شركات التواصل الاجتماعي.. لماذا تنفست الصعداء مع إعلان نجاح بايدن؟

12

طباعة

مشاركة

تنفست شركات التواصل الاجتماعي الصعداء مع إعلان نجاح مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية 2020، وهزيمة الرئيس الحالي دونالد ترامب.

شركات التواصل تأمل في أن يصلح بايدن ما أفسده سلفه بإسقاط العقوبات التي تحدث عنها ترامب، وأن تتمتع هذه المواقع في عهد الرئيس الجديد بمزيد من الحرية.

اصطفت مواقع التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا في وقت مبكر من الرئاسيات الأميركية، مع معسكر المرشح الديمقراطي جو بايدن.

ويعود دفء العلاقة بين صناعة التكنولوجيا والحزب الديمقراطي إلى انتخابات سابقة، حيث تعمل هذه الشركات على تقوية العلاقات لضمان أن يكون لها صوت في قضايا ممارساتها التجارية، وهو ما يثير قلق منتقدي هيمنة هذه الشركات على السوق.

الحماية القانونية

في مايو/ أيار 2020، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمرا تنفيذيا يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لشركات التواصل الاجتماعي. 

وتتيح الخطوة للجهات التنظيمية سلطة الملاحقة القضائية لشركات مثل "فيسبوك" و"تويتر" بسبب سياسة مراقبة المحتوى على منصاتها. وقال ترامب، أثناء توقيع الأمر: إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تتمتع بـ "سلطة لا حدود لها".

وفي يونيو/ حزيران 2020، هدد الرئيس الأميركي بتجريد موقع "تويتر" من الحصانة، بعد أن حذفت له إدارة الموقع تغريدة رأت أنها "تدعو إلى العنف" عقب تهديده باسخدام القوة ضد المحتجين في بلاده ووصفهم بـ"الرعاع".

وفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حجب موقع "تويتر" مقالا نشرته صحيفة "نيويورك بوست" تضمن مزاعم عن نجل جو بايدن، تم الحصول عليها بشكل غير قانوني من كمبيوتر هانتر بايدن، بالإضافة إلى رسائل وصور وتسجيلات فيديو شخصية له.

استنكر الجمهوريون خطوة "تويتر"، قبل أن تخرج مسؤولة السياسات في الشركة، فيجيا جدي، وتعلن بأن "الشركة قررت إدخال تعديلات على سياستها المتعلقة بالمواد المخترقة".

شركة "تويتر" كانت قد قالت: إن مقال الصحيفة يُعد انتهاكا لسياستها المتعلقة بالمواد المقرصنة التي تمنع نشر محتوى جرى الحصول عليه عبر التسلل الإلكتروني.

جاء المقال باتهامات تقول: إن بايدن خلال توليه منصب نائب الرئيس السابق (باراك أوباما)، ساعد مجموعة الغاز الأوكرانية "بوريسما" -التي كان يعمل فيها ابنه- على الإفلات من تحقيقات في قضايا فساد في أوكرانيا.

ونفى بايدن أن يكون قد ناقش، حين كان في السلطة، مع ابنه أيا من أنشطة الأخير المهنية في الخارج، عندما كان هانتر بايدن عضوا في مجلس الإشراف على بوريسما من 2014 ولغاية 2019.

لجنة تحقيق

مَثُل المديران التنفيذيان لتويتر، جاك دورسي، وفيسبوك، مارك زوكربيرغ، الثلاثاء 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، أمام لجنة تحقيق في مجلس الشيوخ في جلسة استماع بسبب المقال المذكور.

وقدم زوكربيرغ ودورسي، للجنة القضائية التابعة للكونغرس، شرحا لسياسة منصتيهما خلال الانتخابات التي انتهت بنتيجة متقاربة.

ترأس اللجنة السيناتور الجمهوري لندسي غراهام، من ولاية كارولاينا الجنوبية، الذي ساند ترامب في مزاعمه حول تزوير الانتخابات ورفض حتى الآن الاعتراف بفوز بايدن، رغم أنه توقع ذلك من قبل.

أعلن دورسي أمام اللجنة، أن الموقع وضع إشارات تحذيرية على أكثر من 300 ألف تغريدة بشأن الانتخابات الأميركية من 27 أكتوبر/تشرين الأول وحتى 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وأوضح أن الإشارات التي تم وضعها على منشورات معينة كانت تحذر المستخدمين من محتويات "مثيرة للجدل" على "تويتر".

