فضحوا "إنسانيتها المزيفة".. كيف كشف المهاجرون وجه أوروبا الحقيقي؟

4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يوما بعد آخر، تتصاعد وتيرة الانتهاكات الأوروبية تجاه المهاجرين غير النظاميين، سواء على الحدود البرية أو داخل المياه الإقليمية، حتى باتت هذه الممارسات هي القاعدة الأساسية في القارة العجوز. 

وخلال الأشهر الأخيرة كررت العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية والأمم المتحدة مناشدتها للاتحاد الأوروبي لإنقاذ مهاجرين في البحر والسماح لهم بالوصول إلى الحدود، إلا أن تلك المناشدات لم تجد "آذانا صاغية"، وهو ما تسبب في وفاة المئات من المهاجرين غرقا.

قتل متعمد 

وانتقدت منظمات دولية غير حكومية في 24 أبريل/نيسان 2021، تقاعس الدول الأوروبية في إنقاذ 172 مهاجرا كانوا على متن 3 قوارب في البحر الأبيض المتوسط، يومي 20-21 أبريل/نيسان 2021.

وكشفت منظمة "سي ووتش" الألمانية في بيان 23 أبريل/نيسان 2021، أن سلطات الاتحاد الأوروبي ووكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" علمت باستغاثة 130 شخصا على متن قارب في البحر المتوسط، لكنها لم تقم بإنقاذهم. 

وقالت "سي ووتش": "كان هناك قاربان آخران فقدا وسط أمواج عاتية في المتوسط، وكان أحدهما على متنه 40 شخصا والآخر على متنه شخصان"، فيما أكدت الأمم المتحدة أنهما "تعرضا أيضا للغرق".

وأفادت منظمة "هاتف الإنذار" (Alarm Phone) المعنية بدعم الأشخاص والمهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي، بأنها أخطرت السلطات الإيطالية و"فرونتكس" بإحداثيات القارب وقدمت كافة المعلومات التي تساعد في إنقاذ هؤلاء المهاجرين.

وأشارت في بيان إلى أن الإجراء الوحيد الذي اتخذته فرونتكس هو إطلاق طائرة مراقبة تابعة لها، بعد 7 ساعات من الإنذار الأول، وبعدها عثرت على القارب محطما وبجواره عشرات الجثث في عرض البحر.

وأكدت المنظمة أنه كانت هناك إمكانية كبيرة لإنقاذ المهاجرين "إلا أن السلطات الأوروبية تركتهم عن عمد ليموتوا في البحر".

من جانبه، انتقد عضو فريق البحث والإنقاذ على متن سفينة تابعة لمنظمة "سوس ميديتيراني" غير الحكومية، أليساندرو بورو، انتقائية أوروبا في التعامل مع نداءات الاستغاثة وعمليات إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط. 

وقال بورو في تصريحات لموقع المنظمة في 24 أبريل/نيسان 2021: "لو تحطمت طائرة في نفس المنطقة، لكانت أساطيل نصف أوروبا موجودة هناك، لكنهم كانوا مجرد مهاجرين، ولا جدوى من الركض بالنسبة لهم".

من جانبه، يرى المحامي والخبير في القانون الدولي المهتم بشؤون المهاجرين، إسماعيل خلف الله، أن ملف الهجرة "هو أحد أثقل" الملفات التي تعاني منها السياسة الأوروبية، مشيرا إلى أنه "كان أحد الأسباب الرئيسة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". 

ونبه خلف الله في حديثه لـ"الاستقلال" بارتفاع "أمواج" الهجرة في السنوات الأخيرة منذ 2014 وخاصة من سوريا والعراق وأفغانستان ودول إفريقيا، معتبرا أن القارة العجوز "أصبحت لا تستطيع أن تستقبل هذه الأمواج الكبيرة من المهاجرين، لذلك هناك سياسة تضييق ممنهجة على المهاجرين تتبعها السلطات الأوروبية".

