"اتفاق الصحراء".. كيف انخرط المغرب في مشروع أميركا لمحاصرة الصين؟
الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، شكل حلقة استثنائية في مسلسل القرارات الأميركية، التي تهدف تعزيز مكانة المغرب في شمال وغرب إفريقيا، وذلك في إطار الصراع حول مناطق السيطرة والنفوذ، بين الصين والولايات المتحدة.
خطوة الاعتراف، وإن جاءت خدمة لمصالح الرباط من خلال إعلان السيادة على إقليم الصحراء، إلا أنها في نفس الوقت تشكل نقطة تحول في مسار التعاون الأميركي المغربي، لمواجهة الصين في غرب إفريقيا.
الصين في مراكش
وتعتبر أميركا، المغرب واحدا من حلفائها التاريخيين في العالم الثالث، وبالتالي شكل احتضان مدينة مراكش (غربا)، المنتدى الصيني الإفريقي للاستثمار، صدمة لصانع القرار الأميركي، مما دفع البيت الأبيض إلى مراجعة سياساته تجاه المغرب.
المنتدى الصيني الإفريقي، الذي احتضنه المغرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وحضره أكثر من 400 رجل أعمال بينهم 150 صينيا، كان من أجل "تسريع التعاون في مجال الاستثمار، في إطار برنامج الحزام والطريق".
وعام 2013. أطلقت الصين مبادرة "حزام طريق الحرير"، ويعد أضخم مشروع اقتصادي تطلقه الصين، ويشمل مشاريع للسكك الحديدية، والطرق السريعة، والمرافئ والطاقة، تتجاوز قيمتها 1.2 "تريليون دولار" غطى مناطق الصين وغرب آسيا وأوروبا، وانضم إليه حتى الآن نحو 65 بلدا.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث عززت الصين موقعها في القارة السمراء، فخلال أقل من 20 عاما باتت الصين أول شريك اقتصادي مع إفريقيا، حيث وصلت المبادلات التجارية بين الطرفين إلى 190 "مليار دولار" عام 2016، وباتت أهم من المبادلات مع الهند وفرنسا والولايات المتحدة مجتمعة.
وفي 2017. أعلنت الرباط التحاقها بمبادرة "الطريق والحزام"، بعد كينيا وإثيوبيا ومصر وجيبوتي.
وفي تلك الفترة، كانت العلاقات المغربية الأميركية تمر بأسوأ مراحلها، بعد محاولة الرئيس دونالد ترامب تمرير "صفقة القرن" المزعومة، ما دفع الرباط إلى فتح فكرة "تنويع" الشركاء الاقتصاديين والسياسيين، والاتجاه إلى الشرق.
ففي قمة المغرب ودول التعاون الخليجي عام 2018، أعلن الملك "محمد السادس" توجه بلاده نحو تنويع شركائه، فاتجه شرقا نحو روسيا الاتحادية، معلنا شراكة إستراتيجية بين البلدين.
وبعدها جاء دور بكين، في زيارة جمعت بين الاقتصاد والسياسة، بغرض التأكيد على التحول الإستراتيجي الهام في السياسة الخارجية المغربية، وبعث رسالة إلى حلفائه وجيرانه الأوروبيين والأميركيين، مفادها ضرورة التعاون بين الطرفين بما يخدم مصالح الجميع.
استعادة حليف
يمكن اعتبار 2020، من السنوات الاستثنائية في العلاقات بين الرباط وواشنطن، من حيث تبادل الزيارات، وحجم ونوعية الاتفاقيات، خاصة تلك المتعلقة بغرب إفريقيا وشمالها، لكن قبلها يمكن القول: إن المغرب وأميركا اعتبرا أن مصلحتهما "تكمن في تعزيز التعاون بما يقلل المخاطر عليهما معا".
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وقعت الرباط وواشنطن، مذكرة تفاهم بين الحكومة المغربية وشركة تمويل التنمية الدولية للولايات المتحدة.
وتنص مذكرة التفاهم، التي وقعها بالعاصمة الرباط، كل من وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، "محمد بنشعبون"، والرئيس المدير العام للشركة الأميركية، "آدام سيث بويلر"، على تقديم دعم مالي وتقني لمشاريع الاستثمار الخاصة في المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، بمبلغ مالي يصل 3 "مليارات دولار".
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أشادت الولايات المتحدة، بدور الملك "محمد السادس"في تحقيق السلام وضمان الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
جاء ذلك خلال اللقاء الذي أجراه وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، "ناصر بوريطة"، مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، "ديفيد شينكر"، في العاصمة الرباط.
خلال هذا اللقاء اعتبر "شينكر"، أن زيارته إلى المغرب، كانت فرصة لبحث سبل الارتقاء بالشراكة الإستراتيجية القوية بين البلدين، مسجلا أن المغرب هو البلد الإفريقي الوحيد الذي تجمعه اتفاقية التبادل الحر مع أميركا، ومشيرا أن الولايات المتحدة وشركاتها تعتبر المغرب بوابة نحو القارة السمراء.
وأوضح "شينكر" أن نحو 150 شركة أميركية توجد في المغرب، وتساهم في خلق مناصب الشغل، مشيرا أن السنة المقبلة تصادف الذكرى الـ15 لاتفاق التبادل التجاري بين البلدين.