وقال دورسي: إن المستخدمين طلبوا من الشركة قبل أكثر من عام تقديم أدوات إضافية للكشف عن المعلومات المضللة، مضيفا أن هذا ما قام به "تويتر"، وأن حصة التغريدات "المثيرة للجدل" بلغت 2.2% من كل التغريدات بشأن الانتخابات الأميركية.

من جانبه، أشار مدير "فيسبوك" إلى أن موقعه كان يحذف المنشورات الكاذبة ووضع تحذيرات على 150 مليون منشور بعد التأكد منها من قبل خبراء مستقلين.

غضب دفين

وفيما يتهم ترامب والجمهوريون مواقع التواصل الاجتماعي التقليدية بالتحيز ضدهم، ينتقد الديمقراطيون أيضا هذه المواقع لأسباب أخرى، "ما يضع زوكربيرغ ودورسي بين المطرقة والسندان"، بحسب وصف شبكة "يورونيوز" الإعلامية. 

وإن كان القانون الأميركي يبرئ وسائل التواصل من المحتوى التي ينشر فيها، فثمة توجه لتحميلها مسؤوليته، وهو التوجه الذي سبق للرئيس المنتخب بايدن، دعمه.

بايدن انتقد شركات الإنترنت الكبيرة خلال المقابلات وفعاليات الحملة الانتخابية، وحث أيضا على إلغاء الدرع القانوني الرئيسي الذي يحمي شركات الإنترنت من المسؤولية عن المحتوى الذي يضعه المستخدمون.

كما أعرب عن قلقه بشأن تركيز السوق وقضايا الخصوصية في صناعة التكنولوجيا، وأعرب عن استيائه من فيسبوك ومؤسسها مارك زوكربيرغ.

وعبّر، روب فلاهيرتي، مدير الدعاية الرقمية في حملة بايدن، عن غضبه في عدد من التغريدات، من منع الإعلانات خلال الأسبوع الحاسم والأخير قبل التصويت. وقال في بيان: إن ما جرى من "فشل تام أدى إلى مشكلات عدة تؤثر على الحملة الدعائية منذ تدشين الإجراءات الجديدة لفيسبوك".

وأضاف: "من الواضح بشدة أن فيسبوك لم يكن مستعدا لهذه الانتخابات رغم مرور 4 سنوات منذ الانتخابات الماضية".

أعرب فيسبوك عن اعتذاره مرجعا السبب إلى "خطأ تقني"، مضيفا: أن "بعض المشكلات كانت تقنية وبعضها كانت بسبب عدم فهم المعلنين التعليمات التي تنظم كيفية وتوقيت تعديل الدعاية".

ويعتبر تاريخ فيسبوك في التعامل مع الدعاية السياسية مثيرا للجدل. وتعرضت المنصة لانتقادات متكررة بسبب عدم التدقيق في منشورات السياسيين.

وفي محاولة من المنصة لمواجهة هذه الضغوط، قررت منع بث الإعلانات السياسية الجديدة خلال الأسبوع الأخير قبل التصويت. وقالت لاحقا: إنها ستمنع فقط الإعلانات التي تعلن فوز أي من المرشحين قبل انتهاء التصويت. كما منعت مؤقتا جميع الدعاية السياسية بعد إغلاق صناديق الاقتراع.

وفي يونيو/ حزيران 2020، وجه بايدن رسالة مفتوحة إلى زوكربيرغ، دعا فيها الشركة إلى التحقق من صدق إعلانات الساسة خلال الأسبوعين السابقين للانتخابات. وهو ما زاد الضغط على "فيسبوك" الذي كان يعفي ما ينشره السياسيون من برنامجه للتحقق من المحتوى.

قبلها، حقق  زوكربيرغ ربحا خياليا، وكشف موقع "ذا ماركاب" المتخصص في تكنولوجيا المعلومات، أن مكسب فيسبوك من إعلانات كلا المرشحين يبلغ أكثر من 175 مليون دولار.

