من الخذلان إلى المؤازرة.. لماذا تحولت لهجة إعلام السيسي تجاه فلسطين؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مغالاة الأذرع الإعلامية للنظام المصري في عداء المقاومة الفلسطينية، والهجوم المتكرر على قطاع غزة، بالإضافة إلى ترويج التطبيع، جعل من تغطيتها للعدوان الإسرائيلي الحالي، من حيث الانحياز غير المعتاد للشعب الفلسطيني، والهجوم على كيان الاحتلال، محل "شك وارتباك". 

هذا "الشك" مبرره أن الآلة الإعلامية بمصر لا تعمل من وحي أفكارها، بل تحركها أجهزة المخابرات منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، ولطالما تباينت رؤيتها للقضية الفلسطينية، التي شهدت خلال السنوات الماضية أحداثا جساما، بداية من العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وصولا إلى اعتراف أميركا بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي عام 2017. 

وما بين الصمت وتبرير العدوان وتشويه المقاومة كانت أجندة إعلاميي النظام حاضرة، وهو الحال الذي انقلب الآن إلى النقيض، فلماذا تغيرت نبرة إعلام النظام تجاه فلسطين؟ وإلى أي مدى انعكس ذلك على الشارع المصري؟ 

عار 2014 

عندما اندلع العدوان الإسرائيلي على غزة في يوليو/ تموز 2014، فيما عرف بعملية "الجرف الصامد" حسب الإعلان العبري، وهو ما قابلته المقاومة في القطاع بمعركة "العصف المأكول" والتي خلفت نحو 2147 شهيدا مدنيا خلال 50 يوما، كان إعلام نظام مصر آنذاك يصب جام غضبه على حركة "حماس"، محملا إياها "ذنب" المذبحة القائمة. 

من بين هذه الأبواق، الإعلامي أحمد موسى، المقرب من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، وجه حينها رسالة لقادة حماس، وهم يخوضون غمار الحرب، قائلا: "والله لتدخلوا جهنم"، في إشارة منه إلى أنهم السبب الرئيس في الحرب، ولم يوجه اللوم إلى جيش الاحتلال. 

بدوره، ذهب الإعلامي توفيق عكاشة، الذي كان في أوج مجده باعتباره من أوجه إعلام الانقلاب العسكري بقيادة السيسي، إلى أبعد من ذلك، عندما صب جام غضبه على غزة، قائلا باللهجة العامية: "بلا غزة بلا مصيبة"، وطالب إسرائيل باجتياح القطاع بريا، في سابقة مشينة لم يشهدها الإعلام العربي في تاريخه. 

كذلك فعلت المذيعة أماني الخياط، المحسوبة على الأجهزة الأمنية، عندما حملت المقاومة مسؤولية دمار قطاع غزة، لأنها "استفزت إسرائيل" حسب ادعائها.

وتداول ناشطون آنذاك مقاطع تحريضية قديمة للإعلامي عمرو أديب، أحد أبرز أوجه إعلام النظام، حين وصف حركتي "فتح" و"حماس" بـ"الكفرة.. الذين يستحقون ما يحدث لهم على يد إسرائيل".

وقال الناشطون إن مثل هذه المقاطع التحريضية، كانت تمهيدا للرأي العام أن يقبل إراقة دم الشعب الفلسطيني، وأن يتساهل مع عدوان الاحتلال على المدنيين والمقاومة. 

وهو ما دعا الممثل المصري عمرو واكد، للهجوم على تلك الأذرع حينها، واصفا إياها بـ"إعلام الخزي والعار"، بسبب نعت عناصر المقاومة الفلسطينية في غزة بـ"الإرهابيين".

وقال واكد، عبر حسابه بموقع فيسبوك: "إعلام الخزي والعار، ستحاسبون في الدنيا والآخرة، مكانكم النار من سلم الخدامين".

