سبقت مظاهرات 30 يونيو.. لماذا سارعت أوروبا لدعم حكومة حمدوك؟

تصريح أطلقه مؤخرا رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الذي يقود الحكومة الانتقالية، كان بمثابة استجداء للدعم الغربي والدولي، لانتشال السودان من أزماته الاقتصادية الطاحنة.
حمدوك قال: "غياب المساعدات قد يؤدي إلى انتشار الاضطراب في منطقة ملتهبة بشرق وشمال شرق إفريقيا ويدفع الشباب لمواصلة الهجرة بحرا إلى أوروبا".
بعد تصريح حمدوك مباشرة، الذي حمل معه لهجة تهديد وتخويف للغرب، تحركت دول بالاتحاد الأوروبي على رأسها ألمانيا وفرنسا، لتقديم مساعدات ومنح للسودان.
هذه المساعدات اعتبرها البعض بمثابة طوق النجاة والإنقاذ لحمدوك الذي شهدت المرحلة الانتقالية على يديه إخفاقات، حيث فشل في إجراء إصلاحات اقتصادية ملموسة، واستمرت أزمات توفير السلع الأساسية للمواطنين، ما عجل باندلاع مظاهرات واحتجاجات ضد حكومته التي تواجه أصعب مراحلها، بعد دعوة العديد من الأحزاب والمنظمات لها بالرحيل، وحشدوا لمظاهرات في 30 يونيو/حزيران 2020.
تكالب المتعهدين
في 25 يونيو/ حزيران 2020، عقدت برلين مؤتمرا لمساعدة السودان، في محاولة لإنقاذ الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، بعد التعثر الاقتصادي، وبروز الأزمات المتعاقبة.
في المؤتمر الذي نظم عبر الإنترنت، تعهدت مجموعة دول بمنح السودان 1.8 مليار دولار، حيث أكد مسؤولون في المؤتمر بأن الاتحاد الأوروبي تعهد بمبلغ 312 مليون يورو، كما قدمت الولايات المتحدة 356.2 مليون دولار وألمانيا 150 مليون يورو وفرنسا 100 مليون يورو، وتعهدت بريطانيا بتقديم 150 مليون جنيه إسترليني لمشروعات مختلفة في السودان.
من أبرز تلك المشروعات، التحويلات النقدية لأسر فقيرة، عبر مساهمة البنك الدولي. فيما صرح حمدوك، بأن "التعهدات المعلنة حتى الآن أقل بكثير من 8 مليارات دولار، وإنها ضرورية لتحسين وضع اقتصاد السودان المتأزم منذ انفصال الجنوب في 2011، وهو الانفصال الذي أخذ معه أغلب إنتاج النفط".
حمدوك قال في تغريدة على تويتر: "نحن سعداء بأن العالم جاء للعمل معنا بالرغم من ذلك، وهذا أمر غير مسبوق حقا. نحن نعلم أن هناك الكثير من العمل الذي يتوجب علينا القيام به ولكن مع هذا النوع من الدعم من شركائنا سنوفر كثيرا من العناء، وسنكون سعداء لدفع عملية التنمية إلى الأمام".
نحنُ سعداء بأن العالم جاء للعمل معنا بالرغم من ذلك، وهذا أمر غير مسبوق حقًا. نحن نعلم أن هناك الكثير من العمل الذي يتوجب علينا القيام به ولكن مع هذا النوع من الدعم من شركائنا سنوفر كثيراً من العناء، وسنكون سعداء لدفع عملية التنمية إلى الأمام.#مؤتمر_شركاء_السودان
— Abdalla Hamdok (@SudanPMHamdok) June 25, 2020
الحلفاء خذلوه
وبينما بدأت أوروبا تقديم المساعدات لحكومة حمدوك "المتأزمة"، خذلته دول إقليمية حليفة، فتوقفت السعودية عند تقديم 500 مليون دولار في 2019، و10 ملايين دولار في 2020، فيما قدمت الإمارات 50 مليون دولار فقط.
البلدان الخليجيان تعهدا بمنح السودان 3 مليارات دولار نقدا وفي هيئة سلع، بعدما أطاح الجيش بالبشير في أبريل/ نيسان 2019، لكن لا توجد معلومات موثوقة ومعلنة عن حجم الأموال التي وصلت إلى الخرطوم في المجمل.
نشطاء سودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا ضعف الدعم العربي بشكل عام، والسعودي والإماراتي بشكل خاص بمؤتمر المانحين.
