أجيال من المناضلين.. يهود مغاربة قاوموا التطبيع وتصدوا للصهيونية

12

طباعة

مشاركة

مساء 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، غطى مشهد محاصرة عشرات رجال الأمن المغربي للناشط اليهودي المغربي "سيون أسيدون"، وإبعاده عن إحدى ساحات العاصمة الرباط، على قرار وزارة الداخلية المغربية منع وقفة احتجاجية ضد الاتفاق المغربي الأميركي القاضي ببدء مسار التطبيع مع إسرائيل.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول، أعلن الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" موافقة المغرب على التطبيع مع إسرائيل. وفي أول تعليق مغربي، أعلن الملك "محمد السادس" أنه أخبر ترامب في اتصال هاتفي بأن بلاده تعتزم "استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في أقرب الآجال".

ويمثل "سيون أسيدون" وغيره نماذج لليهود المغاربة الذين رفضوا الدعاية الصهيونية، وقرروا البقاء في أوطانهم، بل وتصدروا هيئات مناهضة التطبيع ودعم حق الشعب الفلسطيني.

لا أعرف إسرائيل

"سيمون ليفي"، "إدموند عمران المليح"، "جاكوب كوهين"، و"سيون أسيدون"، أسماء يهودية من المثقفين ورجال السياسية، يحفل المغرب بهم، لمقاومتهم "الدعاية الصهيونية"، مفضلين دعم قضية فلسطين، ومحذرين من خطر الاختراق "الإسرائيلي".

يمثل المؤرخ المغربي، "إدموند عمران المليح"، الذي رحل في 2010، الصوت الأعلى في مقارعة الدعاية الصهيونية، وهو أحد أبرز اليهود المغاربة الذين عارضوا النشاط الصهيوني بالمغرب حيث اشتبك معرفيا معها، وأعمل معول التاريخ لإسقاط تلك الدعاية.

ويعتبر إدمون عمران المليح أكبر المشككين في دعاية "الهجرة إلى أرض الميعاد"، حيث تساءل "لماذا إذن، تلك الهجرة الواسعة، ولو أنها امتدت على عدة سنوات؟ لماذا هذه المأساة الصامتة، السرية، تحت تأثير رقابة ملتحمة بالأيدولوجية الصهيونية".

وتابع: "الغموض لا يزال قائما أمام هذه الحركة التهجيرية التي تستعصي أكثر أجزائها على كل تأويل عقلاني، خاصة أنه لم يكن هناك أي خطر حقيقي عاجل أو آجل يهدد وجود اليهود المغاربة، حتى في أشد الظروف حلكة عندما أعلن عن تأسيس دولة إسرائيل".

ونفى "المليح" أيضا أن تكون الهجرة ناتجة عن تفاهم وتواطؤ مع الاستعمار الأوروبي كما حصل في أوروبا، بل إنها اصطدمت مع الاستعمار الفرنسي الذي كان يراهن على توظيف اليهود المغاربة لصالح المشروع الاستعماري في المغرب. 

كما أن الإقامة العامة الفرنسية لم تنجز تغيرات ملموسة في الوضع القانوني لليهود، بل على العكس شددت رقابتها وتدخلها في حياة الطائفة اليهودية المغربية وحدّت من استقلاليتها التي كانت تتمتع بها قبل الاستعمار.

مواقف المليح المشرفة كثيرة، منها قوله بوضوح: "لا أعرف أية دولة اسمها إسرائيل"، حيث دافع عن قضية الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي، وأصدر بيانا عن مجزرة جنين عام 2004 بعنوان "أنا أتهم"، دان فيه الوحشية الإسرائيلية.

كما دان "عمران المليح" العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واعتبر الصهيونية "حركة عنصرية تتباهى بقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب"، ورفض توظيف "المحرقة اليهودية" لتبرير الصهيونية واستغلالها اليهود الذين ماتوا أو لم يموتوا فيها، ورفض ترجمة أعماله إلى العبرية حتى لا تتاجر إسرائيل بأفكاره، وتمنى الصلاة في القدس عندما تتحرر من الاحتلال.

جيل من المناضلين

ولم يكن المليح وحده المناهض للصهيونية، بل هناك أيضا القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، "سيمون ليفي"، الذي رفض زيارة إسرائيل تماما كما رفض الحصول على جنسية فرنسية لما كان طالبا في سنوات الستينيات.

وعندما هرب بعد اعتقال وتعذيب شديد، قرر أنه مغربي وسيظل مغربيا إلى أن يدفن في المغرب وكذلك كان.

تقول سيرته: إنه "بدأت الحياة السياسية لسيمون ليفي في فرنسا وهو طالب عندما انتُخب أمين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب (نقابة الطلبة المغاربة)، ولما عرضت عليه الإدارة الفرنسية الجنسية رفض وتمسك بالمغرب هوية وجنسية".

كان يقول ويردد: "ليس لليهود المغاربة مستقبل سوى هنا في المغرب". هكذا كان يفكر ويصرح، وهو ما جعله من بين أكبر المعارضين للصهيونية، خاصة أنه لم يزر إسرائيل قط.

