مصر تتذيل مؤشر الحرية الأكاديمية 2021.. كيف خنق السيسي العلماء؟

12

طباعة

مشاركة

بعد أسبوع من بكاء مؤشر الحرية العالمي لعام 2021 على توسع "الديكتاتوريات" في العالم العربي، وتذيل مصر الترتيب فيه، جاء تقرير مؤشر الحرية الأكاديمية للعام نفسه، ليؤكد قتل الأنظمة العربية حرية العلماء والطلاب.

التقرير السنوي لمؤشر الحرية الأكاديمية الصادر 11 مارس/آذار 2021، صنف مصر ضمن الفئة الخامسة والأخيرة وهي (E) أي الدول التي تحظى بأسوأ أداء في عام 2020.

منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، فرضت السلطات المصرية حصارا على جميع الأنشطة الطلابية والأكاديمية، تضمنت قتل واعتقال وفصل طلاب وأستاذة، خاصة المنتمين لجماعة الإخوان والمعارضين عموما، واقتحام جامعات.

شهدت مصر تراجعا حادا في الحريات الأكاديمية، وهذا التراجع أخذ شكلين: قيود على الطلاب والبحث العلمي، وآخر على الأساتذة، حيث وصلت القيود لإلغاء الأمن رسائل علمية ومعاقبة أستاذة لحديثهم عن الإخوان أو تيران وصنافير أو الجيش في الأطروحات الجامعية والمحاضرات، ومنع سفرهم إلا بأذن أمني.

ولم تقتصر الاعتقالات على الطلاب المصريين، لكنها طالت طلابا أجانب، منهم الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي تم قتله، وآخرين أجانب من أميركا واستكلندا.

الحريات الأكاديمية

التقرير أكد أن "العلماء والطلاب في المنطقة العربية يتمتعون بحرية أكاديمية أقل من نظرائهم في أي مكان آخر في العالم"، ورسم التقرير صورة مقلقة لحالة الحرية الأكاديمية في العالم العربي، وصنف معظم الدول العربية في أدنى فئتين بالتقرير، ضمن البلدان ذات القيود "الأكثر صرامة".

يمنح المؤشر معدلات تتراوح ما بين 0 و1، ويصنف الدول إلى 5 مستويات، دول الترتيب الأول A "حرية قوية جدا" تتراوح معدلاتها ما بين 0.1 و0.8 نقطة، وكانت تونس هي الدولة العربية الوحيدة ضمن هذا التصنيف التي تتمتع فيه الجامعات باستقلال مؤسساتي، إلى جانب 71 دولة أخرى.

والترتيب الثاني B لدول تصنف جامعاتها بـ "مستوى حرية قوي" وتتراوح معدلاتها ما بين 0.6 وأقل من 0.8 نقطة، وضمنها لبنان، بالإضافة إلى 33 دولة أخرى.

والمجموعة الثالثة C معدلات جامعاتها "حرية متوسطة" وتتراوح ما بين 0.4 و0.6 نقطة، وضمنها المغرب والكويت وليبيا وفلسطين والسودان و25 دولة أخرى.

أما المجموعة الرابعة D بمعدلات تتراوح ما بين 0.2 و0.4 نقطة، فهي تشهد حرية أكاديمية "متدنية"، وضمنها الجزائر، وجيبوتي، والأردن، وعمان وقطر، و12 دولة.

والخامسة (الأخيرة) E هي مجموعة مصر "متدنية جدا"، ومعدلاتها تتراوح ما بين 0.0 و0.2 نقطة، وتضم الدول التي تشهد "انتهاكا واسعا للحرية الأكاديمية ولا تتمتع جامعاتها بالاستقلال"، وهذه المجموعة تضم أيضا البحرين، والسعودية، وجنوب السودان، وسوريا، والإمارات، إلى جانب 17 دولة أخرى.

صدر التقرير عن المعهد العالمي للسياسات العامة (GPPi)، وهو مركز أبحاث مقره برلين، ومؤسسة "باحثون في خطر" (Scholar at Risk)، ومقرها نيويورك، ومعهد الديمقراطية (V-Dem) بجامعة غوتنبرغ بالسويد.