السياسي السوداني الدكتور أحمد مقلد قال على تويتر: "اختارت الحكومة الانتقالية سياسة المحاور، وراهنت على الإمارات والسعودية، ومارست سياسة خشنة ضد قطر، وخسرنا داعما صادقا قويا"، وأكد أننا "نبكي الآن لأن قطر لم تدعم السودان، ونبكي أكثر لأن أعداء الدولة المدنية السعودية والإمارات تبرعوا بملاليم، عدو صادق أفضل من صديق خبيث ، شكرا قطر لدعم دارفور".
#قطر قدمت 0 دولار دعم للسودان #الإمارات قدمت ٥٠ مليون دولار فقط #السعودية قدمت ١٠ مليون دولار فقط
— Dr Ahmed McLad د. أحمد مَقلَد (@McLad84) June 25, 2020
وكلاهما تشارك في وديعة بقيمة نصف مليار مع وعود اخرى لم تنفذ ولم يُعاد ذكرها
بينما قدموا دعم للسيسي بقرابة ٧ مليار دولار
لغة الأرقام قد تشرح لك مقدارك عند جيرانك https://t.co/8ozzgY1npA
فيما كتب الناشط السوداني المقداد، قائلا: "ثبت فعليا أن الحكومات العربية لا تدعم الدكتاتوريات، فعند انقلاب السيسي دعمته الإمارات بـ20 مليار دولار، واليوم تدعم السودان الديمقراطي الجديد بـ 50 مليون دولار فقط، والسعودية 10 مليون دولار".
ثبت فعليا أن الحكومات العربية لا تدعم الا الدكتاتورية..فعند انقلاب الCc دعمته الإمارات ب 20مليار دولار..
— AL-Miqdad (@miqdadil) June 25, 2020
و اليوم تدعم السودان الديمقراطي الجديد ب 50مليون دولار فقط و السعودية 10 مليون دولار
اما الاتحاد الأفريقي ف دعم ب 155مليون دولار الغرب اليوم وقف مع #السودان أكثر من العرب
جدير بالذكر أن العلاقات السودانية السعودية مرت بمرحلة اضطراب خلال الأشهر الماضية، ففي 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، نقلت صحيفة "التيار" السودانية، عن نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، تأكيده عودة 10 آلاف جندي سوداني من حرب اليمن، بعد انتهاء فترة عملهم هناك.
وسبق حديث حميدتي خلال خطاب جماهيري بمنطقة أبرق شرقي الخرطوم في 22 يونيو/ حزيران 2019، بالقول: "نقاتل مع الإمارات والسعودية، وقواتنا من أكبر القوات المشاركة (في التحالف)، حيث يبلغ قوامها 30 ألف جندي".
وفي 25 يونيو/ حزيران 2019، قال الكاتب جيورجيو كافييرو في مقال نشره موقع "لوب لوغ" الأميركي: "مشاركة السودان في التحالف العربي تدور حول المال، إذ تقاتل ما تسمى قوات الدعم السريع في الحرب اليمنية من أجل ذلك".
وأضاف الكاتب: أن "العديد من المقاتلين السودانيين في اليمن ينتمون إلى مليشيات الجنجويد المؤلفة من عرب من غرب السودان وشرق تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى".
الغرب والتطبيع
لكن السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا سارعت أوروبا لإنقاذ رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وحكومته الانتقالية، وما هو حجم التنازلات التي ساهمت بشكل أو بآخر في الدعم الغربي لتلك الحكومة؟.
في 3 فبراير/ شباط 2020، التقى نتنياهو، بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أوغندا، وهو اللقاء الذي جاء مفاجئا، حيث لم يتم الإعلان عنه مسبقا، ومثل صدمة لمعظم الأوساط السياسية والإعلامية في العالم العربي.
الحكومة الإسرائيلية أعلنت حينها أن اللقاء تم برعاية الرئيس الأوغندي يوري موسوفيني، وذكرت في بيان "يؤمن رئيس الوزراء نتنياهو بأن السودان يسير في اتجاه جديد وإيجابي، وعبر عن رأيه هذا في محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي (مايك بومبيو)".
موقف حمدوك يساري الفكر والتوجه، وحكومته جاء صادما للشعب السوداني، حيث رحب بالتعميم الصحفي الصادر عن البرهان بشأن اجتماعه مع نتنياهو.
وقال حمدوك: "لا شك أن الطريق إلى التغيير الحقيقي في السودان مليء بالتحديات والعقبات، ومع ذلك يجب أن نعي بأن الالتزام بالأدوار والمسؤوليات المؤسسية أمر أساسي لبناء دولة ديمقراطية حقيقية".
