قانون "الشهر العقاري" يفرم المصريين.. كيف أمن السيسي العسكر بحيل أخرى؟
كثير من المصريين يقضون فترات طويلة من أعمارهم لتدبير مبلغ مالي يساعدهم على تحقيق حلم امتلاك شقة سكنية، لكن يبدو أن نظام عبدالفتاح السيسي قد أحال هذا الحلم إلى كابوس مع استصدار قانون "الشهر العقاري" الجديد.
وفق مراقبين، لو أن الأمر بيد السيسي وحده، لفرض على البرلمان أن ينص التشريع الجديد على استثناء العسكريين، لكن خوفا من أن يُحكم على القانون بعدم الدستورية، فإن رئيس النظام ومن قبله رؤساء مصر من العسكر، قد أمّنوا لأفراد القوات المسلحة مساكنهم وبأرخص الأثمان.
مفارقات عجيبة بالمعاملات في مصر بين المدنيين والعسكريين، فإذا كنت مدنيا فأنت أمام إجراءات عسيرة، وسيل من الضرائب التي يجب دفعها لتسجيل بيتك.
وعلى العكس تماما، يجد العسكريون تسهيلات وإعفاءات لا حصر لها إذا ما قرروا التملك، لا سيما وأن وزارة الدفاع أقامت صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة لذلك الغرض، وإذا تعثر الضابط في السداد فأمامه مؤسسة قروض ضباط القوات المسلحة لإسناده.
قانون صادم
في 22 فبراير/ شباط 2021، أصدرت مصلحة الشهر العقارى والتوثيق ((تتبع وزارة المالية) برئاسة الدكتور جمال ياقوت، المنشور رقم 6 لسنة 2021 بشأن تطبيق نص المادة 35 مكرر من قانون الشهر العقارى، والذى تم تعميمه على مكاتب الشهر العقاري، ومأمورياتها ومكاتب التوثيق وفروعها.
القانون تسبب في حالة من الجدل والسخط في الأوساط العامة، بسبب تهديد ملكيات امتلاك المواطنين للعقارات والشقق إلى حين، حيث لا تستقر الملكية إلا بإجراءات طويلة بالغة التعقيد، بالإضافة إلى كونها مكلفة لقطاع عريض من المواطنين الكادحين.
القانون الجديد يلزم المواطن بعدم نقل المرافق والخدمات إلا بعد سند القيد من مكاتب الشهر العقاري، فضلا عن دفع رسوم جديدة للتسجيل.
نُشر القانون في الجريدة الرسمية في 5 سبتمبر/أيلول 2020، شريطة أن يتم العمل به بعد 6 أشهر أي في 7 مارس/آذار 2021، قبل أن تعلن الحكومة في 28 فبراير/شباط 2021 إرجاء العمل به لنهاية العام.
وذكر بيان للحكومة، أن رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، عقد اجتماعا لبحث ملف التسجيل في الشهر العقاري، بمشاركة 6 وزراء، قبل أسبوع من تنفيذ القانون.
مدبولي قال إن الحكومة ستتقدم بمشروع قانون جديد لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بما يسمح بإرجاء تنفيذ القانون حتى نهاية العام". مضيفا أن إرجاء التنفيذ سيتيح "طرح بعض الأفكار للتيسير، على رأسها فصل سداد ضريبة التصرفات العقارية عن إجراءات التسجيل العقاري، وتوصيل المرافق".
بيانات غير رسمية تشير لوجود أكثر من 40 مليون عقار في عموم مصر، نحو 95 بالمئة منها غير مسجلة، فيما يهدف التسجيل في الشهر العقاري، وفق القانون المؤجل إلى أمور بينها تأمين الملكية، والقضاء على البناء غير المرخص، وفق البيان.
ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام اعتبروا أن القانون يعد ضربا من إجراءات الجباية التي تمرس عليها نظام عبد الفتاح السيسي بطريقة أعجزت المصريين عن السداد وأدخلتهم في تساؤلات مقلقة عن مصير بيوتهم.
الناشط إسلام فؤاد نشر تدوينة عبر "فيسبوك" قائلا: "أكتر حاجة ميزت السيسي عن باقي من تولى حكم مصر أنه غليظ القلب، نزعت الرحمة من قلبه، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي! بعد هدم بيوت الناس وقانون التصالح يعمل قانون جديد كارثي قانون الشهر العقاري".
