معلقة منذ 30 عاما.. هل تعيد "رحمة لحمر" عقوبة الإعدام إلى تونس؟

12

طباعة

مشاركة

اهتزت تونس على خبر مقتل الفتاة رحمة لحمر، وهي شابة في مقتبل العمر لم تتجاوز 29 ربيعا، على يد أحد المجرمين من أصحاب السوابق الذي قتلها خنقا وسلب هاتفها الجوال قبل أن يلقي بجثتها في أحد المصارف، ليتم اكتشافها متحللة بعد 3 أيام على الحادثة.

الحادثة فتحت حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بتطبيق عقوبة الإعدام المعلقة في تونس منذ نحو 30 عاما، ووصلت المطالبات لنزول العشرات أمام القصر الرئاسي لمطالبة رئيس الجمهورية بإنفاذ هذه العقوبة.

لكن هذه الحملة قوبلت بحملة معاكسة، رافضة لتطبيق لعقوبة الإعدام وداعية لإيجاد عقوبات أخرى بحجم الجرائم المرتكبة دون سلب الحق في الحياة.

هذه الحملة وجدت مناصرة كبيرة من قبل حقوقيين في تونس، ومنظمات حقوقية محلية ودولية على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الحائزة على جائزة نوبل للسلام في العام 2015، ومنظمة العفو الدولية التي طالبت رئاسة الجمهورية بالتأكيد على التزام تونس برفض تنفيذ عقوبة الإعدام.

جرائم متعددة

تواتر حوادث القتل والاغتصاب في تونس، خلال الأشهر الماضية ما جعل التونسيين يعيشون صدمات متتالية نتيجة هذه الجرائم، الذي دفع نشطاء مرارا  إلى التحرك وإطلاق حملات "طبق حكم الإعدام".

قبل أسابيع من قتل رحمة لحمر، تناقلت وسائل الإعلام المحلية خبر تعرض امرأة مسنة تبلغ من العمر 98 عاما، إلى الاغتصاب من طرف مجهول اقتحم منزلها الكائن بأحد أحياء مدينة القيروان (وسط تونس)، بعد أن قام بتعنيفها مما تسبب لها في أضرار جسدية ونفسية صعبة.

هذه الحوادث تؤكدها أرقام مفزعة صادرة عن جهات رسمية، حيث كشفت إحصائيات صادرة عن الطب الشرعي في مستشفى شارل نيكول بتونس العاصمة سنة 2019، عن وقوع 800 حالة اغتصاب سنويا، أي بمعدل 3 حالات اغتصاب يوميا، 65 %من الضحايا من فئة الأطفال لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، منهم 80 % منهم إناث، كما تنظر محاكم تونس شهريا 16 قضية اغتصاب، وسنويا قرابة 174 قضية.

أورد التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول ظاهرة العنف في تونس خلال سنة 2019 تصدر العنف الإجرامي أشكال العنف المسجلة بنسبة 36.39%.

وأكد التقرير تنامي ظاهرة العنف الإجرامي في تونس بمختلف أشكاله (قطع الطريق، السرقات، الاغتصاب، القتل… إلخ) لتبلغ 93% من مجموع القضايا المسجلة سنة 2018 منها 36.4 % تعلقت بجرائم العنف الشديد والخفيف.

القانون المعطل

منذ نحو 30 عاما، اختارت تونس، موقفا وسطا من عقوبة الإعدام، بتعليق تنفيذها مع الإبقاء على النص القانوني واستمرار المحاكم بإصدار أحكام بالإعدام.

وساهمت موجة الانخراط في الاتفاقيات الدولية بعد الثورة في تعزيز خيار تعليق تنفيذ العقوبة، بالتزامن مع استمرار مطالبة المجتمع الحقوقي بإلغائها من النصوص القانونية. 

آخر حكم بالإعدام ينفذ في تونس كان يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1991 بحق المتهم الناصر الدامرجي المعروف بـ"سفاح نابل" والذي ارتكب سلسلة من جرائم القتل والاغتصاب لـ 14 طفلا، لتجمّد بعدها تنفيذ عقوبة الإعدام، فيما واصلت المحاكم إصدار أحكام الإعدام رغم عدم تنفيذها، لتبقى مجرد حبر على ورق  باعتبارها لم تر طريقها إلى التنفيذ.

وبعد الثورة، شهدت التشريعات التونسية تعديلا لصالح الحد من الجرائم المؤدية لعقوبة الإعدام، فتم التنصيص عام 2011 على إحالة كل أحكام الإعدام في الجرائم العسكرية لرئيس الجمهورية لممارسة العفو بعد تنقيح مجلة (قانون) المرافعات والعقوبات العسكرية، كما صوتت تونس عام 2012 لصالح  قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن وقف عقوبة الإعدام.

