تحت ستار الإغاثة.. كيف تاجر الهلال الأحمر الإماراتي بأيتام سوريا؟

12

طباعة

مشاركة

لم تكتف الإمارات بدور تاجر الأسلحة ومورد المرتزقة إلى مناطق النزاع في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق أهدافها المشبوهة، بل سخرت مؤسساتها الخيرية أيضا لتحقيق نفس الأهداف الخبيثة.

وسط كل الأخبار التي تنشرها أبواق أبوظبي الإعلامية عن "جهودها لمواجهة فيروس كورونا في الصومال" و"توزيع سلات غذائية في اليمن"، تواجه مؤسسة "الهلال الأحمر الإماراتي" تهما باستغلال الأيتام في سوريا تحت غطاء المساعدات الإنسانية.

تقارير صحفية أكدت أن المؤسسة، التي من المفترض أن يكون لها دور إغاثي خيري وإنقاذي، تلعب دورا استخباراتيا في الدول التي توجد بها لصالح الإمارات.

تجارة الأعضاء

بدأت القصة من سوريا التي تعيش على وقع الحرب عندما اتهمت منظمة "أوركيد" لرعاية الأيتام العاملة شمال شرق سوريا، الهلال الأحمر الإماراتي وما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بالمتاجرة بالأيتام.

في بيان لها أخلت "أوركيد" مسؤوليتها من أي جريمة لاختطاف وبيع الأيتام بسوريا، محملة المسؤولية لقادة سلطة "الإدارة الذاتية" التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي يي دي) وقوات (قسد).

تعهدت المنظمة بـ"تسليم أدلة وملفات تدين جرائم قادة الإدارة الذاتية الكردية وتنظيم قسد ووحدات حماية الشعب الكردي وعلاقتهم المشبوهة مع منظمة الهلال الأحمر الإماراتي ودورهم في عمليات خطف الأطفال والاتجار بالبشر وبيعهم لدولة الإمارات".

من جهتها نشرت مديرة المنظمة، ديلان كامل، على موقع "تويتر" تغريدات اتهمت فيها الهلال الأحمر الإماراتي بأنه "نقل العام الفائت 36 طفلا من المخيمات السورية إلى الإمارات، ضمن برنامج كفالة اليتيم، بعد أن تم إخضاعهم لفحوصات طبية شاملة بما في ذلك زمرة الدم والأنسجة". 

وزادت كامل موضحة: " أنا لا أستبعد أن يكونوا ضحية تجارة أعضاء بشرية".

وقالت: إنها "ستقوم بفضح كل شيء وستنشر وثائق تثبت تورط الإدارة الذاتية، والتواطؤ بعمليات سرقة الأطفال من المخيمات وبيعهم إلى منظمة الهلال الأحمر الإماراتي، خلف ستار برنامج كفالة اليتيم وادعائهم أن هؤلاء الأطفال يعيشون حياة مرفهة في بيوت إماراتيين".

دور "أوركيد"

وذهبت مديرة "أوركيد" إلى حد القول: إن "الهلال الإماراتي يوزع السلاح والذخيرة ويمارس الأنشطة الاستخباراتية".

ودعت الناشطة الهيئات والمنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق المرأة إلى زيارة مخيم أبو قبيع الواقع على بعد 14 كيلومترا غرب الرقة، وذلك "للاطلاع على دور خالد خميس مسؤول منظمة الهلال الأحمر الإماراتي في مناطق الإدارة الذاتية، والذي يقوم بتمويل تجنيد الفتيات القاصرات في صفوف وحدات حماية الشعب".

أكدت ديلان كامل أنها تواصلت مع المسؤولة عن المتطوعين الإماراتيين الموفدين إلى سوريا، بخيتة فارس، وشرحت له ممارسات مندوبهم.

وأفادت مديرة المنظمة من خلال تغريداتها، بأنه "لا علاقة لها بالتصرفات الفردية التي يقوم بها موظفو ومندوبو الهلال الأحمر الإماراتي في سوريا لتقوم بحظر الحساب".

وأشارت كامل إلى أن العاملين في المنظمة تعرضوا للتهديدات بسبب رفض العمل مع (قسد) والسلطة السورية.

بعد أيام من نشر تغريداتها عن الموضوع تم إغلاق حساب ديلان كامل على "تويتر"، ما جعل المغردين يتداولون بشكل واسع الخبر وسلسلة التغريدات التي نشرتها.

كفالة اليتيم!

