"خارجة عن السيطرة".. ما الذي يعنيه خطاب مليشيات إيران في العراق؟

قسم الترجمة | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعتبر "المليشيات الخارجة عن السيطرة" ودوافعها ومحركوها إحدى المشاكل المطروحة على أجندة الحكومة العراقية والرأي العام العراقي، بل وحتى الولايات المتحدة إلى حد ما.

وهي في ذات الوقت مبرر جديد تستخدمه الجماعات الموالية لإيران في العراق لإنكار ارتباط طهران بالأنشطة التي تنفذها المليشيات المرتبطة بها مباشرة.

ويقول مركز دراسات إيران "إيرام" في مقال للكاتب والباحث زيدون الكناني: "كما هو الأمر في العديد من الأزمات أو الصراعات السياسية الإقليمية الأخرى، تتطلب الجغرافيا السياسية العراقية فهما لتعقيداتها أكثر منها تقديم مقاربات مشتركة".

فمثلا، لا يجب تقييم مليشيا الحشد الشعبي في إطار كونها منظمة "ذات أغلبية شيعية" أو "موالية لإيران"، بتجاهل التنافس الشيعي، الذي يشكل مفارقة أيديولوجية وسياسية مهمة بين إيران والعراق.

خلفية الخطاب 

ويقول الكناني: بدأت هذه المفارقة تظهر نفسها باطراد خلال "ثورة تشرين (2019-2020)" في العراق، خاصة أن الحشد الشعبي قد اكتسب شهرة واسعة وشعبية كبيرة في العديد من المناطق بعد هزيمته تنظيم الدولة في عام 2017.

وأضاف: هاجمت مليشيات الحشد الشعبي المتظاهرين السلميين من الشيعة لتبدو المفارقة الطائفية واضحة وضوح الشمس. 

فقد كانت حرب المليشيات الموالية لإيران في الحشد الشعبي ضد تنظيم الدولة لدعم الطبقة السياسية الموالية لطهران في بغداد أكثر منها لحماية العراق أو المجتمع الشيعي فيها.

ويقول الباحث: إن رغبة إيران في الحفاظ على سلطتها ونفوذها في العراق خاصة في الوقت الذي تهدد فيه الجماعات هذه الطبقة السياسية التي تمثلها، تبدو واضحة في تصريحات السفير الإيراني (إيرج مسجدي).

ونقل أن تصريحات السفير مناهضة للاحتجاجات، وأن رغبة حفاظ طهران على نفوذها واضحة أيضا في سلوك الأحزاب والجماعات السياسية الموالية لإيران التي تهاجم المتظاهرين سياسيا وجسديا. 

ويستدرك قائلا: تمتلك إيران ما يقرب من 200 ألف جندي أجنبي مسلح غير رسمي، منهم الدائمون وغير الدائمين.

 فيما تدار شبكة القوات الوكيلة عن إيران في المنطقة ـوخاصة في العراق ولبنان وسورياـ من قبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري. 

أما المساندة التي تقدمها إيران لقواتها بالوكالة فيتمثل في الدعم اللوجستي والمالي والتدريبي وتقديم المعدات وعناصر الدعم الأخرى.

وعلى الناحية الأخرى يقال بأن عدد الجنود الأميركان في المنطقة يبلغ حوالي 110 آلاف جندي. وعلى عكس وكلاء إيران، تتمركز القوات الأميركية في ثكنات وقواعد عسكرية رسمية. 

وهنا من المهم مقارنة الوجود العسكري الأميركي والإيراني في المنطقة لفهم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في العراق، يلفت الكاتب.

ذلك أن العراق يمثل الساحة التي تنفذ فيها واشنطن إستراتيجيتها العسكرية ضد القوات الموالية لإيران في الوقت التي تشكل فيه بؤرة الصراع في الحرب غير المتكافئة التي شنتها طهران ضد الولايات المتحدة.

