الحراك الدبلوماسي للسراج.. كيف ساهم بإحباط طموحات حفتر؟

12

طباعة

مشاركة

يجري رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج، حراكا دبلوماسيا واسعا، للتسويق لانتصار قواته وتقدمها على حساب مليشيات اللواء الانقلابي خليفة حفتر، والذي أطلق عملية عسكرية ضد العاصمة طرابلس في أبريل/نيسان 2019.

هذه الزيارات تأتي على إثر مبادرات مشبوهة في التوقيت والشكل أطلقها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء جمعه بالقاهرة برئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح واللواء المتقاعد خليفة حفتر، قبل أن تدعو مصر إلى اجتماع عربي من أجل التباحث في الملف الليبي في مخالفة لميثاق جامعة الدول العربية. 

واستقبل السراج وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو في العاصمة طرابلس يوم 24 يونيو/حزيران، بعد عودته من الجزائر ولقائه بالرئيس عبد المجيد تبون والذي سبقه لقاء مع وفد وزاري رفيع المستوى ضم وزيري الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والخزينة والمالية براءات البيرق، ورئيس المخابرات هاكان فيدان وعددا من المسؤولين الأتراك. 

ويرى مراقبون أن الدور الدبلوماسي للسراج وحكومته نجح في تحقيق إنجازات واسعة في ليبيا، خاصة في رد عدوان حفتر، إلا أنه ينتظر منه القيام بدور أكبر في الانتقال من الحرب إلى مرحلة إعادة الإعمار وبناء ليبيا الجديدة. 

علاقة متميّزة 

تعد العلاقة الوطيدة التي ربطت الوفاق الليبية بالحكومة التركية، من أبرز وأهم العلاقات التي نجح فيها فايز السراج خلال سنوات توليه السلطة في ليبيا.

نجح السراج في توقيع اتفاق التعاون العسكري مع تركيا 19 ديسمبر /كانون الأول 2019، والذي أدى إلى توجيه الدعم لحكومته وإفشال مخططات خليفة حفتر والدول الداعمة له بالسيطرة على العاصمة طرابلس. 

هذا التعاون الإستراتيجي، تلاه زيارات متبادلة بين المسؤولين الليبيين والأتراك، جرى فيها التباحث حول مستجدات الأوضاع في ليبيا والجهود الدولية لحل الأزمة، ومتابعة تنفيذ مذكرة التفاهم الأمني والعسكري الموقعة بين البلدين.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي رفيع قوله: إن بلاده مستعدة للبدء بخطى سريعة لإعادة إعمار ليبيا. ويأتي هذا بعدما زار كبار مساعدي الرئيس التركي طيب رجب أردوغان العاصمة طرابلس لمناقشة سبل التعاون في مجالات عدة من بينها الطاقة والبناء والأعمال المصرفية.

وأضاف نفس المصدر لرويترز أن الوفد سيبحث مع حكومة الوفاق آليات التفاوض مع شخصيات ليبية في بنغازي، ومع القوى الدولية الفاعلة وفي مقدمتها روسيا وأميركا، لا سيما أن الوفد يتضمن وزير الخارجية، والمدير العام لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا في الوزارة يونس ديميرال. 

في الأثناء، يتواصل حشد حكومة الوفاق الليبية لقواتها في محيط مدينة سرت الساحلية استعدادا لاستعادتها من مليشيا حفتر، وسط ارتفاع الأصوات للحديث عن وساطات لإيجاد اتفاق يجنب المدينة المعركة العسكرية.

ووصل وزير الخارجية الإيطالي "لويجي دي مايو"، صباح يوم 24 يونيو/حزيران 2020، إلى العاصمة الليبية طرابلس، للقاء مسؤولي حكومة الوفاق الوطني.

وأنهى وزير الخارجية الإيطالي بهذه الزيارة جمودا في العلاقات بين طرابلس وروما استمر لأشهر، بدا فيه الموقف الإيطالي متذبذبا على الرغم من موقفها القديم الداعم لحكومة السراج. 

واجتمع "دي مايو" مع كل من السراج ووزيري الخارجية "محمد طاهر سيالة"، والداخلية "فتحي باشاغا".

ولم  تشمل مهمة دي مايو إلى ليبيا زيارة مدينة بنغازي، شرقي البلاد، ولقاء مسؤولي حكومة شرق ليبيا، الموالية لحفتر، على غرار آخر زيارة قام بها في ليبيا في ديسمبر /كانون الأول 2019. 

وبعد عودته إلى روما، قال وزير الخارجية الإيطالي للصحفيين: إن السراج "قدم تطمينات وافرة بأن إيطاليا لا تزال شريكا أساسيا ولا بديل عنه، رغم الوجود التركي في ليبيا"، وفق ما قالت وكالة الأنباء الإيطالية "آكي".

ونقلت آكي عن  دي مايو أن العمل الجاد لوقف الحرب في ليبيا يعني "استقرار المنطقة، بل وفي الوقت نفسه تأمين لإيطاليا، بسواحلها ومواطنيها".  

الجارة الكبرى 

ووصل رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، يوم  20 يونيو /حزيران 2020 ، إلى الجزائر في زيارة رسمية لبحث تطورات أزمة بلاده.

وأفاد التلفزيون الجزائري الرسمي، أن رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، ووزيري الخارجية صبري بوقادوم، والداخلية كمال بلجود، كانوا في استقبال السراج بمطار الجزائر الدولي في العاصمة. 

وزيارة السراج هذه الثانية من نوعها للجزائر منذ مطلع العام 2020، بعد زيارة مماثلة أجراها في يناير/ كانون الثاني من نفس العام. 