ورفع فيسبوك قيمة الإعلان على المرشح جو بايدن في مقابل سعر الإعلان على منافسه دونالد ترامب، إذ دفعت حملة بايدن 8 ملايين دولار أكثر من حملة ترامب في حين حصل كلاهما على نفس مقدار الدعاية.

وكشف التقرير أنه ومقابل كل 1000 مشاهدة حصل عليها جو بايدن دفع 25.52 دولارا، فيما دفع ترامب لنفس عدد المشاهدات 23.09 دولارا.

يغضب الديمقراطيون من "فيسبوك" منذ  2016، ويظنون أن الشركة سمحت لكل من صُنّاع التضليل الروس والمحافظين بنشر الأكاذيب.

لكن من الواضح أن التعامل مع بايدن وإدارته، بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، أهون بكثير من التعاطي مع ترامب. فقد كان زوكربيرج، أول من يعترف بفوز بايدن في الانتخابات، في وقت يرفض فيه ترامب قبول هزيمته، وقال: إنه سيقاتل قانونيا في هذه المعركة.

ترميم العلاقة

قال داريل ويست الباحث في مركز الابتكار التكنولوجي في معهد بروكينغز: "تعرف شركات التكنولوجيا الكبرى أن الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء يشتكون من الطريقة التي تتصرف بها الصناعة ويستعدون لمزيد من الرقابة والتنظيم".

لا تنظر وكالة "فرانس بريس" إلى الأمر بتفاؤل، وتتوقع أن تستمر الإجراءات القضائية للسلطات الأميركية ضد جوجل و"أمازون" و"فيسبوك" و"آبل" بسبب إساءة استخدام مركزها النافذ بعد تولي بايدن منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2020.

وقال دانيال أيفز من شركة "ويدبوش سيكيوريايز" للوكالة: "بما أنه من المرجح أن يحتفظ الجمهوريون بالغالبية في مجلس الشيوخ، يستبعد المستثمرون إمكان إقرار تغييرات كبيرة في قوانين مكافحة الاحتكار".

لكن مع ذلك، يقول التقرير: يفترض أن تكون العلاقات بين البيت الأبيض وعمالقة الإنترنت أقل اضطرابا مما كانت عليه في عهد دونالد ترامب. كذلك، تربط علاقة وثيقة بين نائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس السناتورة من ولاية كاليفورنيا بالقطاع.

تعتقد صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، المهتمة بالسياسة، أن عضو مجلس إدارة  "فيسبوك" السابق، جيف زينتس، الذي يشارك في رئاسة فريق بايدن الانتقالي، وعضو مجلس الإدارة السابق  في الشركة الذي يشغل الآن منصب مستشار في فريق بايدن. إضافة إلى اثنين آخرين، كلهم قادرون على إصلاح العلاقة بين عملاق التواصل الاجتماعي والديمقراطيين.

وخدم جيف زينتس، وهو مسؤول سابق في إدارة أوباما، وبولز، وهو مسؤول سابق في إدارة كلينتون، في عصور كانت العلاقات بين وادي السيليكون وواشنطن أكثر سلاسة مما هي عليه اليوم.

لفتت الصحيفة إلى أن بايدن نفسه له علاقة ودية مع مدير تنفيذي كبير في "فيسبوك"، وهو نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق، نيك كليغ.

تشدد الصحيفة على وجود أعضاء في الفريق الديمقراطي قادرين على لعب دور الوساطة. وأوضحت الصحيفة الأميركية أن المستشارة العامة للمرحلة الانتقالية جيسيكا هيرتز، كانت أيضا مديرة في "فيسبوك"، وساعدت الشركة في تحقيق السلطات حول خصوصية البيانات وفضيحة "كامبردج أناليتكا".

وتترأس لويزا تيريل، عضوة جماعة الضغط السابقة في "فيسبوك"، العلاقات الانتقالية في الكونغرس،.كما أن أوستن لين، مدير البرامج في "فيسبوك" من 2017 إلى 2018، هو عضو في فريق مكلف بالمكتب التنفيذي للرئيس بايدن، وإرسكين بولز، الذي أمضى 8 سنوات في مجلس إدارة "فيسبوك"، يقدم المشورة للفريق الانتقالي.

"القسم 230"

تقرير صحيفة "بوليتيكو"، أبرز أن الرئيس المنتخب يحاول أن يحيط نفسه بقدامى الصناعة ونقاد التكنولوجيا في عدد من الفرق الانتقالية. 

