"انقلاب وشيك".. لماذا ارتفع منسوب الخطاب الطائفي في العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تصاعد منسوب الخطاب الطائفي في العراق، مؤخرا، وسط تحذير من تحركات تنذر بعودة حزب "البعث" إلى السلطة مجددا، ولكن هذه المرة عن طريق "انقلاب عسكري تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية"، حسبما يزعم أصحاب هذا الطرح.

تسعير الخطاب الطائفي ظهرت بوادره بقوة في 31 أغسطس/ آب 2020، وذلك بإحراق مقر فضائية "دجلة" في بغداد، المملوكة للسياسي السني جمال الكربولي، بدعوى أنها بثت حفلا غنائيا في "يوم 10 عاشوراء"، ذكرى استشهاد الحسين بن علي حفيد النبي محمد.

"انقلاب بعثي"

في 4 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، حذر وزير الداخلية العراقي الأسبق باقر الزبيدي، من مخطط انقلاب عسكري يعده حزب البعث المنحل، بقيادة عزت الدوري، نائب الرئيس الراحل صدام حسين، وبمساعدة شخصيات عسكرية.

وقال الزبيدي في مقال نشره على حسابه بـ"فيسبوك" بعنوان "الانقلاب العسكري القادم في العراق": إن "المؤتمرات التي تم الحشد لها من بعض الشخصيات المحسوبة على العملية السياسية بعد سنة 2003، التي هربت من البلاد، وبعثيين مقيمين في شمال الوطن ودول غربية، انتهت بقرار تفويض الجناح العسكري للبعث بعد أن فشل المشروع السياسي للحزب".

وأضاف الزبيدي الذي شغل منصب وزير الداخلية بين عامي 2005 ـ 2006: أن "التدريبات المكثفة التي يقوم بها الجناح العسكري للبعث في شمال ديالى ومثلث الموت (مكحول وخانوكة وسلسلة جبال حمرين) لها هدف واحد، وهو دعم مشروع الانقلاب العسكري الجديد".

وأوضح في مقاله الذي نشره عبر صفحته على فيسبوك، أن "ضباطا سابقين في الأجهزة القمعية، هم من وضع المخطط بالتعاون مع شخصيات عسكرية، ومقاتلين تابعين للطريقة النقشبندية برعاية عزت الدوري".

وتشهد المناطق المحصورة بين محافظات ديالى (شرقا) وكركوك وصلاح الدين (شمالا)، المعروفة بـ"مثلث الموت"، عمليات إرهابية متواصلة ضد أهداف عسكرية ومدنية، يشنها مسلحون يشتبه في أنهم من تنظيم الدولة.

الزبيدي الذي يبلغ من العمر (74 عاما) ارتبط اسمه عندما كان وزيرا للداخلية، بأعمال التعذيب التي اتصفت بوحشية غير مسبوقة من استخدام المثاقب الكهربائية وقلع العيون والحرق البشع بالأحماض الكيماوية، ضد أئمة مساجد ومواطنين من أهل السنة.

ومن أبشع الجرائم التي نفذتها مغاوير وزارة الداخلية وما يعرف بـ"فرق الموت" جرت في عهد الزبيدي، حيث اختطفت هذه التشكيلات المئات من التجار، والموظفين السنة في دوائر الدولة، ليعثر فيما بعد على جثثهم ممزقة بالرصاص.

ويحتوي ملف الزبيدي "الإجرامي" على فضائع معتقل "ملجأ الجادرية" ببغداد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، والذي كشفت عنه القوات الأميركية، حيث كان يضم نحو 170 معتقلا من أهل السنة، جرى تعذيبهم بأبشع أنواع الطرق.

"جيش المهدي"

على الوتيرة ذاتها، أطلق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في 6 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، تغريدة على "تويتر" هدد فيها بردع أصحاب الميول "الداعشية" و"البعثية"، وذلك عقب ترديد عدد من الزائرين في مدينة كربلاء شعارات هاجمت من خذل "ثورة تشرين".

وقال الصدر: إنه "عمد بعض المندسين ما بين صفوف ما يسمى (بثورة تشرين) ممن لهم أفكار منحرفة أو ميولات داعشية أو بعثية وبمعية بعض المخربين من هنا وهناك، إلى استغلال المناسبات الدينية في كربلاء وتجييرها لمصالحهم الضيقة ولأفكارهم المنحرفة بل ولعلها معادية للدين والوطن".

وطالب "القوات الأمنية بحماية المقدسات، فهي بداية فتنة يخططون لها بدعم خارجي مشبوه، وعلى باقي الثوار الصالحين التبرؤ منهم". وتابع، قائلا: "إذا لم يتحقق الأمران فإنني مضطر للتدخل بطريقتي الخاصة والعلنية".

ودعا الصدر "جميع المؤمنين ومحبي أهل البيت التأهب وانتظار الأوامر والتحلي بالصبر والحكمة لحين تبين الأمر"، مضيفا: "لعل التشرينيين لا يستطيعون التظاهر مستقبلا إذا لم يتبرؤوا رسميا من تلك الجريمة الوقحة، فالكل سيتبرأ منهم".  

ناشطون على مواقع التواصل، اعتبروا تهديدات الصدر بأنها تلويح بإنهاء مليشيات "جيش المهدي" التي أسسها زعيم التيار الصدري أواخر عام 2003، والتي كانت عنوانا للحرب الطائفية في العراق عام 2006- 2008.

