بين الثكنة والقاعدة.. كيف تأجج الخلاف مجددا بين المغرب والجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

لا تكاد تنتهي أزمة بين المغرب وجارته الشرقية الجزائر حتى تبدأ أخرى. مباشرة بعد سحب القنصل المغربي من وهران أحرضان بوطاهر، عقب تصريحه بأن البلد الذي يمثل المملكة فيه "بلد عدو"، اشتعل فتيل أزمة القاعدة العسكرية التي ينوي المغرب تشييدها على حدوده مع الجزائر.

ما تسميه الجزائر "قاعدة عسكرية" يشدد المغرب على أنه "ثكنة لإيواء الجنود"، وبعيدا عن اختلاف المسميات، فإنها في النهاية فتحت الباب الموارب دائما من جديد لتبادل الاتهامات والتصريحات والتحركات أيضا بين الجانبين. فما هي التبريرات التي قدمها المغرب؟ وكيف تنظر الجزائر لتشييد القاعدة؟.

ثكنة لا قاعدة

بدأت القصة في مايو/ أيار 2020، عندما وقع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، مرسوما يقضي بتخصيص أرض لبناء قاعدة عسكرية جديدة، في محافظة "جرادة" شرق المملكة.

نشرت الجريدة الرسمية، في 21 من الشهر نفسه، المرسوم الحكومي القاضي ببناء الثكنة على مساحة 23 هكتارا.

شددت السلطات المغربية على أن لجنة إدارية مختصة، كانت قد اجتمعت في ديسمبر/ كانون الأول 2017، ورسمت حدود القطعة الأرضية المذكورة.

وقالت القوات المسلحة الملكية، في بيان لها: إن "الأمر يتعلق بثكنة عسكرية، ليست لها مواصفات القاعدة العسكرية". وأضافت: أن "إحداث الثكنة الجديدة بإقليم (محافظة) جرادة يأتي في إطار مشروع نقل الثكنات العسكرية إلى خارج المدن".

وأوضحت أن الثكنة الجديدة "سيتم تشييدها على بعد 38 كيلومترا عن الحدود مع الجزائر، وستخصص لإيواء الجنود، وليس لها هدف عملي".

دوافع المغرب

موقع "لوديسك" المغربي المستقل أكد أن تضاريس القطعة الأرضية وموقعها وسط الغابة، وكذا مساحتها الصغيرة نوعا ما، لا تلائم تسمية "القاعدة" المخصصة للجيش سواء الجوي أو البحري، بالرغم من أن التسمية في المرسوم المنشور في الجريدة الرسمية "قاعدة".

أشار ذات المصدر إلى أن المغرب يتوفر على مجموعة من القواعد العسكرية الجوية ورثها عن الحماية الفرنسية، الموجودة في مناطق إستراتيجية، التي تسمح له بالدفاع عن ترابه، وأهمها "قاعدة بن جرير" بالقرب من مدينة مراكش (جنوب المملكة). 

أما أستاذ العلوم السياسية، إسماعيل حمودي، فرأى في مقاله بصحيفة "اليوم 24" أن "قاعدة جرادة هي إسناد للجزائر في مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، مثل الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية والمخدرات الصلبة، التي تفتك بالجزائر منذ عقود، والتي تشتكيها القيادة الجزائرية باستمرار".

وزاد حمودي في مقاله أن "الهجمات الإرهابية مافتئت تعود في كل مرة لتضرب بقوة في مواقع إستراتيجية، نفطية وغيرها، ومن المرجح أن تزداد تلك الهجمات إذا تدهور الوضع أكثر في منطقة الساحل والصحراء".

رد الجزائر

في 18 يونيو/ حزيران 2020، نشرت صحيفة "الخبر" الجزائرية عنوانا قالت فيه: "المغرب ينتقل إلى مرحلة التهديد العسكري للجزائر".

من جهته أفاد الموقع الجزائري "TSA" بأن المغرب يعتزم استخدام القاعدة العسكرية على الحدود "كبنية للتجسس الإلكتروني بمساعدة إسرائيلية". 

ليأتي الرد على خطوة المملكة من الجزائر، حيث تعتزم سلطات البلاد إنشاء قاعدة عسكرية على حدودها الغربية المتاخمة للمغرب، وفق إعلام محلي، بينه صحيفة "الشروق"، وموقع "TSA" الذي نقل عن مصادر موثوقة لم يسمها.

المصادر قالت للموقع: "سنقوم ببناء قاعدة مماثلة أو أكثر كجزء من المعاملة بالمثل، لدينا كل ما نحتاجه لإعداد مثل هذا المشروع".

ظروف تاريخية

الخبير الأمني الجزائري، الدكتور محمد سليم حمادي، اعتبر أن من بين الأشياء التي تسبب المزيد من المتاعب وتعتبر إيذانا للتصعيد، بين دولتين متجاورتين في ظل أي خلاف، هو إنشاء القواعد العسكرية المتاخمة للحدود.

