بعد انتقال تاريخي للسلطة.. ما التحديات التي تواجه رئيس النيجر الجديد؟

12

طباعة

مشاركة

ساد الحزن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في النيجر يوم 21 فبراير/شباط 2021، على إثر مقتل سبعة أعضاء من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات جراء انفجار لغم في منطقة تيلابيري. 

وأعلنت النتائج الرسمية فوز محمد بازوم، مرشح الحزب الحاكم وخليفة الرئيس المنتهية ولايته محمد يوسفو، على منافسه ماهامان عثمان بحصوله على نسبة 55.7 بالمئة من الأصوات. 

تقدم ديمقراطي

وقال موقع معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي إن الانتقال الحالي للسلطة يعد أحد الانتقالات النادرة التي تجري عبر الانتخابات في تاريخ النيجر.

وعاشت البلاد في السنوات الثلاثين الماضية ثلاثة انقلابات عسكرية، وفي عدة مناسبات، فرضت النخب الحاكمة سيطرتها لضمان استمرارية حكمها. 

وتابع بالقول إن قرار رئيس الدولة يوسفو، الذي قاد البلاد منذ عام 2011، بعدم الترشح لولاية ثالثة عملا بما ينصه الدستور، ساعد على تعزيز الانتقال الديمقراطي للسلطة ولو شكليّا. 

ولفت إلى ظهور بوادر مشجعة عقب إجراء الجولة الأولى من الانتخابات في ديسمبر/ كانون الأول 2020 في هذا الصدد. 

وعلى إثر إجرائها، تحصل بازوم، مرشح الحزب النيجيري من أجل الديمقراطية والاشتراكية الحاكم، على 39 بالمئة من الأصوات، بينما احتل ماهامان عثمان، مرشح حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري منافسه الرئيس المركز الثاني بحصوله على 17 بالمئة ومر بذلك المرشحين إلى جولة ثانية. 

ووفقا لما أعلنته اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فاز بازوم بغالبية الأصوات في الجولة الثانية في أربعة من المناطق النيجيرية السبع (أغاديز، تاهوا، مارادي، ديفا)، وهو ما أثار شكوك حول الانتخابات وفتح المجال للاحتجاج. 

وقد أججت نسب الإقبال على التصويت في بعض بلديات تاهوا التي تراوحت بين 95 و99، فضلا عن فارق الأصوات  الواسع لصالح بازوم (88 بالمئة من الأصوات المدلى بها في المنطقة) مزاعم وقوع مخالفات من قبل أنصار مرشح المعارضة. 

ونظمت الاحتجاجات بشكل خاص في العاصمة نيامي حيث فاز عثمان بأغلبية الأصوات. كما أسفر العنف الذي انتشر على نطاق واسع بعد الانتخابات عن مقتل شخصين واعتقال المئات من قبل قوات الأمن، بينما قطعت خدمة الإنترنت في بعض مناطق البلاد.

وبذلك، يلاحظ الموقع وجود بعض الخروق في جودة العملية الانتخابية وحدود النظام القائم على قمع مظاهر المعارضة، وعلى تواصل انتهاكات السلطة الحاكمة، وكذلك على إعادة إنتاج نفس النخبة السياسية، مما يحد من نطاق التقدم الديمقراطي النيجيري. 

وذكر في هذا السياق أن المرشح ماهامان عثمان كان أول رئيس منتخب ديمقراطيا في النيجر، وأطيح به في عام 1996 بانقلاب عسكري. 

وشغل، سيني أومارو، أحد المرشحين البارزين في الانتخابات الرئاسية، منصب رئيس الوزراء بين عامي 2007 و 2009. ومن جانبه، حصل سالو جيبو قائد الانقلاب العسكري عام 2010 على 3 بالمئة من الأصوات.

أشار الموقع الإيطالي إلى أن انتخاب بازوم يوحي باعتماد نهج سياسي أساسه الاستمرارية في إطار العلاقات الدولية الهامة للنيجر خصوصا وأن وزير الداخلية والأمن العام السابق، كان لسنوات أحد المحاورين الرئيسين للمؤسسات الأوروبية. 

وقد عملت هذه الأخيرة على جعل النيجر، وهي دولة عبور لتدفقات الهجرة المتجهة نحو البحر الأبيض المتوسط، ركيزة إستراتيجيات التعهيد للاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل. 

وكانت القروض التي قدمتها أوروبا منذ عام 2016 بمثابة حافز للتطبيق الصارم للقانون رقم 36 لعام 2015، الذي نص على اعتماد تدابير صارمة للسيطرة على طرق العبور، واحتواء ظاهرة التنقل وتجريم الشبكات الاجتماعية التي تدعم الهجرة عبر الصحراء من قبل حكومة نيامي ووزير الداخلية آنذاك بازوم، بحجة مكافحة الاتجار بالبشر.

 كانت النيجر أول المستفيدين من الصندوق الاستئماني للاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، بإجمالي 285 مليون يورو منذ عام 2014.

واعتبر اعتقال المئات من المسافرين النيجيرييين، ومصادرة السيارات المستخدمة لنقل المهاجرين، وعسكرة منطقة أغاديز بمثابة ضربة قاسية للسكان المحليين، لتعويلهم على نشاط الهجرة من أجل كسب لقمة العيش في ظل عدم وجود فرص  بديلة.

انعدام الأمن

أكد الموقع أن اعتبار فوز بازوم في الانتخابات استمرارية  في تنفيذ سياسة يوسفو خلال ولايته الرئاسيتين، لم يقتصر على النجاحات المحققة في السيطرة على الهجرة غير النظامية. 

وأوضح وزير الداخلية السابق خلال الحملة الانتخابية أنه سيحافظ على التزامه في إعادة فرض الأمن، أمام تزايد نشاط تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى  في منطقة تيلابيري، إلى الجنوب الغربي (على الحدود مع بوركينا فاسو ومالي) وجماعة  بوكو حرام، في منطقة ديفا، إلى الجنوب الشرقي (على الحدود مع نيجيريا). 

وذكر الموقع أن النيجر عانت منذ عدة سنوات، من انتشار الجماعات المسلحة على حدودها مع الدول المجاورة مما وضعها في قلب الإستراتيجيات الوطنية والدولية لمكافحة الإرهاب والتمرد. 

وشهدت بدءا من عام 2018، هجمات على الأهداف العسكرية، كما ارتكبت جماعات مسلحة مذابح للمدنيين،  فيما دارت اشتباكات عنيفة بين عدة فصائل.

 وخلال قمة مجموعة دول الساحل الخمس الأخيرة في نجامينا، أعلنت تشاد عن إرسال حوالي 1200 جندي لدعم الجيش النيجيري في منطقة تيلابيري. 

وأوضح الموقع الإيطالي أن الضرورة الملحة للسيطرة على ظاهرة الهجرة غير النظامية والحاجة إلى مكافحة التطرف والعنف، تفسر مركزية الوجود العسكري الغربي في البلاد. 

تستضيف العاصمة نيامي قواعد عسكرية فرنسية وأميركية، وأيضا وحدة عسكرية ألمانية كبيرة إلى جانب مهمة عسكرية إيطالية، وكذلك مقر القيادة المشتركة بين قوة برخان ومجموعة الساحل. 

وألمح الموقع إلى أنه على الرغم من الجهود العسكرية والمالية الهائلة للشركاء الدوليين، تبدو القدرة الاستيعابية للنظام السياسي والعسكري في نيامي محدودة. 

يتجلى ذلك في إشارة المرشح ماهامان عثمان، خلال الحملة الانتخابية إلى ظروف الحوكمة السيئة نتيجة ضعف العمل السياسي والحكومي لحزب بازوم ويوسفو، ولا سيما تدهور الأوضاع الأمنية في تيلابيري.

 في إشارة إلى هجوم معسكر تشينيجودار في يناير/كانون الثاني 2020، والذي أودى بحياة 89 عسكريا، وسقوط 105 قتيلا في المذابح الأخيرة للمدنيين في قريتي تشوما بانغو وزارماداري، في نفس الشهر من عام 2021.

وأكد موقع المعهد الإيطالي أن المسائل الأمنية بلغت مستوى كبير من القلق الشعبي مما أدى إلى تعزيز الاستقطاب في جولة الإعادة الانتخابية. 

ويتأكد ذلك من ميل منطقة تيلابيري، حيث ظهر تدهور الأوضاع الأمنية في السنوات الأخيرة، إلى مرشح المعارضة.

 وعلى الرغم من الاعتراف بمهاراته في إدارة الأزمات المهمة، إلا أن بازوم بدا غير حازم في المسائل الأمنية، لذلك يطالبه الآن الناخبون باستجابة أكثر فعالية لاحتواء الحركات المسلحة في البلاد. 

كما سيولي الرئيس المنتخب حديثا، اهتمام خاص لمسائل انعدام الأمن الغذائي والأزمات البيئية وأيضا إدارة أراضي ومناطق الرعي. 

وفي هذا الإطار، أشار الموقع إلى أن مسألة الفساد تظل أساسية خصوصا وأن عمليات التدقيق في نفقات وزارة الدفاع، المنشورة خلال عام 2020، سلطت الضوء على وجود اختلاس لصالح رجال الأعمال المقربين من السلطة التنفيذية الحالية وهو ما دل على انتشار الفساد في البلاد. 

في هذه الجوانب، سيتعين على بازوم التدخل لتعزيز الثقة في المؤسسات النيجيرية والطبقة السياسية والقطع مع الماضي بتنفيذ سياسة شفافة.

على الرغم من بوادر التطور الديمقراطي وبناء المؤسسات، التي تأثرت باتهامات التزوير الانتخابي الموجهة إلى الحزب الحاكم، أفاد الموقع بوجود العديد من المشاكل في نموذج الحوكمة المعيب، والذي يتميز بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.

 بالإضافة إلى وجود عنف منهجي لقوات الأمن تجاه المدنيين، وهي أسباب تغذي الصراع الأهلي، يضاف إليها الاختلال الوظيفي في إدارة الموارد وفي تسوية النزاعات.

في الختام، يعتقد الموقع أن بازوم سيؤكد التزام سلفه بمحاربة الجماعات المسلحة في المنطقة، والتعاون مع المؤسسات الأوروبية للسيطرة على تدفقات الهجرة. 

بيد أن استمرار المسار النيجيري سيتعين أن يقابله نهج أوروبي مختلف حتى لا يترجم الدعم المالي والسياسي والعسكري إلى دعم غير مشروط لنظام نيامي.