حزب ماكرون يفتتح مكتبا بإقليم الصحراء.. ما دلالته بالنسبة للمغرب؟

12

طباعة

مشاركة

مؤخرا، أعلن حزب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام"، افتتاح مكتبين له في المغرب، أحدهما في مدينة الداخلة بإقليم الصحراء الغربية.

وفي 8 أبريل/نيسان 2021 صدر بيان عن الحزب، أوضح أن القيادي في الحزب كلود فرايسينت، سيترأس لجنة الداخلة، وقد شغل فرايسينت منصب المندوب الجهوي لغرفة التجارة الفرنسية بالمغرب، وسبق وافتتح فرعا لها بالمدينة الصحراوية.

في الأشهر القليلة الماضية، شهدت الداخلة افتتاح سلسلة من القنصليات اعترفت من خلالها عدد من الدول بسيادة المغرب على الصحراء، المتنازع حولها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أميركية في الإقليم.

فهل يتجه الحزب الحاكم في فرنسا إلى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء؟ ولماذا تأخرت الدولة الأكثر قربا من الرباط داخل الاتحاد الأوروبي في الاعتراف بمغربية الصحراء؟.

الحزب الحاكم

بيان الحزب قال إن الهدف من افتتاح المكتبين هو "تعزيز شبكة الحزب في الدائرة المغاربية وغرب إفريقيا، وإنه يأتي احتفالا بالذكرى الخامسة لتأسيس حزب رئيس الجمهورية".

لكن تقريرا نشره موقع "لو 360"، القريب من دوائر الحكم في المغرب، قال إن "حزب ماكرون يتولى زمام المبادرة في السير بصراحة على خطى الاعتراف الأمريكي بالطابع المغربي للصحراء".

واستدرك الموقع في تقريره على نسخته الفرنسية، أن السعي نحو تحقيق الاعتراف موجود، "رغم أن فرنسا كدولة بطيئة بهذا الشأن".

ودعت العديد من الشخصيات القيادية الفرنسية بلادها بوضوح إلى الاعتراف بـ"سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية"، واستعرض التقرير من بين هؤلاء، جان لويس بورلو، الوزير صاحب الحقائب الوزارية المختلفة والرجل الثاني في الحكومة الفرنسية من 2007 إلى 2010.

 وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، اعتبر السياسي الفرنسي، أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يسير "وفق نفس الخطى" والاعتراف هو أيضا، بالسيادة الكاملة للمغرب على الصحراء، كما فعلت ذلك الإدارة الأميركية، سعيا إلى إغلاق هذا الملف بشكل نهائي.

وقال العضو السابق بالبرلمان الأوروبي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء: "على الاتحاد الأوروبي استيعاب أن المغرب ليس فقط شريكا مميزا، لكنه شريك حيوي للغاية في العلاقات بين أوروبا وإفريقيا"، معربا عن أمله في أن يكون للقرار الأميركي "تأثير" على البلدان التي يتألف منها التكتل الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا.

ذكر التقرير أيضا، أن عضو الحزب الجمهوري في الجمعية الوطنية الفرنسية، ووزير الدولة السابق، فرانسوا دو روجي، "لم يتردد في التأكيد على ضرورة تغيير النموذج في أوروبا - خاصة في فرنسا- حول مسألة الصحراء". 

واعتبر دو روجي بدوره، أن "الإعلان الأميركي يجعل من الممكن المضي قدما نحو حل دائم لهذا الوضع، وهو أمر لا يمكن الدفاع عنه بمرور الوقت، وليس من المرغوب فيه أن يكون هناك نوع من النزاع مجمد، لا يأخذ في الاعتبار الحقائق التي كانت قائمة منذ عدة عقود".

وقف التقرير عند برونو فوكس، وهو عضو لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية، الذي يعتبر أن "خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب حلا عادلا وواقعيا ودائما لحل نزاع الصحراء". 

وأعلن السياسي الفرنسي المنتمي للحزب الحاكم، أنه يمكن للمغرب أن يعتمد على فرنسا التي تعتبره شريكا قويا وموثوقا ودائما في عدد من الملفات، "فضلا عن قدرته على تطوير عمليات الحكم الذاتي".

من جهته، أكد كريستيان كامبون، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة في مجلس الشيوخ الفرنسي، في أكثر من مناسبة أن فرنسا تدعم حل الحكم الذاتي، كحل دائم وسلمي لنزاع الصحراء"، معتبرا أن اعتراف الولايات المتحدة يمكنه أن "يجعل المنطقة تتطور في اتجاه السلام والتنمية".

"تيار معاد"

عن هذه الأسماء وفي مقابلة مع صحيفة "الخبر" الجزائرية، قال حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، أن مسألة الصحراء الغربية "حساسة" بالنسبة للجزائر.

