مع عودة الديمقراطيين للبيت الأبيض.. هذه سيناريوهات التعامل في سوريا
مع تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة خلفا لدونالد ترامب، عاد الملف السوري إلى الواجهة مجددا، والحديث عن التغييرات المحتملة التي يمكن أن تطرأ عليه، لا سيما فيما يتعلق بوجود القوات الأميركية، كون الإدارة الجديدة تضم شخصيات رفضت قرار الانسحاب.
على رأس تلك الشخصيات التي أعادها بايدن، الدبلوماسي بريت ماكغورك، الذي عينه في منصب "كبير مديري مجلس الأمن القومي" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعدما استقال في عهد ترامب، احتجاجا على سحب القوات الأميركية من سوريا عام 2018.
تغيّر محدود
في 22 سبتمبر/ أيلول 2020، كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن جو بايدن (مرشح الحزب الديمقراطي وقتها)، يعارض الانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا، لكي لا يحصل "تنظيم الدولة" على فرصة للحياة مجددا.
وذكرت الصحيفة، أن بايدن لا يدعم سحب كامل الجنود الأميركيين من سوريا، ويدعم الإبقاء على مجموعات صغيرة من قوات بلاده شرقي البلاد في المستقبل المنظور، مشيرة إلى تصريح سابق له قال فيه إن "الاحتفاظ ببضع المئات من الجنود الأميركيين في سوريا لحماية الأكراد أمر منطقي".
الخبير العسكري والإستراتيجي السوري أحمد حماد، توقع عدم حدوث تغييرات كبيرة في السياسة الأميركية بخصوص الملف السوري في ظل إدارة بايدن الجديدة.
وقال حماد، وهو عقيد سوري سابق: "لا تغيير كبير في السياسة الأميركية بخصوص سوريا، ربما تكون متشابهة مع سياسة إدارة ترامب، لكن أميركا لن تتخلى عن شرق الفرات وربما تزيد دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتقوي نفوذها في المنطقة".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن الموظفين القادمين في إدارة بايدن لهم خبرة بالمنطقة وخاصة ماكغورك الذي يتبنى سياسة دعم "قسد" والحد من زيادة تدخل الروس والنظام وبالتالي إيران في المنطقة.
وفي هذه النقطة نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية تقريرا في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تحدثت فيه عن التغيرات المحتملة في الوجود العسكري الأميركي بسوريا مع مجيء بايدن لإدارة البيت الأبيض.
ونقلت عن الخبير العسكري يوري لامين، قوله: "من غير المرجح أن يتخذ البيت الأبيض إجراءات جذرية في الاتجاه السوري، الآن. فأقرب الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، مثل السعودية، يعارضون الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من سوريا".
من جهته، شكك الباحث الزائر في معهد "الشرق الأوسط" بواشنطن، وخبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، في أن يتخذ فريق بايدن قرارا بسحب الخبراء العسكريين من سوريا.
وقال مارداسوف للصحيفة الروسية: "اتخاذ مثل هذا القرار، يعني قطع سلسلة الدعم الاقتصادي بأكملها، عن القبائل المحلية والأكراد من بيع النفط. فالحافز المالي، لا يسمح للأكراد فقط، إنما وللقبائل أيضا بالحفاظ على موقف مستقل، ودفع رواتب الفصائل وعدم التحول إلى جانب الأسد".
وأردف: "يتمتع الجيش الأميركي بمستوى كاف من الحرية للعمل في هذه المنطقة. وقد تتخذ واشنطن بعض القرارات فيما يتعلق بالتنازل عن نقاط معينة في الشمال الشرقي أو في مثلث سوريا- الأردن- العراق، لكنني أعتقد بأن العسكريين سيحاولون تخفيف تأثيرها".
مقاربة جديد
وعبر مقاله بموقع "أخبار الآن" في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، قال الكاتب الفرد عصفور: "مجيئ الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض قد يحمل مقاربة جديدة مختلفة للتعامل مع الأزمة السورية لعله يسعى من خلالها لإيجاد حل قد يعيد إلى سوريا السلام والاستقرار".
ورأى الكاتب أنه "من المؤكد أن بايدن سيعمل على استعادة الدور الأميركي في سوريا، لكن استعادة هذا الدور لا يمكن أن تتم من خلال جهود أميركية فقط، بل لا بد من تعاون مع موسكو وبعض دول الإقليم لكي يكون للدور الأميركي شرعية أو بعض الشرعية التي تسمح له بالنجاح وإلا فإن فشل أوباما سيتكرر مع بايدن".
ولفت إلى أن "ما تخشى منه واشنطن في سوريا هو التمدد التركي والنفوذ الإيراني والتأثير الروسي، وهذه الخشية لا يمكن التعامل معها إلا عبر الحوار والتعاون. ويرى بعض المعلقين أن تعاونا تركيا أميركيا يصل إلى حد التحالف يمكن أن يحقق بعض النجاح في مواجهة التحالف الإيراني الروسي في سوريا".
