بعثات إيران الدبلوماسية.. كيف تحولت إلى مراكز لاصطياد المعارضين؟
حكم القضاء البلجيكي، بالسجن 20 عاما على الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، أثار مجددا الحديث عن تورط البعثات الدبلوماسية الإيرانية بعمليات اغتيال وتفجيرات حول العالم، التي ثبت ضلوع دبلوماسيين وموظفين بسفارات طهران في الكثير منها.
أسدي (49 عاما) جرت محاكمته بمحكمة أنتويرب شمال بلجيكا مع 3 شركاء مفترضين في 4 فبراير/ شباط 2021، بتهمة التخطيط لهجوم كان يستهدف تجمعا لمعارضين للنظام الإيراني قرب باريس عام 2018.
عمل قنصلا ومستشارا في سفارة إيران بفيينا منذ 2014، إضافة إلى عضويته في جهاز الاستخبارات التابع لوزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، كما عمل منسقا للجهاز في أوروبا، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عام 2018 عن مسؤولين قضائيين ألمان.
2/3 Spokesman for #Iran's foreign ministry claims there’s no legal evidence against Assadollah #Assadi. What smoking gun stronger than the #Belgian Security Service official memorandum? @JosepBorrellF @BelgiumMFA @statedeptspox pic.twitter.com/naVBnwkqEC
— Ali Safavi (@amsafavi) January 25, 2021
"أنشطة خبيثة"
قبل إطلاق الحكم على أسدي، دعا ما يزيد على 20 دبلوماسيا ووزير خارجية أوروبيين سابقين، إلى تحميل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف "مسؤولية مباشرة" مطالبين بـ"محاسبته" عن تعديات إيران في أوروبا، خاصة محاولة تفجير مؤتمر المعارضة الإيرانية في فرنسا.
وفي بيان 29 يناير/ كانون الثاني 2021، انتقد مسؤولون سابقون السياسة الأوروبية تجاه طهران، مشددين على ضرورة تحميل ظريف مباشرة مسؤولية تعديات إيران في أوروبا.
وقالوا في البيان: "تجب معاقبة ظريف على دوره المثبت في التخطيط لتفجير مؤتمر المعارضة. وفي هذا الإطار يجب أن يتم التدقيق في نشاطات السفارات الإيرانية والبعثات الإيرانية الدينية والمراكز الثقافية في أوروبا".
ودعوا كذلك إلى تخفيض "التمثيل الدبلوماسي" مع إيران، واشتراط عودتها بوقف إيران "لنشاطاتها الإرهابية في أوروبا وإعطاء ضمانات بعدم التورط في عمليات إرهابية في أوروبا في المستقبل".
وأفاد الموقعون على البيان، الذي جرى تسليم نسخ منه لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، بأن "غياب الخطوات الجدية تجاه إيران شجّع النظام على ملاحقة أنشطتها الخبيثة، بما في ذلك الإرهاب في أوروبا".
كما دعا الموقعون على البيان إلى تصنيف جهاز المخابرات الإيرانية على أنه إرهابي، ومحاكمة عناصره في أوروبا وإقصائهم إلى الخارج. ودعوا كذلك إلى مقاربة أوروبية أشد حزما في التعاطي مع "ابتزاز النظام الإيراني الذي وجّه تهديدات لأوروبا عبر دبلوماسيّه المعتقل لدى السلطات البلجيكية". وأضافوا أن "استرضاء النظام الإيراني هو أشبه بإطعام التمساح".
ومن بين الموقعين على البيان، جوليو تيرزي وزير خارجية إيطاليا الأسبق، وهورست تلتشيك المستشار السابق للمستشار الألماني السابق هلموت كول، ولورد ماكنيلي وزير الدولة لشؤون العدل البريطاني الأسبق، وآلان فيفيان وزير الدولة للشؤون الخارجية الفرنسي الأسبق، وترايان باسيكو رئيس رومانيا السابق، وجون سبيلر وزير الدولة البريطاني الأسبق لشؤون القوات المسلحة.
"تجنيد البعثات"
لم تكن حادثة التفجير التي كان يدبر لها أسدي في باريس، هي الأولى التي تؤشر على استخدام البعثات الدبلوماسية الإيرانية لمطاردة المعارضين، حيث تعرف إيران بتاريخها الطويل في ذلك.
وفي هذا الصدد، كشف "ناهض" نجل المعارض الإيراني الأحوازي والقيادي في "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" أحمد مولي نيسي- الذي اغتالته إيران في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017- أن "طهران تجند البعثات الدبلوماسية لتنفيذ عمليات اغتيال بحق المعارضين للنظام الإيراني في الخارج".
المعارض الإيراني، أوضح خلال تصريحات صحفية في 11 يناير/ كانون الثاني 2019، أن "التحقيق الجنائي مستمر حتى يتم الكشف عن كل الخيوط المتعلقة باغتيال والدي، وسوف تستمر أجهزة الأمن الهولندية في التحقيق حتى يجري كشف كل الخيوط المرتبطة بتورط استخبارات إيران في عملية الاغتيال".
