برلمان طبرق.. ارتمى رئيسه "الجدلي" بحضن حفتر فأشعل الحرب في ليبيا

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد الأزمة الليبية وتطوراتها، ينظر إلى مجلس النواب الليبي في طبرق (شرقا)، الذي ما زال يلقي ببيانات ويصدر قرارات، وما يتم إغفاله أن تلك المؤسسة التشريعية تعيش حالة انقسام منذ انتخابات يونيو/ حزيران 2014، ساهمت في إشعال جذوة الصراع الليبي.

جاء دعم رئيس المجلس عقيلة صالح، لهجوم حفتر على طرابلس، ليدفع بعشرات النواب المعترضين إلى الاجتماع في العاصمة طرابلس وانتخاب الصادق الكحيلي، رئيسا جديدا للبرلمان في مايو/ أيار 2019، قبل أن يخلفه حمودة سيالة.

ولاحقا، مع بروز خلاف بين صالح وحفتر، في الشرق، أدى إلى التحاق العديد من نواب طبرق بزملائهم في طرابلس خاصة بعد انهزام قوات حفتر في المنطقة الغربية، ولم يبق في مجلس نواب طبرق سوى أقل من 30 نائبا، مقابل أكثر من 70 في طرابلس. ليبرز السؤال عن مدى فاعلية برلمان طبرق بعد كل ما حدث، في ظل ما تشهده ليبيا من صراعات وحروب مستعرة بين فرقائها؟.

بداية الانعقاد 

في يونيو/ حزيران 2014، انعقدت أولى جلسات مجلس النواب الليبي، كسلطة تشريعية وحيدة منتخبة داخل ليبيا، بتمثيل نحو 200 نائب، هم عدد نواب المجلس المنتخبين من سائر المناطق بالبلاد عدا مدينة درنة التي كانت تشهد تدهورا أمنيا.

وفي أغسطس/ آب 2014، عقدت الجلسة الافتتاحية للمجلس، وسلم النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته عز الدين العوامي مهامه بنجاح إلى أكبر النواب سنا وهو عمر أبو بكر بعيرة، بحضور أغلبية الأعضاء، مع وجود منظمات دولية وإقليمية بارزة، بينها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وجامعة الدول العربية، والاتحادان الإفريقي، والأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي، وسط ترحيب حكومات غربية وعربية بعملية الانتقال الديمقراطي وتسلم مجلس النواب المنتخب السلطة في ليبيا.

في الجلسة الثانية للمجلس تم انتخاب المستشار عقيلة صالح عيسى لرئاسة المجلس إثر فوزه بجولة الإعادة بينه وبين أبو بكر بعيرة في 4 أغسطس/ آب 2014.

وتوافق غالبية النواب على اختيار مدينة طبرق التي تنعم بالهدوء النسبي لعقد جلساتهم في ذلك الوقت بعيدا عن بنغازي وطرابلس اللتين شهدتا وقائع عنف واضطرابات سابقة لتسلم مجلس النواب مهامه. 

تداعيات الانقسام

الضربة الأولى التي تعرض لها البرلمان، والحياة التشريعية والسياسية المستجدة في ليبيا جاءت في فبراير/ شباط 2014، عندما سارع حفتر إلى إعلان انقلابه على المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) وحكومة علي زيدان، إثر سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد.

لكن ذلك الانقلاب فشل في ساعاته الأولى، وأصبح حفتر بعدها مطاردا إثر إعلان رئيس الحكومة أنه أصدر أوامره لوزارة الدفاع، لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد حفتر.

الغريب أنه بعد أشهر من ذلك التاريخ لجأ كل من رئيس الحكومة (علي زيدان) ووزير دفاعه حينها (عبد الله الثني) لحماية حفتر من كتائب الثوار.

