الإمارات تتزعم الدعوة إليه.. ما قصة "الدين الإبراهيمي" الذي أطلقته أميركا والغرب؟

4 years ago

12

طباعة

مشاركة

خلال زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس إلى العراق في 6 مارس/آذار 2021 أدى "صلاة موحدة" أو كما وصفتها وسائل إعلام مختلفة بـ"الصلاة الإبراهيمية" بمشاركة ممثلين لجميع الديانات في مدينة أور الأثرية في محافظة ذي قار (جنوب) حيث بيت نبي الله إبراهيم.

فما حقيقة هذه الصلاة الإبراهيمية وإلى أي دين تتبع، ومن أهم أتباعها وأهم من يروجون لها وما هي المنظمات التي تقف وراءها وتدعمها؟

وما يبرر تلك التساؤلات ظهور العديد من المصطلحات المتقاربة خلال الأشهر الأخيرة والتي تتضمن الإشارة إلى نبي الله إبراهيم كان أبرزها اتفاق أبراهام (لفظ عبري وبالعربية إبراهيم).

والمقصود اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل من طرف والإمارات والبحرين من طرف آخر، والذي جرى توقيعه في منتصف سبتمبر/ أيلول 2020 في واشنطن برعاية الولايات المتحدة.

كما أثار إعلان الإمارات في أكثر من مناسبة عن نيتها افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية" خلال العام 2022 تساؤلات حول ماهية هذا البيت.

وبحسب وسائل إعلام إماراتية فإن المشروع يجمع بين مسجد للمسلمين وكنيسة للمسيحيين وكنيس يهودي في مكان واحد في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي التي تقول إن الهدف من المشروع هو الجمع بين الديانات الإبراهيمية.

دين جديد

يقول عضو الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين، أمين عام الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، الدكتور محمد يسري، أن كل هذه المصطلحات ترتبط فيما بينها بالدعوة إلى دين جديد يجمع بين الشرائع السماوية في دين واحد يصبح في النهاية هو دين الجميع.

ومن أبرز المصطلحات المستخدمة للترويج لهذا الدين، قال يسري، خلال ندوة نظمها مركز "رؤيا للبحوث والدراسات" في 7 مارس/آذار 2021 عبر الفيديو، "تارة يقال الدين الإبراهيمي، وتارة الديانات الإبراهيمية، وتارة الدين العالمي الموحد" موضحا أن الذين يتحدثون عن هذه المصطلحات يعودون إلى فريقين من الساسة ورجال الدين.

وأضاف: "نسمع عن الشعوب والمشترك والأخوة الإبراهيمية، ونسمع عن أصحاب الحق الأصلي، والولايات المتحدة الإبراهيمية، والاتحاد الإبراهيمي الفيدرالي".

ورأى يسري أن الحديث عن هذا الموضوع يستحق أن يوصف بأنه ضلالة القرن لارتباطه بما سميت صفقة القرن، وهي خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المزعومة للسلام في الشرق الأوسط، والتي سعت لتصفية القضية الفلسطينية.

ظهرت الدعوة للدين الموحد في دهاليز السياسة الأميركية في بداية التسعينيات وظل العمل عليها في الخفاء لعدة أعوام، لكن السنوات الأخيرة كانت شاهدة على تبلور أجزاء كبيرة من الفكرة وترجمتها إلى كيانات ومؤسسات تسعى لتثبيتها قوى عالمية وتدعمها بكامل قوتها دون التصريح بالدعوة إلى دين جديد. 

ويرى محللون أن الهدف من هذا الدين الجديد هو القضاء على الدين الإسلامي والقضية الفلسطينية وإعطاء مساحة أكبر وسهولة للتغلغل الصهيوني داخل المجتمعات العربية لتنفيذ مشروعها في المنطقة (دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات).

وأوضح يسري أن العديد من المراكز الإبراهيمية تنتشر حول العالم وتتخفى تحت الكثير من الشعارات أبرزها عنوان "الدبلوماسية الروحية"، حيث تستخدم هذا المصطلح كبوابة خلفية للترويج لهذا "الدين".

