كل المؤشرات باللون الأحمر.. كيف تتجاوز الجزائر أزمتها الاقتصادية؟

12

طباعة

مشاركة

استقبلت الجزائر العام الجديد 2021، بعجز تاريخي في موازنتها العامة فاق 22 مليار دولار، وسط علامات استفهام حول السبل والبدائل التي ستواجه بها الحكومة هذا الوضع غير المسبوق.

فخلال 2021، تلقي اتجاهات التضخم بثقلها على القوة الشرائية للأسر الجزائرية، وتكافح قطاعات البناء والنقل والخدمات، وهي المحركات الرئيسة للتوظيف، لالتقاط أنفاسها بعد عام ونصف من الاحتجاجات الشعبية، تلتها أشهر من الانسداد بسبب الوباء.

اللون الأحمر

مؤخرا صادق برلمان الجزائر بغرفتيه الأولى (المجلس الشعبي الوطني) والثانية (مجلس الأمة)، على مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2021 بعجز بلغ 2700 مليار دينار (22 مليار دولار)، في وقت راوح فيه العجز بين 13 إلى 17 مليار دولار منذ أزمة النفط عام 2014.

يظهر من خلال مشروع قانون المالية 2021، أن الحكومة الجزائرية متفائلة، وتتوقع نموا اقتصاديًا بنسبة 3.2 بالمائة وزيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4 بالمائة بين عامي 2021 و2023. أما بالنسبة للنمو غير النفطي، فيجب أن يصل إلى 2.4 بالمائة في عام 2021، وفقًا لتوقعات الحكومة.

لكن على المستوى المالي، كل المؤشرات باللون الأحمر، ولا تزال البلاد، التي انخفضت صادراتها النفطية بنسبة 40٪ في بداية عام 2020، تعتمد بشدة على عائدات النفط، وتقدر الحكومة أنها ستصل إلى 23 مليار دولار في عام 2021، على أساس 45 دولارًا للبرميل.

ومع ذلك، لا يزال الضغط الهبوطي على سعر الذهب الأسود مستمرًا بسبب الوضع الصحي لكورونا وتدابير إعادة الاحتواء المعمول بها في العديد من البلدان.

انخفاض الطلب العالمي على النفط مصحوب أيضًا بزيادة محتملة في العرض، سيكون من الصعب استيعابها من قبل السوق، وفق تحذيرات وكالة الطاقة الدولية (IEA).

ومع تراجع احتياطيات النقد الأجنبي - مقسومة على ثلاثة في أقل من 6 سنوات، لتصل إلى 53 مليار دولار نهاية يونيو/حزيران 2020، مع الإشارة إلى أن الدولة لا تنوي مراجعة ميزانيتها التشغيلية في نفس الوقت، يبقى الحل في مواصلة دور الدولة الاجتماعي للحد من آثار الأزمات الصحية والاقتصادية.

تقليص الاستيراد

في الشهرين الأخيرين من 2020، أعلنت السلطات عزمها وقف استيراد 2600 منتج من الخارج، بعد ما كانت تضم القائمة السابقة 998 منتجا.

ومؤخرا أعلن وزير التجارة كمال رزيق، الشروع في إعادة تحديث القائمة والتي وضعت منذ مايو/أيار 2019، وسيتم الكشف عن القائمة الجديدة بعد المصادقة عليها من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

ولجأت السلطات الجزائرية إلى التضييق على التجارة الخارجية للتقليص من فاتورة الاستيراد إلى حدودها الدنيا، بعد تآكل احتياطي الصرف الأجنبي إثر تراجع أسعار النفط منذ نهاية 2014.

وحسب البيانات، بلغت خسائر شركة الكهرباء والغاز الحكومية "سونلغاز" 18.7 مليار دينار (152 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها مقارنة بنهاية سبتمبر/ أيلول 2019.

بدورها، تجرعت شركة نفطال (فرع سوناطراك) التي تحتكر توزيع وتسويق الوقود، خسائر بلغت 41 مليار دينار (333 مليون دولار)، فيما بلغت خسائر النقل البحري والجوي الحكومي نحو 370 مليون دولار، بسبب قيود كورونا.

وما تزال حركة المواصلات العامة بين الولايات عبر القطارات والحافلات وسيارات الأجرة ممنوعة، منذ مارس/ آذار 2020، إضافة لمترو أنفاق العاصمة.

تداعيات ثقيلة

دفعت جائحة كورونا الجزائر التي تعتمد اعتمادا شبه كلي على إيرادات النفط، إلى تقليص ميزانية 2021، ورغم هذا التقشف فإن حجم العجز في تلك الميزانية بلغ أرقاما غير مسبوقة، مع توقعات بتراجع احتياطيات النقد الأجنبي وقيمة العملة المحلية خلال العامين القادمين.  

