إسلاميو الجزائر.. هل ينجحون بتشكيل أول حكومة في تاريخهم؟
شكل الاستفتاء على الدستور الجزائري الجديد، فرصة للتأكد من مدى جدية السلطات بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون في احترام صوت الشعب.
وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء الذي جرى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فإن عدم وجود اتهامات بتزوير الاستفتاء يُعد إنجازا في حد ذاته، بعدما لاحق التشكيك نزاهة الانتخابات في أغلب الاستحقاقات السابقة.
ومع بعض التحفظ، فإن تخلي السلطات عن التزوير كآلية للبقاء في الحكم، وإعلان تبون، في سبتمبر/أيلول 2020، عن تنظيم انتخابات برلمانية مسبقة بعد الاستفتاء (لم يتحدد موعدها)، يمنح أحزاب المعارضة وخاصة الإسلامية منها فرصة تاريخية للفوز بالانتخابات وتشكيل الحكومة.
فأحزاب الموالاة في أسوأ أحوالها، والحركات الإسلامية تتصدر أحزاب المعارضة، وحظوظها للفوز برئاسة الحكومة مرتفعة، ولو بالتحالف مع أحزاب أخرى، شريطة مشاركة أوسع للناخبين في الانتخابات.
والدستور الجديد يمنح الحزب الفائز بالانتخابات البرلمانية حق تشكيل الحكومة، وهو ما لم يكن متاحا في الدساتير السابقة.
إذ تنص المادة 103 من الدستور الجديد على أنه "يقود الحكومة وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عــن أغلبية رئاسية. ويقود الحكومة رئيس حكومة، في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية".
ضوء أخضر
لم يعد محرما اليوم على الإسلاميين الوصول إلى رئاسة الحكومة في الجزائر، بعدما تم كسر الحاجز النفسي لرئاسة البرلمان الذي يقوده حاليا سليمان شنين، القيادي في حركة "البناء الوطني" (إخوان الجزائر).
وحتى إن صرح قائد الأركان الأسبق محمد العماري، في 2002، لصحيفة لوبوان، الفرنسية "سنقبل الرئيس القادم حتى ولو كان (عبد الله) جاب الله (زعيم إسلامي معارض)"، إلا أن الاعتقاد بقي سائدا أن النظام لن يقبل بشخصية إسلامية على رأس السلطة مهما كان الثمن.
وبعدما أطاح الحراك الجزائري بالولاية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة، أصبح القبول بشخصية إسلامية معتدلة على رأس البرلمان وحتى الحكومة أمرا مقبولا، بل ضرورة.
وهذا ما يفسر الاستنجاد بشنين لرئاسة الغرفة الأولى للبرلمان لإنقاذ النظام من إعصار "الربيع العربي"، رغم أن كتلة التحالف الإسلامي لأحزاب "النهضة والعدالة والبناء"، التي ينتمي إليها لا يضم سوى 15 نائبا من إجمالي 462.
فليس هناك فرصة أمام الأحزاب الإسلامية لحصد أغلبية مقاعد البرلمان وتشكيل الحكومة أفضل من هذه الفترة، وفق تقديرات محلية، خاصة أن الأحزاب الإسلامية الحالية معتدلة وتقبل التداول على السلطة أو التحالف مع أحزاب علمانية وليست في صدام مع قيادة الجيش.
فضلا عن أن الإسلاميين في بلدان الجوار المغاربي لهم تجارب إيجابية في رئاسة الحكومة تتناغم مع مؤسسات الدولة الأخرى على غرار حزب "العدالة والتنمية" في المغرب بقيادة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
وفي تونس أيضا، فازت حركة "النهضة" بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ويرأس رئيسها راشد الغنوشي البرلمان، وسبق لقيادييها حمادي الجبالي وعلي العريض، رئاسة الحكومة ما بين 2012 و2014.
إسقاط الوهم
في 22 فبراير/شباط 2020، انطلق حراك شعبي واسع النطاق ضد ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة رغم تدهور وضعه الصحي منذ 2013، وأدى ذلك إلى إسقاط وهم كبير بأن الأحزاب الموالية للسلطة والمهيمنة على البرلمان تمتلك شعبية كاسحة.
فبوتفليقة جُمع له أكثر من 5 ملايين توقيع للترشح في أيام معدودة، لكنها تبخرت بعد خروج ملايين أخرى (من الناس) في مختلف المحافظات رافضة لترشحه لولاية رئاسية خامسة.
ووجدت قيادات الأحزاب الداعمة لبوتفليقة نفسها في السجون بتهم الفساد، على غرار أميني حزب "جبهة التحرير الوطني" (جمال ولد عباس، ومحمد جميعي)، والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، ورئيس تجمع "أمل الجزائر" عمار غول.
