"قطران أسود".. إذاعة أميركية تحذر من كارثة بيئية تهدد شواطئ لبنان
حذرت إذاعة أميركية من أن تسربا نفطيا يهدد بكارثة بيئية في لبنان، البلد الذي يشهد مجموعة من الأزمات المتزامنة، إذ شدد خبراء على أن إزالة آثار هذا التسرب قد يستغرق شهورا أو سنوات.
وأوضحت إذاعة "إن بي آر" أن "تسربا نفطيا شرقي البحر الأبيض المتوسط، في فبراير/شباط الماضي، تسبب في تلويث الساحل اللبناني، وألحق أضرارا بالشواطئ التي تشكل أعشاشا للسلاحف الخضراء المهددة بالانقراض، والسلاحف البحرية ضخمة الرأس المعرضة للخطر".
وفي جنوب لبنان، أصبحت بعض الشواطئ، التي نجت من المصانع والتنمية السياحية مغطاة بكتل من القطران السام، ومع مرور الأسابيع، تتفتت القطع السوداء الناعمة إلى جزيئات أصغر تغوص في عمق الرمال.
وقالت معلمة العلوم فاطمة جعفر، المتطوعة مع مجموعة "Green Southerners" البيئية، التي تساعد كل عام في تنظيف وتجهيز هذه الشواطئ المحمية من أجل موسم التعشيش، "إذا شعرت السلاحف بأي خطر، فقد تغير رأيها وتغادر الشاطئ".
كارثة كبيرة
وتسبب التسرب من ناقلة نفط، شرق المتوسط، في وصول ما يقدر بنحو 1000 طن من القطران الأسود اللزج إلى شواطئ إسرائيل، أوائل فبراير/شباط الماضي، كما انتشرت بقعة النفط بسرعة ووصلت في النهاية إلى سواحل لبنان المجاورة.
وقال خبراء البحرية: إن "التسرب أضر بالمحميات الطبيعية في جنوب البلاد، والشواطئ القريبة من العاصمة بيروت وحتى على الساحل".
وفيما تعد العديد من الشواطئ المتضررة في جنوب لبنان محميات للسلاحف، أكد عالم الأحياء البحرية، علي بدر الدين، الذي يعمل في مشاريع الحفاظ على السلاحف في البلاد، أن "التلوث خطير على أعشاش السلاحف، خاصة بالنسبة لإناث السلاحف التي تستخدم زعانفها لحفر أعشاشها".
ويخشى بدر الدين أن "يتسبب التلوث النفطي في إعاقة هذه العملية، وأن يكون ساما أيضا لنسل الفقس"، محذرا من أن "الضرر المحتمل لموسم التعشيش -الذي يبدأ بشكل جدي في مايو/أيار- سيعتمد على مدى سرعة تنظيف الشواطئ".
وأكد بدر الدين أنه "إذا لم تتم إزالة القطران بدقة وكفاءة، فستحدث كارثة، كارثة كبيرة".
وقد أدى التسرب النفطي بالفعل إلى الحاق الضرر بالسلاحف، حيث أظهر نائب مدير محمية صور الطبيعية في جنوب لبنان، حسن حمزة، وهو يفتح ثلاجة في غرفة خلفية من مكتب المحمية جثة سلحفاة بحرية خضراء مهددة بالانقراض، "كان جسمها الصغير المجمد مغطى بالزيت الأسود المتجمد".
ويوجد داخل الثلاجة أيضا جثة سلحفاة ضخمة الرأس يبلغ طولها 3 أقدام، وقال حمزة: إن فريقه في المحمية "ينتظر تشريح الجثة لتحديد سبب الوفاة".
فيما قال نشطاء ومتطوعون بيئيون إنهم "عثروا على جثث 4 سلاحف أخرى على الأقل منذ وصول بقعة النفط إلى شواطئ لبنان في فبراير/شباط".
وفي إسرائيل المجاورة، تم وصف التسرب النفطي بأنه أكبر كارثة بيئية منذ سنوات، حيث ألحق القطران أضرارا بأكثر من 90 بالمائة من الساحل.
وخصصت الحكومة الإسرائيلية ملايين الدولارات لجهود التنظيف، وأرسلت جيشها لمساعدة آلاف المتطوعين في تنظيف الشواطئ وتقييم الآثار على الحياة البحرية، بعد العثور على حوت يبلغ طوله 55 قدما من بين العديد من المخلوقات الميتة في أعقاب التسرب.
سوء الإدارة
وفي لبنان، حيث يأتي الانسكاب النفطي بعد عام من الأزمات التي لا تعد ولا تحصى، لم تتمكن الحكومة من تنظيم أي شيء يشبه رد الفعل بشأن الكارثة البيئية، واكتفت بالدعوة لدراسة الأضرار التي سببها الانسكاب وطالبت بالمساعدة الدولية.
