ساعة الصفر أوشكت.. لماذا أصبح السودان على بعد خطوات من انقلاب عسكري؟
منذ الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019، ومحاولات الجيش السوداني في القيام بانقلاب عسكري والاستئثار بالسلطة لا تنتهي.
آخر هذه المحاولات كانت مطلع فبراير/ شباط 2021، عندما حذر رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان بفرض "حكومة طوارئ"، ما أربك المشهد السياسي في البلاد.
إنذار البرهان
تلويح البرهان، بتشكيل حكومة طوارئ، في ظل الخلافات، وما أسماه "تلكؤ" قوى إعلان الحرية والتغيير في إعلان الحكومة المقبلة، أثار جدلا واسعا وصدمة ومخاوف لدى مكونات الحكومة الانتقالية، والأحزاب السياسية.
البعض اعتبر تهديد البرهان خطوة تمهد لانقلاب عسكري بحجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، والأزمات المندلعة في الشارع، وأن رئيس المجلس السيادي جاهز بمخطط الانقلاب فعليا، لكنه ينتظر الفرصة السانحة للتنفيذ.
وهو ما دعا القيادي في "قوى الحرية والتغيير" جعفر حسين، يعلن أمام وسائل الإعلام أنه "ليس من حق أي جهة تشكيل الحكومة الانتقالية باستثناء ما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية".
وشدد: "أي محاولة لتشكيل حكومة، وإن اشترك فيها أي شخص، بعيدا عن الحرية والتغيير، تعني انقلابا على الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية".
بينما أعلن عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، أن "المكون العسكري لن يحكم البلاد وحده.. هذا أمر مفروغ منه".
ويعاني السودان في الفترة الأخيرة أزمات متصاعدة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية إلى أرقام قياسية، وهو ما أدى إلى احتجاجات عارمة تطالب بإسقاط الحكومة.
مشهد مرتبك
زاد المشهد القائم ارتباكا، بما حدث يوم 6 فبراير/ شباط 2021، عندما اعتقلت قوات الأمن صلاح مناع مساعد رئيس حزب الأمة، عضو "لجنة التفكيك وإزالة تمكين نظام 30 يونيو".
وقالت اللجنة في بيان نشرته وسائل إعلام محلية إن "قوة شرطية وصلت إلى مقر اللجنة، وأبرزت أمر قبض صادر في مواجهة صلاح مناع بموجب البلاغ المفتوح في مواجهته ومن ثم توجه معهم مناع للنيابة لمباشرة التحريات".
واستنكرت اللجنة، مع "قوى الحرية والتغيير"، اعتقال مناع، واعتبرته مؤشرا خطيرا، وله دلالات على وجود أذرع نافذة للنظام السابق، ما زالت مستمرة داخل الأجهزة الأمنية.
في 26 يناير/ كانون الثاني 2021، نشرت صحيفة "الراكوبة" المحلية تقريرا بعنوان "هل الانقلاب الناعم قادم؟" وذكرت أن"تحالف العسكر والجنجويد (قوات الدعم السريع) الذين يمثلون المكون العسكري في مجلس السيادة، هو الحاكم الفعلي، وبالتالي ليسوا بحاجة إلى انقلاب كلاسيكي".
وقالت الصحيفة: "الوثيقة الدستورية تمهد للانقلاب القادم، خاصة بعد توسيع تحالف العسكر بإضافة، بعض الحركات المسلحة الموقعة على وثيقة جوبا، وبعض قوى قحت (اختصار لقوى إعلان الحرية والتغيير)".
وأوردت أن "الانقلاب القادم سيكون ناعما، وهو مسألة وقت أو كما يقول العسكر، منتظرين تقدير الموقف! أو الوقت المناسب لتحديد ساعة الصفر، والكتابة على الحائط واضحة لكل متابع".
ويخشى أنصار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، من إغراق الشوارع باحتجاجات شبيهة بتلك التي انطلقت في ديسمبر/ كانون الأول 2018، رفضا لنظام البشير الذي سقط بعد أشهر من اندلاعها.
أوضاع شبيهة بالتي سبقت عزل البشير، فهناك اشتعال للأوضاع في عدد من الولايات، كما حدث مؤخرا في منطقة الجنينة، بولاية غرب دارفور، واعتصام الآلاف أمام مقر قيادة الجيش، مطالبين بمحاسبة المتسببين في أحداث العنف.
كذلك الاحتجاجات المستمرة في قلب العاصمة الخرطوم اعتراضا على نقص السلع الأساسية، وارتفاع الأسعار، ما يجعل الحكومة في موقف ضعف مستمر، وتتحسب من الوصول لدرجة عدم القدرة على التحكم في نتائج الغضب، التى ينتظرها بعض الأطراف لتغيير شكل الوضع السياسي القائم.