وجاءت رئاسيات 2019، التي غابت عنها أسماء معارضة لها ثقلها مثل عبد الرزاق مقري رئيس حركة "مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي) وجاب الله، رئيس جبهة "العدالة والتنمية" (إسلامي) وشاركت فيها 5 أسماء كلها محسوبة بشكل أو بآخر على السلطة، بينهم رئيس حركة "البناء الوطني" ووزير السياحة الأسبق عبد القادر بن قرينة.
بينما أخفق ناشطون بالحراك الشعبي في جمع التوقيعات اللازمة للترشح والمقدرة بـ50 ألف توقيع، على غرار أستاذ الاقتصاد فارس مسدور.
ولأول مرة منذ 1991، يشهد الجزائريون انتخابات لا يعرفون فيها الرئيس الفائز مسبقا، والتنافس فيها كان مفتوحا، رغم الملفات التي كانت تسحب من تحت الدرج في توقيت حرج لضرب هذا المرشح أو ذاك.
فاز عبد المجيد تبون، رئيس الحكومة الأسبق، بالرئاسة، مع أنه أكثر المرشحين تعرضا لهجمات الأيدي الخفية مع علي بن فليس، وهو رئيس حكومة سابق أيضا.
بينما حل المرشح الإسلامي ابن قرينة ثانيا، محدثا مفاجأة بعد حصوله على 17.38 بالمئة من الأصوات أو ما يقارب مليون ونصف مليون صوت.
عوائق على الطريق
إن كانت الظروف الداخلية للجزائر مواتية لوصول الإسلاميين لرئاسة الحكومة، فإن انقسامهم وتشتتهم استنزف رصيدهم الشعبي، خاصة بعد أن شارك العديد منهم في حكومات سابقة فحُمِّلوا جزءا من أوزارها.
وظهر ذلك خلال الاستفتاء الأخير، الذي انقسم فيه الإسلاميون بين رافض له (حركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة) ومؤيد له (حركتا البناء والإصلاح).
وكانت نسبة المشاركة ضعيفة (24 بالمئة) حتى بعد دعوة معظم الأحزاب الإسلامية للمشاركة في الاستفتاء، ناهيك عن الأحزاب الموالية للسلطة.
ويرى كثيرون أن أحزاب السلطة الرئيسية خاصة "جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي"، وإن ضعفت وخسرت قياداتها الموجودة حاليا في السجون، فإنها لم تفقد هياكلها التنظيمية القادرة على تفعيلها من جديد بعد زوال العاصفة.
دوليا ما زال حلف الثورات المضادة بقيادة دولة الإمارات، رافضا لوصول الإسلاميين إلى السلطة في أي بلد عربي، حتى لا يتسبب ذلك في سقوط مزيد من الأنظمة العربية.
ويعني وصول شخصية إسلامية إلى رئاسة الحكومة في الجزائر، مزيدا من التصعيد مع حلف الثورات المضادة.
فالإسلاميون في الجزائر أمام تحد صعب لكسب ثقة الناخبين خاصة مع حالة عزوف عامة عن الانتخابات، ومناخ داخلي وخارجي مضطرب، قد لا يغريهم ذلك كثيرا للذهاب بعيدا نحو رئاسة الحكومة.
وأزاح الحراك الشعبي عقبات عديدة من طريق الحركات الإسلامية نحو السلطة، لكن جاهزيتهم لإقناع الشعب بقدرتهم على إدارة شؤون الدولة، ما زالت محل تشكيك حتى من بعض قياداتهم.
فبعد عقود ركزت فيها السلطة وأذرعها سهامها بشكل مكثف على تشويه الحركات الإسلامية وقياداتها، تجد نفسها هي الأخرى منهكة، ومعظم قاعدتها الانتخابية عازفة عن الذهاب لصناديق الاقتراع.
ولكن يرى البعض أن قاعدة التيار الإسلامي ما زالت واسعة، بدليل أن حشود الحراك الشعبي الذي أسقط الولاية الخامسة لبوتفليقة، انطلقت من المساجد بعد كل صلاة جمعة.
بينما أخفق سعيد سعدي، زعيم "حزب التجمع" من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني معارض) في حشد العشرات من أنصاره في تجمعات ضد النظام كان ينظمها كل سبت في 2011.
ويرى مراقبون أن التحدي الأكبر أمام الحركات الإسلامية في المرحلة الحالية يتمثل في كيفية إقناع قواعدها الخامدة أو الخاملة بالتحرك نحو صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة.