انسحاب تركيا من نقاط عسكرية شرقي إدلب.. إخلاء نهائي أم إعادة تموضع؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

شرعت تركيا في سحب قواتها من نقاط عسكرية تتمركز في مناطق ريف إدلب الشرقي بسوريا، استعدادا للإخلاء بشكل كامل خلال الأيام القليلة المقبلة، وبذلك تكون قد انسحبت بشكل كامل من نقطة مورك والصناعة قرب سراقب ومعمل الكوراني على الطريق الدولي "إم 5".

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2020، برصد خروج رتل آليات وشاحنات، من القاعدة التركية، الواقعة في قرية الصرمان، بينما لا تزال 5 نقاط في ريفي إدلب وحلب قيد الانسحاب خلال المرحلة المقبلة.

وحسب المرصد، فإن النقاط العسكرية المتبقية، هي شير مغار والراشدين والصرمان وقبتان الجبل ومعرحطاط، بعدما سحبت القوات التركية معظم معداتها العسكرية واللوجستية منها، دون ورود معلومات مؤكدة عن مصير نقطة المراقبة في تل الطوقان.

الانسحاب التركي، أثار تساؤلات عدة حول دوافع هذه الخطوة، وهل ذلك من الممكن أن يدفع نظام بشار الأسد الموجود في تلك المنطقة لشن هجوم يستهدف إدلب خلال الأيام المقبلة؟.

إعادة تموضع

الكاتب والصحفي السوري قتيبة ياسين، رأى أن "الانسحاب التركي من نقاطه العسكرية، إعادة تموضع، و‏الأكيد أنه لم يتحرك جندي تركي إلا بعد اتفاق مسبق مع الروس، ‏الأمر الذي لا يمكن أن يتجاوزه نظام الأسد".

‏ولفت ياسين في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "التمركز الجديد للقوات التركية في ريف إدلب الشمالي أقوى بكثير من القديم (ريف إدلب الشرقي) من نواحي التجهيزات والعدد وكل شيء".

‏واستبعد ياسين، إقدام نظام الأسد على عمليات عسكرية في تلك المنطقة، لأن "نتيجتها معروفة ومحتومة"، مشيرا إلى أن "تركيا ترى في هذه المنطقة أمنا قوميا ومستعدة للزج بكامل جيشها لأجل ذلك، وروسيا تدرك هذه الحقيقة".

‏الكاتب السوري المعارض، رأى أن "النظام السوري لا يملك أوراقا كثيرة يمكنه أن يستخدمها، ‏حتى بشار الأسد أصبح يتحدث عن المنطقة (إدلب) كأنها أمر بعيد المنال".

وأقامت تركيا 12 موقعا لمراقبة وقف إطلاق النار حول إدلب، بعد اتفاق مع روسيا في 2017، منع هجوما كان يعده النظام السوري، الذي هدد بالقضاء على سيطرة المعارضة السورية على المنطقة، وأجبر ملايين اللاجئين بالتوجه نحو الحدود التركية.

وفي بداية عام 2020، تعرضت 8 مواقع مراقبة تركية و5 مواقع صغيرة للحصار من قوات النظام، بعد خسارة المعارضة مناطق واسعة في إدلب.

خلال الهجوم، تعرضت القوات التركية التي تدعم المعارضة للقصف، وقتل 59 جنديا تركيا، ما دفع أنقرة بشن حملة عسكرية بالطائرات المسيرة والقصف المدفعي ضد قوات الأسد.

مخاطر محتملة

وفي السياق ذاته، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، كشف فيه أن تركيا تخطط لمغادرة عدد من المواقع العسكرية في إدلب لـ"تقليل المخاطر".

وأضاف التقرير أن أنقرة باتت تخشى من استخدام القوات التركية المحاصرة في إدلب كورقة ضغط ضدها، فيما لو قرر النظام السوري القيام بعملية عسكرية جديدة، مؤكدا أن تركيا تخطط لإخلاء عدد من المواقع العسكرية في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها قوات بشار.

ونقل الموقع عن مصادر تركية (لم يكشف هويتها) قولها: "أنقرة تهدف للتخلص من المخاطر المحتملة، ومظاهر الضعف في إدلب، وتجنبا لحملة تقوم بها قوات النظام السوري بدعم من روسيا".

وقالت المصادر: "الانسحاب لا يعد إشارة ضعف، بل تحركات وقائية. فلو بدأت مواجهات في الأيام المقبلة، فلن يستطيع النظام السوري استخدام هذه القوات كورقة ضغط".

وأكدت المصادر "وجود حضور واسع للمليشيات السورية، خاصة المؤيدة لإيران في المنطقة، وهي ليست منضبطة وتحت السيطرة"، مشيرة إلى أن "اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا في 2017، ليس موجودا إلا على الورق فقط، وأننا سنواصل الدفاع عن إدلب، واتخذنا هذه الخطوات لحماية المنطقة".