فيما قال اليوتيوبر عبد الله الشريف: "قانون الشهر العقاري الجديد ما هو إلا إعادة إنتاج للمصالحات الابتزازية التي ثار عليها المصريون منذ عام وتراجع عنها النظام، تسمية النصب على المواطن باسم مستعار لن تلبسه ثوب الفضيلة، ارحموا من لم يجد من يحنوا عليه".
قانون الشهر العقاري الجديد ماهو إلا إعادة إنتاج للمصالحات الإبتزازية التي ثار عليها المصريون منذ عام وتراجع عنها النظام، تسمية "النصب" على المواطن باسم مستعار لن تلبسه ثوب الفضيلة، ارحموا من لم يجد من يحنوا عليه #قانون_الشهر_العقاري_نصباية
— عبدالله الشريف (@AbdullahElshrif) February 24, 2021
هذه الفوضى من قوانين العقارات والضرائب المستمرة على المساكن التي تفرضها الحكومة، أو عبر المؤسسات التشريعية الممثلة في البرلمان، لا تعرف للضباط وأفراد القوات المسلحة سبيلا، حيث يعيشون في معزل عن كل هذه المستجدات.
مساكن الضباط
فارق تملك العقارات بين المدنيين والعسكريين في مصر، يكمن في الضمانات والتسهيلات التي يحصل عليها الضباط بالإضافة إلى الإمكانيات المتوفرة من قبل وزارة الدفاع والمؤسسات التابعة لها.
في 9 مارس/ آذار 1988، أصدر الرئيس الراحل حسني مبارك، قرارا رقم 66 لسنة 88 بإنشاء صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة، باعتباره هيئة عامة لها شخصية اعتبارية، تتبع وزارة الدفاع، ومركزها القاهرة.
ونصت المادة الثانية من مشروع القرار على أن يختص الصندوق بوضع خطة مشروعات إسكان أفراد القوات المسلحة، التي تعمل على تمويل مواردها والعمل على تنفيذ مشروعاتها وإدارتها بأسلوب اقتصادي.
على أن يتم ذلك من خلال التنسيق مع الأجهزة المالية والفنية والإدارية التي تتبع وزارة الدفاع، بهدف توفير السكن الملائم والصحي لكافة أفراد القوات المسلحة.
وذكر القرار الجمهوري أن إقامة المشروعات الخاصة بالجيش، يجب أن تتم على الأراضي التي خصصت لهذا الهدف، ويتولى الصندوق تزويد كافة المشروعات بالخدمات اللازمة والمرافق التي تشرف على تطويرها وصيانتها القوات المسلحة.
وبعد دخول القرار حيز التنفيذ، وعلى مدار 33 عاما، عجت القاهرة وسائر محافظات القطر المصري بمشروعات إسكان الضباط، فلا تكاد تخلو مدينة جديدة أو منطقة متميزة من مشروع لإسكان ضباط الجيش.
بل دخلت القوات المسلحة في كثير من الأحيان في نزاعات ضد مدنيين، مثلما حدث لسكان مدينة الصفا بالقاهرة، عندما تعدى مشروع لإسكان الضباط على زمام مجالهم السكني، واختصموا إلى مجلس الدولة.
وفي 29 أغسطس/ آب 1998، أصدر المستشار محمد يسري زين العابدين، نائب رئيس مجلس الدولة وقتها حكما ينصف العسكريين بدعوى عدم الاختصاص.
وقال زين العابدين في حيثيات الحكم إن صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة، خصص لإنشاء مساكن للضباط، ليس بصفة السلطة العامة، وإنما بوصفه فردا من الأفراد يتمتع بحقه فى شراء وبناء وتملك الأراضى والوحدات السكنية.
تسهيلات بالجملة
ورغم أن صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة، يوفر للضباط من جميع الرتب العقارات بتسهيلات كبيرة في الدفع، لكن حال تعثر الضابط على سداد دفعة الشراء الأولى، فإن بإمكانه اللجوء إلى "مؤسسة قروض ضباط القوات المسلحة".
المؤسسة تم تدشينها في 7 مايو/ أيار 1955، بقرار من الرئيس السابق جمال عبد الناصر، والغرض منها إقراض الضباط العاملين في القوات المسلحة، بضمان رواتبهم.
حجم التسهيلات التي يحصل عليها الضباط، وسيطرتهم على القطاع المدني، عبر عنه يزيد صايغ، فيه ورقته البحثية التي أصدرها مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعنوان "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري".
