هذا السيناريو ينتظر الكاظمي إذا فشل في احتواء مليشيات إيران بالعراق

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع مركز الدراسات السياسية الدولية الإيطالي، تقريرا تناول فيه فرص رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في كسب التحدي الأمني، خاصة حماية البعثات الدبلوماسية والقوات العسكرية الأجنبية من خطر تجدد وتيرة هجمات المليشيات الموالية لإيران. 

وقال الموقع: إن ستة صواريخ سقطت في 30 سبتمبر/ أيلول 2020، على محيط قاعدة للتحالف الدولي في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، إذ تُعد هذه المرة الأولى على الإطلاق التي يتم فيها استهداف هذه القاعدة التي تعتبر عادة أكثر أمانا من غيرها من المراكز المماثلة في بقية البلاد، حيث وقع الهجوم بعد ساعات قليلة من تأكيد الكاظمي رغبته في حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية والمرافق التي تستخدمها فرقها العسكرية.

وقبل ذلك بيومين، أطلقت مليشيا شيعية صاروخين كاتيوشا على منزل في بغداد، مما أسفر عن مقتل مدنيين، وكان من المفترض أن يستهدف الهجوم القوات الأميركية في مطار قريب.

وتأتي هذه الأحداث بعد أربعة أيام من الإنذار الذي وجهه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإغلاق السفارة الأميركية ومغادرة جميع الأفراد الأميركيين العراق ما لم تضع الحكومة العراقية حدا للهجمات المستمرة على المراكز الدبلوماسية والعسكرية الأميركية.

تطورات مقلقة

وأوضح الموقع الإيطالي أن الهجمات الأخيرة تندرج ضمن  إطار أمني دقيق للعراق. ومنذ مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في غارة أميركية على مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020، اشتدت الهجمات على القواعد والمراكز الأميركية في العراق. وما حدث في الأيام الأخيرة تطور مقلق يشير إلى استئناف قوي للأعمال العدائية من المليشيات الموالية لإيران التي ترفض الوجود الأميركي في البلاد.

وأشار إلى أن "المرحلة الحالية من الضغط السياسي القوي، تفرض ضغطا على رئيس الوزراء الجديد الكاظمي، الذي يواجه سلسلة من التحديات الخطيرة داخليا وخارجيا. وفي مقدمتها، استمرار تفشي وباء كوفيد 19 والأثر الاجتماعي والاقتصادي طويل الأمد الذي سيخلفه".

ومن ضمن التحديثات أيضا، بحسب الموقع،  استمرار الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت محافظات وسط وجنوب البلاد والعاصمة، فضلا عن احتواء المليشيات الموالية لإيران، التي تعتبر الأداة الرئيسية لنفوذ طهران على الأراضي العراقية. وفيما يتعلق بالتحدي الأخير، أظهر الكاظمي عزما على استعادة الاستقرار والأمن إلى البلاد، من خلال سلسلة من المبادرات في المجال الأمني.

وفي هذا الصدد، أشار الموقع إلى أن الهدف الأول للكاظمي منذ توليه منصبه كان إعادة المليشيات الموالية لإيران إلى سيطرة الحكومة لاستعادة سيادة الدولة التي تضررت بشدة من قوة الجماعات المسلحة. لذلك أراد رئيس الوزراء الجديد أن يبعث بإشارات مهمة للانفتاح على نشطاء التعبئة الاحتجاجية، ضحايا الإستراتيجية القمعية التي نفذتها المليشيات خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة، مع وعد بمعاقبة المسؤولين عن عمليات القتل.

إضعاف الدولة

من ناحية أخرى، يضيف الموقع: "من بين الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية، الدور الاستباقي الذي لعبته هذه الجماعات في قمع المظاهرات وفي طبيعة الجهاز العسكري العراقي".

ولفت الموقع الإيطالي إلى أن سلطة صنع القرار داخل النظام السياسي في العراق يتم إضعافها من الشبكات غير الرسمية والمحسوبية التي ترتبط غالبا بمليشيات مسلحة قوية تتمتع بالشرعية ولكنها "مستقلة"، مثل الجماعات شبه العسكرية المرتبطة بالحشد الشعبي. 

ويعود تأسيس الحشد الشعبي إلى 13 يونيو/حزيران 2014، استجابة لدعوة آية الله علي السيستاني، ''للجهاد'' ضد حملة تنظيم الدولة. وفي هذا السياق، تطوع الآلاف من الشباب وأعلنت الحكومة رسميا ولادة الحشد الشعبي، الذي تشكل من مجموعات جديدة ومجموعات شبه عسكرية نشطة آنذاك ومن بينها "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله".

وتلعب هذه المليشيات اليوم دورا مركزيا في الشؤون الأمنية التي تؤثر على العراق، حيث تأسست في عام 2003، ولها صلة قوية بحزب الله اللبناني، والتي يبدو أنها تلقت منها تدريبات وتسليحا. وتعتبر أكثر المليشيات عداء لأميركا ووفاء لأيديولوجيا النظام الإيراني، كما يأتمر أعضاؤها بأوامر آية الله خامنئي ويتبعون عقيدة ولاية الفقيه.