مندوبة فلسطين في الاتحاد الأوروبي "ليلى شهيد" قالت في تأبين سيمون في 2011: "لقد كان وطنيا مغربيا، دافع دائما عن الهوية الوطنية وثقافتها وجذورها العبرية، إضافة إلى تضامنه القوي مع حقوق الشعب الفلسطيني".

يمثل "سيون أسيدون" و"جاكوب كوهين"، جيلا آخر من المناضلين من أجل فلسطين، ومقاومي الدعاية الصهيونية، فالرجلان لا يتوقفان من التحذير والتنبيه إلى مخاطر الاختراق الإسرائيلي للمغرب، كما لا يترددان في الترافع من أجل القضية الفلسطينية في كل المحافل.

ويعتبر "جاكوب كوهين" الكاتب الفرنسي المغربي أحد أبرز هؤلاء المغاربة اليهود، ففي محاضرة ألقاها في الرباط الأربعاء 11 فبراير/ شباط 2020، بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أعلن فيها أن "الصهيونية دمرت الهوية اليهودية المغربية".

وقال: إن أبرز أسباب معاداته للصهيونية أنها "دمرت اليهودية المغربية، ودمرت هذه الجماعة الرائعة".

وحذر الكاتب من محاولات الاختراق الإسرائيلي للمغرب، فهناك "خطاب يعلن التسامح، وكلنا إخوة وعشنا معا، يهودا ومسلمين"، مشددا على كونه "فخا ممتازا، ومن طرق الدخول -الصهيوني- إلى المغرب وإقامة أنشطة فنية إسرائيلية".

تغذية الأوهام

ويعتبر "جاكوب" أن "صفقة القرن" الأميركية المزعومة، أوضحت بجلاء أن أي حل آخر لم يعد متصورا لدى إسرائيل أو الإدارة الأميركية، وأن كل الحديث الذي كان عنه أوهام، وأن السلطة الفلسطينية التي حلمت بدولة على حدود 1967 كانت تغذي الأوهام "ولا أظن أنهم آمنوا بذلك، وإلا فإنهم كانوا من شديدي الغباء".

وأوضح "يجب أن تعرفوا عدوكم بشكل جيد؛ فالصهيونية فرضت قاعدة من الأردن إلى المتوسط أنه لا يمكن أن توجد قومية واحدة إلا اليهودية. وعدم التوقيع على صفقة القرن لا يهم، لأنهم سيستمرون في إسقاط الأذكياء والقادرين على المقاومة حتى يبقى في الأخير من يقبل بها، أنتم أمام لوبي يريد تحطيم هويتكم وشخصيتكم وعليكم تحمل مسؤوليتكم".

إلى جانب كوهين ينتصب "سيون أسيدون"، الذي وقف قبل عام ونصف وراء تنظيم "أسبوع مناهضة الاستعمار والأبارتهايد في فلسطين والوطن العربي"، بالمغرب تحت شعار "لنوقف تسليح الاستعمار"، الذي ينظم للعام الخامس عشر على التوالي في أكثر من 250 مدينة حول العالم في الفترة ما بين 18 مارس/آذار و10 إبريل/نيسان.

يقول عن نفسه، وعلاقته مع فلسطين: "احتضنتني فلسطين عند خروجي من السجن، كان اللقاء بالمناضلين الفلسطينيين المقيمين في المغرب منتظما، فاستمر ارتباطي بمكتبة الكرامة، نقطة تجمع من جعلوا من فلسطين أولويتهم.. وجاءت الانتفاضة الأولى… ثم (أوسلو). أعترف بأنني ظننت أن الأمل آت معها".

وتابع سيون: "وأتت الانتفاضة الثانية.. والوقفات الأسبوعية للمساندة. ثم معركة جنين، في هذه المرحلة، دخلت فلسطين قلب منزلي. أنا، أخرجتني قضية فلسطين من العدم السياسي".

لا يتردد اليهود المغاربة المناهضون للصهيونية، مثل المليح، أو ليفي، أو أسيدون أو جاكوب كوهين، في ربط تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين المحتلة، بكونها جريمة دبرها جهاز الموساد (المخابرات الإسرائيلية)، ويقدم ما يعتبرها أدلة على تلك الجريمة التي دفع اليهود المغاربة ثمنها.

وتقلصت أعداد الجالية اليهودية بالمغرب من عشرات الآلاف منتصف القرن الماضي، إلى بضعة آلاف منتشرين في عدد من المدن، لكن بنسبة كبيرة في مدينة الدار البيضاء، خاصة وسطها، وهذا راجع إلى وجود عدد كبير من البيعات الدينية في هذه النواحي، يقدر عددها بثلاثين، كما أن هناك يهودا مغاربة يعيشون في فاس ومراكش وطنجة وأكادير والصويرة/ كما يقول "سيمون ليفي".

ويزيد في "سنة 1948، كان يقدر عدد اليهود بحوالي 280 ألف يهودي بالمغرب وبدأت الهجرة أفواجا نحو إسرائيل وكندا وأوروبا. وظل في المغرب حوالي 20 ألف في السبعينيات، واليوم يقدر عدد اليهود المغاربة المهاجرين وسلالاتهم ما بين 800 ألف ومليون، نصف العدد موجود في إسرائيل، إنهم يكونون الجماعة الثانية فيها بعد الروس.