واعتبر عبيدي قرار حزب إيمانويل ماكرون فتح مكتب في الداخلة الواقعة ضمن الأراضي التي تطالب بها بوليساريو، "استفزازا" فرنسيا، وقدر الباحث الجزائري أنه "يوجد تيار معاد للجزائر (داخل حزب ماكرون)، يريد إبقاء التوتر قائما بين البلدين".

ونقلت صحيفة "الوطن" الجزائرية، عن سفير الجزائر في فرنسا، محمد عنتر داود، قوله إن "جماعات ضغط تعمل ضد تفاهم ودي بين الجزائر وفرنسا"، والمقصود بهذه الاتهامات المتكررة اليمين المتطرف وجماعة "أنصار الجزائر الفرنسية".

في تقرير نشرته وكالة "فرانس بريس"، 5 أبريل/نيسان 2021، قالت إن بعد 5 سنوات على تأسيسه، لا يعد أداء حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون، ممتازا بعد أن فشل في أن يصبح حزبا واسع الانتشار، لكنه ينوي تحسين موقعه مع الحملة لإعادة انتخاب ماكرون في 2022.

وكان "الجمهورية إلى الإمام"، بحسب الوكالة، أول حزب في فرنسا من حيث ثروته (23 مليون يورو) وحتى عدد المنتسبين إليه (420 ألفا)، وعرف آنذاك انتخابات تشريعية ناجحة أعقبتها انتخابات بلدية فاشلة تمهيدا لانتخابات المناطق في حزيران/ يونيو المقبل.

من جهته، وصف النائب الفرنسي، ورئيس مجموعة الدراسات حول الصحراء الغربية، جان بول لوكوك، خطوة حزب ماكرون، فتح فرع له في مدينة الداخلة المحتلة، بـ"محاولة أخرى لازدراء القانون الدولي" من قبل باريس على خطى دونالد ترامب.

وعلق النائب بالبرلمان الفرنسي في 10 أبريل/نيسان 2021، على هذه الخطوة قائلا: "قبل 10 أيام من المناقشات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حول تجديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، علمنا أن حزب إيمانويل ماكرون قرر الاحتفال بمرور 5 سنوات على تأسيسه، بفتح مكتب له في مدينة الداخلة، والإشارة إلى موقعها بالأقاليم الجنوبية للمغرب".

واعتبر لوكوك في هذا الشأن بأن "الداخلة هي مدينة في الصحراء الغربية، احتلها المغرب لأكثر من 40 عاما، كما يؤكده القانون الدولي وأكثر من 40 قرارا للأمم المتحدة".

وأوضح النائب أن "خطوة الحزب الحاكم التي تتعارض مع القانون الدولي، ليست فقط في نفس اتجاه إعلان ترامب بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية، بل هي أسوأ منه لأنها تمت بطريقة ملتوية ومخادعة".

علاقات تعاون

تربط بين المغرب وفرنسا علاقات تعاون متجذرة، تشمل مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية، وفق هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة القاضي عياض، بمدينة مراكش بالمغرب.

وقال دكتور العلاقات الدولية، لـ"الاستقلال": "منذ ظهور قضية الصحراء، اتسم الموقف الفرنسي بالاقتراب من موقف المغرب، وازداد هذا التموضع الفرنسي وضوحا بعد صدور مقترح المغرب حول الحكم الذاتي، حيث أعرب رؤساء فرنسا، عن تأييدهم لهذا المقترح معتبرين إياه الحل الأكثر واقعية لقضية الصحراء".

أيضا، زاد برجاوي: "لوحظ أنه بعد اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء، توارت بعض الدول الأوروبية خلف تصريحات يشوبها اللبس كإسبانيا، وأخرى طالبت، جهرا بتطبيق مبدأ تقرير المصير كالسويد وهولندا، بينما امتاز الموقف الفرنسي بنسبة أقل من اللبس".

ومضى خبير العلاقات الدولية، قائلا: "هنا لا بد أن نتذكر أنه سبق للرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته للجزائر أن صرح بأن الأخيرة طرف رئيس في النزاع حول الصحراء، وهو الموقف المتماهي مع موقف المغرب الذي يرى أن جبهة البوليساريو مجرد أداة يتحكم فيها النظام الجزائري".

ويرى برجاوي، أنه قياسا إلى المواقف التي أعربت عنها الدول الأوروبية، يبقى موقف فرنسا الرسمي أقل غموضا، وأكثر اقترابا من الموقف المغربي.

وما يزيد من انسجام هذا الاستنتاج ورصانته، يقول المتحدث، "إقدام الحزب السياسي الذي ينتمي إليه ماكرون على افتتاح فرع له في مدينة الداخلة، وهي مدينة تحظى بخصوصية تاريخية ورمزية واقتصادية في الصحراء، حيث سبق لعدة دول أن افتتحت فيها تمثيليات قنصلية اعترافا منها بسيادة المغرب على الصحراء".