انقلاب كامل 

واقع إعلام النظام المصري القديم تهاوى في الفترة الحالية، مع انتفاضة القدس، وأحداث حي "الشيخ جراح" التي بدأت في 7 مايو/ أيار 2021، ومن ثم العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة.

وانقلبت مواقف هؤلاء الإعلاميين بشكل كامل، فبعد أن أيدوا العدوان سابقا، أصبحوا داعمين للمقاومة ولحق الشعب الفلسطيني، ومنهم عمرو أديب الذي ظهر عبر برنامجه "الحكاية" في 11 مايو/ أيار 2021، ووجه رسالة لسائر الأمة العربية قائلا: "أرجوكو انسوا أي خلافات.. انسوا كل حاجة وافتكروا القدس وقبة الصخرة والمسجد الأقصى".

أحمد موسى، بدوره، لم يتوان عن المشاركة في الأحداث من خلال حلقة كاملة من برنامجه "على مسؤوليتي"، قال فيها إن "القدس ستبقى عاصمة دولة فلسطين رغم أنف الاحتلال الإسرائيلي". 

هذه "التقلبات الشديدة" في المواقف ذكرت بالمقطع الشهير عام 2015، للإعلامي تامر أمين، المقرب من الأجهزة الأمنية، عندما قال كلمته الشهيرة "احنا (نحن) المذيعين شياطين، نقدر (نستطيع) نقلب الحق باطل والباطل حق، وأننا نجعل إنسان ملاك بجناحين أو شيطان فيه سواد الدنيا".

سحرة فرعون 

الإعلامي المصري أسامة جاويش، كتب عبر صفحته على موقع "فيسبوك" عن تعامل الجهاز الإعلامي للنظام المصري مع الأحداث الأخيرة: "هاتفني صديقي قائلا: هل تتابع الموقف المصري؟ هل آمن سحرة فرعون حقا؟".

وأضاف: "أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 كان الموقف الرسمي المصري هزيلا ضعيفا، وربما ارتقى لكونه موقفا متآمرا على الشعب الفلسطيني، ومتجاهلا معاناته والدماء التي أريقت بسبب القصف الإسرائيلي الغاشم". 

وتابع: "لم يتحدث السيسي أو وزير الخارجية سامح شكري، آنذاك، عن دعم الشعب الفلسطيني، ولم يصف إعلامه إسرائيل بدولة الاحتلال، وكان التعاطي مع صواريخ المقاومة تعاطيا سلبيا، وحمل اتهامات كثيرة كالتي تروجها قناتا العربية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية في هذه الأيام". 

وأردف جاويش: "تعودنا منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، على خطاب مصري رسمي بقيادة السيسي وأذرعه الإعلامية ينصب في اتجاه واحد فقط، وهو شيطنة قطاع غزة وفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس".

 

فيما كتب الصحفي المصري وائل قنديل، عبر صفحته على "فيسبوك" محللا سلوك إعلام النظام، "مطلوب أن نصدق ونبصم بالعشرة على أن الشخص الذي كان يستمتع بتدمير المقاومة الفلسطينية في عدوان 2014 هو نفسه الشخص الذي يقول الطبالون اليوم، إنه يتخذ موقفا غير مسبوق لنصرة فلسطين والمقاومة".

وأضاف "واضح أننا نحتاج إلى معرفة الفرق بين تعزيز  المقاومة وتسويق المساومة، لكي نفهم طبيعة تحركات نظام السيسي". 

وشدد قنديل على أنه "لا مفر من التذكير بأنه في العام الأول لتولي السيسي الحكم، بانقلاب مدعوم إسرائيليا، شن الاحتلال عدوانا همجيا على غزة، باركته قطاعات كبيرة من النخب المرتبطة بسلطة الانقلاب، من اليسار والقوميين والناصريين وبعض الإسلاميين من السلفيين، بلغ بهم الجنون حد اعتبار المقاومة الفلسطينية إرهابية، أو امتدادا لما وصفوها بالجماعة الإرهابية في مصر". 