حمدوك بدأ جولاته للغرب، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بزيارة إلى باريس، والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد أن "بلاده ستستضيف مؤتمرا مع الدائنين الدوليين للسودان لمساعدة الخرطوم على معالجة مشاكل الديون، وذلك فور قيام الولايات المتحدة برفع السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب".
التوجه الغربي، والتطبيع مع إسرائيل، لم يكن أبرز توجهات الحكومة الجديدة، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قامت باستدعاء البعثة الأممية إلى السودان، وهو ما جعل نظرة الحكومات الأوروبية تتماهى مع نمط حكومة حمدوك، وتحاول دعم ارتكازها على رأس السلطة السودانية.
البعثة الأممية
وفي 27 يناير/ كانون الثاني 2020، أرسل حمدوك، خطابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، قال فيه: "يطلب السودان من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن، في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان".
وشدد حمدوك في خطابه أن "الحكومة على استعداد للترحيب بالبعثة في أقرب وقت ممكن، على أن يُنشر وجود أولي تحت قيادة الممثل الخاص للأمين العام الذي يتخذ من الخرطوم مقرا له، وتصميم وجود الأمم المتحدة وصياغته للفترة الانتقالية".
وفي 5 مارس/ آذار 2020، حركت المحامية السودانية، أمل فايز الكردفاني، أول بلاغ للنائب العام لجمهورية السودان، ضد حمدوك، تتهمه فيه بـ"الخيانة العظمى" تحت بند المادة (50) من القانون الجنائي لسنة 1991.
الكردفاني قالت في بلاغها: "بناء على ما تقدم يطلب رئيس وزراء السودان بموجبه إلى الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية عامة من مجلس الأمن.. فما هي الولاية العامة؟ الولاية العامة أي أنها ولاية تشمل كل عناصر دولة السودان (الإقليم، الشعب، السلطة ذات السيادة).
مضيفة: "هذه الولاية تشمل حتى المرافق الحيوية والحساسة في الدولة كالقوات المسلحة وقوات الشرطة السودانية، في سابقة لم يشهدها الشعب منذ الاستقلال من الولاية البريطانية العامة على الدولة"
أحزاب وتجمعات سياسية ورجال دولة بارزون في السودان أعلنوا رفضهم طلب حمدوك جملة وتفصيلا، وسط تساؤلات عن الأسباب الحقيقية التي دفعت رئيس الوزراء لاتخاذ هذه الخطوة الجدلية.
رهانات خاسرة
الناشط السوداني الدكتور الطيب إبراهيم، قال لـ"الاستقلال: "رهانات حكومة حمدوك لم تكن معتمدة على دعم شعب السودان، لكنها ارتمت منذ اللحظة الأولى في أحضان القوى الخارجية، فكانت رهاناتها خاسرة ومكلفة وغير مجدية، فالحكومات والأنظمة التي تستورد دعم الخارج لا تستطيع الاستمرار والنهوض ببلدها، ولنا في دول مجاورة العبرة، إذ اعتمدت على القروض والديون الخارجية، ويشهد اقتصادها اليوم بعد مرور سنوات، أزمات لا تخفى على أحد، وزادت فيها معدلات الفقر والبطالة".
وأضاف الطيب: "في البداية انتظروا من السعودية والإمارات، المساهمة بدعم كبير حسب وعودهم، يساهم في إصلاح الأزمات الاقتصادية، رغم أنه ما من دعم يقدم إلا وهو مشروط، وله مطالب وتبعات، وظهر ذلك عندما تخلت تلك البلاد عن وعودها، ودفعوا مبالغ أقل كثيرا مما وعدوا به، وقد أرادوا للسودان أن يدخل في محور الصراعات الإقليمية بين تركيا وقطر من جهة، والسعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى".
وذكر الناشط السوداني: "التنمية والإصلاح الاقتصادي، لا بد أن يكون قائما في الأساس على خطة مدروسة لسنوات طويلة، وأن تعلم الحكومة طبيعة وظيفتها، وتطلعاتها المستقبلية، وفي ظل وجود مؤسسات للدولة قادرة على الرؤية والمحاسبة".
وختم الطيب حديثه قائلا: "أما سياسة الدعم والقروض المفتوحة والديون، فسوف تتسبب في إرث ثقيل على كاهل الدولة والشعب مستقبلا، فالسودان بلد يمتلك الكثير من الموارد الطبيعية وموقع إستراتيجي مميز، ولو امتلكه نظام أمين على تلك المكسبات، فسوف يحقق طفرة اقتصادية مذهلة، على غرار الطفرة الإثيوبية".