لكن الموضوع الأكثر إثارة للجدل هو ما يسمى بقانون القسم 230 الذي يحمي الخدمات عبر الإنترنت من مسؤوليتها عن المحتوى الذي ينشره الآخرون.

هذا القانون كان هدفا لانتقادات اليسار واليمين، رغم أن ناشطين في الحقوق الرقمية حذروا من أنه أساس لحرية التعبير على الإنترنت. وقال بايدن: إنه يجب "إلغاء" القسم 230 لكنه لم يقدم تفاصيل عن أي خطة لإصلاح القانون.

يرى روبرت أتكينسون رئيس مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار أن "تعليقات بايدن هي خطابات انتخابية أكثر من أي شيء آخر" ولا يتوقع دفعة قوية لإلغاء القانون نظرا إلى أهميته الكبرى على الإنترنت.

وستواجه إدارته أيضا خيارات بشأن الخصوصية عبر الإنترنت ووصول جهات إنفاذ القانون إلى المحتوى المشفر، وهي من نقاط الخلاف الرئيسية بين واشنطن والسيليكون فالي.

وسيليكون فالي أو وادي السيليكون هي المنطقة الجنوبية من منطقة خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، وهذه المنطقة أصبحت مشهورة بسبب وجود عدد كبير من مطوري ومنتجي الشرائح أو الرقاقات السيليكونية (الدائرة المتكاملة)، وحاليا تضم جميع أعمال التقنية العالية في المنطقة، حيث أصبح اسم المنطقة مرادفا لمصطلح التقنية العالية.

وأشار مساعدو بايدن إلى دعمهم "تشريع الخصوصية على النمط الأوروبي" للتحكم في طريقة استخدام شركات التكنولوجيا البيانات الشخصية، لكن من المحتمل أن يواجهوا تحديات مع الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، وفقا لروبرت أتكينسون.

إسقاط العقوبات

يرى خبير الإعلام الجديد، هيثم سعد، أن بايدن قد يسقط العقوبات على هذه الشركات، ويمنحها هامشا أوسع من الحرية، لكن بما يخدم مصالحه. 

وأفاد سعد في حديث مع "الاستقلال"، أن الوضع بعد بايدن في البيت الأبيض سيكون مختلفا بشكل جذري، لكن ما يمكن أن نقول عنه تغييرا بسيطا هو هيمنة رأسمالية التجسس، سيقود فريق التكنولوجيا في البيت الأبيض داعمو ومؤيدو بايدن خلال حملته، والذين شاركوا فيها بتمويل كبير.

أوضح سعد أن الرئيس السابق لجوجل، إيريك شميت، من كبار ممولي حملة بايدن، ومن المنتظر أن يقود فريق التكنولوجيا في البيت الأبيض. يرأس شميت الآن لجنة في وزارة الدفاع للتواصل بين البيت الأبيض ووادي السيلكون.

وتوقع خبير الإعلام الجديد أن تتمتع هذه المواقع بحرية أكبر مع وجود ضوابط، لكن الفكرة في كيف سيستفيد بايدن وإدارته من هذه الحرية، أتوقع أنهم سيجمعون أكبر عدد من البيانات الشخصية، أتوقع تقنينا لمزيد من الاختراق لخصوصية الأفراد وتفاصيل حياتهم.

ولفت الخبير إلى أن نائبة الرئيس، كامالا هاريس، عندما كانت مدعية عامة لكاليفورنيا استأجرت شركة خاصة "بالانتير" لجمع البيانات عن المواطنين لصالح الشرطة  والمخابرات، سهم الشركة ارتفع بنسبة 30 بالمائة مباشرة بعد فوز بايدن، ومؤسسوها هم نفسهم مؤسسو شركة "كامبردج أناليتكا"، التي ارتبط اسمها بفضيحة فيسبوك في انتخابات 2016 الأميركية.

خلص هيثم سعد إلى أنه من المنطقي القول: إن اتفاقا غير معلن عُقد بين هذه الشركات وبايدن قبل الانتخابات، وهو ما جعلها تدعمه بشكل كبير وتدفع به نحو الفوز، قبل أن يستطرد: "لا دليل دامغ على ذلك، رغم أنها كانت تستهدف منافسه ترامب.