المكون العسكري
سياسيون سودانيون اعتبروا أن المظاهرات وحالة الغضب في الشارع، والاضطراب في أداء الحكومة خاصة في الناحية الاقتصادية، يمهد لإمكانية تحرك الجيش، والإطاحة بالمكون المدني للسلطة ممثلا في "قوى الحرية والتغيير".
عقب الإطاحة بالبشير، حاول الجيش الاحتفاظ بالسلطة المطلقة لكن فشلت المحاولة عقب إسقاط وزير الدفاع (حينئذ) عوض بن عوف، وتولى المجلس العسكري السلطة مؤقتا، برئاسة عبد الفتاح البرهان.
وفي 4 يونيو/ حزيران 2019، حاول السيطرة على السلطة عندما أعلن المجلس العسكري إلغاء كل الاتفاقات السابقة مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، وتشكيل حكومة لتسيير الأعمال، وتنظيم انتخابات، بإشراف دولي.
لكن عودة الاحتجاجات إلى الشارع أجبرت المجلس العسكري على توقيع الوثيقة الدستورية مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، في أغسطس/ آب 2019، ما سمح بقيام سلطة انتقالية.
وحاليا في ظل حالة الغضب القائمة من المواطنين، وتباينات في إدارة المرحلة الانتقالية وتكوين مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة لتسيير الأعمال، هل يصل الأمر إلى انقلاب عسكري منتظر بحسب المراقبين لأوضاع الخرطوم؟.
تاج الدين الخضر، عضو حزب المؤتمر الوطني السوداني قال إن السودان مثله كمثل الدول العربية، "يؤثر فيه ويحكمه المكون العسكري منذ تأسيس الجمهورية عام 1956، فالجيش يحكم البلاد، بداية من جعفر نميري حتى عمر البشير".
وأضاف الخضر في حديثه مع "الاستقلال": "تخلل ذلك فترات حكم حكومات برلمانية غير مستقرة سرعان ما انقلب عليها وأطيح بها، وهو السيناريو الذي تواجهه حكومة حمدوك، وقوى إعلان الحرية والتغيير، ويبدو أنهم لم يقرؤوا التاريخ ويتعلموا منه جيدا".
الطرف الأقوى
وأوضح السياسي السوداني أن تجمع المهنيين وحكومة حمدوك بتوجها اليساري انشغلت بتثبيت أركان حكمها وفرض رؤيتها القاصرة، والانتقام من الإسلاميين وغلق مئات الجمعيات الخيرية، ومصادرة ممتلكاتها.
وتابع: "وتركوا مهمتهم الرئيسة في فرض حلول اقتصادية، وتجاوز الأزمات الواقعة في مختلف مناحي البلاد، من صراعات قبلية واعتداءات يومية كما في دارفور وبورتسودان والقضارف، وكونوا عداءات كثيرة مع الإسلاميين وغيرهم".
وأردف: "أما الجيش فيقدم نفسه دائما كضامن للاستقرار، وحافظ للأمن، بالإضافة إلى خوضه الصراع الأخير ضد إثيوبيا، ما وحد الشعب خلفه، على النقيض من الحكومة القائمة التي تربطها علاقة قوية بحكومة أديس أبابا، التي تهدد الخرطوم في أمنها المائي، واستولت على أراضي المزارعين في الفشقة".
الخضر أكد أن حكومة حمدوك إلى الآن لم تستطع أن تحقق أي إنجاز مادي أو معنوي على الأرض يضمن قبول المواطن لوجودها وإعطائها الثقة، التي تتطلبها أي مؤسسة حكم للاستمرار.
وقال الخضر: "كان على حمدوك ورفاقه أن يعلموا أنهم الطرف الأضعف في المعادلة، وأن الجيش وقوات الدعم السريع هم الطرف الأقوى، لجاهزية التسليح والتفوق الميداني".
وختم حديثه بالقول: "ربما الشيء الوحيد الذي أخر حدوث انقلاب، وجود أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذين يدعمون وجود المجلس السيادي وحمدوك على رأس السلطة، لكن ذلك في حد ذاته ليس بضامن حال اندلاع مظاهرات ضخمة، وتحرك الجيش".
المصادر
- السودان.. ترقب لحكومة الخميس وتخوف من "طوارئ" البرهان (تحليل)
- هل الانقلاب الناعم قادم؟
- القوات السودانية تعتقل عضو لجنة إزالة التمكين صلاح مناع
- لجنة تفكيك التمكين تستنكر إعتقال صلاح مناع
- قبل 72 ساعة من استقالة الحكومة... البرهان يهدد بحكومة طوارئ في السودان
- محاولة انقلاب فاشلة في السودان استهدفت حمدان دقلو
- السودان.. توقيف 60 شخصا عقب احتجاجات القضارف