وحزبيا، تنتمي "كتائب حزب الله" بفرعها السياسي إلى تحالف الفتح (الكتلة السياسية الشيعية بقيادة هادي العامري)، التي تعتبر من بين أكثر الأحزاب الداعية إلى الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من الأراضي العراقية.

وأشار الموقع الإيطالي إلى أن "كتائب حزب الله" ومليشيات أخرى  ساهمت في استعادة السيطرة على الأراضي العراقية من تنظيم الدولة بين أعوام 2014-2018، وتمكنت من ملء الفراغ الذي خلفه الجيش العراقي النظامي. لذلك، حاول الحشد الشعبي الاستفادة من الإجماع الشعبي الذي كسبه من الحرب ضد تنظيم الدولة، مستغلا السياسة للحصول على الشرعية من مؤسسات الدولة وهو ما سمح بأن يكون له رأي في القرارات السياسية والتطورات داخل البلاد.

توازنات دقيقة

ولفت الموقع إلى أن التوازنات الدقيقة بين مليشيات الحشد الشعبي، الأجهزة الأمنية ورئيس الوزراء تتشابك كلما دعت الحاجة إلى إجراء انتخابات أو مفاوضات لتشكيل حكومة جديدة. الكاظمي نفسه، على سبيل المثال، مدين جزئيا في تعيينه للفصائل التي تدعمها إيران بعد ممارسة ضغوط مكثفة ضد المرشح السابق المفضل لواشنطن عدنان الزرفي.

وذكر أن القائد الجديد لفيلق القدس، اللواء إسماعيل قاآني، لعب دورا مهما في إقناع الأحزاب الموالية لإيران بالموافقة على الكاظمي بعد أن لقي تعيينه في البداية معارضة شديدة من قبل مليشيات كتائب حزب الله، التي اتهمته علانية بالتورط في مقتل الزعيم السابق المهندس والجنرال سليماني.

ويبدو أن الرغبة في الانتقام لمقتل الزعيمين دفعت "كتائب حزب الله" إلى تبني إستراتيجية أكثر حزما ضد الوجود والمصالح الأميركية في البلاد في الأشهر الستة الماضية. وتؤكد ذلك الهجمات العديدة منذ منتصف سبتمبر/أيلول 2020، على مواقع وقواعد عسكرية تستضيف قوات من الولايات المتحدة ومختلف الدول المشاركة في عملية "العزم الصلب" ضد تنظيم الدولة.

وذكر الموقع أن رئيس الوزراء الجديد قام مؤخرا ببعض المناورات في محاولة لإضعاف دور المليشيات الشيعية، من بينها مبادرة 25 يونيو/ حزيران 2020، والتي أمر فيها الكاظمي جهاز مكافحة الإرهاب العراقي بإجراء عملية ضد أحد المواقع الرئيسية في بغداد لـ"كتائب حزب الله"، ما أدى إلى اعتقال 14 مقاتلا بتهمة التخطيط لهجمات في المنطقة الخضراء بالعاصمة.

لكن في 26  يونيو/حزيران 2020، حاصر 150 من رجال المليشيا مسكن الكاظمي للمطالبة بإطلاق سراح رفاقهم. وهو ما أجبر رئيس الوزراء إلى تقديم تنازلات، والسماح بنقل المقاتلين إلى مركز احتجاز يديره عضو في "كتائب حزب الله" نفسه.

رغبة إيرانية

وبهذه العملية، يبدو أن الحكومة العراقية أرادت فقط إرسال إشارة مؤقتة إلى الإدارة الأميركية بغرض تلبية المطالب الأمنية. لكن ما يحدث خلف الكواليس لم يتغير كما يظهر الهجوم الأخير في 30 سبتمبر/أيلول 2020 ضد قاعدة للتحالف الدولي في أربيل، وفق الموقع الإيطالي.

ووقع الهجوم بعد ساعات قليلة من لقاء جمع الكاظمي بـ25 دبلوماسيا أجنبيا بينهم السفير الأميركي، تناول آخر التطورات المتعلقة بأمن البعثات الدبلوماسية في العراق. وإلى الآن، تشكل فرضية انسحاب البعثات الدبلوماسية الدولية، مصدر القلق الأول للقيادة العراقية.

وعلى الرغم من تعهد الكاظمي بالسعي إلى الحوار مع إيران أيضا، إلا أن الأخيرة كررت دائما رفضها لوجود القوات الأميركية المنتشرة على الأراضي العراقية، الأمر الذي تعتبره ضارا بالأمن والاستقرار الإقليميين. 

لذلك، يرى الموقع الإيطالي أن التصعيد الأخير المستمر يستجيب لرغبة طهران في الاستمرار، من خلال المليشيات الموالية لها، في الضغط الشديد على الوحدات الأميركية داخل الأراضي العراقية بهدف تسريع فك الارتباط الأميركي في المنطقة.

وخلص الموقع إلى القول: إنه على الرغم من أن بغداد أكدت عزمها على ضمان حماية التمثيل الدبلوماسي، إلا أن الإغلاق المحتمل للسفارة الأميركية، إضافة إلى تقويضه الإطار الأمني ​​بالكامل للبلاد، سيشكل إشارة على انتهاء الدعم لرئيس الوزراء الكاظمي، مما سيتسبب في سقوط البلاد في دوامة جديدة من الأزمة المؤسسية والعنف وانعدام الأمن.