رغم المصالحة الخليجية.. ما الذي يؤخر عودة علاقات موريتانيا وقطر؟
بعد حصار سعودي إماراتي بحريني لقطر دام أكثر من 3 سنوات، تابع سياسيون وناشطون في موريتانيا تطورات المصالحة الخليجية بارتياح كبير، وحثوا حكومتهم على الإسراع بإعادة العلاقات بين نواكشوط والدوحة ىإلى سابق عهدها.
العلاقات الموريتانية القطرية تعتبر الأقدم بين دول الخليج العربي، إذ افتتحت موريتانيا أول سفارة لها بالدوحة عام 1974، وفي 1975 افتتحت الدوحة سفارتها في نواكشوط، ومنذ ذلك التاريخ وعلاقات البلدين في تطور ضمن السياق الطبيعي ولم تشهد أي فتور، إلا خلال الأزمة الخليجية.
ورأى المطالبون بعودة العلاقات، أن قطع العلاقات "مثّل انحرافا خطيرا في مسار الدبلوماسية الموريتانية، المعروف بالحياد في خلاف الأشقاء، وتصرف خاطئ وتدخل غير مبرر منها".
ترخيص جديد
وتساءل دكتور الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان محمد بن المختار الشنقيطي، قائلا: "لا أدري ما الذي تنتظره موريتانيا بعد المصالحة الخليجية لكي تتراجع عن القرار الفجّ بقطع علاقاتها مع قطر، هل تنتظر ترخيصا جديدا من أبوظبي أم غلب عليها الخجل من فعلٍ كانت فيه في موقع التابع؟".
وزاد في تغريدة تداولتها وسائل إعلام محلية: "في كل الأحوال ليس الرئيس الحالي غزواني مسؤولا عن هذه الخطيئة الدبلوماسية، وواجبه أن لا يستمر فيها".
وفي 5 يونيو/حزيران 2017، أعلنت وزارة الخارجية الموريتانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة مبررة في بيانها أن القرار اتخذ في ظل ما وصفته بـ"إصرار قطر على التمادي في السياسات التي تنتهجها".
وقالت الخارجية، آنذاك: "نواكشوط أكدت في كل المناسبات التزامها القوي بالدفاع عن المصالح العربية العليا، وتمسكها الثابت بمبدأ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها، وسعيها الدؤوب لتوطيد الأمن والاستقرار في وطننا العربي والعالم".
وأضاف البيان: "لكن، وللأسف الشديد، دأبت دولة قطر على العمل على تقويض هذه المبادئ التي تأسس عليها العمل العربي المشترك".
انحراف خطير
في 2019، ظهرت مبادرات على مستوى النخبة السياسية والثقافية في موريتانيا للضغط على السلطة الحاكمة الجديدة -بفوز الغزواني بالرئاسة- من أجل إعادة علاقات بلادهم الدبلوماسية مع قطر، بعد أن تبيّن أن "الخاسر الأكبر فيها هي موريتانيا".
طال الاستنكار صفوف الحزب الحاكم في البلاد، ولم يقف عند المعارضة الموريتانية، ودعا القيادي بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الخليل ولد الطيب، في مقال له في مايو/أيار 2019، الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (قبل انتهاء ولايته) إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع قطر.
واعتبر ولد الطيب، وهو نائب برلماني سابق وعضو بارز في الحزب، أن "هذه الخطوة هي ما تقتضيه المصلحة الوطنية والقومية ويمليها كذلك الوازع الوطني والقومي".
وطالب السياسي الرئيس -آنذاك- بـ"إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر الشقيقة، ثم القيام بوساطة لحلحلة الخلاف الخليجي".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، قال وزير الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إن الأزمة بين بلاده وقطر سيتم حلها، مضيفا أن الحكومة أبقت على ميزانية السفارة الموريتانية في الدوحة لأنه في أي لحظة قد تعود العلاقات.
وخلال كلمته بجلسة مغلقة لنقاش ميزانية قطاعه أمام لجنة المالية بالبرلمان، أضاف ولد الشيخ أحمد أن الأزمة مع الدوحة "ستحل مثل غيرها من المشاكل وبطريقة موريتانية خالصة. لا مشكلة مع الشعب القطري وقد أبقينا على ميزانية السفارة لأنه في أي لحظة قد تعود العلاقات".
وخلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى نواكشوط، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2018، عبّر الشارع الموريتاني عن سخطه من تماهي حكومته مع التحالف السعودي الإماراتي.
ورفض منتدى المعارضة الموريتانية، في بيان، الترحيب زيارة ابن سلمان "لما أحدثه من مواقف أضرّت بالمصالح الحيوية للعرب والمسلمين، وذلك من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة من أجل تصفية القضية الفلسطينية، والاعتداءات السافرة على حقوق الإنسان وحرية التعبير".
وأضاف: "أليس محمد بن سلمان هو من كمم الأفواه وقضى على ما كان موجوداً من حرية التعبير في المملكة، وزج بالعلماء والصحفيين وأصحاب الفكر والمدونين في السجون؟".
ويضمّ المنتدى أبرز الأحزاب السياسية الناشطة في ساحة المعارضة، وعددا من الشخصيات الموريتانية المرجعية ومجموعة من أبرز النقابات العمالية.
تبعية للإمارات
وقّعت الإمارات على عدة اتفاقيات مع موريتانيا، منذ انطلاق موجة الربيع العربي الأولى في 2011، أبرزها ضخ ملياري دولار في البنوك الموريتانية، وهذا رقم ضخم بالنسبة لدولة لا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 5.24 مليارات دولار (إحصاءات 2018).
كما تم الاتفاق على إلغاء التأشيرات بين البلدين، وتعزيز التعاون الأمني العسكري، مما يطرح أكثر من تساؤل حول سر اهتمام أبوظبي بنواكشوط، ومدى تأثير ذلك على استقلالية قرار موريتانيا "السيادي".
وتجد موريتانيا - البلد المطل على المحيط الأطلسي والغني بالثروة السمكية وخام الحديد، والتي في طريقها لاستغلالها احتياطاتها من الغاز الطبيعي- نفسها محاصرة بسخاء إماراتي غير معهود.
أظهر تقرير نشرته مجلة "لوبوان" الفرنسية في فبراير/ شباط 2020، كيف تجلى تأثير النفوذ الإماراتي على القرار الموريتاني من خلال مقاطعة نواكشوط الدوحة تضامنا مع الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، دون أن يكون هناك سبب بارز للخلاف بين الدولتين.
لم ينف الباحث في العلاقات الدولية والتاريخ، محمد حافظ الغابد، أن علاقات ولد الغزواني بالإماراتيين تبقى أقوى من باقي الأطراف، مستطردا: "لأسباب موضوعية، فالإمارات تسلمت عمليا قيادة جناح إقليمي في العالم العربي، وكانت أكثر حضورا من بقية الأطراف".
وتابع الغابد: "هذا هو ما يسوغ اهتمام الرجل (ولد الشيخ الغزواني) بهذا البلد المثير للكثير من الإشكالات، والذي يقود أيضا مع السعودية ومصر تيار الثورة المضادة المتناغم مع الفكر التقليدي للقادة المنحدرين من المؤسسة العسكرية، لأنهم أكثر ميلا للضبط والتحكم ويرون في الربيع العربي خطرا يهدد المنطقة".
تصحيح الخطأ
في تقدير الباحث في العلاقات الدولية والتاريخ، محمد حافظ الغابد، فإن "الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ينتظر أن تتم تنقية الأجواء في الخليج بشكل كامل، حتى يتسنى له السياق المناسب لعودة هذه العلاقات، التي قطعت بطريقة سيئة ومشينة من طرف الرئيس السابق".
وأوضح في تصريح لـ"الاستقلال"، أن وجود مداخل مناسبة لعودة هذه العلاقات يبقى من الأمور المهمة، لأن "موريتانيا ربما تكون محرجة جراء موقفها السابق، وتحتاج لسياق يشجع على المبادرة لاستعادة وتطوير هذه العلاقات، علما بأن قطر إذا بادرت لتسوية هذه العلاقات، ربما لن يتأخر نظام الرئيس غزواني في الإجابة".