يمثل المؤشر حصيلة 5 مؤشرات، هي: (1) حرية البحث والتدريس، (2) حرية التبادل الأكاديمي والنشر، (3) الاستقلالية المؤسسية، (4) سلامة الحرم الجامعي، (5) حرية التعبير الأكاديمي والثقافي، ويتم تقييم المؤشرات من قبل حوالي 2000 خبير، وعادة ما يكون أولئك من الأكاديميين في البلدان موضع التقييم.

ويقول "إلياس صليبا" الباحث بالمعهد العالمي (GPPi) وأحد كتاب التقرير، "إذا ما قارنت بين مناطق العالم، ستجد أن المنطقة العربية تسجل أسوأ النتائج عن غيرها".

ويؤكد، خلال مؤتمر إعلان نتائج التقرير 11 مارس/ آذار 2021، إن "مصر شهدت تراجعا حادا في الحريات الأكاديمية، بعد وصول السيسي للسلطة"، فيما تشير "لوري براند"، الأستاذة بجامعة جنوب كاليفورنيا، إلى أن الجامعات الخليجية "تشهد قمعا وحشيا لأي شكل من أشكال المعارضة داخل الحرم الجامعي وخارجه".

وتقول "كاترين كينزلباخ"، الأستاذة بجامعة فريدريش-ألكسندر الألمانية (FAU)، وأحد مؤلفي التقرير: "حوالي 20 بالمئة فقط من سكان العالم يعيشون في بلدان تتمتع بحرية وحماية أكاديمية جيدة".

 

أساتذة الجامعات

في مقاله بجريدة الشروق بعنوان "مصالحة لن تغضب أحدا" 27 مايو/ أيار 2018، شرح الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة القيود التي يتعرض لها أساتذة الجامعات منذ الانقلاب.

السيد قال إن نظام عبد الفتاح السيسي "أدخل قواعد جديدة للتعامل مع أعضاء هيئات التدريس ليس لها سابقة في عهد أي من الرؤساء السابقين. الرؤية الأمنية تقوم على أن "أساتذة الجامعة (رغم التخلص بالفصل والاعتقال والنفى بمن ارتبطوا بالإخوان المسلمين أو من اتخذوا مواقف ناقدة لنظام ما بعد 30 يونيو) يمثلون مصدر خطر على استقرار النظام".

واستغرب الدكتور مصطفى تعيين السيسي رؤساء الجامعات و"للمرة الأولى أيضا فى تاريخ مصر تعيين عمداء الكليات"، رغم أنهم كانوا بالانتخاب بعد ثورة يناير 2011، وأشار لاستمرار التدخل في شؤون الجامعات من الأجهزة الأمنية قائلا: "مع أن القيادات التى جرى تعيينها منذ يونيو/حزيران 2014 هي من المرضى عنهم أمنيا".

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه تم إبلاغ أساتذة الجامعات منع الالتقاء بشخصيات أجنبية سواء من أساتذة الجامعات أو الصحفيين قبل الحصول على موافقة الأجهزة الأمنية.

كما جرى اشتراط "موافقة أجهزة الأمن على اتفاقيات التعاون العلمي بين أي جامعات مصرية وجهات أجنبية"، ما يسيء للجامعات المصرية دوليا. و"أصبح على كل أستاذ جامعي يريد السفر أن يقوم بملء استمارة أمن من 5 نسخ مصحوبة بخمس صور شخصية وينتظر الموافقة الأمنية على سفره".

وتساءل السيد: "كيف فى ظل كل هذه القيود على السفر لحضور مؤتمرات وأنشطة علمية يمكن أن نتوقع تحسن ترتيب الجامعات المصرية فى التصنيفات العالمية؟".

التقرير ربع السنوي 2017 لمؤسسة حرية الفكر والتعبير أشار للقيود على الحرية الأكاديمية وممارسة إدارات الجامعات والكليات ضغوطا كبيرة على حرية أساتذة الجامعات في التدريس والبحث والتعبير.

وأكدت "حرية الفكر والتعبير" في تقرير عن "عوائق سفر أعضاء هيئة التدريس" في 19 يونيو/ حزيران 2019 أن تدخل الأمن في السفر "تحول إلى روتين يومي يواجه أعضاء هيئة التدريس، بما يؤثر سلبا على عملهم الأكاديمي وتطور مهاراتهم".

أستاذ بجامعة القاهرة قال إن من أسباب تأخر ترتيب الجامعات المصرية وترتيب الأساتذة في البحوث العلمية عالميا هو شبه الانقطاع بين الجامعات المصرية والمؤتمرات العلمية بفعل القيود الأمنية.

