كوارث متزامنة.. ما خسائر بريطانيا حال تنفيذ "بريكست" دون اتفاق؟
تقف المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عند نقطة حرجة، مع اقتراب انتهاء الفترة الانتقالية لـ"البريكست"، لأسباب ليس أقلها التنازلات اللازمة المطلوبة من كلا الجانبين.
ويحاول الطرفان البريطاني والأوروبي التوصل إلى اتفاقية تنظم العلاقة التجارية والاقتصادية بينهما في مرحلة ما بعد انتهاء الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2020.
غير أن المفاوضات تتعثر في نقاط عدة، بينها حق الصيادين الأوروبيين في الوصول إلى المياه البريطانية وأيضا الرسوم الجمركية، والمسألة الأيرلندية، إضافة إلى بقاء بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة.
أقل من 3 أسابيع هي الفترة المتبقية أمام الطرفين لإنهاء المفاوضات العالقة، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب، فستضطر المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تسيير العمليات التجارية بينهما بشروط منظمة التجارة العالمية التي ستشهد فرض تعريفات جمركية كبيرة.
لذلك يرى البعض أنه على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون النظر إلى "المقايضات الباهتة وغير القابلة للاختراق التي ستترتب عليها التسويات وأن يرفعها إلى النور مقابل إخفات الشعارات المبهجة لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي".
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية لدى الاتحاد الأوروبي سيباستيان فيشر: إن "الساعات القادمة حاسمة لمستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
وفي تصريحات نقلتها وكالة "رويترز" في 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أشار فيشر إلى أن "الفشل في التوصل إلى صفقة سيؤدي إلى إعاقة الحدود وإخافة الأسواق المالية وتعطيل سلاسل التوريد الدقيقة التي تمتد عبر أوروبا وخارجها تماما في الوقت الذي يحاول فيه العالم التعامل مع التكلفة الاقتصادية الباهظة لجائحة كورونا".
صفقة رديئة
كانت المكالمة الهاتفية بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وجونسون كاشفة لـ"حجم الأزمة".
وعقب المحادثة التي جرت في 5 ديسمبر الجاري، قالا في بيان مشترك: إن "المفاوضات ستستمر، لكن، هناك 3 قضايا حاسمة، تقف في طريق التوصل إلى اتفاق، وإن الطرفين متفقان على عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق حال لم يتم حل هذه القضايا، مع ذلك هناك تقدم كبير في العديد من المجالات الأخرى".
تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" الأميركية ذكر أن المحادثة "عرفت تقدما ضئيلا، وكانت إلى حد كبير إعادة تأكيد للمواقف والأولويات".
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين بريطانيين أن "اللهجة كانت جيدة لكنها تركت المحادثات في وضع غير مستقر".
وأوضحت أن المكالمة التي استمرت لمدة ساعة تقريبا "كانت محاولة لكسر الجمود في محادثات التجارة بعد أن أعلن كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه ونظيره البريطاني ديفيد فروست توقفها في 4 ديسمبر، بعد الفشل في التغلب على الخلافات عميقة الجذور حول القضايا الثلاث".
ونقلت الصحيفة عن أحد كبار الشخصيات الأيرلندية قوله: "إذا كانت هناك صفقة، فإننا نعلم جميعا أن أفضل صفقة يمكن إجراؤها الآن ستكون، بصراحة، رديئة جدا، المزيد والمزيد من الناس يتجهون نحو هذا الواقع المروع".
وترى الصحيفة أنه "سيتعين على جونسون أن يقرر ما إذا كانت صفقة التجارة الهشة التي قد تنشأ تستحق الألم السياسي، لأن البديل أي (لا صفقة)، سيعني ألما اقتصاديا أعمق، واضطرابا، وسيؤجل على الأقل وفقا لحسابات الاتحاد الأوروبي سيناريو سيضطر فيه إلى الموافقة على صفقة أسوأ".
وقالت الصحيفة: إنه "يتعين على جونسون أن يقرر ما إذا كانت مطالب الاتحاد تشكل تهديدا كبيرا لرؤيته للسيادة البريطانية، لأنه يعلم أن التوصل إلى اتفاق يُنظر إليه على أنه خيانة لبريكست قد يكون ساما، ويدمر علاقاته مع فصيل حزب المحافظين الذي ساعده في الوصول إلى السلطة".
القضايا الخلافية
تعد القضية الأولى من بين القضايا الرئيسية الثلاث التي تعثرت حولها المفاوضات بين الطرفين، هي ما يسمى "تكافؤ الفرص" الذي يضمن المنافسة العادلة في التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وفي هذه القضية تقاوم المملكة المتحدة مطالب الاتحاد بأن تلتزم بريطانيا بقواعد الاتحاد بشأن اللوائح البيئية وحقوق العمال والمساعدات الحكومية (الدعم) التي تقدمها الحكومة البريطانية للشركات، حيث ينقسم المفاوضون حول كيفية إنفاذ أي صفقة يتم الاتفاق عليها.
يأتي ذلك وسط إصرار من بروكسل على الحق في اتخاذ إجراء أحادي الجانب ضد واردات البضائع البريطانية في حالة انتهاك تكافؤ الفرص، وكذلك الحق في الرد الانتقامي بتقييد الوصول إلى السوق لقطاع ما كعقاب على انتهاكات البريطانيين لحسن النية في قطاع آخر.
القضية الثانية، هي أن الاتحاد الأوروبي يريد أقصى وصول لقوارب الصيد الأوروبية في مياه المملكة المتحدة، وهنا تقول بريطانيا إنها الآن دولة ساحلية مستقلة وتريد إعطاء الأولوية لأساطيل الصيد الخاصة بها.
أما القضية الثالثة والأخيرة، تتعلق بمسألة حوكمة أي اتفاقية مستقبلية، أي كيفية تطبيق أي قواعد جديدة. يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون لمحكمة العدل الأوروبية دور مهم، وأن تكون الشركات الأوروبية قادرة على ملاحقة حكومة المملكة المتحدة من خلال المحاكم البريطانية بشأن الانتهاكات المشتبه بها وهو مطلب قاومته المملكة المتحدة بشدة.
واعتبر رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن أن "فرص التوصل إلى اتفاق تجاري قبل مطلع العام المقبل تصل إلى 50%"، بينما يرى بنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورجان" أن "احتمالات الخروج من دون صفقة ارتفعت إلى الثلث بعد أن كانت 20%".
فرنسا تتوسط
وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي كليمان بون، قال: إن بلاده ستدعم صفقة تجارية تسمح للمملكة المتحدة بالابتعاد عن معايير الاتحاد الأوروبي، لكن لا ينبغي الضغط على الاتحاد للموافقة على شروط ضارة في الساعات الأخيرة، مع استئناف مفاوضات بريكست في بروكسل.
وكرر بون التهديد باستخدام حق النقض الفرنسي وسط انقسامات بين الدول الأعضاء البالغ عددها 27، حول ضرورة التوصل إلى اتفاق هذا العام، لكنه ألمح إلى حل وسط بشأن القضايا الشائكة.
وقال بون في تصريحات نقلتها "الغارديان" البريطانية: إن "البريطانيين يريدون الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة دون قيود على معاييرهم الاجتماعية أو البيئية أو الصحية، وهو أمر غير مقبول من جانبنا، نحن على استعداد لوضع نظام يسمح فيه بالاختلاف في المعايير ولكن سيتم اتخاذ إجراءات تصحيحية بعده".
تعليقات "بون" تسلط الضوء على الحل الوسط المعقد الذي يحاول المفاوضون صياغته من خلال أحكام تدرك أن المملكة المتحدة حرة في وضع قواعدها الخاصة، ولكنها تحمي أيضا السوق الموحدة من السلع المنتجة بقاعدة تكلفة أقل بسبب الاختلافات في اللوائح مع بريطانيا.
