وسط أجواء من التوتر.. ما أسباب إصرار إسبانيا على خطب ود المغرب؟

12

طباعة

مشاركة

رغم التوتر الذي يعيشه البلدان، والذي يصل في كثير من الأحيان إلى ذروته، يتساءل المراقبون، لماذا تصر مدريد على خطب ود الرباط؟، ولماذا يحرص المسؤولون الإسبان على إطلاق تصريحات تغازل المملكة المغربية؟.

قد يكون السبب الأحدث هو السباق نحو التسلح الذي بدأته المملكة بعد الصفقة الأمريكية الأخيرة، أو قد يكون ملف الهجرة، إذ يعتبر المغرب حارسا للحدود وسدا أمام المهاجرين المتجهين من جنوب إفريقيا إلى أوروبا.

أيضا قد يكون السبب على صعيد العلاقات التجارية بين البلدين، حيث تعتبر إسبانيا الشريك الأول للمغرب، وقد تكون هذه الأسباب جميعا مجتمعة، وفق قول بعض الخبراء والمتابعين.

رسائل غزل

في 13 يناير/كانون الثاني 2021، أكد وزير الداخلية الإسباني، فيرناندو مارلاسكا، خلال مؤتمر صحفي أن أشغال تحصين السياجين الحدوديين لسبتة ومليلية تأخرت قليلا بسبب وباء كورونا، مشيرا إلى حضور هذه القضية في الاجتماع رفيع المستوى المرتقب مع المغرب.

وأضاف مارلاسكا، بأن الأمن الحدودي لسبتة ومليلية من أولويات إسبانيا، لكنه شدد على أن الأشغال الجارية ما كان يمكن أن تتم لولا المساعدة والتعاون الذي يقدمه المغرب لإسبانيا في هذا المجال، مشيرا إلى أن المغرب يُعتبر شريكا مهما ويُعتمد عليه بالنسبة لإسبانيا.

وأوضح مارلاسكا في هذا السياق، أن المغرب شريك إستراتيجي وهناك تعاون بين الحكومتين المغربية وإسبانيا في عدة قضايا، وأشار إلى أن الاجتماع المرتقب بين حكومتي البلدين في فبراير/شباط 2021، سيُسفر عن مجموعة من القرارات التي تُعمق التعاون الثنائي.

ليست هذه هي المرة الأولى، خلال فترة وجيزة، التي يغازل فيها مارلاسكا المغرب، فقد خرج الوزير بعد أيام قليلة من تصريح مثير لرئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني تم على إثره استدعاء سفيرة الرباط في مدريد، ليؤكد على أن العلاقات بين المغرب وإسبانيا تبقى علاقات متميزة.

التصريح الذي أطلقه العثماني، على قناة الشرق السعودية قبل أيام، أكد خلاله مغربية مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتان للحكم الذاتي تحت السيطرة الإسبانية، وأن الرباط ستفعل ما بوسعها لاسترجاعهما، ما أثار غضب إسبانيا وجعل حكومتها تستدعي سفيرة المغرب لاستيضاح الأمر.

انسجام وتوافق

وفي حوار أجرته صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية مع سفيرة الرباط لدى مدريد، كريمة بنيعيش، أرسلت الدبلوماسية رسالة لتأكيد "حالة الانسجام والتوافق بين المغرب وإسبانيا ونافية أي نظرية مؤامرة".

ومن بين الرسائل التي أطلقتها، قولها إن "العلاقات بين إسبانيا والمغرب عرفت نضجا كبيرا، فهي جديرة بالثقة تماما، باعتبارهما جارين وصديقين، وكانت هناك دائما علاقات صداقة وتضامن ممتازة بين البيتين الملكيين في كلا البلدين.

وأوضحت الصحيفة أن "إسبانيا تُعتبر أكبر مستثمر في المغرب، حيث يوجد أكثر من 1000 شركة مقرها المغرب، ولديها تعاملات تجارية مع ما لا يقل عن 7 آلاف شركة مغربية أخرى.

وبشكل عام، توجد روابط اقتصادية مكثفة أيضا في الاتجاه المعاكس، وهو ما يؤكد كلام السفير، رغم أنه "لا يعكس الواقع" الكامل للعلاقات بين البلدين.

وأفادت الصحيفة بأن "العلاقات بين البلدين أصبحت اليوم مشروطة بسلسلة من العوامل الجيوسياسية والأمنية، التي تضفي عليها تعقيدا لا يخلو من الغموض".

وأفادت الصحيفة، استنادا إلى محلليها، أنه من الصعب تخيل الظروف التي تقود المغرب إلى صراع مع إسبانيا عندما يتضح أنه يمكن أن يحقق أهدافه دون إطلاق رصاصة واحدة.