صايغ قال: "أما المؤسسة العسكرية، فلا تزال متعلقة بقوة بالاعتقاد أن الانتفاع من أصول الدولة، بل ومن الموارد القومية عموما، هو استحقاق لها. فبدلا من أن تقبل بالتخلي عما تعتبره حقا لها، ستضاعف جهودها للتمسك به وتوسيعه على الأرجح".
وأضاف: أن "وزارة الدفاع تمثل الركن الأساس في الاقتصاد العسكري الرسمي، لكنها، على عكس الصناعة الحربية الخاسرة، تقدم مساهمة كبيرة إلى الصناديق العسكرية خارج الميزانية"، ومن ضمنها صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة.
وذكر: أن "المؤسسة العسكرية تعمل كرأس حربة يتزعم انتقال مصر نحو مرحلة جديدة من الرأسمالية التي تقودها الدولة، والتي تعيد تشكيل نواح أساسية من الملكية العامة أو السيطرة على الاقتصاد".
اختلالات طبقية
الباحث السياسي محمد ماهر، قال لـ"الاستقلال": "مصر تعيش عصر انسحاق كامل أمام العسكريين، ربما لم تشهده منذ حقبة المماليك في العصور الوسطى".
وأضاف: "الحروب والانقلابات العسكرية تتسبب في اختلالات طبقية في بنية المجتمع الأساسية، كما حدث على سبيل المثال بعد انقلاب 23 يوليو/ تموز 1952، وصعود طبقة الضباط إلى قمة هرم المجتمع المصري، وسقوط طبقة البشوات والبكوات".
وتابع: "أما انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، تسبب في رسوخ العسكريين، وتراجع الطبقات المدنية بمختلف أشكالها حتى أولئك الذين تحالفوا مع العسكر من رجال الأعمال وغيرهم".
واستشهد ماهر على التفرقة في المعاملة بين المدنيين والعسكريين بالضرائب والجبايات التي تفرض على القطاع المدني، مقابل الامتيازات والتسهيلات التي تمنح للعسكريين مثل زيادة المعاشات والحوافز والخصومات على استخدام وسائل المواصلات والمرافق العامة، مع حقوق امتلاك الأراضي والعقارات والتمتع بالفنادق والمنتجعات السياحية وغيرها بأبخس الأسعار.
ما قال: "كل ما سبق يؤكد حجم المهزلة في التفرقة بين العسكري والمدني، خاصة وأن الأخير أصبح في وضع متأزم باستمرار لا يستطيع تجاوزه ولا يملك من يغيثه من مؤسسات أو حكومات، فالبرلمان والحكومة والأجهزة الرقابية، جلها صارت لعبة في يد السيسي".
وأردف: "بالحديث عن موضوع مساكن الضباط تحديدا، فإنها لا تعدو "سبوبة" للعسكريين، وكثير من الضباط لا يسكنون هذه المساكن، إذ يحصلون على الشقة بثمن زهيد، ثم يقومون ببيعها بأسعار مرتفعة، وإذا دخلت على مواقع بيع الشقق مثل (olx) أو (بروبرتي فايندر) وبحثت عن مساكن الضباط ستجد كثير منها معروضة للبيع".
وأضاف قائلا: "قانون الشهر العقاري، والضرائب العقارية، والضرائب عموما اعتباراتها تتجاوز القرارات التعسفية للنظام، بل مؤشرات خطيرة على الضعف الاقتصادي وارتفاع ديون الدولة الناجم عن سياسة الاقتراض وقلة الموارد".
وختم ماهر كلامه قائلا: "يحاول النظام سد العجز وتوفير السيولة من خلال تلك الضرائب التي يحصلها من المواطن عن طريق ابتكار تلك القوانين، ولكن إلى أي درجة يستطيع المواطن تحمل تلك الأعباء ولا يصل إلى درجة الانفجار، مثلما حدث أثناء هدم العقارات والمباني المخالفة".
المصادر
- إنشاء صندوق إسكان أفراد القوات المسلحة
- غموض وارتباك.. قانون جديد للشهر العقاري يثير الجدل ويقلق المصريين
- إنشاء مؤسسة للقروض لضباط القوات المسلحة
- عسكر و رجال أعمال
- قانون الشهر العقاري يصيب الملايين بالذعر… والحكومة تنفي نزع ملكية بيوت المتخلفين عن التسجيل
- عسكر بلا قيود: التحول في عهد السيسي
- الشهر العقارى يصدر تعليمات جديدة بشأن تسجيل العقارات والمستندات المطلوبة