واعتمدت الجزائر موازنة عام 2021 الأكثر تقشفا خلال الأربع سنوات الأخيرة بواقع 62 مليار دولار، بعجز غير مسبوق بلغ نحو 22 مليار دولار أي ما يعادل 13.57 بالمئة من الناتج الداخلي.

وحدد إجمالي النفقات بـ65.95 مليار دولار مقابل إيرادات بـ43.31 مليار دولار منها 32.21 مليار دولار تمثل عائدات المحروقات أي نحو 74.4 بالمئة من إجمالي الإيرادات المستهدفة.

كما رجح قانون موازنة عام 2021، هبوط احتياطات النقد الأجنبي إلى 46.8 مليار دولار بنهاية عام 2021، لترتفع إلى 47.53 مليار دولار بنهاية 2022، ثم 50.02 مليار دولار نهاية 2023.

وتوقع البنك الدولي انكماشا في الاقتصاد الجزائري بنسبة 6.4 بالمئة خلال السنة الجارية، بسبب تداعيات جائحة كورونا وتهاوي أسعار النفط المنخفضة، يصاحبه تراجع الناتج الداخلي الخام من 5.2 بالمئة في 2021 مقابل 6.2 بالمئة في 2022.

وتتوقع السلطات الجزائرية، تراجع إيرادات النفط والغاز بواقع 10 مليارات دولار بنهاية 2021، جراء جائحة كورونا، لتستقر في حدود 23 مليار دولار نزولا من 33 مليار دولار عام 2019.

ويتراجع حجم الاحتياطي الأجنبي بسرعة كبيرة جدا، ففي عام 2014 بلغ حجم احتياطي البلاد نحو 200 مليار دولار، ومن ثم انخفض إلى 72.6 مليار دولار في أبريل/ نيسان 2019، ليصل إلى 62 مليار دولار في فبراير/شباط 2020.

ويهدف قانون المالية لعام 2021، إلى الحفاظ على النسيج الاجتماعي وبخاصة الطبقة الفقيرة منه وأصحاب المعاشات والأجور الضعيفة، حيث تبلغ قيمة الدعم 18.5 مليار دولار، وهي نفس قيمة العجز.

 

عجز 2021

تحت ضغط الأزمة اضطرت حكومة رئيس الوزراء، عبد العزيز جراد، تقليص الإنفاق الحكومي بواقع 50 بالمئة، وتجميد عدد من المشاريع.

وفي يونيو/ حزيران 2020، أقرت الحكومة قانون موازنة تكميلي بإجراءات تقشفية، لمواجهة تبعات كورونا وتهاوي أسعار النفط في السوق الدولية.

وقانون "الموازنة التكميلي" الذي عادة ما تلجأ إليه الجزائر حسب الحاجة، يهدف إلى إقرار مخصصات مالية جديدة، أو تغيير تقديرات الإيرادات، أو لاستحداث أخرى والترخيص بنفقات جديدة.

وبموجب القانون الذي وصف بالتقشفي، تم تطبيق زيادات على أسعار البنزين بـ 3 دنانير (2.3 سنتا) للتر الواحد، والديزل بواقع 5 دنانير (3.9 سنتات) للتر الواحد.

كما تم تخفيض قيمة سعر برميل النفط المعتمد في إعداد قانون الموازنة العامة، من 50 إلى 30 دولارا للبرميل، بعد انهيار أسعار الخام، خاصة في أبريل/ نيسان 2020 لأدنى مستوى في 22 عاما.

الانفتاح هو الحل

الخبير الاقتصادي الجزائري البروفيسور فارس مسدور يرى أن نسبة النمو المتوقعة هي نسبة مرتفعة نوعا ما، ولا تعكس خطورة الأزمة التي تعيشها الجزائر، في ظل شح الموارد التي تضاءلت بشكل كبير خلال 2019 و2020.

وقال مسدور في حديثه مع "الا ستقلال": "توقع معدل نمو أكثر من 3 بالمئة، هو تفاؤل يتجاوز الواقع، فالعالم الآن يعاني الجائحة، ما بالك بالاقتصاد الجزائري الذي يرتكز بشكل أساسي على المحروقات".

مضيفا: "هذا الرقم مبالغ فيه كثيرا، إلا في حال حدث انفتاح اقتصادي حقيقي على العالم، وتدبير النفقات هو الحل الوحيد الذي يمكن يخرج الجزائر من أزمتها الاقتصادية".

وتابع: "العالم بحاجة إلى إمكانات الجزائر، وإذا عجز الجزائريون عن استغلال ثرواتهم الطبيعية والبشرية فلابد أن يتعاونوا ويتشاركوا مع الدول التي تقبل  تقاسم المنافع (رابح رابح) في مختلف المجالات". 

