لهذه الأسباب على إيطاليا ألا تقف ضد تركيا في صراعها مع اليونان
نشر موقع مركز الدراسات الجيوسياسية والعلاقات الدولية الإيطالي، مقال رأي تحدث فيه الكاتب "أندريا فولبي"، عن أهمية الاستقرار في البحر المتوسط بالنسبة للمصالح الإيطالية في ظل تصاعد التوتر بين اليونان وتركيا، وضرورة التوصل إلى تسوية سلمية لهذا النزاع مع أنقرة.
يرى الكاتب الإيطالي أن التصعيد الأخير للتوترات بين اليونان وتركيا بشأن السيطرة على بعض المناطق المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط، بات مثيرا لقلق المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة.
وفي نفس الوقت، لفتت هذه الخلافات انتباه الحكومة الإيطالية إلى "إحدى أكثر المسائل حساسية في السياسة الدولية لبلادنا وهي استقرار البحر الأبيض المتوسط''، يقول الكاتب.
صراعات وتحالفات
وذكر "فولبي" بأن هذه ليست المرة الأولى التي يتنازع فيها اليونانيون والأتراك حول السيطرة على أجزاء من شرق البحر الأبيض المتوسط.
ويتعلق النزاع الأكثر أهمية وطويل الأمد بجزيرة قبرص، وهي منطقة لا تزال مقسمة بين جمهورية قبرص، ذات النفوذ اليوناني والمعترف بها دوليا، وجمهورية شمال قبرص التركية، التي تعترف بها تركيا فقط.
وأكد الكاتب الإيطالي أن اعتراف تركيا بوجود دولة غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي يخلق صعوبات كبيرة في حل النزاعات القانونية حول قضية حساسة مثل استغلال المواد الخام في المنطقة.
وتاريخيا، تعد القضايا المتعلقة بالسيطرة على موارد الطاقة في المنطقة في طليعة الخلافات بين القوتين، كما حدث أيضا خلال النزاعات الأخيرة.
وعرج الكاتب على الاصطدام الذي وقع في 12 آب/أغسطس 2020 بين سفينة استطلاع تركية وسفينة حربية يونانية في مياه متنازع عليها بين البلدين. وكانت السفينة التركية ترافق ''أوروتش رئيس''، وهي سفينة استكشاف كبيرة تجري عمليات تنقيب عن حقول النفط والغاز الطبيعي.
واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحادث بأنه استفزاز غير مقبول من قبل أثينا، التي تتهم الأتراك من جانبها باتباع سياسة التوسع الإقليمي في البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من محاولة الوساطة من جانب ألمانيا، فإن اليونانيين والأتراك ما زالوا متمسكين في الوقت الحالي بمواقفهم، ويبدو أنهم غير راغبين في الجلوس إلى طاولة المفاوضات لتسوية النزاعات القائمة.
وأشار الكاتب إلى أن فرنسا، القوة المتوسطية المعارضة لتركيا، تقود تحالفا سياسيا وعسكريا يضم اليونان وإسرائيل ومصر وقبرص ضد أنقرة.
ويُعد الفرنسيون من المؤيدين تاريخيا لليونانيين في الخلاف مع تركيا بشأن استغلال الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.
وتفاقمت النزاعات بين باريس وأنقرة بسبب الصراع في سوريا والحرب في ليبيا، حيث يصطف البلدان على جبهات متعارضة، فبينما اختارت فرنسا دعم الجنرال الليبي المنقلب خليفة حفتر، أرسلت تركيا جنودا وأسلحة لمساعدة فايز السراج، رئيس الحكومة الوحيدة التي تعترف بها الأمم المتحدة.
في هذا السيناريو، اتجاه التوترات بين الفرنسيين والأتراك نحو نزاع مسلح هو فرضية لا يمكن استبعادها على الإطلاق، رغم أنها لا تزال بعيدة، وفق الكاتب.
التناقض الإيطالي
واعتبر "فولبي" أن موقف بلاده معقد إلى حد ما في هذه الحالة، بعد أن أثارت من ناحية، رياح الحرب الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط خوف شرائح كبيرة من الرأي العام الإيطالي من فزاعة تركيا وخطر "ليبيا جديدة".
وأشار من ناحية أخرى إلى أن رغبة فرنسا الشديدة في شن حرب على نظام القذافي في عام 2011، تسبب في تداعيات وخيمة على إيطاليا من الناحية الاقتصادية وإدارة تدفقات الهجرة. لذلك، حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي اجتاحت في ذلك الوقت منطقة حاسمة من البحر الأبيض المتوسط، تقود اليوم الحكومة الإيطالية إلى تأملات عميقة.
وحذر الكاتب قائلا: إنه ''على الرغم من أن فرنسا شكلت نقطة مرجعية مهمة لسياستنا الخارجية منذ زمن بعيد، إلا أن اتخاذ موقف علني ضد تركيا قد يمثل خطأ إستراتيجيا كبيرا".
ويشرح ذلك بأن "تركيا بالإضافة إلى كونها حاجزا أمام ظاهرة الهجرة الجماعية غير النظامية، تمثل شريكا تجاريا مهما للغاية لإيطاليا".
ويتحرك التعاون الاقتصادي الإيطالي التركي عبر خمسة خطوط رئيسية، أولا، وجود مجموعات كبيرة من الصناعات التحويلية بوحدات إنتاج في التجمعات الصناعية التركية الرئيسية، وأيضا نشاط المجموعات الإيطالية في إنتاج ومشاريع الطاقة، بالإضافة إلى الدور المهم للبنوك الإيطالية، فضلا عن المشاركة في تطوير البنية التحتية للبلاد وأخيرا التعاون في قطاع الدفاع.
ويرى الكاتب الإيطالي أن هذه الاعتبارات، قادت إيطاليا إلى تبني موقف متناقض فيما يتعلق بالتوترات المستمرة.
فبعد أن توصلت حكومة جوزيبي كونتي مؤخرا إلى اتفاق مع تركيا بشأن الدعم المشترك لرئيس الوزراء فايز السراج في ليبيا، وهو اتفاق يتضمن الضوء الأخضر من أردوغان لسفن شركة إيني الإيطالية، لإجراء عمليات استكشاف في المنطقة المحددة بموجب مذكرة التفاهم التي وقعتها أنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 مع طرابلس.
لكن إيطاليا قررت من ناحية أخرى، في 26 آب/أغسطس 2020، المشاركة مع فرنسا واليونان وقبرص في التدريبات المشتركة للقوات المسلحة في مياه جنوب قبرص.
وتهدف المبادرة العسكرية، كما أعلن وزير الدفاع اليوناني "باناجيوتوبولوس"، إلى إظهار التزام الدول المتوسطية الأوروبية الأربع بسيادة القانون في سياق سياسة تهدئة التوترات.
وختم الكاتب بالقول: إن البحر الأبيض المتوسط، لأسباب يسهل فهمها، يمثل منطقة حاسمة لمصالح إيطاليا الاقتصادية والجيوسياسية.
ويعني الدفاع عن هذه المصالح، اتباع سياسات تهدف إلى إحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
وعلى الرغم من التوترات الأخيرة، تظل تركيا شريكا مهما للدول الغربية، كعضو في الناتو والاتحاد الجمركي الأوروبي. ولهذه الأسباب، تعتبر التسوية السلمية للنزاعات بين أثينا وأنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، أمرا مرغوبا فيه بشدة.