وتساءل: "فماذا نسمي تصرفات حرس الحدود اليوناني عندما يقوم بإطلاق النار على قوارب المهاجرين أو اصطدامها المتعمد بالقوارب المطاطية المهترئة أو إجبار كل من يقترب من جزرها على العودة إلى تركيا؟، وماذا نسمي إعطاء الضوء الأخضر وبإيعاز أوروبي لخفر سواحل ليبيا بتعمد الاصطدام بزوارق المهاجرين الذين يغادرون السواحل باتجاه أوروبا؟".

وأضاف: "كل هذا نعتبره سياسة تضييق ممنهجة، وهذا ما تؤكده منظمات حقوقية أوروبية وخاصة التي تعمل في إنقاذ المهاجرين من قوارب الموت".

واعتبر خلف الله، تصرفات الدول الأوروبية بأنها "نابعة من سياسة تنتهك بكل وضوح الاتفاقيات والقوانين المنظمة لحق اللجوء في الاتحاد". 

عنوان للوحشية

فصل الانتهاكات الأوروبية لم ينته عند حدود قوارب المهاجرين المهترئة، بل امتد إلى التضييق على السفن التابعة لعدد من المنظمات الدولية العاملة في مجال الهجرة وإنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط.

ويبرز التضييق من خلال منع وصول تلك السفن إلى الشواطئ الأوروبية أو احتجاز بعضها كما حدث مع السفينة الألمانية "سي ووتش 3" في يوليو/تموز 2020.

واعتبرت منظمة "سي ووتش" الألمانية المالكة للسفينة، في تغريدة عبر تويتر، أن عملية توقيف السفينة "ذات أبعاد سياسية".

وقالت: "نشر خفر السواحل الإيطالي بيانا صحفيا في 3 دقائق بعد زيارتهم للسفينة، وهي استجابة يفتقرون إليها بوضوح عندما يتعلق الأمر بحالات الاستغاثة، مما يظهر مرة أخرى الأجندة السياسية وراء هذا الحصار".

وفي هذا الإطار، عبر خلف الله عن اعتقاده بأن "أوروبا أظهرت حقيقة سياستها الممنهجة لمنع المهاجرين والذين يطلبون حق اللجوء في أوروبا، من خلال التضييق واحتجاز السفن التي تستعملها المنظمات الإنسانية لإنقاذ المهاجرين". 

وفيما يخص مدى إيلاء أوروبا أهمية لحق اللجوء وحقوق الإنسان، يقول خلف الله: "ربما هذا يدفعنا لما تقوله المنظمات الحقوقية الأوروبية بأن أغلب سياسات أوروبا اليوم تقوم على حساب حقوق الإنسان واللجوء والتضييق على الهجرة إلى دول الاتحاد" .

وتابع: "وهنا نستطيع القول بأن هذه السياسات ضربت مباشرة الجانب الإنساني ومنظومة حقوق الإنسان التي دائما تتغنى بها أوروبا على أنها حامية لهذه المنظومة".

وبسبب التعامل الأوروبي العنيف مع المهاجرين، وصف الباحث في قضايا الهجرة أبوستوليس فوتياديس، الحدود الخارجية للاتحاد بأنها "أصبحت عنوانا للوحشية ضد المهاجرين". 

وأشار في مقال بصحيفة "الغارديان" البريطانية في 17 سبتمبر/أيلول 2020 إلى أن "عناد أوروبا بشأن الهجرة الجماعية أدى إلى قيام دول أعضاء في الاتحاد باستعادة السيطرة على حدودها من خلال استخدام القوة العنيفة وانتهاك القانون". 

ووصف فوتياديس، جهاز مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، بأنه "خليط من الأساليب غير النظامية المصممة لتجنب قواعد الاتحاد الأوروبي وأن المفوضية الأوروبية تكاد لا تشرف على ما يجري". 

وأضاف أن "أفعالا مثل المطاردة والضرب والتعذيب والطرد والتحيز العنصري تكاد تكون سياسات ممنهجة في تعامل الشرطة مع المهاجرين واللاجئين".