ورأى أن "فرض أوروبا عقوبات على مخابرات إيران خطوة كبيرة لكنها ليست كافية، لأن هذه العقوبة لن تنهي الجرائم الإيرانية ضد النشطاء السياسيين والشخصيات المعارضة في الخارج".
وشدد ناهض أحمد على ضرورة "فرض عقوبات على قادة النظام الإيراني على نطاق أوسع، بما في ذلك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وقيادات النظام الإيراني من الملالي".
وأكد المعارض الأحوازي أن "إيران تستخدم البعثات الدبلوماسية، والجماعات الإرهابية، والشبكات الإجرامية للمشاركة في أعمال الإرهاب والاغتيالات في الخارج، من أجل الحفاظ على درجة من الإنكار المعقول لأعمالها الإجرامية".
واغتيل القيادي الأحوازي، أحمد مولي نيسي (52 عاما) بمدينة لاهاي الهولندية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 على يد رجل خرج من سيارة وأطلق النار عليه فأرداه قتيلا أمام منزله.
وفي 6 يوليو/ تموز 2018، أعلنت المخابرات الهولندية طرد اثنين من دبلوماسيي السفارة الإيرانية في لاهاي، دون أن تقدم توضيحات حول الأسباب، بينما ذكرت صحيفة "كيهان" الإيرانية المدعومة من مرشد إيران علي خامنئي، أكدت أن هذه الخطوة جاءت ردا على عمليات اغتيال المعارضين للنظام الإيراني على الأراضي الهولندية خلال السنوات الماضية.
وقال متحدث باسم المخابرات الهولندية، خلال تصريحات صحفية لوكالة رويترز: "نستطيع أن نؤكد أن هولندا طردت شخصين معتمدين لدى السفارة الإيرانية.. لن نقدم مزيدا من المعلومات".
من جهته، قال علي رضا جعفر زاده نائب رئيس ممثلية "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" في الولايات المتحدة خلال مقابلة مع قناة "الحرة" في مايو/ أيار 2020، إن "سفارات النظام الإيراني حول العالم هي مراكز تصميم للعمليات الإرهابية".
وأشارت قناة "الحرة" إلى سجلات النظام الإيراني في تنفيذ "عمليات إرهابية" في دول مختلفة، حيث نقلت عن وزارة الخارجية الأميركية قولها إن "بعض التقارير الأمنية تكشف أن النظام الإيراني متورط في هجمات إرهابية واغتيالات في أكثر من 40 دولة حول العالم".
وحسب "الحرة" فإن "الهجمات الإرهابية العالمية" التي نفذها النظام الإيراني "تشمل ما يقرب من 360 عملية اغتيال وتفجير أودت بحياة المئات. لقد تورط النظام الإيراني في هذه الاغتيالات والهجمات من قبل قوات الحرس وممثليه، وكذلك حزب الله".
وأفاد علي رضا جعفر زاده، بأن "النظام الإيراني له تاريخ طويل من العمليات الإرهابية، وخاصة ضد المعارضة الرئيسة وأعضاء المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. نرى أن 7 دبلوماسيين للنظام الإيراني في أوروبا إما طُردوا أو اعتقلوا".
وبخصوص دور البعثات الدبلوماسية للنظام الإيراني في الاغتيالات، قال علي زاده: "لم يكن من الممكن أن تتم أي من العمليات الإرهابية للنظام الإيراني دون مشاركة نشطة من وزارة الخارجية. إنهم جزء من العملية الإرهابية. سفارات طهران حول العالم هي مراكز تصميم لهذه العمليات".
سجل حافل
في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قتل المعارض الإيراني مسعود مولوي بعد تلقيه 11 طلقة نارية عندما كان يسير في حي "شيشلي" بمدينة إسطنبول، وأعلنت الشرطة التركية وقتها اعتقال 5 من المشتبه فيهم، 4 منهم مقربون من الضحية، وأقروا بعدها أنهم تصرفوا بأوامر ضابطي مخابرات في القنصلية الإيرانية.
وشبهت صحيفة "صباح" التركية مقتل مسعود مولوي في 31 مارس/ آذار 2020، باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
وفي قضايا أخرى، جرى اعتقال دبلوماسيين إيرانيين متورطين في أعمال تصفيات أو في مراقبة أهداف محتملة للهجمات وجرى ترحيلهم بهدوء.
ففي أبريل/نيسان 2013، على سبيل المثال، حيث طرد ضابطَان في الاستخبارات الإيرانية كانا معتمَديْن كدبلوماسيَيْن لدى البوسنة والهرسك بعد تورطهما في عمليات تجسس و"صلاتهما بالإرهاب"، وفقا لمعلومات أعدها "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب".
ووفقا لتقرير مجتمع الاستخبارات الأميركية الذي صدر عام 1987، يشارك عدد كبير من المنظمات داخل الحكومة الإيرانية في "الأعمال الإرهابية"، حيث قدم التقرير بعض الأمثلة المحددة.