قبلها بأيام، كان للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تصريح لافت، حيث ذكّر بتصريح قديم اعتبر فيه طرابلس خطا أحمر.

وأوضح: “قلنا أن طرابلس خط أحمر لأن انهيارها هو انهيار الدولة الليبية”، وذلك خلال مقابلة صحفية أجراها تبون مع مسؤولي بعض وسائل الإعلام الوطنية.

ولفت إلى أن تدخل الجزائر في ليبيا سليم، مؤكدا أن بلاده ليس لديها أية أطماع في ليبيا غير إحلال السلام بين الأشقاء الليبيين. وجدد دعم بلاده لحكومة "الوفاق" وبذلها كامل الجهود من أجل أن تجتاز ليبيا الأزمة الراهنة، وفق بيان للرئاسة الجزائرية.

وأضاف البيان الذي أصدرته مؤسسة الرئاسة الجزائرية: أن "زيارة فايز السراج تدخل في إطار الجهود المكثفة المتواصلة التي تبذلها الجزائر من أجل استئناف الحوار بين الأشقاء الليبيين لإيجاد حلّ سياسي للأزمة الليبية"، مشيرا إلى أن هذا الحل "يكون قائما على احترام إرادة الشعب الشقيق وضمان وحدته الترابية وسيادته الوطنية، بعيدا عن التدخلات العسكرية الأجنبية". 

مناورة دبلوماسية 

جاءت هذه الزيارة لرئيس حكومة الوفاق إلى الجارة الكبرى الجزائر، في وقت طلبت فيه مصر  عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية عبر تقنية الفيديو، وذلك من أجل بحث تطورات الأوضاع في ليبيا. 

وهذه الدعوة جاءت بعد أيام على إعلان رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عن مبادرة تحمل اسم "إعلان القاهرة"، لحل الأزمة الليبية تتضمن إعلانا دستوريا وتفكيك قوات حكومة الوفاق لصالح مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر  وإعلان وقف لإطلاق النار، بالإضافة إلى إحياء المسار السياسي لحل الأزمة.

وأعلن وزير الخارجية الليبي الطاهر سيالة، في 26 يونيو/حزيران، رفض بلاده دعوة مصر إلى عقد اجتماع وزاري للجامعة العربية حول ليبيا، كون القاهرة لم تستشر طرابلس في ذلك.

جاء ذلك في اتصال هاتفي مع وزير الشؤون الخارجية بسلطنة عمان يوسف بن علوي، رئيس المجلس التنفيذي للجامعة العربية، بحسب بيان للخارجية الليبية. وقال البيان: إن سيالة أبلغ ابن علوي "رفض ليبيا دعوة مصر لعقد اجتماع وزاري للجامعة العربية عبر تقنية الفيديو".

وأضاف أن سيالة أبلغ ابن علوي أيضا، بأن "ليبيا هي المعنية بالاجتماع، والقاهرة لم تلتزم بالقواعد الإجرائية في الدعوة للاجتماع، باعتبار أن ليبيا لم تُستشر في ذلك، كما أن الملف يحتاج إلى نقاشات ومداولات معمقة لا مجرد اتصال بالفيديو".

ويرى عدد من المتابعين للشأن الليبي أن هنالك احتمالا كبيرا لعودة الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات للبحث عن حل للأزمة المستمرة منذ العام 2011، إلا أن حكومة الوفاق تسعى من خلال جهدها الدبلوماسي إلى إبعاد حلفاء حفتر من التأثير على أي مباحثات مقبلة إما عبر الدعوة إليها أو احتضانها.

وأكد الكاتب الصحفي الليبي معتصم وهيبة أن الحل في ليبيا لن يكون إلا عبر التفاوض من أجل إيجاد إحلال السلام، "وهذا ما يفعله السراج بتصريحاته حول عدم وجود حل عسكري".

وأضاف وهيبة في حديث لـ"الاستقلال": "حديث السراج  يوحي لنا بأن الوفاق لن تتخطى مدينة سرت والجفرة باتجاه الشرق الليبي بسبب الدعم الروسي و الأجنبي المستمر لقوات حفتر".

وتابع: أن "نفس الشيء سيحدث بالنسبة لقوات حفتر، فلن تتجرأ على الهجوم على الغرب الليبي مرة أخرى بسبب الدعم التركي لحكومة الوفاق، وهذا ما يدفع الجميع إلى التفاوض  بضغط من أطراف دولية عدة كالولايات المتحدة وإيطاليا".

وأكد الصحفي الليبي أنه "عمليا نجحت حكومة الوفاق في تغيير موازين القوى على الأرض، فالتحالف مع تركيا قلب المعادلة العسكرية لصالح قوات الوفاق في الغرب الليبي وجعل لها مركز ثقل في أي مفاوضات قادمة، على عكس ما كانت عليه الأمور قبل الاتفاقية التركية الليبية.

بذلك، غيرت عدد من القوى رأيها من حفتر، فتقربت إيطاليا من السراج بعد أن كانت مترددة ونددت فرنسا بالتدخل الروسي في ليبيا لتنأى بنفسها عن الصراع، على الأقل ظاهريا.

ومن ذلك، اللقاء الذي جمع السراج في زوارة غربا، بالسفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند وقائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا الجنرال ستيفين تاونسند يوم 22 يونيو/ حزيران 2020، والذي يصب في صالح حكومة الوفاق من أجل الحصول على الثقة الدولية بعد أن اهتزت خلال هجوم  حفتر على طرابلس.