وفي منتصف مايو/ أيار 2014، أطلق حفتر عملية الكرامة، بعد حصوله على تأييد قبائل الشرق، وقوات الصاعقة في بنغازي، وحرس المنشآت النفطية بالهلال النفطي (وسطا)، أما في الغرب فتحالف حفتر مع كتائب الزنتان، وعلى رأسها كتائب القعقاع والصواعق والمدني، التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة من العاصمة طرابلس وعلى رأسها مطارها الدولي.

وقتها اضطر غالبية مجلس النواب للعودة إلى طبرق، والتحالف مع قوات حفتر الذي تم ترشيحه كقائد للجيش الليبي، وكانت هذه أول ضربة قاصمة حقيقية في وحدة البرلمان الذي بدأت الانشقاقات تحدث بداخله.

وفي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أعلنت المحكمة العليا في طرابلس، التي يسيطر عليها المؤتمر الوطني العام الجديد حل مجلس النواب بطبرق، وهو ما رفضه نواب طبرق، وبدأت الحرب التشريعية والبيانية بين الجانبين. 

محاولات الإصلاح

في إطار المعارك المستعرة، والخلافات الحادة، بدأت محاولات الصلح تسري بين الجانبين، لوقف الفوضى وبناء الدولة، وفي 11 يوليو/ تموز 2015، تم توقيع اتفاق سياسي بين الفرقاء الليبيين، عرف باتفاق "الصخيرات" على اسم المدينة المغربية التي شهدت توقيع الاتفاق. 

نص الاتفاق على مجموعة من البنود المفصلية، على رأسها، تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية حيث نصت المسودة الرابعة المعدلة التي اقترحتها الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية على "تشكيل حكومة الوفاق الوطني على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص".

وتكلف الحكومة بممارسة مهام السلطة التنفيذية التي تتكون من مجلس للوزراء يترأسه رئيس مجلس الوزراء، وعضوان نائبان، وعدد من الوزراء، ويكون مقرها بالعاصمة طرابلس، ومدة ولايتها عام واحد.

أما النقطة الثانية، والتي تتعلق بالبرلمان فأشارت إلى مقترح الأمم المتحدة إلى أن السلطة التشريعية للدولة خلال المرحلة الانتقالية، تضم مجلس النواب "المنتخب" في يونيو/حزيران 2014، والمقصد (برلمان طبرق).

وفي حفل التوقيع بالمدينة المغربية حضر وفد مجلس نواب بطبرق، ووفد يمثل النواب المقاطعين لجلساته، وآخر يمثل المستقلين، وممثلون عن عدد من البلديات منها مصراتة وطرابلس، وحضره المبعوث الأممي إلى ليبيا (حينئذ)، برناردينو ليون، وسفراء ومبعوثون خاصون إلى ليبيا، إضافة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك لم يخل الأمر من خلافات جوهرية، حيث غاب عن الحفل، المؤتمر الوطني العام بطرابلس الذي رفض التوقيع على المسودة الأممية لعدم تضمنها نقاطا أساسية طالب بتعديلها.

من أهم النقاط الخلافية بين وفدي برلماني طبرق وطرابلس تركيبة مجلس الدولة، حيث أوضحت الأمم المتحدة أنه "سيتم معالجته تفصيلا بأحد ملاحق الاتفاق، ودعت كافة الأطراف إلى تقديم مقترحاتهم إزاء هذا الشأن مع مراعاة مبادئ التوافق والتوازن وعدالة التمثيل".

وهي الثغور التي شكلت اندلاع خلافات شرسة بين الجانبين، مع انهيار العملية السياسية، بسبب عدوان خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس.

متوالية الانشقاقات

في أبريل/ نيسان 2019، مع بداية إعلان خليفة حفتر الهجوم على طرابلس، انشطر البرلمان إلى فريقين مرة أخرى: الأول في طبرق، والثاني اتخذ من طرابلس مقرا له، دعما لحكومة الوفاق الشرعية والمعترف بها دوليا.

مطلع مايو/ آيار 2019، قاطع نحو 60 نائبا جلسات البرلمان المنعقد في طبرق، وباشروا عقد جلسات موازية بالعاصمة، وانتخب 49 منهم الصادق الكحيلي، رئيسا جديدا للبرلمان.