وأضافت الصحيفة: أن "الأزمة الصحية العالمية (كورونا) كانت بمثابة العذر المثالي لإغلاق حدود سبتة ومليلية (من جانب الرباط)". وتابعت: "بالإضافة إلى ذلك، لقد ادعى المغرب، وإن لم يكن ذلك علنا، السيادة المشتركة على كل من المدينتين الإسبانيتين المتمتعتين بالحكم الذاتي لسنوات".

ومنذ عام 2018، بدأ المغرب من جانب واحد إغلاق الحدود، قبل فترة طويلة من أزمة كورونا، ما أدى إلى خنق المدينتين والسكان المغاربة على الجانب الآخر من الحدود، اقتصاديا.

وخلال الأزمة الصحية، انتهز المغرب الفرصة لإغلاق المعابر البرية، وخنق الخطوط البحرية، وتبعا لذلك، فقدت الجزيرة الخضراء (سبتة ومليلية) وزنها، وتراجعت فيها حركة المرور والأعمال التجارية، في حين أن الخطوط البحرية مع فرنسا وإيطاليا لا تزال نشطة.

وتخضع مدينتا سبتة ومليلية للنفوذ الإسباني، رغم وجودهما أقصى الشمال المغربي، ويبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألفا، وتخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1497، وترفض الرباط الاعتراف بشرعية مدريد على المدينتين، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب الرباطُ مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاعهما.

قلق من التسلح

في برنامج عبر إذاعة "أوندا ثيرو" الإسبانية، تلا اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، قالت وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانتشا غونزاليس لايا: "نزاع الصحراء لا يرتبط بإرادة أو قرار أحادي لبلد، مهما كان كبيرا هذا البلد، بل إن مركز الثقل يوجد في الأمم المتحدة"، لكنها رحبت باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.

وبينما روجت تقارير إعلامية إلى أن إسبانيا قد تطلب من بايدن، التراجع عن قرار ترامب بخصوص الاعتراف بمغربية الصحراء مع تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل، تجنبت الوزيرة الإسبانية الحديث عما إن كانت اطلعت على الخطوة الأميركية قبل إعلانها رسميا، مكتفية بالقول: إنها "لم تفاجئها"،

وأضافت غونزاليس لايا: "بايدن هو المخول بتقييم الوضع، وأن يرى بأي طريقة يريد أن يتموقف، وأن يعمل من أجل إيجاد حل عادل، ودائم أيضا، وغير مرتبط بالترنحات التي تقع بين الفينة والأخرى، بل أن يكون مرجعه المجتمع الدولي".

واعترفت الوزيرة بأن إسبانيا تجري مجموعة من الاتصالات مع إدارة بايدن بهدف "البحث عن العودة إلى التعددية بغية تدبير العلاقات الدولية"، في إشارة إلى رفضها القرار الأميركي.

الاعتراف الأميركي بالصحراء الغربية، وما سبّبه من هزة داخل الائتلاف الحاكم في إسبانيا، دخل ليزيد الطين بلة، بمعنى أن حكومة بيدرو سانشيز، وجدت نفسها محرجة من هذا القرار، الذي يعترف بالسيادة.

حارس الحدود

في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بدأت السلطات الإسبانية تركيب سياج حدودي جديد يفصل مدينة سبتة عن المغرب، بميزانية تزيد عن 32 مليون يورو.

شاركت في الميزانية الصناديق الأوروبية بـ75 في المئة، من خلال صندوق الأمن الداخلي وصندوق اللجوء والهجرة والتكامل، بعد أن رأت إسبانيا أنها خطوة ضرورية للحد من الهجرة غير النظامية.

وصل 5121 مهاجرا إلى الأرخبيل بين مطلع يناير/كانون الثاني و15 سبتمبر/أيلول 2020، أي بزيادة قدرها 500 بالمئة خلال عام واحد، وفقا لوزارة الداخلية الإسبانية.

وتدفع الأرقام المهولة إسبانيا إلى إعطاء أهمية خاصة لدول المغرب العربي، عبر التعاون الاقتصادي والاتفاقيات الأمنية بإيعاز من الاتحاد الأوروبي، وتميل إلى توطيد العلاقات بحكم التداخل الحدودي.

فإسبانيا، شريطة قبولها كعضو جديد بالمجموعة الأوروبية سنة 1985، تعهدت بمراقبة الحدود الجنوبية للمجموعة الأوروبية. ومنذ انضمامها الرسمي إلى اتفاقية شينغن سنة 1991، تحولت الحدود الإسبانية إلى حدود "منطقة شينغن" -باستثناء مدينتي سبتة ومليلية لوضعهما الاستثنائي-، فقد التزمت إسبانيا بمراقبة هذه الحدود.

نمو مطرد

تشهد العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا نموا مطردا في السنوات الأخيرة، بلغت ذروته بمجالات الاقتصاد والتعاون الأمني والاستخباراتي، فضلًا عن دعم سياسي تقدمه مدريد لجارتها الجنوبية داخل الاتحاد الأوروبي.