 وأضاف: "يمكن إحصاء أكثر من 20 مركز منتشر حول العالم ومن أبرزها "معهد أبناء إبراهيم" وهو مركز بحثي تابع لجامعة فرجينيا الأميركية جرى تأسيسه سنة 2007. كذلك "المركز العالمي للدبلوماسية الروحية" (أميركي) الموجود في جزيرة برمودة.

وتابع يسري: "هناك أيضا مؤسسة إسرائيلية اسمها -اتحاد تراث إبراهيم- وأعضاؤها من اليهود وعرب (فلسطينيو) 48 وشعارها -الدين هو القوة المحركة للسلام في الأرض المقدسة-، ويضم العديد من الرجال والنساء من اليهود والنصارى والمسلمين ويشتركون في تحقيق هذه الأهداف".

ومن بينها أيضا بحسب قوله "مركز اتحاد عائلة إبراهيم" وهو موجود في كاليفورنيا ويقود ما يسمى بمفاوضات المسار الثاني (بين الحكوميين من جهة وبين الشخصيات والمؤسسات المحسوبة على المجتمع المدني).

من رواد هذا الفكر أيضا القس الكوري الجنوبي جايروك لي رئيس منظمة "عالم الروح المقدس الصليبي"، ورئيس مؤسسة "الخلاص من العالم المسيحي" الذي اعتبر الإبراهيمية "ديانة جديدة توحد الأديان والقيم المشتركة".

وبدأ تقديم مشروع "الدين الموحد" سياسيا في عام 1990 في محاولة لحل النزاع العربي الإسرائيلي من خلال عدد من المؤسسات البحثية على رأسها لجنة الإبراهيمية التي قدمت في جامعة هارفارد كبرى الجامعات العالمية والمرتبطة مع مراكز القرار السياسي في العالم كالخارجية الأميركية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

هذا إضافة إلى عدد من المؤسسات العالمية كمعهد الحرب والسلام وجامعة فلوريدا وغيرها. والهدف هو تقديم الفكرة بكل تفاصيلها خدمة للمشروع الاستعماري في المنطقة بحسب الكاتب الصحفي العماني خميس بن عبيد القطيطي.

وأوضح القطيطي في مقال نشرته صحيفة الوطن العمانية في 3 مارس/آذار 2021 أن الفكرة تقوم على سيادة المشترك الإبراهيمي على المنطقة الجغرافية وتوظيف هذه المشتركات في كتاب واحد تضفي عليه قدسية خاصة تتجاوز الحدود والنظم السياسية مع استبعاد الجوانب التي تحض على القتال والعنف لتبدو الصورة جمالية للمشترك الإبراهيمي.

وأشار إلى أن مشاريع التطبيع الأخيرة تم الإشارة فيها لفظيا وتسميتها باتفاق إبراهام لإضفاء صفة معينة وهي "العودة للديانة الإبراهيمية الجامعة التي تجمع سكان الأرض وتمرير هذه الفكرة؛ لكي تكون الأرض والموارد مشتركة بدون أي صفة سياسية قومية أو وطنية، وبالتالي يحق للجميع الاستفادة منها وفقا لهذه الخريطة السياسية الجديدة".

وتعتبر الدعوة للتسامح والسلام بوابة الحديث عن الإبراهيمية وجرى الإشارة إليها وتضمين العديد من مفاهيمها في اتفاق التطبيع (إبراهام) بين إسرائيل والإمارات والبحرين من خلال النص على تشجيع الحوار عبر الأديان والثقافات، للنهوض بثقافة السلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، وإنهاء التطرف والصراع، وتحقيق رؤية للسلام والأمن في الشرق الأوسط والعالم.

 دور الإمارات

بالنظر إلى الشرق الأوسط نجد أن دولة الإمارات أحد أهم مروجي الدين الإبراهيمي وبرز ذلك من خلال إنشائها العديد من الكيانات والمؤسسات والمؤتمرات والندوات والمبادرات والاتفاقيات التي تدعو إلى الالتفاف حول ما يسمى الديانات الإبراهيمية الثلاث وتقصد بها (الإسلام والمسيحية واليهودية).

في عام 2014 أنشأت الإمارات "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" برئاسة رئيس مجلس الإفتاء الشرعي الشيخ عبدالله بن بيه. ويعقد المنتدى بصفة دورية في الشهر الأخير من كل عام، فيما يؤكد الدكتور محمد يسري أن المنتدى أحد المراكز التابعة للديانة الإبراهيمية.