ورغم الجهود الجارية لإيجاد حل وسط، ظهرت انقسامات بين دول مثل ألمانيا وأيرلندا، اللتين تعتقدان أنه من الضروري توقيع اتفاق هذا العام.
فيما يرى ماكرون أنه قد يكون من الأفضل تمديد المحادثات إلى 2021 بدلا من التسرع في اتفاقية من شأنها أن تعيد الشركات الأوروبية إلى الوراء في العقود القادمة.
اتجاه إلى الفوضى
تزداد التخوفات في لندن من إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، مما سيتسبب في العديد من الاضطرابات الداخلية خاصة في ظل مواجهة بريطانيا الموجة الثانية من أزمة كورونا.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نشرت "الغارديان" تسريبا لإحاطة سرية من مكتب مجلس الوزراء تحذر من مجموعة من الكوارث المتزامنة بينها تنفيذ بريكست دون التوصل إلى اتفاق وجائحة كورونا.
ويشير التسريب إلى اعتراف الحكومة البريطانية بشكل خاص بأن المملكة المتحدة تواجه احتمالا متزايدا لحدوث أزمة اقتصادية شاملة بالتزامن مع خروجها بشكل كامل من الاتحاد وفي منتصف موجة ثانية من جائحة كورونا التي تعصف بالبلاد.
ويحذر التقرير من أن "شتاء 2020 قد يشهد مزيجا من الفيضانات الشديدة، والإنفلونزا الوبائية، ومرض معد ناشئ جديد، وعمل صناعي منسق، على خلفية نهاية الفترة الانتقالية لبريكست".
وتتوقع الحكومة بحسب الوثيقة تعطل سلاسل الإمداد الغذائي العالمية والبريطانية بسبب الأزمات المتزامنة وهو الأمر الذي يمكن أن يتسبب في رفع أسعار بعض الإمدادات الطازجة، وستكون الفئات ذات الدخل المنخفض أكثر عرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي.
وتقول "الغارديان": إن "الفوضى الاقتصادية يمكن أن تزيد من مخاطر انهيار النظام العام وأزمة الصحة، وقد يكون هناك زيادة في الاضطرابات العامة والتوترات المجتمعية".
وتشمل المخاوف الأخرى نقص المواد الكيميائية اللازمة لمعالجة إمدادات المياه والأدوية البيطرية الأساسية المستنفذة أصلا بالإضافة إلى انخفاض قدرة التصنيع البريطانية بسبب كورونا.
محافظ البنك المركزي لإنجلترا أندرو بيلي، حذر أيضا من أن "التكلفة الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة".
وبحسب "فاينانشيال تايمز"، تقول التوقعات الرسمية: إن "عدم وجود صفقة سيكلف الاقتصاد البريطاني 40 مليار جنيه إسترليني العام المقبل".
وقال بيلي خلال حديثه لأعضاء لجنة الخزانة في مجلس العموم في 23 نوفمبر الماضي: إن "عدم التوصل إلى اتفاق مع نهاية ديسمبر، من شأنه أن يتسبب في تعطيل التجارة عبر الحدود ويلحق الضرر بالسمعة الحسنة اللازمة لبناء شراكة اقتصادية مستقبلية بين لندن وبروكسل".
وفي ختام حديثه، يرى بيلي أن "التأثيرات طويلة المدى لبريكست ستكون أكبر من التأثيرات طويلة المدى لكورونا"، مشددا على "ضرورة عقد صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام".
المصادر
- UK and EU agree to ‘last throw of the dice’ in Brexit trade deal talks
- UK and EU agree to ‘last throw of the dice’ in Brexit trade deal talks
- Brexit: France hints at compromise with UK over divergence from EU standards
- Brexit talks in 'final few days' but 'fundamental divergences' remain
- https://www.rte.ie/news/analysis-and-comment/2020/1204/1182467-brexit-talks/
- EU-UK talks probably doomed to failure, Brexit expert says
- No-deal Brexit to cost more than Covid, Bank of England governor says
- UK facing risk of 'systemic economic crisis', official paper says