خطاب متغير.. هكذا يستخدم داود أوغلو الإيجور كورقة سياسية ضد أردوغان
يسهل وجود الأحزاب السياسية في المعارضة من انتقاد كل عمل تقوم به الحكومة، والتعبير بسهولة عن الأخطاء المرتكبة، وهي ثقافة معروفة في دولة مثل تركيا.
وعن هذا تقول صحيفة إندبندنت - النسخة التركية: إن ثقافة النقد ومعارضة أخطاء الحكومة إن وجدت، لا غنى عنها للديمقراطيات، ولا ينبغي انتقاد الأحزاب بقسوة والتي من واجبها أن تعارض.
ومع ذلك، فإنه لا يمكننا في وضع تركيا الحالي معرفة مدى صدق الانتقادات إن كانت تطلق لأنهم يعتقدون ذلك حقا أو لتحقيق مكاسب سياسية.
من ناحية أخرى، ونظرا لأن الحزب الحاكم في الموضع التنفيذي، يمكن بسهولة تحديد السياسات غير المتسقة أو المناهج الشعبوية ـ إن وجدت ـ ومهاجمتها بسهولة من قبل كل من المجتمع والمعارضة.
خطاب متغير
ويرى الكاتب التركي نور الدين أكتشاي في مقال له بالصحيفة أن هناك من بين قادة الأحزاب السياسية الحالية من اتخذ صفه بين صفوف المعارضة مع أنه كان في الموضع التنفيذي سابقا.
فزعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، وزعيم حزب الدواء علي باباجان وزعيمة الحزب الصالح ميرال أكشنار هم ممن عملوا كوزراء في الحكومات السابقة.
وأضاف: "أحمد داود أوغلو أحد هؤلاء القادة الثلاثة يقف أمامنا بمظهر مختلف تماما، فهو لديه تناقضات خطيرة بين ما فعله في الماضي وما يقوله الآن، يتجاهل للأسف تصريحاته السابقة حول عدة قضايا ويحاول الآن رسم صورة مختلفة أمام المجتمع".
ونوه قائلا: "إذا كنتم تتابعوا داود أوغلو، فيمكنكم أن تلاحظوا بسهولة خطابه المتغير، الذي يحاول عبره، التقليل من حزب العدالة والتنمية بقوة".
فقد طرح قضية الإيجور في مؤتمر أرداهان لحزبه ومؤتمر قيصرية وحتى في افتتاح مبنى في قونية وانتقد صمت حزب العدالة والتنمية، حتى أنه في بعض الأحيان تحدث بقسوة لدرجة أنه اتهم الحزب الحاكم بالخيانة في هذه القضية.
وأكمل: "ليس داود أوغلو فقط، فالصحافة والأكاديميون المقربون منه يعملون باستمرار على هذه القضية ويكتبون مقالات حول الموضوع كل يوم تقريبا".
وأشار الكاتب إلى أن أوغلو يقول الحقيقة، ولكن المشكلة تكمن في اختلاف الخطاب الذي تغير بمرور الوقت.
تدخلات داود أوغلو
واعتبر أكتشاي أن داود أوغلو كان له نفس الموقف في قضية الإيجور التي ينتقدها في حزب العدالة والتنمية اليوم.
ففي يونيو/حزيران 2009 كان عبد الله جول الرئيس التركي السابق، يزور الصين بوفد كبير وقد عقد اجتماعات إيجابية للغاية. وبعد أسبوع من عودته إلى تركيا وقعت أحداث وحوادث واسعة النطاق في منطقة الإيجور المتمتعة بالحكم الذاتي. ووفقا للحكومة الصينية فقد خسر 184 شخصا حياته.
وأضاف: فيما بعد قامت جميع السلطات الرسمية في تركيا برد فعل قاس تجاه السلطات الصينية وانتقدتها بشدة.
وبينما كانت تصريحات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أقوى رد فعل ضد الصين، حيث وصف الأحداث بأنها "وحشية وإبادة جماعية"، أدلى وزير خارجيته في تلك الفترة داود أوغلو ببيان قال فيه: "إننا نتابع التطورات بقلق وحزن".
وكانت النتيجة كما يقول الكاتب أن وصلت العلاقات بين البلدين إلى نقطة الانهيار، خاصة بعد رد فعل أردوغان. لكن العلاقات التي تدهورت بدأت تلين من جديد بعد تدخل من وزير الخارجية أحمد داود أوغلو.