ولم يكتف بن بيه برئاسته للمنتدى بل شارك في "ملتقى المبادرة الإبراهيمية" الذي نظمته الخارجية الأميركية في 3 ديسمبر / كانون الأول 2020.

وخلال كلمة له في الملتقى قال بن بيه: "إن ميثاق حلف الفضول الجديد الذي أصلته العائلة الإبراهيمية في 2019 في أبو ظبي يمكن أن يشكل مرجعية دينية قوية لهذه الانطلاقة الجديدة".

وفي النسخة السادسة من منتدى السلم الذي عقد في أبو ظبي في الفترة بين 9 و11 ديسمبر/كانون الأول 2019 أطلقت الإمارات "ميثاق حلف الفضول الجديد" والذي وقع عليه العديد من القيادات الدينية من اليهود والمسلمين والمسيحيين.

 كما رعت الإمارات توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك"، التي وقعها بابا الكنيسة الكاثوليكية فرانسيس مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في أبو ظبي في 4 فبراير/شباط 2019، والتي يصفها البعض بأنها أحد مخرجات أدوات الفكر الإبراهيمي.

ووقع على الوثيقة أكثر من 400 من قيادات وممثلي الأديان من مختلف دول العالم وتبنتها الأمم المتحدة وجعلت من هذا التاريخ يوما عالميا لـ"الأخوة الإنسانية".

وقال يسري: "لم يكتف شيخ الأزهر بالتوقيع على الوثيقة بل ترجمها بشكل سريع إلى مقرر دراسي لطلاب الصف الأول الثانوي بالمعاهد الأزهرية". وتشكلت في 19 أغسطس/آب من نفس العام "اللجنة العليا لوثيقة الأخوة الإنسانية" لتتولى اللجنة مهام وضع إطار عمل لضمان تحقيق أهدافها.

ومنها حث السلطات التشريعية على الاهتمام ببنود الوثيقة في التشريعات بجانب الإشراف على "بيت العائلة الإبراهيمية" الذي يجري تشييده الآن في أبو ظبي.

وفي 9 فبراير / شباط 2021 أعلنت الإمارات على لسان سفيرها في روسيا محمد أحمد الجابر أنها ستفتتح "بيت العائلة الإبراهيمية" خلال العام 2022، وأنه سيصبح مكانا للتعلم والحوار والعبادة وسيركز على التقريب بين جميع الأديان.

في سبتمبر/ أيلول 2019 عقدت اللجنة العليا لوثيقة الأخوة اجتماعها الثاني بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ويرى أستاذ الأديان والمذاهب بكلية الدعوة جامعة الأزهر، محمد الصغير أن خطورة الإمارات ليس لأنها تقوم بدور سمسار التطبيع في محيطها وإنما لأن خطورة تطبيعها مع إسرائيل تكمن في قيامه على أساس ديني، وهو الدور الخطير الذي قبله عيال زايد في الحرب على الإسلام من خلال الدعوة إلى الدين الجديد الذي أطلقوا عليه الديانة الإبراهيمية.

وقال الصغير في مقال له بموقع الجزيرة مباشر في 4 سبتمبر / أيلول 2020 إن هذا الدين تبشر به الصهيونية العالمية وتتبناه الصليبية الغربية باعتبار أن إبراهيم عليه السلام هو العامل المشترك بين اليهودية والنصرانية والإسلام.

ولفت إلى أنه ينظر إلى أن عملية إنشاء البيت الإبراهيمي كانت الحل الأمثل الذي تذوب فيه العداوات وتختفي تحته الخلافات من خلال انتقاء نصوص معينة من النصوص المقدسة ووضعها في كتاب واحد يصبح بعد ذلك هو المرجع الوحيد لأتباع الدين الجديد.

وأشار الصغير إلى أن استقطاب الإمارات لعلماء ورجال دين من الأديان الثلاثة كان الهدف منه ادخارهم لهذه المهمة "من أمثال الشيخ الموريتاني عبدالله بن بيه، والداعية اليمني علي الجفري، وإنشاء مجلس حكماء المسلمين كمرجعية علمائية، في مقابل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي تصنفه الإمارات كمؤسسة إرهابية".