ونقل التقرير عن مسؤول تركي سابق، قوله: "المواقع فقدت قيمتها كرادع عسكري منذ وقت. ويعتقد المسؤولون الأتراك أن روسيا تشعل نزاعا في إدلب، وبأي لحظة، لأنها لا تريد ترتيبات طويلة الأمد كفيلة بتحقيق الاستقرار في المنطقة".

وذكر تقرير الموقع نقلا عن مصادر أن الحكومة التركية قررت بداية عام 2020، أن حراسة هذه المناطق أصبحت مخاطرة، بدون وجود خط واضح للإمدادات وتعزيز القوات هناك. ومنع الجيش الروسي كل المحاولات لتأمين تركيا لذلك.

وتعد إدلب مهمة للقيادة التركية، لأنها لا تستطيع التعامل مع موجة لجوء سورية جديدة وسط التراجع الاقتصادي والمشاعر المعادية للسوريين في تركيا، وفق الموقع.

وأشار إلى أن "هناك 3 ملايين عالقون في المحافظة، إذ إن تركيا اعتقدت في الماضي أنها تستطيع استخدام مواقعها العسكرية كورقة ضغط على روسيا ودمشق في أي محادثات دبلوماسية في المستقبل، لكنها اكتشفت التعنت الروسي في محادثاتها عن إدلب، وتتوقع هجوما جديدا لقوات النظام السوري".

خلط الأوراق

الانسحاب التركي من نقاط توجودها في سوريا، لم يكن الأول من نوعه، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، انسحبت من النقطة العسكرية المتمركزة في مدينة "مورك" شمال حماة، وهي تمثل أكبر النقاط العسكرية التي كانت تشغلها تركيا في تلك المنطقة.

لكن المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، قال خلال تصريحات صحفية في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "واضح أن هناك تفاهمات تركية روسية بناء على اجتماعات عقدت بين الطرفين الشهر الماضي، وكان هناك اتفاق على عدم التنافس على نقاط المراقبة".

ولم يستبعد أوغلو أن يكون الانسحاب "بناء على تنازلات ومقايضات في ملفات أخرى"، مشيرا إلى أن "هناك تنازلات ومقايضات على ملف آخر مثل موضوع شرق الفرات أو الصراع في ليبيا، وحتى حرب أرمينيا وأذربيجان، كل هذه ملفات مشتركة بين الأتراك والروس وأعتقد أن هناك علاقة كبيرة بينها".

ورأى أن تركيا استطاعت أن تخلط الأوراق الروسية حتى الآن، حيث إن "موسكو أرادت أن توقف الحرب، لكن تركيا قالت إنها تريد إنهاء الاحتلال الأرميني، وهذا بالنسبة لروسيا أمر مزعج ومقلق، لذا فمن الممكن أن يكون الانسحاب من مورك ونقاط أخرى له علاقة بالصراع في القوقاز".

غير أن المحلل السياسي، قد توقع أن "الانسحاب التركي من بعض نقاط المراقبة، قد يكون في مقابله السماح بالوجود في مناطق أخرى".

وخلال تقرير نشره مركز "جسور" للدراسات في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ذكر طه أوغلو أنه من المحتمل أن يكون سحب النقاط التركية قد حصل بموجب تفاهم مع روسيا، "يتضمن تنازل أنقرة عن التمسك باتفاق سوتشي كمرجعية، مقابل تخلي روسيا عن مطلب إخلاء تركيا لكامل المنطقة الواقعة جنوب طريق إم 4".

وتابع: "قد تُقدِّم تركيا هذه الورقة كنوع من إبداء المرونة مع المطالب الروسية بخفض عدد القوات التركية والعتاد الثقيل في إدلب، رغبة من أنقرة بعدم المساس بقواعدها الأساسية التي تعتمد عليها كخط دفاع عما تبقى من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري وروسيا، إضافة إلى ضمان تثبيت وقف إطلاق النار في منطقة إدلب فترة إضافية".

ولم يستبعد تقرير المركز في حينها أن يشمل التفاهم مناطق أخرى في سوريا، إذ لا تزال تركيا تنتظر من روسيا الوفاء بالتزاماتها بما يخص إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن الشريط الحدودي، ومن المؤشرات التي تدل على ذلك أن روسيا أقدمت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 على إجلاء مجموعات تتبع للوحدات من بعض القرى بريف القامشلي قرب الحدود مع تركيا.

وأشار إلى أن إبداء أنقرة مرونة في ملف إدلب قد يقابله أيضا مرونة من موسكو في الملف السوري، لكن في مناطق الشمال الشرقي، ففي 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، شن الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة هجمات على مواقع لوحدات حماية الشعب في منطقة "عين عيسى" بريف الرقة.

يذكر أن هذه المنطقة أصبحت ضمن النفوذ الروسي منذ أن أعاد الجيش الأميركي انتشاره منتصف أكتوبر/ شهر تشرين الأول 2019، قبيل إطلاق عملية "نبع السلام" المشتركة بين الجيش التركي والجيش الوطني السوري.