ومضى الغابد بالقول: "جذر العلاقات بين موريتانيا وقطر قائم، من خلال وجود مكتب إداري في مقر السفارة بالدوحة ووجود جالية موريتانية نوعية، فيها قضاة وأساتذة تعليم ثانوي وجامعات وبعض المثقفين المهمين".
الغابد يرى أن "الرئيس الحالي أكثر مصداقية واحترافية في إدارة الملف الدبلوماسي من سابقه، وذلك راجع لطبيعته وخبرته. وبالتالي فعودة العلاقات ضرورية، وقطعها كان خطيئة سياسية ودبلوماسية لابد من مراجعتها، خدمة لصالح البلاد والعباد".
سياسة المحاور
وأشار الإعلامي والناشط السياسي، المختار القاسم، إلى أن العلاقات الموريتانية القطرية بدأت منذ السبعينيات وكانت السفارة الموريتانية من أول السفارات التي افتتحت في الدوحة بعد استقلال قطر.
وأضاف القاسم في حديثه مع "الاستقلال": "ظل التناغم والتقارب سمة بارزة في أغلب الملفات إلى أن تم قطعها بشكل مفاجئ من قبل الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز فخرجت مظاهرات شعبية رافضة للقرار ومطالبة بعودة العلاقات".
واعتبر القاسم أن الرئيس الموريتاني الحالي ورث هذه الحالة التي تعيشها العلاقات الموريتانية القطرية، مضيفا، أن "النظام الموريتاني كان حريصا منذ البداية، على عودة تلك العلاقات إلى طبيعتها وبطريقة موريتانية قطرية خالصة، وهذا ما يفهم من حديث وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد قبل فترة".
واستطرد الإعلامي الموريتاني: "لكن المصالحة الخليجية الأخيرة، حسب اعتقادي، قد تكون باغتت الموضوع فتأخر إعلانه، حتى لا يفهم من ذلك نوع من التبعية المباشرة لأحد المحاور".
ومضى القاسم إلى القول: "الرئيس ولد الغزواني، من الرؤساء الذين لا تعجبهم سياسة المحاور والاصطفافات، ويعمل على الجمع بين تجسيد مبدأ السيادة واستقلال القرار الوطني، والحرص على إقامة علاقة أخوية طيبة مع جميع الأشقاء والشركاء في المشهدين الداخلي والخارجي".
ويعتقد المتحدث، أن عودة العلاقات الموريتانية القطرية مسألة وقت، وقد تتم قبل انعقاد القمة العربية المقبلة، قبل أن يزيد: "ما يساهم في تسريع عودة العلاقات، كون القطريين وأذرعهم الإعلامية النشطة عربيا ودوليا، لم تجعل من موريتانيا هدفا لها في الحرب الإعلامية التي دارت خلال سنوات الأزمة الخليجية المؤسفة".
وختم حديثه بالقول: "قطر حريصة على مصالحها الاستثمارية في موريتانيا ودول غرب إفريقيا، التي دخلت حيز الاهتمام القطري منذ بدء الحصار، والدبلوماسية القطرية تدرك دور موريتانيا تاريخيا وسياسيا وثقافيا في غرب إفريقيا، وخصوصا الدور المحوري في مجموعة دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، النيجر، تشاد وموريتانيا)، التي تتولى موريتانيا رئاستها الدورية في الوقت الحالي".
المصادر
- الشنقيطي يكتب : ما الذى تنتظره موريتانيا قبل المصالحة مع قطر؟
- وزير خارجية موريتانيا يتوقع حل أزمة بلاده مع قطر
- مخططات الإمارات لضم المغرب العربي إلى تيار "الثورات المضادة" (تحليل)
- موريتانيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر
- توجّه موريتاني لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع قطر
- إعادة العلاقات مع قطر.. مطلب موريتاني للتحرر من ابتزاز الرياض وأبوظبي
- موريتانيا: اهتمام بالمصالحة الخليجية ودعوات لإعادة العلاقات مع قطر
- موريتانيا تتجه لإعلان عودة العلاقات مع الدوحة وأمير قطر يصل السعودية