وأوضح لـ "الاستقلال" أنه دعي لمؤتمر في دولة أوروبية وفوجئ بأن إدارة الجامعة ترفض سفره قبل كتابته تقريرا للأجهزة الأمنية يشرح فيه تفاصيل المؤتمر والمنظمين والمشاركين والأهداف، بل ويطلب منه ضمنا كتابة تقرير عن المؤتمر كأنه "مخبر".

أستاذ آخر قال لـ"الاستقلال" إنه لا يعد يعط موافقته للطلاب على أي بحث أو رسالة ماجستير أو دكتوراه دون موافقة إدارة الأمن الجامعي وأمن الدولة عبر رئيس الجامعة أو عميد الكلية.

وأكد أنه "من المحرمات الحديث عن عزل الرئيس محمد مرسي أو تناول فترة رئاسته علميا، وكذا الحديث عن الجيش ومؤسساته الاقتصادية، ورابعة".

البحث العلمي

موقع مونيتور الأميركي أكد في 6 سبتمبر/ أيلول 2016 أن البحث العلمي في مصر بات "منطقة محرمة"، حيث يجري منع العديد من الباحثين من القيام بأبحاث معينة بدعاوى الأمن القومي وكذا "تسييس المؤسسات الأكاديمية، ونقص النزاهة الأكاديمية".

الموقع روى قصة باحث مصري رغب في إجراء دراسة حول أنظمة الصرف الصحي (المجاري) لكن طلب منه تصريح أمني، وبعد شهور، قوبل طلبه بالرفض لـ "أسباب تمس الأمن القومي".

أما التقرير ربع السنوي 2017 لمؤسسة حرية الفكر والتعبير أشار للقيود على الحرية الأكاديمية وممارسة إدارات الجامعات والكليات ضغوطا كبيرة على حرية الأساتذة في التدريس والبحث والتعبير.

ورصد تقرير المؤسسة "جامعات بلا حرية أكاديمية: تقرير حول واقع حرية التدريس والبحث في الجامعات الحكومية"، الصادر في 26 يوليو/ تموز 2020، تدخلات إدارات الجامعات والأمن في حرية البحث والتدريس.

التقرير أشار لشطب ووقف رسائل علمية وشهادات تخرج لأسباب سياسية، وإحالة لجان مناقشة في جامعتي الأزهر وقناة السويس، إلى التحقيق، لتناولها موضوعات "التكييف الفقهي للثورات"، و"وصف 30 يونيو بالانقلاب".

جرى التحقيق مع أساتذة لموافقتهم على أبحاث: "الديمقراطية بين الفكر والممارسة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين: دراسة تحليلية لحزبي الحرية والعدالة والنور، و"الإخوان المسلمون وانتخابات مجلس الشعب 2005".

أما معهد كارنيغي فقارن في 24 يناير/ كانون الثاني 2019، بين ما فعله الرئيس "الأكاديمي" محمد مرسي و"العسكري" عبد الفتاح السيسي في مجال الحرية الأكاديمية التي أسماها بـ "الضائعة" منذ انقلاب السيسي.

المعهد رصد مظاهر ضياع الحرية الأكاديمية، و"القمع المستمر والمتزايد الذي تمارسه السلطة ضد الأبحاث الأكاديمية"، مقابل الحرية التي أعطاها مرسي للأستاذة بانتخاب عمداء الجامعات ورؤسائها بأنفسهم.

موافقات أمنية

في 17 أبريل/نيسان 2014، عمم وزير التعليم العالي على رؤساء الجامعات خطابا تحت "سري جدا"، يحمل توجيهات من مجلس الوزراء بعدم عقد أو استضافة أي مؤتمر دولي إلا بعد موافقة وزارة الخارجية والتنسيق معها.

وأصدر رئيس جامعة دمنهور في يونيو/حزيران 2014 قرارا يمنع توقيع اتفاقيات مع جامعة أجنبية إلا بعد موافقات من وزارة الخارجية والجهات الرقابية والأمنية، بدعوى الخوف من "اختراق البلد من خلال البعثات الخارجية ولأن معظم المشاريع المقدمة من الجهات الأجنبية وراءها أغراض تضر بالبلاد".