وقال رئيس بلدية صور، حسن دبوق، إنه سافر إلى بيروت بعد التسرب للقاء وزراء الحكومة ومناقشة إستراتيجية للتنظيف، لكنه حصل على القليل من الدعم المادي.
وأضاف دبوق "ليس لديهم المال"، في إشارة إلى الظروف الاقتصادية المدمرة التي تمر بها البلاد.
وكلف انهيار العملة الناس في جميع أنحاء لبنان خسارة معظم قيمة رواتبهم، فيما تتواصل الاحتجاجات شبه اليومية ضد الفساد المستشري وسوء الإدارة الذي دفع البلاد إلى هذا الوضع.
وحاولت حشود غاضبة من المتظاهرين اليائسين هدم الحواجز الأمنية حول البرلمان وإغلاق الطرق السريعة بانتظام بإطارات محترقة، وقد تمت ملاحقة بعض السياسيين الذين لا يتمتعون بشعبية كبيرة في الشارع، فيما تجنب الكثيرون منهم الظهور في الأماكن العامة.
وفي هذا السياق، قال دبوق باستهجان حزين عن المسؤولين والحكومة "لديهم أولويات أخرى".
ولا يزال من غير الواضح من المسؤول عن التسرب، رغم أن البعض في الحكومة اللبنانية سعوا إلى الاستفادة منه لتحقيق مكاسب سياسية من خلال إلقاء اللوم في الكارثة على "الكيان إسرائيلي"، وفق الإذاعة الأميركية.
من جهتها، ربطت إسرائيل إيران -خصمها الإقليمي- بالتسرب، قائلة إنه ناجم عن ناقلة كانت تنقل شحنة مقرصنة من إيران إلى سوريا.
وأفادت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية بأن لديها "أدلة ظرفية" قوية لدعم هذا الادعاء، رغم أنها أقرت بأنها تفتقر إلى أي "أدلة جنائية".
بقع سوداء
وبالعودة إلى الشواطئ في جنوب لبنان وبعيدا عن التحقيقات وإلقاء اللوم السياسي، جاء متطوعون من جميع أنحاء البلاد لمحاولة إنقاذ الشواطئ التي تعني الكثير للكثيرين.
ويلتصق القطران بحذاء "رنيم طحان"، طالبة في علم الأحياء البحرية تبلغ من العمر 21 عاما، وهي تمشي على الشاطئ الرملي الطويل في مدينة صور، وقد تلطخت القفازات الطبية التي ترتديها بخطوط من اللون الأسود الزيتي وهي تلتقط الكتل من الرمال.
وقالت الطالبة: "يوجد في لبنان هذه الأماكن الرائعة لتعشيش السلاحف، وهي مهمة جدا بالنسبة لنا.. من المحزن جدا أن يعرضها هذا التسرب للخطر، إنها كارثة في الواقع".
وتستخدم "طحان" والمتطوعون الآخرون المناخل الدائرية اليدوية لتجميع الرمال ونفضها لإزالة كتل القطران، لكن هذا العمل بطيء ومضني، حيث يبلغ طول هذا الشاطئ وحده ميلين ونصف، فيما ألقت الأمواج القطران على جزء كبير من الشاطئ.
وتقدر دراسة أجراها المجلس الوطني للبحوث العلمية في البلاد أن هناك ما يقرب من 2 طن متري من القطران على هذا الشاطئ وحده.
وفي ذات السياق، اعتبر رئيس بلدية صور، دبوق أنه "رغم من بذل الجميع قصارى جهده، إلا أنه يعتقد أن المتطوعين لن يتمكنوا إلا من تنظيف 10 أو 20 بالمائة من تلوث الشواطئ في المنطقة.
وأوضح أنه يعمل مع فريق محلي لصنع أداة ميكانيكية محلية الصنع للمساعدة، قائلا "سيكون مثل منخل كبير؛ 200 × 100 متر"، موضحا "كيف ستهتز الآلة لتتخلص من الرمال وتجمع القطران".
وحتى مع وجود مثل هذه الآلات، أعرب "دبوق" عن قلقه من عدم القدرة على تنظيف الشاطئ تماما، ويشير إلى منطقة من الشاطئ تم تطهيرها بالفعل، فيما بقيت في الرمال، بقع سوداء صغيرة من النفط.
وختم الموقع تقريره بالقول: "مع كل يوم يمر، تتكسر الكتل الأكبر من القطران إلى جزيئات صغيرة، وتتحلل بشكل تدريجي في الرمال، وبتلوث هذا الخط الساحلي الثمين لسنوات قادمة".