وتابع: "غير أن روسيا قد تستبق الأحداث وتسبق التحركات الأمريكية التي قد تضر بسياسة الأطراف المتدخلة في سوريا. وهناك احتمالان: الأول تعاون وتنسيق روسي إيراني تركي للوصول إلى حل لمشكلة إدلب يؤدي إلى إخلائها من المسلحين سلميا، وبذلك ينسحب البساط من تحت أقدام واشنطن ويضيع عليها فرصة ثمينة للتدخل".
أما الاحتمال الثاني، فهو عمل عسكري روسي إيراني سوري مشترك، لإنهاء مشكلة إدلب عسكريا مما يخلق حقائق جديدة على الأرض، تجعل الإدارة الأميركية عاجزة عن أي إجراء، بحسب الكاتب.
منطق المصالح
وفي المقابل، قالت الكاتبة نورة صالح المجيم بمقالها في صحيفة "القبس" الكويتية 23 ديسمبر/ كانون الأول 2020، إن "تعاقب إدارتين في البيت الأبيض قد اختلف نهجهما في السياسة الخارجية تجاه الكثير من القضايا. ومع ذلك، ففي الأزمة السورية على وجه الخصوص وفي المنطقة عموما، نجد أن سياسة ترامب كانت استمرارا لسياسة أوباما تجاه سوريا على نحو كبير للغاية".
وأضاف: "اكتفت الولايات المتحدة بدور المراقب مع وجود عسكري محدود وفرض عقوبات عديمة الجدوى ضد نظام الأسد، لم يكن لها أي مردود على إنهاء الحرب الأهلية بسوريا، ولا على إنهاء دور الأطراف الخارجية المؤججة للأزمة. ويرجع ذلك إلى نهج فك الارتباط الأميركي التقليدي في المنطقة مقابل التركيز على آسيا، الذي دشنه أوباما وأصبح توجها ثابتا للولايات المتحدة".
وأوضحت المجيم أن "بايدن وملف الأزمة السورية واحد من أكثر الملفات التي دارت بشأنها تكهنات، رغم أن بايدن ذاته أثناء حملته الانتخابية لم يعقب كثيرا على الأزمة السورية، حيث تصدرت جائحة كورونا والعلاقات مع أوروبا والصين أولويات سجالات مرشحي البيت الأبيض".
وأشارت إلى أن "بايدن دشن حملته الانتخابية على شعار عودة القيادة الأميركية الدولية، وهو ما أثار بدوره تكهنات بشأن دور فعال لإدارة بايدن في إنهاء الأزمة السورية. القيادة الأميركية التي يقصدها بايدن لا تعني عودة الارتباط والدور القوي لواشنطن في المنطقة، بل إعادة تشكيل تحالفات سياسية واقتصادية واسعة بقيادة أميركية لإضعاف نفوذ الصين. فالمنطقة برمتها لم تعد ذات أهمية إستراتيجية كبرى لواشنطن".
وزادت قائلة: "من المؤكد أن سياسة بايدن تجاه سوريا ستكون استمرارا لسياسة أسلافه، التي وضعت سوريا في مرتبة إستراتيجية متدنية كمنطلق لمصالح وتوازنات جيوسياسية أوسع لواشنطن تتجاوز سوريا ذاتها كمحاربة الإرهاب".
وحسب رأي المجيم، فإن "إدارة بايدن تواجه أيضا مجموعة من التحديات والقيود الملحة، كمعالجة التداعيات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد الأميركي، وإعادة ترتيب التوازنات في آسيا لمواجهة الصعود الصيني، ما سيؤثر بالقطع على التفاعل الأميركي مع الأزمة السورية".
وأردفت: "فضلا عن ذلك، من المرجح على نحو كبير أن يعيد بايدن الاتفاق النووي مع إيران، الذي يعد ضوءا أخضرا أميركيا لطهران بالاستمرار في الحفاظ على مناطق تمدد نفوذها الإقليمي، مقابل التخلي عن البرنامج النووي وعدم التعرض لأمن إسرائيل".
ورأت الكاتبة أن "السياسة الأميركية لا يحكمها إلا منطق المصالح والواقعية السياسية. سوريا على وجه الخصوص لا تمثل أية أهمية إستراتيجية ولا تهديدا حيويا لواشنطن".
ومن ثم، فمن المرجح على نحو كبير أن سياسة بايدن تجاه سوريا "ستكون استمرارا لسياسة أوباما، أي الحفاظ على وجود عسكري محدود للغاية في شمال سوريا للضغط على تركيا بشأن أكراد سوريا، ومحاربة تنظيم الدولة، بالتوازي مع استمرار عقوبات قانون قيصر وهي غير ذات فعالية حقيقية، وفق المجيم.