وقبل ذلك في فبراير/شباط الماضي، احتضنت واشنطن لأول مرة لقاء "مجموعة العمل الإفريقية للحوار الإستراتيجي بين أميركا والمغرب"، وهو الاجتماع الذي تم خلاله الاتفاق على تعزيز التعاون بين البلدين.
وسجلت الخارجية الأميركية، أن الاجتماع المنعقد بواشنطن، عرف الاتفاق على تعزيز التعاون لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه القارة، وناقشت الوفود المشاركة فرصا جديدة للتعاون الثلاثي المحتمل في القارة، بما في ذلك تمويل التنمية والتجارة.
تعاون عسكري
لم يتوقف الأمر عند التعاون والدعم السياسي والعسكري، لكنه شمل أيضا القطاع العسكري والأمني، خاصة في ظل حرص أميركي على منع حلفائها من التعامل مع تقنية "الجيل الخامس للاتصالات" التي تبيعها الصين، لأنها تستخدامها في "التجسس".
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، جدد المغرب والولايات المتحدة، اتفاقية التعاون العسكري بينهما لمدة 10 سنوات، بعدما قد وقعا اتفاقية أولى عام 2010.
وأعلن الوزير المغربي المكلف بإدارة الدفاع الوطني، "عبد اللطيف لوديي"، ووزير الخارجية "ناصر بوريطة"، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع الأميركي "مارك إسبر"، أن هذا الاتفاق العسكري جاء لمواجهة التهديدات المشتركة.
خلال اللقاء ذاته، قال "بوريطة": "إن الرباط وواشنطن وقعتا اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري ضد التهديدات المشتركة بين عامي 2020-2030، موضحا أن الاتفاقية تأتي في إطار تحديث الصناعات العسكرية والدفاعية في المغرب".
ولم يفوت "إسبر" المناسبة، ليعلن بدوره، أن الاتفاقية "ستفتح أبواب التعاون الثلاثي بين المغرب وأميركا والدول الإفريقية"، مستدلا على ذلك بمناورات "الأسد الإفريقي".
وتعد مناورات "الأسد الإفريقي"، تدريبات عسكرية للوحدات البرية في الجيشين، انطلقت بين المغرب والولايات المتحدة عام 2007، بمشاركة عدة دول إفريقية، لتطوير المهارات الميدانية والقتالية للقوات المشاركة.
وتعد واشنطن أول مزود للمغرب بالأسلحة، بينما تعد الجزائر مشتريا رئيسيا للأسلحة الروسية.
تبادل مصالح
ويرى رئيس "المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني"، عبد الرحيم منار السليمي، أن "النظام العالمي يتغير، والصراع على قيادته ينحصر بين 3 دول هي أميركا والصين وروسيا، وأن من الخطوط الحمراء التي تسيطر عليها واشنطن، هو شريط المحيط الأطلسي، ذو الأهمية الجيوإستراتيجية في الصراع على قيادة العالم".
وأكد "السليمي" لـ"الاستقلال"، أن "النظام الدولي مقبل على دخول مرحلة ما بعد جائحة كورونا، ويجري فيه صراع كبير على القيادة، وتحاول داخله الولايات المتحدة إعادة بناء نقاط ارتكاز، لذلك تحاول الأطراف الثلاثة المتصارعة إعادة بناء تحالفاتها في كل المناطق".
وقال المحلل السياسي المغربي: "يبدو أن الأميركيين انتبهوا إلى الزحف الروسي والصيني نحو غرب المتوسط وشمال إفريقيا، والمعروف في الإستراتيجية الأميركية أنها تعتبر المنطقة الأطلسية (شريط المحيط الأطلسي) الممتد من المغرب نحو غرب إفريقيا، شريط جيوإستراتيجي وجيوأمني، يضمن مصالحها في صراعها حول قيادة العالم".
وأوضح "السليمي" أن "روسيا موجودة بالجزائر وفي إفريقيا الوسطى، والصين هي دولة مجهولة المجاري، بمعنى أنها يمكن أن تصل لكل مناطق العالم بسهولة، لذلك يبدو أن الأميركيين بادروا إلى الاعتراف بمغربية الصحراء، لضمان مصالحهم على الشريط الأطلسي، وإعادة بناء تحالفهم مع المغرب كمحور رئيسي في شمال إفريقيا".
وتابع: "من الواضح أن الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء يدخل فيه -إضافة إلى عامل التاريخ- عوامل جيوإستراتيجية ومصالح اقتصادية، تجعل الأميركيين يعتمدون على المغرب، ويضمنون مصالحه كقوة إقليمية في شمال إفريقيا، ليكون له دور في هذه التوازنات الجديدة التي يوجد وراءها صراع على قيادة العالم".
وشدد "السليمي" في ختام تصريحة على أن هذه التطورات "هي مقدمة لصراع سيتضح أكثر مع نهاية الجائحة، ولكن دعونا نتفق على أن الولايات المتحدة بهذا الاعتراف توجه رسالة إلى الروس والصين بأن الشريط الأطلسي خط أحمر".