ومع مرور الوقت والهزائم الأخيرة لحفتر في الغرب الليبي، تعمقت الانقسامات على خلفية تباين المواقف من الحرب على طرابلس، مع فقدان جيش حفتر تمركزاته في محاور القتال، وبالتزامن أيضا مع طرح عقيلة صالح لمبادرته السياسية، وطلب حفتر التفويض، فظهر ما تبقى من المجلس كفريقين منقسمين زيادة عن الانقسام السابق، ولم يبق في مجلس نواب طبرق سوى أقل من 30 نائبا، مقابل أكثر من 70 في طرابلس.

رئيس جدلي

عقيلة صالح، رئيس برلمان "طبرق"، من الوجوه المثيرة للجدل في فضاء الحياة السياسية الليبية، ولا تنفك جدليته عن أزمة برلمانه، فهو من وضع مصطلحات الخيانة والعمالة بحق خصومه عندما قال عنهم: "هؤلاء الأشخاص ميؤوس من انتمائهم للوطن!".

عُرف عن صالح دعمه لقوات حفتر، وللعمليات العسكرية التي قادها على بعض المناطق مثل درنة وبنغازي وطرابلس، ومدن الهلال النفطي. كما لا يعترف صالح بحكومة الوفاق التابعة للمجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج.

إعلان صالح أن البرلمان يؤيد هجوم حفتر على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، كان بمثابة القشة التي عصفت بالبرلمان، حيث أثار حفيظة غالبية النواب الذين كانوا يعارضون العدوان على العاصمة.

بعدها انقسم مجلس النواب، واحد في طبرق بقيادة عقيلة صالح، ومعه نحو 40 نائبا، والثاني في طرابلس ويضم أكثر من 50 نائبا، ويترأسه حاليا حمودة سيالة.

لم تتوقف الانقسامات في مجلس نواب طبرق عند هذا الحد، فبعد إعلان حفتر تعيين نفسه حاكما على ليبيا نهاية أبريل/نيسان 2020، ومعارضة صالح، لهذا القرار، أعلن نحو 15 نائبا تأييدهم للأول، فيما أيّد نحو 12 نائبا رئيس البرلمان.

من إجمالي 200 نائب، لم يبق مع عقيلة صالح، فعليا سوى 6 بالمئة من النواب، ومع ذلك مازال يتكلم بصفة "رئيس مجلس النواب الليبي" رغم أنه لم يعد يملك من هذه الصفة سوى "الاعتراف الدولي"، الذي يمنحه له اتفاق الصخيرات.

مطلع يونيو/ حزيران 2020، ومع تهاوي قوات حفتر في غرب ليبيا، واستنفار القاهرة لإنقاذ حليفها، استقبل السيسي في قصر الرئاسة، كلا من عقيلة صالح، وخليفة حفتر، وأطلق "إعلان القاهرة" لحل الأزمة في ليبيا.

في هذا المشهد تقدم عقيلة صالح على حفتر، بما أوحى بأن القاهرة ترى في رئيس برلمان طبرق المفاوض الأول عن الشرق أمام المجتمع الدولي.

وفي 18 يونيو/ حزيران 2020، نشرت وكالة الأناضول التركية الرسمية، تقريرا موسعا عن فرص صعود عقيلة صالح، قائلة: "خلال الفترة الماضية استقبله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي زار القاهرة مرتين خلال فترة وجيزة، كما تواصل هاتفيا مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 26 مايو/أيار 2020".

وذكرت الوكالة التركية أن "الرهان الدولي على عقيلة صالح، لإصلاح ما أفسده حفتر، قد لا يحقق الهدف المرجو منه إلا بالنسبة لداعميه الرئيسيين (مصر وروسيا)، وأكثر ما يمكن توقعه إزاحة حفتر من المشهد في برقة، لكن يُستبعد التوصل معه إلى اتفاق سلام شامل، إلا إذا ضمن مصالحه على رأس الدولة".