في تصريحات صحفية لها أوضحت ديلان كامل، أن الأطفال ينقسمون إلى 3 فئات، الأولى من فقدوا عائلاتهم وذويهم نتيجة المعارك التي شهدتها بيوتهم وقراهم أو تعرضت بيوتهم لقصف من أحد طرفي النزاع.

والثانية، أطفال مجهولو الهوية والنسب، وهؤلاء غالبا من أبناء مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة، سوريون أو أجانب قدموا لسوريا خلال العشر السنوات الماضية.

أما الفئة الثالثة فهم أطفال تم جمعهم في حوادث وحالات مختلفة، منهم حوالي 100 طفل تم وضعهم في المخيم بعد اعتقال أحد آبائهم بتهمة الإرهاب أو "العمالة لتركيا أو الجيش الحر" حسب وصف الإدارة الذاتية.

16 طفلا من الـ 36 الذين تم إخراجهم من المخيمات، والمدرجة أسماؤهم على لوائح منظمة "أوركيد" في مخيم الهول، صرحت الإدارة الذاتية أنهم ذهبوا للإمارات ضمن برنامج كفالة الأيتام.

وتبين للمنظمة بعد ذلك وجود تضارب في التصريحات وغموض في ملف الأطفال، وتمكنت "أوركيد" من خلال مصادر لها داخل الإدارة الذاتية، من الوصول إلى معلومة أن الأطفال "جرى بيعهم وليس إخراجهم ضمن برنامج كفالة اليتيم".

أفادت "أوركيد" على لسان مديرتها أن هذه الفئات لا يسأل أحد عنها، وأن خدمات الإدارة الذاتية تنحصر في تقديم الطعام والشراب حيث تسلم القائمين على تلك المخيمات كميات قليلة من الخبز والطعام السيئ، ويتم تجاهل بقية الاحتياجات الأساسية للأطفال كالحليب والحفاضات واللباس.

قبل خروجها للكشف عن تفاصيل التجارة في البشر، المتهم الهلال الأحمر الإماراتي بامتهانها، جرى التحقيق في مارس/ آذار الماضي مع عدد من عناصر تنظيم "يي بي كا" الذين تورطوا بتهريب مقاتلين سعوديين وإماراتيين من سجن الحسكة.

تسربت خلال القضية أخبار عن تورط هؤلاء العناصر ببيع الأطفال لخالد خميس، الضابط الإماراتي المقرب من الإدارة الذاتية الكردية، والذي كان يقيم في القامشلي بصفة منسق الهلال الأحمر الإماراتي.

مباشرة بعد الجدل الذي أحدثه تفجر القضية، أعلن الهلال الأحمر الإماراتي عن قيام الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، رئيس الهيئة الإغاثية وشقيق حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة، بإصدار قرار يعيد تشكيل مجلس الإدارة، حيث جرى تعيين حمدان مسلم المزروعي رئيسا لمجلس الإدارة وعبدالحميد محمد سعيد مستشارا للمجلس، بالإضافة إلى تسمية 9 أعضاء للمجلس.

أيتام مغاربة

في الأسبوع الأخير من يونيو/ حزيران 2020، أعلنت أسر وعائلات بعض المغربيات المحتجزات بمخيم الهول الواقع في ريف محافظة الحسكة السورية، عن اختفاء بناتهم رفقة أطفالهن لأسباب "مجهولة".

ومن بين المختفين تم الإعلان عن 3 أيتام توفيت أمهاتهم في الحرب، كما أعلن عن اختفاء محتجزة رفقة أبنائها الخمسة، وأوضحت الشكاية التي قدمتها الأسر المغربية أن الاختفاء تم في ظروف غامضة.

تصريحات مديرة منظمة "أوركيد" وصل صداها للمغرب، حيث دعت التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق، في بيان، السلطات المغربية إلى التحقيق في احتمال وجود أطفال مغاربة ضمن المجموعة المكونة من 36 يتيما، التي "جرى الاتجار بها في سوريا عن طريق منظمة الهلال الأحمر الإماراتية".

وأضافت التنسيقية أنها تمكنت من الاطلاع على وثيقة لمنظمة "أوركيد سوريا" لرعاية الأيتام، تُخلي فيها مسؤوليتها من جريمة الاتجار بالأطفال اليتامى وبيعهم، وتطالب فيها المجتمع الدولي والهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية بالوقوف على التحقيقات الجارية وكشف ملابسات تلك الجريمة.

