فيها إن البريطانيين أعدوا "تقرير لجنة المملكة" حول فلسطين، وأن هناك خطرا داهما ينتظر البلد في حال تم تنفيذ التقرير الذي يرى بوجوب تقسيمه.
وأن "العالي" أي "اللجنة التنفيذية العليا" التي أسسها المسلمون الفلسطينيون والمسيحيون تبذل جهودا كبيرة لمنع ذلك ويطلب دعم أتاتورك "لإنقاذ فلسطين من شر التهويد والتمزق".
وقال: تحققت جميع المخاوف التي ورد ذكرها في خطاب المفتي الأكبر وكأنها نبوءة أو كهانة، من مثل "إذا سمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين سيصبح المسلمون أقلية في القدس"، و"أنه سيتم انتزاع ومصادرة بيوت العرب وممتلكاتهم"، أو "أنه سيتم إلحاق القدس بالدولة اليهودية حال قيامها في يوم من الأيام، في السنوات التالية.
وتابع: وسأقتبس هنا، بعض أجزاء من الرسالة التي كتبها أمين الحسيني إلى أتاتورك.
يبدأ المفتي الأكبر رسالته المكونة من 13 صفحة، بعبارة "إلى فخامة السيد الغازي أتاتورك، القائد العظيم لجمهورية تركيا العظيمة، أكرمه الله بتأييده".
وفي إشارة إلى أن فلسطين سيتم تقسيمها بما يضر بالمسلمين والأخطار المتوقعة يقول في الصفحات التالية ما معناه:
"مما لا شك فيه أن هذه المنطقة، وخاصة مدينة القدس، ستكون مكانا يؤوي المهاجرين اليهود لامتلاء منطقة اليهود أو لرغبة بعض منهم بالعيش تحت الحماية البريطانية من ناحية".
بينما سيضطر العرب الذين يكرهون الانتداب ـ بعد أن يدركوا بقاءه ـ إلى مغادرة منطقة الانتداب على الناحية الأخرى، وذلك إما برغبة شخصية منهم أو مدفوعين بأسباب أخرى مثل الظلم والتعسف الذي سيلقونه.
وجاء أيضا: "وهكذا، سيصبح غالبية السكان في هذه المنطقة من اليهود خلال فترة وجيزة من الزمن، وسيتعرض المسلمون في القدس لأنواع من الظلم والخيانة، وبالتالي سيصبحون أقلية في مواجهة أغلبية اليهود الساحقة".
ونتيجة لذلك "ستصبح هذه المنطقة يهودية وسيتم إلحاقها بالدولة اليهودية مع مرور الزمن. وستصبح الأماكن المقدسة وخاصة المسجد الأقصى والحرم الشريف تحت رحمة اليهود وتهديدهم وسلطتهم الفعلية. وكل مسلم يستطيع فهم جشع اليهود وآمالهم من كلامهم"، وفقا للكاتب.
وأضاف: كما كتب أمين الحسيني في رسالته إلى أتاتورك: "إن العرب المسلمين والمسيحيين في هذه الأرض المقدسة يتطلعون بفارغ الصبر والقلق إلى نتائج جهودكم لإنقاذ بلادهم من شر الإمبريالية والتهويد والتشرذم والحفاظ على حقوقهم الوطنية والدينية والطبيعية".
واختتم بارداكجي مقاله قائلا: "لا بد أنكم تساءلتم حول ما إذا كانت أنقرة قد ردت على هذه الرسالة. إنني أتساءل عن ذلك أيضا، خاصة وأنني لم أجد أي وثيقة تتعلق بالرد عليها في الأرشيف".