صحيفة فرنسية تشكك في اطلاع ماكرون على تقرير "ستورا" عن حرب الجزائر
سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على صدى تقرير المؤرخ بنجامين ستورا بشأن استعمار باريس للجزائر (1830-1962)، وذلك بعد مرور شهر على تسليمه إلى الرئيس إيمانويل ماكرون.
وقالت الصحيفة: "لا يزال تقرير ستورا بشأن التوفيق بين ذكريات الاستعمار والحرب الجزائرية، دون ترجمة سياسية، وأيضا بطيئا في العثور على منفذه السياسي، بعد تسليمه إلى ماكرون في 20 يناير/كانون الثاني 2021".
وأشارت إلى أن "الإليزيه لم يعلن بعد عن نواياه بشأن التوصيات التي قدمها المؤرخ، الذي اقترح (سياسة الخطوات الصغيرة) في شكل (جسور) بين فرنسا والجزائر، حول الموضوعات الحساسة التي لا تزال قائمة (مفقودي الحرب، آثار التجارب النووية، مشاركة الأرشيفات، التعاون التحريري، إعادة تأهيل الشخصيات التاريخية، إلخ).
واعتبرت أن "صمت ماكرون يزيد من الشكوك حول اطلاعه على التقرير، في وقت كانت فيه ردود الفعل الجزائرية، على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، سلبية بشكل عام".
وأضافت: "بينما بدت نبرة الصحافة خافتة في اليوم التالي لعودة الرئيس عبد المجيد تبون من ألمانيا إلى الجزائر العاصمة في 12 فبراير/شباط 2021، عاد التوتر مرة أخرى في 17 فبراير، مع انتهاء الحظر الرسمي".
الاعتذار هو الحل
وفي السياق، قال وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة الجزائرية، إن "هروب فرنسا من الاعتراف بجرائمها الاستعمارية لن يطول كثيرا، وتقرير ستورا غير موضوعي ودون التوقعات، لأنه وضع الضحية والجلاد على قدم المساواة".
وفي مواجهة هذة المراهنة السياسية المزدوجة، قرر ستورا، الذي وقع تكليفه برئاسة "لجنة الذاكرة والحقيقة" -المسؤولة عن التنفيذ العملي لتوصيات التقرير- "التراجع" و"الانتظار" حتى تتخذ السلطة السياسية مبادرات، وذلك وفق تصريحه لصحيفة "لوموند".
وقد ذكر ستورا في ذات السياق أن "الكرة الآن في ملعب الإليزيه، لا يمكنني الاستمرار في تلقي الضربات بمفردي على خط المواجهة".
وأثار التقرير في فرنسا، ردود فعل قليلة من اليمين -باستثناء تغريدة لرئيس بلدية بربينيان لويس أليوت (التجمع الوطني) وصف فيها النص بأنه "مخجل"، في الوقت غاب فيه "الجمهورية إلى الأمام" (حزب ماكرون)، وبالنسبة لليسار، أعرب حزبا "الخضر" و"الشيوعي" (PCF وLFI) والاشتراكيون المنتخبون عن دعمهم لمقترحات ستورا.
إلى جانب "مجموعات الذاكرة" المهتمة بشكل مباشر، أعرب الحركيون فقط عن خيبة أملهم، بينما لم يعبر الآخرون (الأقدام السوداء، المجندون السابقون، الأطفال المنحدرون من المهاجرين الجزائريين) عن أنفسهم إلا قليلا.
في المقابل، تأججت المشاعر في الجزائر، نشرت الصحافة عددا من وجهات النظر التي أزعجها الفتور الذي أظهره ستورا حول مسألة "الاعتذار" التي تطالب بها فرنسا عن "جرائم الاستعمار".
وفي التقرير، لا يُوصي المُؤرخ صراحة بمثل هذا العمل (الاعتذار) الذي ينم عن أسف عميق، وفق "لوموند".
وأشارت الصحيفة إلى أن "قراءة الإليزيه العلنية لهذا الموقف المفتوح قوّضت إلى حدّ كبير استقبال التقرير في الجزائر".