من جانبه، أشار الناشط السياسي المصري مصطفى الحسيني، إلى أن "النظام في مصر منذ عقود يقدم نفسه للولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كضامن للاستقرار". 

واستدرك قائلا: "بعد عمليات التطبيع الأخيرة (خلال عام 2020) بقيادة الإمارات بدا أن الدور المصري تراجع في قضية السلام، وهو ما أقلق القاهرة، لذلك انتهزت فرصة اندلاع هذه الانتفاضة لتحاول العودة لدورها القديم، خاصة وأن إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن تتمنع على السيسي منذ قدومها".

وخلص الحسيني إلى أن "الموقف المصري يهدف لإغراء الأميركان بالتواصل مع السيسي بدلا من التجاهل الحالي، وإشعارهم أنه الرجل المناسب". 

ذاكرة السمك 

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الباحث السياسي محمد ماهر: إن "الإعلام المصري يتعامل مع القضية الفلسطينية بنفس منطق تعامله مع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، عندما قام بتأييد حسني مبارك ودعا إلى سحق الثوار، وبعد سقوط مبارك تحول إلى تأييد الثورة، معتمدا على ما يطلق عليه (ذاكرة السمك) وأن الجماهير ستنسى الأحداث سريعا". 

وأضاف: "على مدار سنوات طويلة قام إعلام نظام السيسي بتشويه المقاومة الفلسطينية، ووصل الأمر إلى دعم العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، والتأييد المطلق لحصار ملايين الفلسطينيين داخل القطاع، ومنع السلع الأساسية والعلاج عنهم، في واحدة من أسوأ فترات تطبيع الدولة المصرية في تاريخها".

وشدد ماهر على أن "الآلة الإعلامية في مصر ليست معبرة عن الشعب أو حتى نفسها، والمتصدرون للمشهد الإعلامي لا يتحركون من بنات أفكارهم، ومشاعرهم الوطنية، بل وفقا لتوجيه أجهزة المخابرات والسلطة، فهم مجرد أبواق تؤمر فتطيع على الفور".

وتابع: "لو جاءت التعليمات بمهاجمة حماس والمقاومة وغزة، فسينفذون ذلك فورا، كما حدث عام 2014، والعكس كذلك إذا أمروا بالتأييد والدعم يفعلون مثلما يحدث حاليا". 

وأكد ماهر أن "الشعوب لها مواقفها الخاصة ومبادؤها بعيدا عن الإعلام، فالشخص الذي ينتظر أن تحركه القنوات الفضائية والإعلاميون أمثال أحمد موسى، ونشأت الديهي، وتوفيق عكاشة، لا يعول عليه ولا يرجى منه خير في نصرة قضايا بلاده".

وأردف: "إذا كان هؤلاء الإعلاميون صادقون في نصرتهم لقضية فلسطين، لماذا لا يطالبون بفتح المعابر، وفك الحصار المفروض على غزة؟ لماذا لا يطالبون بمظاهرات دعم للقضية في الشوارع والميادين الكبرى؟ وقد رأينا مدن العالم تنتفض ضد العدوان الإسرائيلي، فيما يتم منع أي مظهر للدعم الميداني في مصر؟". 

وقال الباحث السياسي: "نحن أمام حالة دعم كاذبة ومؤقتة، سرعان ما ستتبدل بتبدل الأحداث والمواقف".

وختم ماهر حديثه قائلا: "هي رسالة سياسية موجهة من قبل النظام المصري إلى إسرائيل، أن القاهرة طرف أساسي في معادلة التوازن العربي، ولا يمكن استبدالها بالتطبيع مع الأنظمة الخليجية كالإمارات والبحرين، أو تحسين العلاقات مع السعودية، فلا شك أن تطبيع الخليج أقلق النظام الذي استغل فرصة انتفاضة القدس، وخلق تلك الحالة المستغربة".