ووفقا لتقرير نشره مركز "راند" للدراسات حديثا، فقد تبنت إيران سياسة القوات بالوكالة كخطوة مضادة لسياسات "الضغط القصوى" التي تطبقها الولايات المتحدة عليها وكذلك لانسحاب واشنطن من جانب واحد من الاتفاق النووي. 

كما يدعي التقرير أن السبب الرئيس خلف إنكار إيران المستمر لعلاقاتها مع المليشيات في العراق هو "رغبتها في تجنب حرب تقليدية مع الولايات المتحدة لا تستطيع الانتصار فيها".

ويقول: كانت المليشيات المدعومة من إيران في العراق موجودة على ثلاث جبهات رئيسة في ثورة 2019: جبهة تواجه المحتجين المناهضين للحكومة والطوائف، وثانية تستهدف الجنود الأميركيين وقواعدهم، وثالثة تعمل على تقدم حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإحلال الاستقرار السياسي والأمني.

ويمكن القول بأن الجبهة الأولى كانت رد فعل على الإجراءات المتخذة ضد تدخل إيران في الشؤون الداخلية العراقية. 

فيما يمكن القول بأن الجبهة الثانية كانت ردا على سياسات الضغط القصوى التي تتبناها الولايات المتحدة. 

أما الجبهة الأخيرة فقد كانت حيث ولد مفهوم وخطاب "المليشيات الخارجة عن السيطرة"، بحسب الكاتب. 

خطة خبيثة

واستطرد الكناني قائلا: استمرت القوات الوكيلة لإيران في العراق في مهاجمة العناصر الأميركية بانتظام بعد هجمات واشنطن التي استهدفت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في يناير/كانون الثاني 2020.

وجدير بالذكر هنا أن تحركات الجماعات الموالية لإيران المناهضة لواشنطن كانت السبب الرئيس لاستهداف الولايات المتحدة لسليماني والمهندس في هذا الهجوم. 

وتمثلت هذه التحركات بالهجوم الصاروخي الذي استهدف القوات الأميركية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ومقتل مواطن أميركي في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019، والهجوم على السفارة الأميركية في بغداد في 31 من ذات الشهر، أي بعدها بأيام.

وبحسب مؤسس ومدير المركز العربي الأسترالي للدراسات الإستراتيجية أحمد الياسري، فإن "المليشيات الخارجة عن السيطرة ليست مفهوما تكتيكيا جديدا بما أن إيران تصرح علنا بأن فيلق القدس التابع للحرس الثوري هو من يقودها".

ويقول: كانت كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء هي من تقود "المقاومة" من حيث الخطاب السياسي والتنسيق والأنشطة اللوجستية.

 لكن، وفي الأشهر الأخيرة، ظهرت مجموعات جديدة مثل عصبة الثائرين وسرايا قاصم الجبارين وأصحاب الكهف وربع الله. وتقول الادعاءات بأن هذه الجماعات الناشئة تتحرك خارج سيطرة إيران.

ووفقا لتقرير نشره معهد واشنطن للدراسات حديثا، فإن هذه المجموعات ليست كيانات منفصلة، وإنما مجموعات صغيرة تتولى أنشطة محددة في كتائب حزب الله وغيرها من المليشيات الكبرى.

 فالأمر عبارة عن خطة تعتمد على توسيع المليشيات وزيادة أعدادها تحت أسماء مختلفة لتعقيد أي محاولة تقوم بها حكومة الكاظمي أو المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين، يلفت الكاتب العراقي.

ويردف قائلا: وبحسب إينا رودولف التي تعمل كباحث مساعد في المركز الدولي لدراسة التطرف، فإنه "سيكون من الصعب للغاية في المستقبل القريب، معرفة أي من المجموعات الجديدة الناشئة تشكل أكبر المليشيات، وأيها الأكثر راديكالية، وأيها تعمل كقناة اتصال متنقلة.