وجددت الجهة نفسها مطالبها للسلطات المغربية والجهات المعنية، بالإسراع بترحيل المواطنين المغاربة الموجودين في بؤر التوتر، وحمايتهم من التعسف والمضايقات التي يتعرضون لها. 

المنسق العام للتنسيقية، عبد العزيز البقالي، قال لـ"الاستقلال": "الوزارة المعنية والمسؤولون الأمنيون في المغرب تجاوبوا بشكل إيجابي مع دعوة التنسيقية، موضحا أن تحركهم جاء تجاوبا مع ما نشرته (أوركيد سوريا)، وتحديدا مع الرعب الذي انتاب الأسر".

بقالي أكد أنهم تواصلوا مع "الصليب الأحمر" الذي أوضح أنه لا يملك إلى الآن الأدلة الكافية لتوجيه الاتهام للهلال الأحمر الإماراتي".

وأوضح المتحدث للصحيفة أن "مغاربة سوريا إما استقروا هناك قبل الحرب أو هاجروا ضمن من انضموا إلى تنظيم الدولة وتم احتجازهم بعدها في المخيمات والسجون هناك. الأمر يتعلق تحديدا بشباب ونساء وأطفال تتراوح أعمارهم بين 3 و12 سنة".

تشتغل التنسيقية في إطار قانوني، بحسب منسقها العام، "وتعتبر همزة وصل بين السلطات في المغرب والمحتجزين في سوريا والعراق، الذين تسعى إلى تليين خطابهم من أجل إعادة إدماجهم مرة أخرى داخل المجتمع بسهولة".

وتتوفر التنسيقية على لائحة تبيّن أن عدد الأيتام المغاربة المحتجزين في سوريا لا يتجاوز عددهم 18 طفلا، فيما يصل عدد الأطفال المرافقين لأمهاتهم إلى 205، والمرافقين لآبائهم 38، فيما يبلغ عدد النساء 78، ويصل عدد الرجال إلى 101 مغاربة.

جاسوس غزة

في 2014، كشفت تقارير صحفية أن إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية حققت مع أحد أعضاء بعثة الهلال الأحمر الإماراتية، وأنه اعترف بعمله في جهاز أمن إماراتي.

دخل المواطن الإمارتي غزة تحت غطاء بعثة الهلال الأحمر، واعترف أنه كان يحاول التقصي عن مواقع إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وقد أطلقت المقاومة سراح الضابط الإماراتي وطُلب من بعثة الهلال الأحمر مغادرة غزة على الفور.

وصرحت مصادر من داخل فصيل المقاومة أنه تم الإفراج عن الضابط وفريقه لتجنب خلق أزمة دبلوماسية، وصرف الأنظار عن معاناة غزة تحت القصف الإسرائيلي.

وكانت السلطات المصرية منعت الوفود الطبية الأجنبية والمساعدات الشعبية من الدخول إلى قطاع غزة الفلسطيني عبر رفح، غير أنها سمحت بما يثير الريبة للهلال الأحمر الإماراتي بدخول القطاع المحاصر.

فضيحة اليمن

لم يقتصر الدور المخابراتي لـ"الهلال الأحمر الإماراتي" على سوريا وغزة فقط بل امتد أيضا إلى اليمن، وهو ما ظهر في 2019 وبدء الحديث عن اقتراب صفقة سياسية تنهي وجود الإمارات باليمن، وقتها أعلنت أبوظبي إنهاء وجود مؤسستها الخيرية، ما أكد حقيقة أن دورها كان مقتصرا على دور استخباراتي عسكري، أكثر من تقديم خدمات ومساعدات للمدنيين.

وأظهرت وثيقة نشرتها مواقع إلكترونية يمنية، وناشطون، رسالة وجهها سعيد البدواوي ممثل الهلال الأحمر الإماراتي في عدن، يطالب محطة "الحسوة" الكهربائية بعدن، بإعادة القطع المتعلقة بالمحطة التوربينية التابعة للإمارات.

وكشفت تحقيقات صحفية أن الإمارات استقطبت عبر "الهلال الأحمر" عناصر في كثير من المحافظات اليمنية تتراوح أعمارهم ما بين 12-18 عاما، يحصلون على 500 ريال سعودي شهريا (أي ما يعادل 130 دولارا)، غير إنشاء مراكز خاصة بالذباب الإلكتروني.

كما دعم الهلال الأحمر الإماراتي بعض الفنانين في اليمن لإطلاق أناشيد وأغنيات أثارت النعرات القبلية، بل وسجلت في صفوفه تحرشات وابتزازا جنسيا وصل للاعتداء على شرف المتطوعات.