فيما نشرت الصحافة الجزائرية عددا من المقالات التي تّتهم ستورا وفقا للمعادلات التي يُوردها المؤرخ نور الدين عمارة بـ"تلطيف" عنف الغزو الاستعماري أو بإقامة "توازن في الصدمة" حيث "تعادل عقوبة كل منهما عقاب الآخر".
بعد ذلك، تسلمت القنوات الفضائية التابعة لـ"جبهة التحرير الوطني" المسؤولية من المعلقين، وأطلقت على التقرير "كرات حمراء"، وقدرت منظمة "المجاهدين الوطنية" أن "استبعاد أي احتمال رسمي للاعتذار من جانب فرنسا عن جرائمها الاستعمارية من المرجح أن ينسف محاولات التوفيق بين الذكريات".
تمديد للاستعمار
من جهتها، أعربت مؤسسة "8 مايو/أيار 1945" -تاريخ مذابح ولايات سطيف وقالمة وخراطة- عن أسفها لأن "فرنسا ما زالت تتجاهل المجازر التي ارتكبت في الجزائر والتي يجب اعتبارها جرائم دولة".
أما "المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء"، فقد انتقدت ستورا على أنه جزء من "تمديد" قانون 23 فبراير/شباط 2005 لـ"تمجيد الاستعمار".
على الجانب الفرنسي، كانت الدهشة واضحة في مثل هذه الاتهامات، تقول "لوموند".
واعتبرت أن "الغياب الطويل للرئيس تبون خلق بالفعل فراغا في السّلطة تغول فيه أشد شرائح النظام قسوة"، ونقلت عن مصدر فرنسي مقرب من الإليزيه أنه "في فترة الحجر الصحي لتبون، صعدت طبقة كاملة من الدرجة الثانية".
وأضاف نفس المصدر أن "تقرير ستورا كان بمثابة هبة من السماء استولى عليه محيط كامل للنظام الجزائري للعودة إلى مركز اللعبة".
ولفت إلى أن "السياق الجيوسياسي الإقليمي، لا سيما مع الاختراقات الدبلوماسية المغربية بشأن قضية الصحراء الغربية، لعب دورا أيضا في إيقاظ متشددي النظام، حتى أن بعض المقالات في الصحافة الجزائرية تنقل معاداة السامية العلنية".
وواصل المصدر قوله إنه "قبل الجدل حول ستورا، كان هناك بالفعل انكماش للنظام في مواجهة التحديات الداخلية، والحراك الخارجي، والمغرب الذي يطبع علاقاته مع إسرائيل، وفي ظل هذه الظروف، فإن فرنسا هي كبش الفداء المناسب، لا سيما في الملف التذكاري الذي يقع بيد تيار قومي جديد كامل"، وفق زعمه.
واستدرك قائلا: "يبدو أن عودة تبون إلى بلاده قد غيرت الرهانات السياسية حول التقرير، فهل ينبغي أن نرى في اللهجة الجديدة للصحافة الجزائرية مؤشرا على تراجع التوتر؟".
وبعيدا عن السياق السياسي الجزائري، فإن الارتباك الذي يحيط بتسليم تقرير ستورا يرجع أيضا إلى "المنهجية التي استعملها المؤرخ"، حيث يذكر المؤرخ الجزائري البارج محمد الحربي، أن "الإشكالية الأساسية هي الخلط بين التاريخ والذاكرة".
وختمت "لوموند" تقريرها بالقول: "كل هذا التاريخ موجود بين فرنسا والجزائر، والدولتان تتمسكان ببعضهما البعض مثل السلطعونات، ولا يمكننا المضي قدما بمفردنا، إنها ليست مجرد مسألة ذاكرة، الذاكرة، يقول فيها الناس ما يريدون.. السؤال الحقيقي سياسي، علينا أن نعيد كل شيء إلى الطاولة، نحن بحاجة إلى اتفاقيات إيفيان جديدة".