ويتابع: إضافة إلى ذلك، وبحسب الياسري، فقد "قلصت المليشيات من أنشطتها الإقليمية على الحدود السعودية والسورية وأعادت تركيزها على هدف إخراج القوات الأميركية من العراق بعد اغتيال سليماني وثورة تشرين. 

وبهذا غيرت إيران موقف المليشيات العدواني إلى آخر دفاعي، الأمر الذي يعني أنها لم تفقد سيطرتها عليها.

ورقة رابحة

ويعتبر الكناني أنه كان متوقعا من المليشيات أن تخرج عن السيطرة بعد الفراغ الذي خلفه اغتيال سليماني، بما أن شبكة القوات الوكيلة عن إيران في العراق تأثرت بشدة بذلك الاغتيال.

ويشرح ذلك بالقول: كاريزما سليماني وطلاقته في اللغة العربية وإلمامه بالمليشيات العراقية والقادة السياسيين، ومعركته ضد تنظيم الدولة التي أسفرت عن تشكيل الحشد الشعبي، أصبحت من الفجوات والمسؤوليات الثقيلة".

وهذه المسؤولية وجب على إسماعيل قاآني (خليفة سليماني) تغطيتها وتحملها، بما أنه لا يملك مثل هذه الميزات كقائد منتخب لفيلق القدس التابع للحرس الثوري.

ويستدرك: وهنا، تجدر الإشارة إلى أن المظاهرات العسكرية المناهضة للحكومة في العراق والهجمات على البعثات العسكرية الأميركية بالطائرات المسيرة والهجمات الأخيرة في أربيل كلها توصف بأنها "أعمال لا يمكن السيطرة عليها".

ووفقا لرودولف، فإن فشل إيران في السيطرة على المليشيات لا يعني أنها لن تستفيد من الوضع الراهن، فهي قد تتبنى إستراتيجية مراقبة صامتة في انتظار نتائج محادثات فيينا (بشأن الاتفاق النووي).

 فقد يذهب صانعو القرار في إيران إلى الإيهام بأن الفوضى الحالية نتيجة متوقعة لتراجع طهران وتوقفها عن التدخل في شؤون العراق الداخلية، أو قد يذهبون إلى إنكار علاقتهم بها وذلك بحسب هذه النتائج.

ويشير الباحث إلى أن جميع الخطوات التي تتخذها المليشيات بمعزل عن إيران تخدم مصالح إيران بشكل أو بآخر؛ فإيذاء حكومة الكاظمي واستهداف حكومة إقليم كردستان العراق من خلال مليشيات الحشد الشعبي الموالية للعراق لتضارب مصالحهما في منطقة سنجار ليست أهدافا بعيدة عن أجندة طهران. 

إذ تظهر جميع المليشيات المذكورة أعلاه التزامها بمرشد الثورة، وتنسيقها لوجستيا وسياسيا مع فيلق القدس، كما وتتحرك في كثير من الأحيان وفقا للأجندة الإيرانية. 

ويختم الكناني مقاله بالإشارة إلى أن فكرة "المليشيات الخارجة عن السيطرة" توسع الخطاب الإيراني حول عدم كفاءتها ومصداقيتها في السيطرة عليها.

كما وتؤدي إلى تقييم العلاقة بين إيران وهذه المليشيات بشكل خاطئ؛ فهي تظهر أن العراق يمتلك بنية معقدة للغاية ومتعددة الأطراف، وبالتالي يغطي ويخفي قدرة طهران على إنهاء قوة وسلطة المليشيات في السياسة العراقية.

وبالنظر إلى حقيقة أن المليشيات هي أقوى سلاح سياسي لإيران في السياسة العراقية، فإن قيام طهران بإنهاء سلطتها غير متوقع في المستقبل القريب. 

خاصة وأن إيران تملك سيطرة دائمة على وكلائها وتأثيرا كبيرا حتى على الجماعات التي بدأت في التحرك بشكل مستقل شيئا فشيئا، بحسب الكاتب.