مذكرا أن الدولتين تعيشان توترا نتاج ظروف تاريخية معروفة ليست متعلقة فقط بمشكلة الصحراء الغربية - بحسب توصيف الأمم المتحدة - وغلق الحدود واتهام المغرب للجزائريين بالإرهاب في 1994.

إنما جذور الخلاف تعود إلى 1963 عندما قام المغرب بالخطيئة التاريخية ضد الجزائر، عندما أراد المغرب ضم ولايات تخضع للتقسيم الاستعماري.

هذه الحدود ملتهبة منذ نشأة الدولة الجزائرية الحديثة في 1962، وتحديدا بعد ذلك بسنة، رغم المحاولات الأخوية الكثيرة لتقريب وجهات النظر ورغم أن الشعبين متلاحمان رغم الاختلافات السياسية. 

في حديثه مع "الاستقلال" قال حمادي: "هناك تخبط لدى السلطات المغربية التي نفت أن تكون هذه قاعدة عسكرية، ليتبين فيما بعد أنها كذلك وأنها للقوات المسلحة الملكية".

قبل أن يستدرك مضيفا: "حسنا، لأي بلد حق حماية حدوده، لكن اختيار التوقيت يعني الكثير، ففي الوقت الذي توجد فيه تهديدات في ليبيا، وحين تصب الجزائر كل توجهها الدبلوماسي لتأمين حدودها معها، وأيضا الحدود الملتهبة مع مالي، ينشر المغرب قوات خاصة في المنطقة".

وتساءل الخبير الإستراتيجي عن التهديد الذي يحيط بالمغرب، موضحا عدم وجوده مقارنة مع موريتانيا وتونس التي لو كانت هي من أقدمت على الخطوة فسيكون لها مبرر جيو- إستراتيجي، وجيو-أمني.

دور فرنسي

حمادي قال: إن إقامة القاعدة جاء مباشرة بعد شراء المغرب لصواريخ أرض - جو فرنسية، وهذه الصواريخ الإستراتيجية عندما تكون على حدود ملتهبة لأي بلد يعني ذلك إعلان حرب غير مباشرة مع الطرف الآخر. 

يرى الدكتور حمادي أن المغرب لعب على عاملين: الأول زمني بما فيه الحراك الذي تعيشه الجزائر، والثاني ربط شراكات جديدة مع فرنسا في إطار الدفاع المشترك.

وقال لـ"الاستقلال": "عندما أرى أسلحة فرنسية في قاعدة عسكرية مغربية أتأكد أن الخسارة الفرنسية في ليبيا دفعتها للضغط على الجزائر عن طريق المغرب في إطار التحالف الإستراتيجي وهذا الضغط يسمى بتشتيت القوة المركزية". 

لا يمكن، بحسب المتحدث، أن نفصل هذه الأحداث عن ما يجري في منطقة الساحل التي تمتد على 8 ملايين متر مربع التي تعرف تهديدات لا تماثلية: الجماعات الإرهابية، الاتجار بالمخدرات وبالبشر، تهديدات حدودية ثم يأتي وجود فرنسا في ليبيا ورهاناتها الخاسرة بعدما كانت تقف إلى جانب حفتر بطريقة ما وتريد أن تؤلب القبائل على الحكومة المركزية (الوفاق المعترف بها شرعيا) في طرابلس المدعومة من طرف الجزائر والرباط أيضا.

أوضح حمادي أن فرنسا لا يهمها من يخدمها بقدر ما يهمها أن تحقق أكبر قدر ممكن من المصالح ولو حتى على حساب حلفائها وشركائها في المنطقة. ففي البراغماتية السياسية عندما يتعلق الأمر بأمن الدول ومصالحها يمكن أن تستجدي بعدو كما يمكن أن تورط صديق.

وقال: "بعد الحراك الجزائري تخطط فرنسا لتطويق الجيش الجزائري وتشتته وتحاول أن تمارس ضغوطا على مستوى الحدود والإقليم، وتستعين في ذلك بشركائها الإستراتيجيين".

مضيفا: "أعتقد أن هذا أمر يخرج عن اللياقة الدبلوماسية"، وردا على التبريرات التي قدمها المغرب والتي تفيد وجود تهديدات، قال المتحدث: إن الحدود المغربية الجزائرية المتفق عليها بحسب الأمم المتحدة، لا تشكل تهديدا على المغرب بحكم أنه لا يمكن لهذه الجماعات والأطراف، حتى في عز الأزمة الأمنية الجزائرية، الدخول إلى المغرب. 

وزاد حمادي مؤكدا: لم تسجل أي سابقة إلا حادثة التفجير التي وقعت عام 1994، المشكوك في أمرها أصلا، والذي بناء عليها تم غلق الحدود.

تناقض صارخ

مع عدم وجود مبررات، بحسب رأي الخبير الأمني، فإن إقامة قاعدة عسكرية بوجود هذه الصواريخ الإستراتيجية على حدود بلد شقيق - وإن كانت مشاكل خلافية - وفي نفس الوقت الترويج في الخطاب السياسي للرغبة في تقريب وجهات النظر، فهو تناقض صارخ، ويعتبر تصرفا ينم عن تهديد ظرفي.