وفي إطار سيطرة السيسي على الجامعات، أصدر قرارا جمهوريا في يونيو/ حزيران 2014، ينص على تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بقرار من رئيس الجمهورية بدلا من انتخابهم.

وفي 16 يناير/ كانون الثاني 2015، أصدر السيسي، قرارا جمهوريا يقضي بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات، الصادر بقانون رقم 49 لعام 1972، ومن ضمن التعديلات فصل أعضاء هيئة التدريس الذين "يشتركون أو يحرضون أو يساعدون على العنف أو أحداث الشغب داخل الجامعات أو أي من منشآتها".

ويشمل الفصل الأساتذة الذين "يمارسون الأعمال الحزبية داخل الجامعة"، وأصبح لرئيس الجامعة سلطة وقف أي عضو هيئة تدريس عن العمل والتنكيل بأي أكاديمي لا يسير على هوى السلطة. 

ضمن هذه الأوامر السياسية والأخرى الأمنية والقضائية، جرى فصل عشرات الأساتذة في إطار سياسة "التطهير الأكاديمي" منذ يناير/كانون الثاني 2014 وحتى الآن.

وعام 2016، أصدر السيسي قرارا رئاسيا اشترط تقدم أعضاء هيئات التدريس بطلبات إلى الأجهزة الاستخبارية للموافقة على المشاركة في محاضرات خارج البلاد أو استضافة شخصيات أجنبية بمصر.

وصل الأمر لإعلان رئيس مجلس الدراسات العليا والبحوث في جامعة الإسكندرية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أنه يجب أن تتقيد جميع اقتراحات الأطروحات الجامعية لنيل الدكتوراه والماجستير لـ "رؤية مصر 2030" التي أعلنها السيسي.

إجراءات تأديبية

بين عامي 2013 و2016، اعتقل أكثر من 1100 طالب، وطرد 1000 طالب أو اتخذت إجراءات تأديبية بحقهم، ومثل 65 طالبا أمام المحاكم العسكرية، وقتل 21 طالبا في الاحتجاجات، بحسب تقارير حقوقية.

مجلة الجامعة الأميركية نشرت تقريرا في ديسمبر/كانون الأول 2016 بعنوان "مخبرون في الجامعة الأميركية" يؤكد التدخلات الأمنية سواء في الأنشطة الطلابية أو في مجال الحريات الأكاديمية والطلابية، عبر عدد خاص أصدرته مجلة AUC Times.

شمل هذا، قمع الحركة الطلابية بالجامعات، والتحكم في اتحادات الطلاب ومنع واستبعاد الطلاب النشطين، وتقليص مساحات الحريات الطلابية، واعتقالات وتدخلات أمنية فجة.

وفي مايو/أيار 2018، اعتقلت السلطات المصرية الباحث "وليد الشوبكي" بجامعة واشنطن وإخفاءه قسريا بعد إجرائه مقابلات مع قانونيين وقضاة ضمن دراسته، ووجهت له مع 13 صحفيا وأكاديميا تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية.

مجلس الحريات الأكاديمية لطلاب الشرق الأوسط (ميسا) المشرف على سفر الطلاب الأجانب، حذر من السفر لمصر مؤكدا أن "الأجهزة الأمنية المصرية مصدر خطر على حياة وسلامة الأكاديميين".

أما مجلس "ميسا" (MESA Board) فقال في 4 فبراير/ شباط 2019: "التهديدات تأتي من الهيئات الرسمية التي يبدو أن مهمتها هي العمل لتوفير بيئة آمنة للدراسة والبحث".

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أمرت جامعة إدنبرة البريطانية، كل طلاب بعثاتها الدراسية في مصر بالعودة إلى لندن وعدم استكمال دراستهم بعدما اشتكوا من اعتقالات في صفوفهم.

وقالت الجامعة إن 9 طلاب عادوا إلى اسكتلندا، بعدما اعتقل الأمن المصري طالبين (زوجين) خلال موجة القبض العشوائي في الشوارع عقب احتجاجات.

 

وأوضحت أنها "تشعر بقلق بالغ" وقررت إلغاء كل برامج التبادل مع جامعات مصرية.

وحين طلب السفير المصري لدى بريطانيا من جامعة ليفربول إنشاء فرع لها في مصر، رفضت الجامعة العرض لعدم "تعرض سمعتها للضرر"، بسبب سجل حقوق الإنسان المتردي في مصر والذي يطال أكاديميين.