ليالي الأنس.. كيف أعاق كورونا اليمنيين عن ممارسة طقوس رمضان؟

12

طباعة

مشاركة

في اليمن، كباقي الدول العربية، يعد شهر رمضان المبارك مناسبة اجتماعية ومناسبة دينية للمواطنين لممارسة طقوسهم السنوية، غير أن جائحة كورونا أعاقت كثيرا منهم عن ذلك، في ظل تزايد أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس.

واعتاد اليمنيون، كمعظم المجتمعات العربية، تبادل الزيارات في ليالي رمضان، كما اعتادت الأسر تبادل الدعوات لتناول الإفطار والعشاء، في حين كانت صلاة التراويح بالمساجد هي السمة الأبرز لموسم رمضان كل عام، بالإضافة إلى الفعاليات الاجتماعية كالحفلات الإنشادية في الهواء الطلق، خصوصا في العاصمة صنعاء.

لكن تلك العادات غابت أو تراجعت كثيرا في هذا الشهر الفضيل، وذلك بسبب تفشي وانتشار "كوفيد 19"، حيث أحجم كثيرون عن دعوة أقاربهم ومعارفهم لتناول الإفطار، وقلصوا من التجمعات المسائية، رغم الحفاوة التي كانت تقابل بها تلك اللقاءات الرمضانية.

ويقول عصام أحمد، وهو أحد التجار الذين يقطنون صنعاء، في حديث للاستقلال، :" توفي عدد من معارفي بسبب فيروس كورونا، كان آخرهم أحد أولاد عمي قبل يومين، وأصيب الكثيرون؛ لهذا فقد ألغيت منذ عدة أشهر أي لقاءات بمعارفي وأقاربي، وأقتصر على التواصل الهاتفي معهم".

ويضيف: "لم أعد أخرج من المنزل إلا للضرورة، وأدير عملي عبر الهاتف، وللأسف فقد أتى رمضان هذا العام وسط موجة كبيرة من انتشار الفيروس، لهذا فقد ألغيت كل اللقاءات الاجتماعية التي تتم في ليالي رمضان، مع أنها كانت ليالي مليئة بالأنس".

يتابع عصام: "حتى الصلاة أقيمها في البيت كاملة، وأنوي هذا الشهر أداء الفرائض والنوافل والتراويح والتهجد في المنزل".

يتزامن هذا الإحجام الاضطراري عن ممارسة العادات الرمضانية والطقوس الموسمية، في ظل انتشار حملات توعية فنية تدعو لإيقاف الزيارات الاجتماعية، على غرار العمل الإنشادي الذي أداه عدد من الفنانين (لا نجيكم لا تجونا.. يا حبايب واعذرونا.. مش بخاطرنا افهمونا.. والسبب فيروس كورونا".

تراويح منزلية

كانت صلاة التراويح هي الأخرى التي ارتبطت كطقس ديني بوجدان اليمنيين منذ مئات السنين، حتى صارت جزءا من هويتهم وتقاليدهم الرمضانية، لهذا بات ثقيلا على الكثيرين ترك هذه العادة الدينية، بل أصبح البعض يتحسر لأنه لم يعد قادرا على أدائها في المسجد بنفس الطمأنينة والروحانية التي كان يؤديها من قبل.

فيما عمد البعض إلى أداء صلاة التراويح في المنزل مع عائلته، كتصرف بديل يحافظ فيه على عادته ويتقي فيه فرص الإصابة بالفيروس.

يقول مروان محمد، وهو مواطن مقيم بمدينة إب، لـ"الاستقلال": "التراويح ترويح عن النفس، ولا يمكن لي أن أتخيل رمضان بدون تراويح، لهذا عزمت على أدائها في بيتي مع أسرتي وعائلتي، بعد تزايد عدد الإصابات والوفيات بسبب كورونا".

يتابع محمد: "أعلم أني لن أستطيع ضبط المسألة، فمع حرصي ونيتي على أداء التراويح في البيت لتقليل فرص الإصابة بالفيروس، إلا أنني ما زلت أواجه إحراجا من قبل الأقارب في الزيارات، ولن أستطيع منعهم من الزيارات والأمسيات التي ستزداد في رمضان، ولا أعلم كيف سيكون الحال".


جدير بالذكر أن الحوثيين قد منعوا أداء صلاة التراويح في مساجد معظم المناطق، "ليس لأسباب صحية، بل لأسباب عقائدية"، وفق مواطنين.

ويردد "الحوثيون" بأن صلاة التراويح بدعة سنها الصحابي عمر بن الخطاب، وهي الشخصية الدينية التي يكن لها الحوثيون عداء تاريخيا، ويصرحون في أحاديثهم بأن التراويح لم يؤدها النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي بدعة وهابية، نسبة لمحمد بن عبد الوهاب، المجدد السلفي الذي مارس نشاطا دعويا في نجد والحجاز أثناء تأسيس السعودية.