الهدف من هذا التهديد، يتابع الدكتور، هو ضغط فرنسا - بالتعاون مع شريكها العسكري - على الجزائر من أجل التفاوض، سواء في الملف الليبي باعتبار أن الجزائر رفضت التدخل الأجنبي والحل العسكري أو في الملف الداخلي المتعلق بالحراك. المشكل الموجود الآن، إن هناك تكالبا أجنبيا في المنطقة مسرحه ليبيا وكذلك دول الساحل.

المتحدث عاد ليقول: "من حق المغرب الدفاع على مصالحه، لكن العمليات الاستفزازية في توقيت ينم عن ذلك، بإقامة قاعدة بهذا النوع من الصواريخ ينبئ بحالة حرب، في حين أن الوضع ليس كذلك، فالتمثيل الدبلوماسي قائم والسفير والقنصل موجودان، والشعوب تتبادل الزيارات، وإن كان جوا فقط".

وقال حمادي: "الجزائر ترد باستمرار على استفزازات النخبة الحاكمة في المغرب بطريقة دبلوماسية، وأعلى درجات ضبط النفس ومحاولة تفويت الفرصة على أي استفزاز من هذا النوع، وهذا لا يعني أن الجزائر لن تتحرك ميدانيا، طبعا في إطار القانون الدولي والحدود السيادية، لإيقاف أي استفزاز من هذا النوع".

أجواء توتر

دكتور العلوم السياسية  المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، محمد شقير، قال: إن "اعتزام المغرب بناء هذه الثكنة العسكرية يأتي في إطار السياسة التي انتهجها منذ العقدين الأخيرين والتي تشمل أساسا إعادة نشر الثكنات العسكرية، بمعنى تحويلها من المناطق الحضرية إلى مناطق خارج الحواضر بدليل أن الأمر نفسه تم في كل من الرباط والدار البيضاء".

وأوضح شقير لـ"الاستقلال" أن "الأمر ليس بجديد بالنسبة للمغرب، إنما هو امتداد لسياسة متبعة في العقدين الأخيرين".

وتابع: "بحسب تصريح رئيس الحكومة ستكون الثكنة على امتداد 38 كيلومترا، وتم اقتطاعها من المجال الغابوي، لتكون ثكنة لاستقرار الجنود، وليست ثكنة عسكرية لمواجهة الجزائر كما تدعي صحفها ووسائل إعلامها، بل وقررت هي الأخرى أن تنشئ ثكنة قريبة".

ما يفسر ذلك، بحسب دكتور العلوم السياسية، هو "التوتر الحالي بين النظامين والذي ينعكس في مجموعة من التصريحات التي أدلى بها سواء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أو رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بالنيابة، السعيد شنقريحة، ما جعل إعلان المغرب بناء الثكنة يفسر كاستفزاز عسكري".

خلص الخبير العسكري إلى أن "التوتر بين الدولتين هو ما يجعل أي تحرك تقوم به إحداهما يفهم على أنه استعداد حربي لمواجهة الأخرى".

واعتبر شقير أن "ذلك يتنافى مع مبدأ السيادة، باعتبار أن لكل دولة الحق في تشييد ثكنات عسكرية في مجال حدودها، وجرادة تدخل في المجال الترابي للمغرب ومجاله السيادي".

وربط متخصص الشؤون العسكرية بين إعلان المغرب إنشاء الثكنة، وبين زيارة رئيس أركان الجيش بالنيابة، السعيد شنقريحة، لروسيا في 23  يونيو/ 2020، مشيرا بأن "الزيارة هدفت لإبرام صفقة عسكرية تشمل اقتناء مجموعة من الصواريخ".

وبالتالي فإن المسألة غير مرتبطة بالثكنة قدر ارتباطها بأجواء توتر ثنائي بين البلدين، على خلفية مناورات على الحدود ومقترح بناء جدار، حسب المتحدث.

الخبير العسكري اعتبر أن "النظام الجزائري الذي يعيش حاليا أزمة داخلية، يحاول ما أمكن أن يوظف هذا التوتر لإلهاء الرأي العام عما يجري داخل البلاد، خصوصا وأن الاحتجاجات التي توقفت بسبب جائحة كورنا عادت للشارع من جديد، ومن الواضح أنها ستستمر".

وقال شقير: "الإعلام الجزائري ذهب إلى حد الادعاء بأنه سيتم الاستعانة بخبراء إسرائيليين". وعزا المتحدث لـ"الاستقلال" ترجيح وقوف فرنسا وراء بناء قاعدة عسكرية على الحدود المغربية - الجزائرية للضغط على الجزائر، إلى وجود توتر بين البلد الأوروبي والنظام في الجارة الشرقية يحاول الأخير أيضا توظيفه لصالحه. وذلك بعد اتهام فرنسا بالتدخل في الشأن الجزائري وعرضها لملفات حقوقية على البرلمان الأوروبي تخص النظام الجزائري".