سياسة وحشية

وقال مراقبون إن الدول الأوروبية يبدو أنها "تفضل رؤية جثث" المهاجرين تطفوا على سواحلها على أن تقدم لهم الدعم لإنقاذهم أو دخولهم إلى أراضيها.

وبخلاف التغافل أو التقاعس، تتخذ السلطات اليونانية طرقا أخرى لمنع وصول زوارق وقوارب المهاجرين إلى حدودها، حيث وثق خفر السواحل التركية العديد من تلك الانتهاكات والاعتداء عليهم وإفساد قواربهم  أكثر من مرة وتركهم يغرقون في البحر دون تقديم المساعدة لهم من الطرف اليوناني. 

وأظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون على وسائل التواصل في مارس/آذار 2020، دورية تابعة لخفر السواحل اليوناني تحاول إغراق قارب يحمل مهاجرين في بحر إيجه، وهو ما أثار "موجة غضب واسعة".

ووثقت كاميرا طائرة مسيرة أخرى تابعة لخفر السواحل التركي في 25 ديسمبر/كانون الأول 2020، دفع خفر السواحل اليوناني لقارب مهاجرين نحو المياه الإقليمية التركية وتركهم لمواجهة الموت في مياه بحر إيجة، قبل أن تصل إليهم القوات التركية وتنقذهم. 

وخلال الفترة الممتدة من 1 - 21 أبريل/نيسان 2021، استطاع خفر السواحل التركي إنقاذ 438 مهاجرا على الأقل دفعتهم اليونان إلى المياه الإقليمية التركية في 5 عمليات متفرقة.

ووصف تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية العنف الذي يمارس ضد اللاجئين على الحدود الأوروبية بأنه "سياسة وحشية" وأصبح مع الزمن "أمرا روتينيا". 

وتوصل تقرير نشرته الصحيفة في 30 مارس/آذار 2020 من خلال إجراء مقابلات مع 25 مهاجرا وعدد من المنظمات الإغاثية إلى أن "عمليات الضرب والعنف والمنع رغم أنها تعد انتهاكا لقانون الاتحاد الأوروبي، تحولت إلى ممارسة روتينية، في الوقت الذي يبحث فيه المهاجرون عن مسارات جديدة للوصول إلى أوروبا". 

ووصف أحد المهاجرين العنف ضدهم عندما ألقي القبض عليه على الجانب الروماني من الحدود مع صربيا بأنه "أسوأ من تنظيم الدولة وطائرات نظام بشار الأسد"، وقال المهاجر: "لم أكن أعلم أنهم يعاملون البشر مثلما يفعلون في سوريا". 

ووجه تقرير "فاينانشيال تايمز" انتقادات لكل من المجر وبلغاريا واليونان، كما لفت إلى تنامي العنف على طول حدود دول البلقان في مسار الهجرة الذي يمر عبر كرواتيا ورومانيا.

بدورها، أكدت منسقة برنامج لجنة الإنقاذ الدولية في دول البلقان، جوفانا أرسينيجيفيتش، في تصريحاتها للصحيفة البريطانية، "تنامي التعامل العنيف بدلا من تراجعه"، قائلة: "إنه لعار كبير على أوروبا، التي روجت لنفسها على أنها مهد حقوق الإنسان، إنها لا تعامل الناس معاملة كريمة".

أما صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، فحملت الدول الأوروبية المسؤولية عن عدم قدرة وصول الكثير من المهاجرين إلى الحدود.

وقالت في تقرير لها نشر 10 أبريل/نيسان 2021: "من خلال حرمان المهاجرين من الوصول إلى الحدود الأوروبية، والتهرب من التزاماتهم بتقديم المساعدة، تجعل دول الاتحاد نفسها مسؤولة بشكل مضاعف عن المآسي التي تحزن على طرق الهجرة".

وأشارت الصحيفة الفرنسية، إلى أن أكثر من 40 ألف شخص لقوا حتفهم على الحدود الأوروبية منذ أوائل التسعينيات، وأن هذه القائمة "تتزايد يوما بعد يوم".