لوسيا هيريارت.. زوجة بينوشيه التي دفعته للانقلاب فقتل التشيليين
لوسيا هيريارت أرملة الديكتاتور التشيلي السابق، هي آخر شخصية اختتمت بها صحيفة "لوتون" السويسرية ملفها الذي خصصته لعدد من زوجات الزعماء المستبدين حول العالم.
تضمن الملف، أسماء زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وشانتال بيا سيدة الكاميرون الأولى، وبينج لي وان، حرم رئيس جمهورية الصين الشعبية ومهريبان علييفا السيدة الأولى في أذربيجان.
وقالت الصحيفة الناطقة بالفرنسية: إن هيريات دفعت زوجها الديكتاتور أوجستو بينوشيه إلى المشاركة في الانقلاب، كما ألهمته ليكون أكثر طموحا طوال حياته المهنية.
وأضافت: "في عام 1943، عندما تزوجت من أوجستو بينوشيه، الذي كانت تعرفه منذ خمس سنوات، لم تكن لوسيا هيريارت تبلغ من العمر 21 عاما، لكن لم تتخل أبدا عن التفكير بصورة واضحة".
وأوضحت أن أوجستو، الجندي النظامي، لم ينل رضى عائلة زوجته المستقبلية الثرية، حيث كانوا يعتبرونه أقل من فئتهم، لكن لوسيا هيريارت دي بينوشيه، تجاهلت آراء والديها المسبقة، ورأت في هذا الرجل إمكانات كبيرة.
وذكرت أن رأيها فيه لم يجعلها بالضرورة تعيش سعيدة داخل زواج متناغم، فالاتحاد مع ذلك الشخص الذي كان يطلق عليه في الأوقات الصعبة "ميليكو دي ميريدا" (الجندي القذر) لم يكن هادئا، على الأقل في رأي زوجها الذي ضاعف غزواته.
وأشارت إلى أن ديكتاتور تشيلي تمركز في كيتو ببداية حياته المهنية، وتخلى عن عائلته، في حين اعتنت زوجته بأطفالهم الخمسة (ثلاث فتيات وصبيان) وسط فقر نسبي لم تكن معتادة عليه.
وفي ظل التجاهل، انتهى بها الأمر إلى التهديد بمغادرته (لم يُسمح بالطلاق حتى عام 2004)، وكان عليها الانتظار ثلاثة عقود حتى تصل عائلتها إلى السلطة.
في الظل
وقالت لصحيفة نيويوركر في عام 1998: "أخبرني زوجي أنه يمكن أن يكون عقيدا، أي شيء فوق ذلك سيكون نتيجة بعض الحظ، أصبح جنرالا لأسباب سياسية، لكنني أعتقد أن العناية الإلهية هي التي جعلته رئيسا".
بـ"مساعدة من الله أم لا"، تكتب "لوتون"، لعبت "لوسي"، كما يناديها المقربون منها، دورها أيضا في ذلك الأمر، من خلال دفعه لمزيد من الطموح.
ثم كانت هي من شجعه على المشاركة في الإطاحة بسلفادور اليندي، رئيس الجمهورية، منذ 1970 وحتى 1973 عند مقتله في الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكمه والذي خططت له ونفذته وكالة المخابرات المركزية الأميركية بقيادة الجنرال أوجستو.
ونوهت الصحيفة السويسرية بأن الزوج اعترف بنفسه في سيرته الذاتية بذلك قائلا: في سبتمبر/ أيلول 1973، بينما كان الانقلاب يتم الإعداد له وهو متردد، أحضرته أمام غرفة أحفاده النائمين، محذرة إياه من أن المماطلة ستجعلهم عبيدا للشيوعية.
ويؤكد أن هذا التحذير كان الدفعة التي احتاجها لإقناعه بالمشاركة في الإطاحة بالرئيس الاشتراكي سلفادور اليندي، وأعقب ذلك واحدة من أكثر الديكتاتوريات وحشية وقتلا في أميركا اللاتينية، استمرت حتى عام 1990.
دور خفي
وبحسب "لوتون" فإنه على الرغم من دورها في استيلاء أوجستو على السلطة، ومن ثم قيادته البلاد، فإن لوسيا هيريارت ليست معروفة جيدا لدى التشيليين.
ففي الواقع، قبل عام 2013 ونشر كتاب دونا لوسيا: السيرة الذاتية غير المصرح بها (Doña Lucía, la biografía no autorizada)، لم يكن الكثيرون على علم بالدور الذي لعبته السيدة الأولى السابقة.
ولفتت إلى أن الصحافية أليخاندرا ماتوس، كشفت في هذا الكتاب الأكثر مبيعا، عن تأثير هذه السيدة على حياة زوجها الطموح الذي تدفعه للتطور.
وفقا لمن قالت: "إنها تحدثت ستين مرة مع لوسيا هيريارت: بعيدا عن كونها المرأة الوحيدة وراء الديكتاتور، لديها رؤية للبلاد، كانت تسعى جاهدة لإقامتها من خلال CEMA Chile، منظمة للمرأة التشيلية".
فهذه المؤسسة التي تم إنشاؤها عام 1954 من أجل توفير الرفاه المادي والروحي للمرأة التشيلية، اهتمت بالأعمال الخيرية للسيدات الأوائل في تشيلي وقدمت عروضا لتدريب النساء، في جميع الأدوار التي يمكن تكليفهن بها.
وبعد سنوات من رئاستها لها، وبالتحديد عام 2016، اتهمت لوسيا هيريارت باستخدام المؤسسة في اختلاس أموال لعائلتها، وبلعب دور في قضية فساد تخص زوجها.
ويقال إنها كانت على علاقة خاصة، دون علم زوجها، برئيس الشرطة السرية، العقيد مانويل كونتريراس سيبولفيدا، الذي عزز مكانتها، وحصلت من خلال التنصت على المكالمات الهاتفية التي كان يسجلها لها، على معلومات حول عائلات أخرى من كبار العسكريين.
تدهور بلا نهاية
ولفتت "لوتون" إلى التدهور اللامتناهي لعائلة الرئيس، والذي بدأ عندما صوت التشيليون من أجل نهاية السلطة العسكرية، خلال استفتاء عام 1988، ومن ثم يدفعون أخيرا، عن طريق صندوق الاقتراع، أوجستو بينوشيه إلى خارج القصر الرئاسي، وتطلق عليهم لوسيا هيريارت "ناكري الجميل".
وعند نشر سيرتها الذاتية عام 2013، لخصت أليخاندرا ماتوس هذه المسألة على النحو التالي: "عانت لوسيا من خلال العيش لفترة طويلة جدا، العيش لتذوق فقدان السلطة والعزلة في الصالونات التي بنتها لإظهار روعة ملابس الأميرة، والعيش لتشهد تفكك أسرتها".
وأضافت: "كي تعيش تجربة الرفض من الطبقة التي أرادت أن تنتمي إليها، ورؤية هذه النساء تضحك خلف ظهرها، وتعلق على ذوقها الرديء وعدم الرقي، تعيش لرؤية فشلها في تحقيق حلمها في أن تصبح مثل إيفا بيرون (ممثلة وسياسية أرجنتينية) التي يحبها الفقراء".
وفي النهاية خلصت الصحيفة السويسرية إلى أنه بعد سلسلة طويلة من الأزمات الصحية، يمكن للوسيا هيريارت، 98 عاما، أن تستمر في هذه المعاناة، وحدها تقريبا بمنزلها الفاخر في سانتياجو.