ويتهم "جيش المهدي" بارتكاب جرائم خطف وقتل الآلاف من أهل السنة، فضلا عن حرق وهدم المئات من مساجدهم في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، وتهجيرهم من مناطق سكناهم.

وتداول رواد "تويتر" مقاطع فيديو تظهر عناصر من "جيش المهدي" (سرايا السلام حاليا) يبدون استعدادهم لتلبية أوامر مقتدى الصدر، في مقاتلة من أطلق عليهم أصحاب الميول "البعثية" و"الداعشية".

وعلى إثر ذلك، أطلق ناشطون على موقع "تويتر" هاشتاج بعنوان #مقتدى_العار_يهدد_الثوار، استذكروا فيه ما فعله "جيش المهدي" من جرائم، ولا سيما في عام 2007 حينما استغل احتشاد الزائرين إلى كربلاء وقصفهم بالهاونات.

وكتب الإعلامي العراقي ستيفن نبيل على حسابه في "تويتر" أنه في 27 أغسطس/آب 2007، وقع 50 قتيلا و 200 جريح في مواجهات أثناء الزيارة بين جيش المهدي والقوات الأمنية، استخدام الرشاشات المسلحة وقذائف (آر بي جي) وحرق فندق للزائرين وإطلاق النار على حافلات تنقل الزوار وهلع المواطنين الذين اضطروا للاحتماء في داخل المراقد".

دوافع انتخابية

وتفسيرا لما تقدم من خطاب وحديث يهدف إلى إثارة النعرات الطائفية، قال الباحث في الشأن العراقي لطيف المهداوي في حديث لـ"الاستقلال": إن "القوى الشيعية لا منفذ لها للعودة إلى الساحة إلا بهذه الملفات البائسة، وإثارة الطائفية".

وأضاف: "نلاحظ أن كل القوى الشيعية التقليدية التي خرجت بعد عام 2003، تقف مع بعضها البعض، لأن الخطر يهدد وجودهم، لذا فهم مرعوبون من الانتخابات المبكرة المقبلة التي لو جرت بشكل نزيه ومراقبة دولية، فإنهم بالتأكيد لن يحصلوا على نتائج مشجعة".

وتهكم المهداوي من إثارة موضوع "الانقلاب العسكري" الذي تحدث عنه وزير الداخلية الأسبق، بالقول: "أين حزب البعث بعد كل هذه السنوات؟ وما الذي دفع الزبيدي إلى تضخيمهم إلى هذا الحد؟ لا تفسير لحديثه سوى أنه يسعى إلى حشد الشارع الشيعي وتحفيز ذاكرتهم ضد البعث، وذلك لإعادة انتخاب الأحزاب الطائفية".

وحدد رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، يوم السادس من حزيران/ يونيو من العام المقبل 2021 موعدا لإجراء الانتخابات العامة البرلمانية المبكرة في العراق، بحضور مراقبين دوليين.

وفي السياق ذاته، قال عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي: إن "السياسيين الذين مسكوا السلطة بعد عام 2003، لم يقدموا شيئا للشارع العراقي بمختلف مكوناته طيلة 17 عاما، ففي بداية الأمر كان السنة ناقمين على الحكومة لأسباب كثيرة، ثم تململ الأكراد منهم، واليوم الشارع الشيعي هو من ينقم عليهم".

وأردف: "ليس لديهم ما يروجون له في السباق الانتخابي المقبل سوى موضوع حزب البعث، لذلك أعتقد أن الزبيدي يتكلم من نسج الخيال، ويعمل على دعاية انتخابية سابقة لأوانها؛ لعدم وجود إنجازات حقيقية تدعم هذا الحزب أو ذاك".

ولفت النائب إلى أن "الزبيدي يعتقد أنه يحشد الشارع الشيعي لانتخاب الأحزاب الشيعية التقليدية، لكن شارع الشيعة اليوم هو من كشف عدم قدرة هذه الأحزاب على إدارة السلطة منذ عام 2003، ويعلم أيضا أنها لم تقدم له شيئا سوى التحدث عن المؤامرات والانقلابات".

وفيما إذا كان البعثيون قادرين على تنفيذ انقلاب أم لا؟، رأى الدهلكي أن "17 عاما مدة كافية لانتهاء هذا الحزب وضباطه، لأن من كان منهم عمره 40 عاما في 2003، اليوم اقترب من عتبة الـ60. وإذا كانت هناك حركة بعثية حقيقية، فمن الغريب تخوف حكومة عمرها 17 من هذه التحركات".

وفي وقت سابق، رصدت القوات المسلحة الأميركية 10 ملايين دولار لمن يتقدم بأي معلومات تقود إلى قتل أو اعتقال "الدوري" الذي اختفى طوال الفترة الماضية، إذ يوجد اسم الرجل الثاني أيام "صدام حسين"، على قائمة الولايات المتحدة لشخصيات النظام السابق المطلوبين.

وكان آخر ظهور لـ"الدوري" في أبريل/نيسان 2019، عندما ألقى كلمة عبر فيديو، قدم فيها اعتذارا إلى الكويت جراء غزو 1990، وأكد أنها لم تكن جزءا من العراق.‎