صفقة القرن

يحمل الفكر الإبراهيمي في طياته مخططا لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي تتم من خلاله السيطرة على المنطقة وإقامة ما يسمى بالولايات المتحدة الإبراهيمية عبر تغييب الأجيال الجديدة عن تعاليم دينهم.

وترى أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبير ثابت أن هذا المخطط الفكري ليس معزولا عن صفقة القرن.

وأوضحت في مقال لها بموقع أمد الفلسطيني نهاية أغسطس/آب 2020 أن هذا المشروع يمر عبر تصفية القضية الفلسطينية، وأن صفقة القرن ستكون المرجعية النموذجية المعتمدة لأي حل مستقبلي.

وأضافت ثابت: "قد يبدو للوهلة الأولى ضرب من الخيال حيث أن الحديث يدور عن دين إبراهيمي جديد تنصهر فيه الديانات الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية لأهداف سياسية".

وهو عبارة عن مجموعة من القيم الأخلاقية ظاهرها إنساني وباطنها سلطوي استعماري؛ وضمن هذا الدين تتعايش شعوب المنطقة دون حفاظ على هويتها الوطنية الخاصة في ظل إيمانها بالفكرة، وفق قوله.

أما أستاذة العلوم السياسية بمعهد التخطيط القومي المصري هبة جمال الدين فحذرت من تداعيات انتشار الفكرة الإبراهيمية على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين.

ونوهت في دراسة لها إلى أن منظمة الأونروا  فور وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة حاولت استبدال عبارة (القدس عاصمة فلسطين) بعبارة (القدس المدينة الإبراهيمية) في المقررات الدراسية بالمدارس الابتدائية التابعة لها، وهو ما ووجه بالرفض الفلسطيني، وتصدى له أولياء الأمور والمدرسون ومنعوا تنفيذه.

وأضافت جمال الدين في دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية في 26 فبراير/شباط 2019: "كذلك فإن الحديث عن مفهوم (أصحاب الحق الأصلي) دون تحديد هويتهم، يفتح المجال أمام إصدار خرائط عن وزارة الخارجية الإسرائيلية تتحدث عن حقوق تاريخية لليهود في الدول العربية، خاصة في شبه الجزيرة العربية".

يستخدم أنصار الفكر الإبراهيمي العديد من الأدوات التي تساعدهم في نشر وتنفيذ مخططاتهم بما في ذلك العديد من المؤسسات والقوى الدولية وجمعيات في ظاهرها تقديم الأعمال الخيرية.

وحددت جمال الدين، 8 أدوات يستخدمها الإبراهيميون لنشر أفكارهم وعلى رأسها الأمم المتحدة التي تروج لهذا الفكر من خلال تخصيص الدعم للأنشطة التي ترفع شعار السلام العالمي، ومعا نصلي، والأخوة الإنسانية، مشيرة إلى أنه من بين الأدوات المستخدمة أيضا المؤتمرات والقمم الدولية، والقوى العظمى والمعسكر الغربي.

كما أشارت إلى استخدام الصراعات الدينية بين أنصار الدين الواحد وأهمها الصراع السني-الشيعي، بالإضافة إلى السياحة الدينية المشتركة في الدول التي تضم مقدسات دينية تاريخية وتعاني من مشاكل اقتصادية.

وأوضحت الدراسة أن مشروعات ريادة الأعمال التي تمثل مدخلا لخلق دخل للأسر الفقيرة يتم استغلالها أيضا ضمن أدوات نشر الفكر الإبراهيمي بالإضافة إلى التعاونيات النسائية على اعتبار أنها أهم سبل تحرير المرأة بالمنطقة.

وقالت إن الأداة الأخيرة هي: "التواصل مع الشباب، على اعتبار أنهم أساس الحركة المجتمعية، وأنهم يمثلون المستقبل، على أن يتم تدريبهم مع غيرهم من أتباع الأديان الإبراهيمية، والوصول إلى طقوس دينية جديدة مستحدثة بين الأديان الثلاثة للبدء في إقناع مجتمعاتهم بتطبيقها بالفعل داخل دور العبادة".