كما تم المصادقة في مجلس نواب الشعب (البرلمان) على إلغاء عقوبة الإعدام عام 2017 في جريمة الاغتصاب باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به وتعويضها بعقوبة السجن مدى الحياة في إطار قانون القضاء على العنف ضد المرأة.

لكن دستور 26 يناير /كانون الثاني 2014، لم يلغ عقوبة الإعدام، حين اتفقت الكتل النيابية في المجلس الوطني التأسيسي على دسترة قدسية الحق في الحياة مع إمكانية المساس به "في حالات قصوى يضبطها القانون" أي جواز الإعدام.

ولا تزال هذه العقوبة منصوصا عليها، للتذكير، في المجلة الجزائية في جرائم عدة من بينها ما يهم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي إضافة لجريمة القتل العمد، والحريق المتعمد المتسبب في الموت، كما وردت في عدة جرائم في مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية.

جدل مفتوح 

في كل مناسبة يكون المجتمع التونسي شاهدا على جرائم بشعة ترتفع أصوات جزء كبير منه داعيا لتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الجناة، مستندين في ذلك على حجة أنها عقوبة رادعة، قد تدفع في حالة تنفيذها كل من ينوي ارتكاب جريمة مماثلة إلى الخوف والتراجع عنها.

الرئيس قيس سعيّد أكد على موقفه السابق والذي أعلن عنه خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية خريف 2019 عن رفضه لإلغاء عقوبة الإعدام، وقال الرئيس خلال اجتماع أمني مساء 29 أيلول/سبتمبر 2020: "من قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام".

وتابع سعيّد: "تُوَفَّر له (المتهم) كل ظروف الدفاع عن النفس، وإذا ثبت أنه ارتكب قتل نفس أو أكثر فلا أعتقد أن الحل هو كما يدعي البعض عدم تنفيذ عقوبة الإعدام".

وأضاف في مستهل الاجتماع: "لكل مجتمع خياراته ولنا خياراتنا ومبادؤنا والنص موجود" في إشارة إلى الفصل السابع من المجلة الجزائية والتي ينص فيها على أن "ينفذ حكم الإعدام شنقا".

وتابع سعيد: "إذا كان هناك عفو فلمن يستحقه لا لمن أجرم مرتين، ويبدو أن القاتل الذي قبض عليه قتل في السابق وتمتع بعفو سابق".

في المقابل قالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية تعقيبا على هذا التصريح للرئيس: "إعلان الرئيس المؤيد لعقوبة الإعدام أمر يثير الصدمة، ويتناقض مع الممارسة الراسخة منذ عقود وهي عدم تنفيذ عمليات الإعدام، فالرئيس سعيّد هو أول رئيس يعلن عن نواياه لتنفيذ أحكام الإعدام في تونس".

وأضافت في بيان نشره موقع المنظمة يوم 29 أيلول /سبتمبر 2020: "استئناف تنفيذ عمليات الإعدام سيكون صفعة في وجه كل التقدم في مجال حقوق الإنسان الذي حققته البلاد حتى الآن. نحث الرئيس التونسي على التراجع فورا عن إعلانه المثير للقلق، والذي من شأنه أن يعيد سجل تونس في مجال حقوق الإنسان إلى الوراء بدلا من التقدم. كما ندعو الحكومة أيضا إلى فرض حظر رسمي على تنفيذ أحكام الإعدام فورا بهدف إلغاء عقوبة الإعدام".

كما أشارت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان لها إلى أن " عقوبة الإعدام لا تردع ولا تحد من تفشي الجريمة"، مؤكدة التزامها بالنضال ضد العنف عامة والنضال ضد العنف المسلط على النساء باعتباره انتهاكا لكرامتهن ومن أسباب موتهن.

وبينت رابطة حقوق الإنسان أنها تتابع وتيرة موجة العنف والتطرف التي تشق المجتمع التونسي معربة عن استنكارها هذه الجرائم ووقوفها المبدئي والمساند للضحايا وعائلاتهم.

وبعد أن جددت مطالبتها بإلغاء عقوبة الإعدام شددت الرابطة على مواصلة التزامها بإلغاء عقوبة الإعدام نظرا إلى أنها عقوبة "لا تحد من انتشار الجريمة، بل ما يحد منها هو التزام الدولة بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لجميع فئات الشعب"، معتبرة أن "الإعدام يمس من الحق في الحياة وهو في آخر المطاف جريمة قتل تقترف باسم الشعب والدولة".