قائد الدعم السريع السوداني في زيارة خاطفة لروما.. ما علاقتها بالملف الليبي؟
زيارة غير رسمية مثيرة للجدل أجراها قائد قوات الدعم السريع بالسودان الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" مؤخرا إلى إيطاليا، كشفت عنها وسائل إعلام محلية.
المصادر كشفت أيضا، عن غرض الزيارة المتمثل في حصول حميدتي على أسلحة ودعم فني وإستراتيجي لقواته الضالعة في حرب ليبيا، وصاحبة النفوذ والسطوة في السودان.
التزامن بين زيارة حميدتي، ودور إيطاليا الذي بدأ يتمدد في ليبيا، بعد سنوات من التراجع، يؤكد أن روما عازمة على فاعلية أكثر في الصراع الليبي، وأنها تسعى حسب التقارير الواردة إلى مفاوضة حميدتي على وقف إرسال قواته إلى هناك وضبط الحدود.
زيارة حميدتي
في 9 فبراير/ شباط 2021، حط قائد قوات الدعم السريع رحاله في مطار ليوناردو دا فينشي بالعاصمة روما، في زيارة غير معلنة، استهدفت إجراء لقاءات مع أعضاء في الحكومة الإيطالية.
رافق حميدتي في زيارته شقيقه القوني حمدان، الذي يعد الرجل الثالث والأكثر نفوذا داخل الدعم السريع، ويحمل رتبة رائد، بالإضافة إلى كونه "مسؤول المشتريات، وكذلك رجل أعمال سوري يدعى محمد عبد الحليم، القائم على استثمارات آل دقلو في إثيوبيا.
وفي 20 فبراير/ شباط 2021، كشفت صحيفة "مونتي كاروو" المحلية، أن "حميدتي قدم قائمة طلبات لأخذ معدات عون فني ودعم إستراتيجي، منها طائرات مسيرة "درون" التي قال إنه يحتاجها لعمليات مراقبة وضبط الحدود، ووقف تدفق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا".
منذ سنوات يتمتع حميدتي بشراكة مع الاتحاد الأوروبي ممثلا لحكومة السودان، وذلك عبر عملية مركز الخرطوم، الناجمة عن اتفاقية "فيتا" بين الاتحاد الأوروبي والقادة الأفارقة التي وقعت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وتولى حميدتي الشق الخاص بالسودان المتعلق بضبط الحدود ووقف الهجرة غير النظامية.
وأشارت "مونتي كاروو" أن "الصفقة تشمل بالإضافة إلى طائرات الدرون، أنظمة متقدمة للدعم اللوجستي والاستخباري كما تشمل معدات قتال أرضية منها منصات صواريخ ميلان الفرنسية المعروفة بصائد الدبابات عالية الدقة وذات التحكم عن بعد".
وحسب الصحيفة السودانية، وافقت المجموعة الإيطالية على مطالب حميدتي، شريطة أن يوقف الدعم السريع إمداد الجنرال خليفة حفتر قائد ما يسمى بـ"جيش شرق ليبيا"، بالمقاتلين وأن يلتزم بقرارات الأمم المتحدة ويظل على الحياد.
مصالح إستراتيجية
ولا تنفصل خطوات التعاون بين روما وحميدتي عن محاولة الأولى تدارك تأخرها في الأزمة الليبية، وهو ما بدا عندما عينت إيطاليا "باسكوالي فيرارا" مبعوثا خاصا إلى ليبيا، في 15 يناير/ كانون الثاني 2021، في خطوة رآها متابعون محاولة لتجاوز غيابها مقابل تزايد الدور الفرنسي والروسي والتركي.
وتحتل ليبيا أولوية قصوى بالنسبة لإيطاليا نظرا لمصالحها الإستراتيجية فيها من ناحية، وقربها الجغرافي منها ومدى تأثير التطورات الداخلية الليبية على الأمن القومي الإيطالي.
واتسم الموقف الإيطالي منذ البداية بحالة من التحفظ، ومع ذلك كانوا منحازين إلى جانب حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج منذ تشكيلها عام 2016، متسقين مع الموقف التركي، ومخالفين للموقف الأوروبي والموقف الفرنسي تحديدا الموالي لحفتر.
الدور الإيطالي الجديد في ليبيا، يسعى إلى عقد توازنات وتحالفات من شأنها وقف خطوط القوة والإمداد لحفتر، الذي يسعى إلى إشعال الحرب مرة أخرى، وهو يعتمد بشكل أساسي على المقاتلين الأفارقة ومنهم السودانيون، وجزء من عناصر الدعم السريع، بالإضافة إلى استفادته من سيطرة قوات حميدتي على منطقة الحدود السودانية الليبية التي يأتي منها جزء أساسي من المقاتلين.
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، أكدت في تقريرها يوم 4 فبراير/ شباط 2021، بعنوان "الصراع في ليبيا يزداد صعوبة"، وقالت خلاله: إن "للمقاتلين السودانيين تاريخ طويل في ليبيا، ولقد تم استخدامهم كبيادق في الصراع الليبي منذ 2011".