وإلى جانب ذلك التعليل، يبرر الحوثيون منع صلاة التراويح كونها "تشكل إزعاجا للمواطنين، خصوصا في الليالي التي يحتاجها الأطفال وكبار السن للراحة والنوم"، على حد قولهم.

لا مبالاة

مقابل انقطاع كثيرين عن أداء عاداتهم وطقوسهم الرمضانية، فإن آخرين لا يكترثون لكل ما هو حاصل، ومستمرون في أداء عاداتهم الرمضانية، معتقدين بأن ما يحصل إنما هو مبالغة من أطراف دولية أو شركات أدوية أو مؤامرة عالمية، إلا أن ممارسة العادات من قبلهم قد افتقدت عنصر "المشاركة الجماعية".

وقد انتشر مقطع مصور تداوله ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي على نحو واسع، ورأى البعض أنه يعبر عن موقف وحال كثير من المواطنين الذين لا يؤمنون حتى اللحظة بـ"قصة كورونا".

وفي المقطع يقول أحد مواطني مدينة تعز لقناة "يمن شباب" الفضائية: "لا يوجد لدينا فيروس كورونا.. الكورونا في بلاد اليهود والنصارى الذين يأكلون لحوم كلاب، نحن مسلمون لا ندخل الفنادق...".

عليا التلاااااق ما دخل فيروز

تم النشر بواسطة ‏‎Omar Alnehmi‎‏ في الأحد، ٢٢ مارس ٢٠٢٠

أما في صنعاء فإن جماعة "الحوثي" تحذر من إشاعة أي حديث يتعلق بانتشار كورونا أو ضحاياه، رغم تسجيل وفيات كثيرة في مناطق سيطرتهم، من بينهم قيادات من الصف الأول والثاني كوزير النقل زكريا الشامي، ومدير البحث الجنائي، سلطان زابن، وأخبار غير مؤكدة عن وفاة مستشار المجلس السياسي الأعلى، يحيى الشامي، ووفاة مؤكدة لزوجته.

وزعم أحد القيادات الحوثية أن "التربية الإيمانية هي التي كان لها الدور الأساسي في وقاية اليمنيين من كورونا"، وقد كان لهذا التجاهل وإخفاء الوضع الحقيقي لكارثة كورونا، دوره في استمرار عدد من المواطنين بممارسة عاداتهم وطقوسهم الرمضانية بشكل معتاد، دون أخذ الاحتياطات اللازمة كالحفاظ على التباعد الاجتماعي والحرص على لبس الكمامة.

ولا توجد في اليمن إحصاءات دقيقة عن إجمالي المصابين بكورونا، ذلك لأن اليمن تتقاسمه سلطات ثلاث، الحكومة الشرعية في مأرب وشبوة (وسط وشرق) بالإضافة إلى سيطرة شكلية على محافظة حضرموت (شرق)، والحوثيون (وسط وغرب اليمن)، والانتقالي في المحافظات الجنوبية، وقد انعكس هذا الانقسام بشكل سلبي على جهود مكافحة الوباء.

ومع هذا فإن الإحصاءات التي نقلتها منظمة الصحة العالمية وفق البيانات التي رفعتها إليها الحكومة الشرعية قد بلغت حتى 16 أبريل/نيسان 2021 نحو 5657 إصابة، وحالات التعافي نحو 2178، في حين بلغت الوفيات نحو 1097، مقابل 2382 حالة مستقرة.

يشار إلى أن الكثافة السكانية تقع في المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث يقطن نحو 80 بالمائة من اليمنيين البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة في 20 بالمائة من المساحة الإجمالية لليمن.

ويفترض أن يتناسب عدد المصابين مع عدد السكان، ومع هذا فإن الحوثيين لا يرفعون أية بيانات لمنظمة الصحة العالمية ولا يقدمون أية إحصاءات يومية عن وزارة الصحة الخاضعة لسيطرتهم، ولا يفصحون عن أية أرقام حقيقية لوفيات كورونا.

ورغم تزايد الوفيات بشكل ملحوظ في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلا أن معظم المواطنين لا يحرصون على اتخاذ الإجراءات الوقائية وقد استمر البعض في ممارسة عاداته الاجتماعية، ذلك لأن الإحصاءات الرسمية لم تكن مقلقة للمواطنين.

كما أن سلطة الحوثيين لا تلزم المواطنين باتخاذ تدابير الوقاية كلبس الكمامة، ومنع التجمعات في المناسبات الاجتماعية، وقد استمرت عدد من المجتمعات بممارسة عاداتها في رمضان بشكل طبيعي دون أية تدابير أو احتياطات.