وتحدث مسدور، عن مجال الزراعة والفلاحة وتربية المواشي، وحدّد تطوير مجال زراعة الزيتون الذي أصبح زيته مطلوبا في العالم، وتحوز الجزائر على إمكانات كبيرة في إنتاجه بجودة عالية، وأيضا الزيوت الأساسية، التي تعرف أوروبا عجزا فيها. 

واعتبر مسدور أن القطاع السياحي، لم يحظ باهتمام الحكومات السابقة، وآن الآوان أن يتم الالتفات له، خاصة مع الدول التي طورت هذا القطاع الذي قد يكون بديلا عن قطاع المحروقات، ويمكن الارتكاز عليه. 

وأكد الخبير الاقتصادي أن قطاع النقل البحري والجوي، لا يزال ضعيفا في الجزائر، وتحديدا الداخلي من نقل للمسافرين والسلع أيضا، ولحل الأزمة اقترح مسدور، "تبني فكرة المناطق الاقتصادية الحرة الموجهة للتصدير".

مضيفا: "المناطق الصناعية على الحدود الجزائرية الموريتانية والليبية والتونسية والمغربية والنيجيرية والمالي، كلها بوابات لإفريقيا، بالإضافة إلى منطقة حرة على الحدود البحرية المواجهة لأوروبا. لابد من الاستفادة من موقع الجزائر الإستراتيجي، لتصدير سلع كل الدول المجاورة عن طريق هذه المناطق الحرة".

لكن لن تنجح كل هذه الخطوات، في اعتقاد الخبير الاقتصادي، "إلا إذا حدث انفتاح مصرفي، عبر التعامل مع البنوك العالمية التي تستثمر في دول مثل الجزائر، والاعتماد أيضا على بورصة قوية".

ثروات باهظة

ويرى مسدور أن الصناعة الصيدلانية أيضا لازالت متأخرة في الجزائر، إذ لا تنتج الدولة إلا ما بين 30 و35 بالمائة من احتياجاتها، والتي تقدر بأكثر من ذلك، معتبرا أن بلده يمكنها أيضا أن تكون بوابة إفريقيا للدواء الذي تحتاجه. 

وزاد المتحدث، "الاستثمار في القطاع الصحي أيضا هام، عبر بناء المستشفيات العالمية، والاستثمار أيضا في الجامعات العالمية ومختلف المستويات". وخلص خبير الاقتصاد، إلى أن كل هذه التدابير "ستخلق دينامية اقتصادية حقيقية تسمح بالخروج من التبعية للمحروقات".

وعرج مسدور في حديثه على قطاع الصناعات الاستخراجية المنجمية، وذكّر بأن الجزائر تتوفر على إمكانات منجمية ضخمة من الحديد والذهب والألماس والأحجار الكريمة وغيرها من ثروات معدنية هائلة.

وقال: "الجزائر تحوز على معادن نفيسة يمكنها أن تدخل في الصناعات التكنولوجية الدقيقة، مثل صناعة الصواريخ ومحطات الإرسال الفضائية، نتيجة صحرائها الشاسعة ووفرة هذه المواد فيها، شريطة تصديرها كمادة مكررة لا خام".

يرى مسدور، أن اللجوء إلى بدائل أخرى، غير التي ذكرها، "هو بحث عن الحلول السهلة"، قائلا: "حين تتراجع الموارد الخارجية تلجأ الدولة إلى فرض الضرائب المرتفعة على المواطن، والمنظومة الجبائية الحالية هي منظومة جائرة".

ويعتقد الخبير أن الدولة ليست بحاجة إلى رفع معدلات الضرائب، بل هي تحتاج إلى توسيع قاعدة الإخضاع، بمعنى عوض أن يتم فرض ضرائب بنسبة 26 بالمئة على أرباح الشركات، تحدد في 10 بالمئة مقابل إخضاع الجميع للالتزام بها، دون عفو واستثناءات. 

وقال مسدور، إن الرسوم الجمركية أيضا مرتفعة، إذ يصل بعضها إلى أكثر من 200 بالمئة، مؤكدا أن ذلك لا يخدم تطور الصناعة ونقل التكنولوجيا، وهو سبب تدمير بعض الصناعات، نتيجة دخول بعض السلع من دول مثل الصين، وهو ما ليس في صالح الاقتصاد الوطني.

وعاد الخبير ليؤكد أن الحل الوحيد أمام الجزائر لتجاوز أزمتها، هو الانفتاح الاقتصادي الذي يرفع من مستويات المعيشة، ويعطي ديناميكية كبيرة للاقتصاد الوطني.