بحسب إحصائيات رسمية، تطورت واردات المغرب من إسبانيا بين 2013 و2017 من 4.8 مليارات يورو إلى 6.85 مليارات يورو (16.9 % من جملة واردات المغرب من الاتحاد الأوروبي).

فيما قفزت صادرات المغرب إلى إسبانيا في تلك الفترة من 3.27 مليارات يورو إلى 5.46 مليارات يورو، إذ تمثل حصتها ضمن تلك الموجهة للاتحاد الأوروبي 23.7%.

ومن المتوقع أن تتطور التبادلات التجارية بين البلدين من حوالي 12 مليار يورو حاليا إلى 24 مليار يورو في 2025، وفق الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وتخضع هذه المبادلات، لاتفاق الشراكة المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مارس/ آذار عام 2000.

ويعتبر المغرب ثاني شريك تجاري لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما تعتبر إسبانيا الشريك التجاري الأول للمملكة. وتصدر أكثر من 20 ألف شركة إسبانية منتجاتها نحو المغرب، بينما تتمركز أكثر من 800 شركة بالمملكة وأكثر من 600 شركة لديها أسهم في شركات مسجلة في المغرب.

لولا احتلال المدينتين وباقي الجزر المغربية الأخرى من طرف إسبانيا، لكانت العلاقات المغربية الإسبانية من أحسن العلاقات التي يقيمها المغرب مع أي دولة خارجية، لأنها بالفعل علاقات مثالية، وفق مراقبين.

ويرى المراقبون أنه من الطبيعي أن تكون هناك مناوشات ولا سيما بدخول الاتجاهات اليسارية في الحكومة الإسبانية المقربة تقليديا من الجزائر وجبهة البوليساريو، لكن الذي وضع حدا لكل التحولات التي حدثت في العلاقات المغربية الإسبانية هو أن مدريد أهم وأول مستثمر أجنبي في المغرب، وأول زبون للمغرب، بمعنى أن الأخير يمون إسبانيا.

بالإضافة إلى وجود رأس مال بين البلدين، وتكثيف للعلاقات الاقتصادية بين البلدين وتعزيزها بعلاقات ثقافية واجتماعية، توجد جالية مغربية كبيرة في إسبانيا وهناك جالية موسمية في مجموعة من المناطق الإسبانية.

حالة هدوء

الصحفي المتخصص في الشؤون الإسبانية، الأمين خطاري، قال إن إسبانيا أسست لشراكة اقتصادية أمنية مع الرباط، منذ بعض الوقت، جعلت مدريد تهتم بحالة هدوء مستديم مع المملكة المغربية.

وتابع في حديثه مع "الاستقلال": "إذا عدنا إلى تاريخ إسبانيا الحديث، فهناك تقليد بأن الزيارة الأولى لأي رئيس حكومة منتخب في إسبانيا تبدأ من الرباط".

وإجابة على سؤال، لماذا هذا الاهتمام؟، قال خطاري: "أولا الشريط الحدودي وإشكال الهجرة سواء كانت بحرا، أو عن طريق سبتة ومليلية، يلعب المغرب دورا كبيرا في هذا السياق، وأصبحت الهجرة ورقة وعامل ضغط في سياق عدم الانسجام، الذي يحصل أحيانا بين البلدين".

أصبح المغرب مجالا خصبا للعديد من الشركات الإسبانية، بحسب المتحدث، "باعتبار وجود اليد العاملة الأقل أجرا مقارنة مع المواطنين الإسبان"، موضحا أن آلاف العاملات المغربيات يشاركن في موسم الحصاد في الجنوب الإسباني، وفي الزراعة.

لفت الخبير إلى أن الشراكة الأمنية بين البلدين أيضا قوية، إذ أن هناك تنسيقا قويا في قضايا الإرهاب، إضافة إلى الانفتاح على إفريقيا، الذي لا يتم سوى عبر بوابة المغرب.

كل هذه الأمور مجتمعة، يقول خطاري، "تجعل مدريد أو أي حكومة في إسبانيا، تتجنب أي توتر مع الجارة وتسعى أكثر إلى الطمأنة والتهدئة، خصوصا في ظل الحكومة الحالية الاشتراكية، والتي تميل دوما إلى التهدئة مع المغرب، وإن اختلف السياق، في حال وجود حكومة يمينية تتغذى على بعض خطابات الصراع وتوتير الأجواء".

وخلص المحلل إلى أن مدريد تحتاج إلى المغرب كجار هادئ، لضمان أيضا انسيابية حركة البضاعة، الاقتصاد والأمن، كلها عوامل مشتركة، أصبحت مع الوقت صمام أمان دائم يجعل مدريد لا تسعى إلى أي توتر مع المغرب.