وبحسب الكاتب فقد كان داود أوغلو الذي ينتقد صمت حزب العدالة والتنمية اليوم يحاول إصلاح العلاقات التي نجمت عن التصريحات القاسية في تلك الأيام.
ولتحسين العلاقة بين الطرفين فقد أجرى داود أوغلو العديد من المكالمات الهاتفية مع وزير الخارجية الصيني يانغ جيتشي واستخدم كلمات تتعارض مع التصريحات التي أدلى بها اليوم.
ففي إحدى هذه المقابلات، قال داود أوغلو لنظيره: "لن نسمح لأي شخص القيام بأنشطة من شأنها الإضرار بالسيادة الصينية على الأراضي التركية".
وتابع الكاتب: ونتيجة للجهود المكثفة التي بذلها وزير الخارجية داود أوغلو حيث كان يحاول إقناع الجانب الصيني، أعاد البلدان الاتصالات الحميمة وقام مسؤولو البلدين بزيارات متبادلة متكررة.
وأشار الكاتب إلى أنه في سبتمبر/أيلول 2009 تعهد ظفر جالايان والذي زار بكين كمبعوث خاص لرئيس الوزراء التركي، خلال لقائه رئيس الوزراء الصيني وين جياباو بأن "سياسة الحكومة التركية عقدت العزم على أن تتبع سياسة "صين واحدة" وتعترف بأن ممثل الشعب الصيني قانونيا هي جمهورية الصين الشعبية وحدها.
وأضاف أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2010 زار رئيس الوزراء الصيني وين جياباو تركيا وتم تحسين العلاقات مع مستوى الشراكة الإستراتيجية، وتوقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين.
وتابع قائلا: بينما تم التعهد بإنشاء آلية مشتركة لمكافحة الإرهاب خلال هذه الزيارة، فقد تضمنت التزامات الاتفاقية مادة على النحو التالي: "قمع الأنشطة الإرهابية العنصرية المناهضة للصين في تركيا". وبعد هذه الزيارة، كان داود أوغلو يزور الصين بدعوة من وزير الخارجية جيتشي ويزور بعض المناطق بما في ذلك أورومتشي.
واستطرد الكاتب قائلا: جهود داود أوغلو في إصلاح العلاقات التي بدأت في التوتر في عام 2009 بسبب خطاب رئيس الوزراء أردوغان المتشدد، أثمرت وبدأت العلاقات الصينية التركية ترقى إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية. وهكذا فإن الصمت الذي ينتقده اليوم يعود جذوره إلى ذلك الوقت.
استغلال القضية
ويرى أكتشاي أن موقف الرئيس أردوغان بعد أحداث أورومتشي عام 2009 وموقف داود أوغلو مسألة تحتاج إلى دراسة متأنية. كما أن استخدام الأخير وفريقه لهذه القضية اليوم قضية تحتاج إلى التساؤل.
فالعلاقات التي تدهورت في ذلك الوقت بسبب انتقادات أردوغان القاسية قد تحسنت بفضل جهود داود أوغلو. فالذي يقول اليوم: "لماذا تبقى الدولة صامتة في قضية الإيجور" أصلح العلاقات التركية الصينية التي فسدت بسبب الانتقادات القاسية.
ويتساءل الكاتب: لماذا يتصرف داود أوغلو وفريقه على هذا النحو اليوم؟ لماذا يتعاملون باستمرار مع هذا الموضوع ويتصرفون بشكل مختلف عما كانوا عليه في الماضي؟
ويشرح قائلا: كما أشرت أعلاه، فإن قضية الإيجور هي موضوع يتم متابعته عن قرب ويعطى أهمية بين الجماعات المحافظة والقومية. وتتمتع هذه المشكلة بإمكانية تصويت معينة ومن السهل جدا على أي شخص يركز على هذا الموضوع، الحصول على ردود سريعة من هذين الطرفين.
ويختتم الكاتب بالإشارة إلى أنه يمكن لداود أوغلو تحويل هذه القضية إلى ريع سياسي اليوم، والتي تتعلق بمكان مثل الصين والتي لا يتابعها الناس عن قرب، وبالتالي، فمن الطبيعي أن تناقضاته لن تظهر بسهولة.
ويضيف قائلا: "لكن بعد نظر دقيق يمكننا أن نرى بسهولة أن السبب في الوضع الحالي بما في ذلك القرارات التي تمنع مظاهرة الإيجور في تركيا والصمت الذي ينتقده داود أوغلو يرجع إلى المعاهدات التي وقعها هو نفسه وإلى ما قاله حينها".