وأضافت: "تشير التقديرات إلى أن الزعيم الليبي السابق معمر القذافي جند ما يصل إلى 10 آلاف عنصر من السودان وتشاد ومالي والنيجر للقتال نيابة عنه قبل الإطاحة به وقتله في أعقاب احتجاجات الربيع العربي عام 2011".
وفي 25 يوليو/ تموز 2019، كشف تقرير للأمم المتحدة، عن وجود 1000 مقاتل من قوات الدعم السريع، داخل ليبيا لمساندة حفتر في معاركه، بأمر مباشر من حميدتي.
دعم مالي
الدعم الإيطالي لقوات الدعم السريع يتجاوز مسألة الصراع في ليبيا، إلى العلاقات السودانية الإيطالية نفسها، ومحاولة الحصول على امتيازات في البلد المضطرب الذي يشهد مرحلة انتقالية متعثرة، وتتدخل فيه قوى متعددة على رأسها الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى إسرائيل.
وفي 5 مارس/ آذار 2020، أجرت نائبة وزير الخارجية الإيطالي، إيمانويلا ديل راي، زيارة إلى الخرطوم، قالت خلالها: "السودان سيظل مهما على المستويات الإقليمية والقارية والأوروبية، لإيطاليا على وجه الخصوص".
وخلال الزيارة وقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNNDP) والحكومة الإيطالية اتفاقا تدفع بموجبه الأخيرة 1.3 مليون يورو، لدعم مشاريع السلام والاستقرار الاجتماعي في ولاية الخرطوم وجنوب دارفور غربي السودان.
الدعم الإيطالي للسودان لم يقف عند هذا الحد، ففي 21 يناير/ كانون الثاني 2021، أكدت الولايات المتحدة وإيطاليا دعمهما لموقف السودان في محادثات سد النهضة الإثيوبي، وحقه في تبادل المعلومات بصورة منتظمة، لتأمين سدوده ومنشآته المائية وسلامة مواطنيه.
طرف فاعل
السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي، قال: "العالم لا يحترم ولا يتعامل إلا مع الأقوياء والفاعلين، وحميدتي من أكثر الأطراف الفاعلة في السودان، وأعظمهم نفوذا".
وأضاف عبدالعاطي لـ"الاستقلال": "رأينا بعد خلع البشير عقب الثورة أن المجلس العسكري لم يتم التوافق عليه إلا بوجود حميدتي، وبعدها كل الأطراف الدولية والسفراء الذين وفدوا إلى السودان، لم يمروا حتى اجتمعوا به، ووصل الأمر أن تم وصفه بالحاكم الفعلي للسودان بعد البشير".
وأضاف: "إيطاليا الآن تريد توسيع نفوذها في إفريقيا، وضبط الأوضاع في ليبيا، وزيادة تعاونها مع السودان، فلا يمكن أن تغفل قائد قوات الدعم السريع، الذي يوجد بجزء من قواته في الصراع الليبي، ويقوم بحماية ومراقبة الحدود، بالإضافة إلى وضعه وتمدد سلطته ونفوذه في الداخل السوداني".
وشدد عبد العاطي: "هنا فقط تظهر ازدواجية المعايير الأوروبية، وإزاحة ملف حقوق الإنسان جانبا، فحميدتي متورط وقواته في مذبحة فض الاعتصام، وانتقدت تقارير أممية دولية ضلوعه في الحرب الليبية".
وتابع: "حميدتي أيضا طرف عسكري من المفترض أنه يخضع للجيش السوداني، ومع ذلك يتم إمداده بشكل خاص بمعدات عسكرية، وطائرات درون من شأنها أن تكون فاصلة في معادلة القوة".
وأردف: "يجب أن تكون لدى الحكومة السودانية وقائد المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان درجة من الشفافية والحسم في التعامل مع هذه الأمور، وأن لا تتم تلك الصفقات بمعزل عن مؤسسات وأجهزة الدولة، وباطلاع الشعب السوداني".
وتساءل عبد العاطي: "من المفارقات الواضحة أيضا أن الحكومة الإيطالية لم تعلن عن هذه الصفقات ولم تتحدث عن زيارة حميدتي، التي من المفترض أنها زيارة لمسؤول عسكري سوداني رفيع إلى بلادهم، ما يؤكد أن هناك أمور ووقائع لا يحبذ الكشف عنها لأنها ستثير جدلا أو اعتراضا".
المصادر
- تنسيق اوربي تركي مع حمديتي، ومعدات حربية متقدمة في طريقها الى الدعم السريع
- ماهو الغرض من مغادرة حميدتي الي ايطاليا علي متن طائرة أماراتية خاصة ؟
- The Conflict in Libya Is Getting Even Messier
- حميدتي يشترط الشرعية والمال لوقف الهجرة لأوروبا
- إيطاليا تتدارك غيابها في ليبيا بتعيين مبعوث خاص
- إيطاليا: السودان سيظل مهما على المستويات الإقليمية والأوروبية
- إيطاليا تدفع بـ 1.3 مليون يورو لدعم برامج السلام في الخرطوم وجنوب دارفور
- "سونا": 47 شركة إيطالية تشارك في معرض الخرطوم الدولي