التقرير قال: "يعمل القسم 210 التابع لوزارة الخارجية الإيرانية كمركز رئيس لعمليات التنسيق مع ضباط الاستخبارات الإيرانية الذين يعملون في الخارج، وغالبا ما يستخدم لتوجيه ضباط الاستخبارات حول العمليات الإرهابية".
وفور إنهاء حكم الشاه في إيران عام 1979، شرعت القيادة الإيرانية الجديدة في حملة اغتيالات استهدفت أفراد اعتبرت أنهم يعملون ضد مصالح النظام.
بين عامي 1979 و1994، أفادت "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية بأن إيران "قتلت إيرانيين هاربين معارضين ومنشقين في ألمانيا الغربية والمملكة المتحدة وسويسرا وتركيا".
وبشكل عام، جرى استهداف أكثر من 60 شخصا في محاولات اغتيال. وفي العديد من الحالات، عمل أعضاء "حزب الله" اللبناني كخبراء لوجستيين أو مسلحين في هذه المخططات، وفقا للتقرير.
أول عملية اغتيال ناجحة لمعارض إيراني وقعت في أوروبا الغربية في 7 فبراير/ شباط عام 1984، عندما أصيب اللواء "غلام علي أويسي" وأخوه بطلقات نارية أودت بحياتهما في أحد شوارع باريس على يد "قتلة محترفين"، وفقا للشرطة الفرنسية.
كان غلام أويسي، الحاكم العسكري السابق لطهران أثناء حكم الشاه يعرف بـ"جزار طهران"، وكان يتميز بالرد على الاحتجاجات باستخدام الدبابات. وقبل وفاته بقليل، ادعى أويسي أنه قام بجمع جيش صغير مناهض للثورة للسيطرة على إيران.
اغتيال أويسي كان بمثابة إنذار ببدء مرحلة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للمعارضين الإيرانيين في أوروبا.
وفي 19 يوليو/تموز 1987، أصيب أمير بارفيز، عضو سابق في الحكومة الإيرانية ورئيس "الحركة الوطنية للمقاومة الإيرانية" في بريطانيا، بكسر في الساق وجروح وحروق عندما انفجرت سيارة مفخخة أثناء مروره أمام فندق "رويال كنسينغتون" في لندن.
وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول 1987، عُثر على جثة علي توكلي وابنه نادر، وكلاهما من المنفيين الإيرانيين، مصابين بطلق ناري في الرأس في شقتهما بلندن، وأعلنت جماعة غير معروفة آنذاك حملت اسم "حراس الثورة الإسلامية" مسؤوليتها عن العمليتين.
وفي 13 تموز/يوليو 1989، جرى اغتيال الدكتور عبد الرحمن قاسملو، الأمين العام لـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني"، وعبد الله قادري آذر ممثل الحزب في أوروبا، وفاضل رسول، كردي عراقي يعمل كوسيط، في شقة في فيينا أثناء اجتماعهم مع وفد من حكومة طهران.
وفي يوليو/تموز 1991، اغتيل رئيس الوزراء السابق الإيراني شهبور بختيار، على يد كوماندوز من 3 أشخاص في الضاحية الباريسية "سورين".
كان بختيار لاجئا في فرنسا منذ الإطاحة بالشاه عام 1979، حيث كان في صدارة القائمة السوداء لطهران. وقضى أحد قاتلي بختيار، ويدعى علي فاكيلي راد، جزءا من عقوبة السجن المؤبد في فرنسا قبل ترحيله لإيران في أيار/مايو 2010.
قطعت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإيران، في يوليو/تموز 1987، على خلفية قضية "وحيد قورجي" المترجم في السفارة الإيرانية، واشتبهت المخابرات الفرنسية بصلته باعتداءات 1986، فاحتمى بسفارته، فحاصرت قوات الأمن لأسابيع مبنى السفارة بأمر من وزير الداخلية شارل باسكوا، ثم رحّل وحيد قورجي من فرنسا بعد مثوله أمام قاض.
واتهمت باريس إيران بين 1985 و1986 باستهداف مصالح باريس عبر تدبير اختطاف فرنسيين في لبنان، وأيضا عبر سلسلة "هجمات إرهابية" في باريس بينها اعتداء شارع "رين" في سبتمبر/أيلول 1986 الذي خلف 13 قتيلا وأكثر من 250 جريحا.
المصادر
- دبلوماسي إيراني وعميل استخبارات.. من هو أسد الله أسدي؟
- ملفات عكرت العلاقات بين إيران وفرنسا
- دعوات أوروبية لمحاسبة ظريف عن تورط سفارات إيران في «الإرهاب»
- علي رضا جعفر زاده: سفارات النظام الإيراني هي مراكز التخطيط للعمليات الإرهابية
- الدبلوماسيون الإيرانيون القاتلون
- المخابرات الهولندية: طرد اثنين من موظفي السفارة الإيرانية من هولندا
- محامية أميركا في لاهاي تتهم إيران باغتيال قيادي أهوازي
- قيادي أحوازي لـ "الوطن": إيران تجند البعثات الدبلوماسية لتنفيذ الاغتيالات السياسية