بعودة العيساوي.. هل انتهى عصر الاستهداف السياسي للسنة بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع عودة القيادي السني البارز رافع العيساوي إلى بغداد ومواجهة القضاء بالاتهامات التي طالته منذ عام 2012، برزت تساؤلات عن مدى إمكانية إنهاء الاستهداف السياسي في العراق، وحسم ملفات سياسيين آخرين أبعدوا عن البلد وما زالت قضاياهم لم تحسم بعد.

العيساوي الذي شغل مناصب عدة رفيعة في الدولة العراقية عقب عام 2003، كان آخرها وزيرا للمالية في ديسمبر/ كانون الأول 2012، وجهت إليه في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي اتهامات بالإرهاب، وكانت سببا في تفجر مظاهرات بالمحافظات السنية.

ومن ضمن السياسيين السنة الذين طالهم الاستهداف السياسي في عهد المالكي، نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي، ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، والنائب السابق في البرلمان المعتقل حاليا أحمد العلواني، وأمير عشائر دليم كبرى العشائر السنية علي حاتم السليماني، إضافة إلى عشرات الشخصيات السياسية والإعلامية وعلماء دين.

تبرئة محتملة

في 16 يونيو/ حزيران 2020 أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، توقيف وزير المالية الأسبق رافع العيساوي لإجراء التحقيق معه بتهم تتعلق بالإرهاب، بعدما سلّم نفسه إلى جهات التحقيق المختصة، حيث ستعاد محاكمته حضوريا عن الأحكام الغيابية التي صدرت بحقه سابقا بعد عودته من الخارج.

وكشف مصدر سياسي طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"الاستقلال" أن "قضية رافع العيساوي لم تهدأ خلال المرحلة الماضية، وكانت جهات سياسية تسعى لإنهاء الملف، إلا أن الظروف لم تكن مناسبة في المرحلة السابقة، واليوم يبدو أن الفرصة سانحة لتبرئة الرجل من هذه الاتهامات".

وأوضح المصدر أن "التغيير في الطبقة السياسية الحاكمة من رئيسي الجمهورية والحكومة، ربما يسهم في رفع الضغط عن القضاء وتبرئة رافع العيساوي، لأن الجميع يعرف أن الاتهامات التي وجهت ضده كلها تأتي ضمن الاستهداف السياسي، وإلا كيف يتابع رئيس الجمهورية برهم صالح ملف العيساوي بنفسه؟".

ولفت إلى أن "إنهاء ملف رافع العيساوي قد يشكل مرحلة مهمة في فتح ملفات سياسيين آخرين تمهيدا لحسمها، ضمن مشروع مصالحة وطنية فعلي، وليس كما كان يحصل في عهد المالكي، عبر استهداف كل من يخالفه من السياسيين السنة".

وخلال مقابلة تلفزيونية قال رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في 21 يونيو/ حزيران 2020: إنه "كان للعيساوي دور إيجابي في العملية السياسية، ولم ألمس أي دور له بقضايا إرهابية نسبت له أو لغيره"، معتبرا الاتهامات الموجهة له "كيدية".

وأوضح أن "العيساوي كان مطاردا في محافظة الأنبار من تنظيم القاعدة"، مشيرا إلى أنه لا يشكك في نزاهة القضاء العراقي لحسم القضية.

وتابع: "من خلال اطلاعي على ملف العيساوي بالقضايا التي تتعلق بالإرهاب، فهي إفادة متهم وهو من أحد حماياته (رجال الحماية) وانتزعت منه بالإكراه وتحت التعذيب".

ونوه إلى أن "برهم صالح بذل جهدا في هذا الملف وملفات أخرى لمعالجتها، وكان له دور إيجابي في ذلك"، مردفا أن "صالح تحرك لدى القوى السياسية من أجل عودة رافع العيساوي".

أجواء مهيأة

إعادة فتح ملف العيساوي في أجواء من الطمأنينة قادها الرئيس برهم صالح، دفع السياسي السني الآخر طارق الهاشمي إلى إعلان استعداده لتسليم نفسه إلى القضاء العراقي، على غرار قرار وزير المالية الأسبق.

وقال الهاشمي لوكالة الأنباء الألمانية في 17 يونيو/ حزيران 2020: إنه من بين الذين استهدفوا في العراق وبرأته الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) قبل عدة أعوام، مشددا على أنه جاهز للمثول أمام القضاء في أي وقت من أجل تبرئة ساحته من جميع التهم المنسوبة إليه، وما يطلبه فقط هو ضمانات بالتقاضي العادل ووفقا للدستور.

كما رحب بقرار العيساوي تسليم نفسه، واعتبر أن هذه الخطوة تمثل فرصة طيبة للقضاء العراقي ليستعيد استقلاليته وعافيته، بعد أن تعرض في الماضي إلى ضغوط وتدخلات عرقلت العدالة وحكم القانون، قائلا: "سأكون سعيدا للغاية عندما أرى سجل الحكومة العراقية طيبا في ملف حقوق الإنسان".

وأعرب الهاشمي عن الأمل بأن تفتح هذه الخطوة المجال أمام إحداث مراجعة شاملة لملفات العديد من السياسيين العراقيين الذين كانوا قد تعرضوا للاستهداف في فترة سابقة.  

المصدر السياسي أكد في حديث لـ"الاستقلال": أن "ملف الهاشمي من غير المستبعد أن يأخذ طريقه إلى الحل بعد رافع العيساوي الذي سيكون ملفه بمثابة جس نبض للقوى الشيعية، وللقضاء العراقي".

وبيّن أن "عودة الهاشمي والعيساوي وغيرهما إلى الساحة السياسية العراقية، بالتأكيد سيكون له مردود إيجابي على العراق، ولا سيما بعد مقتل قاسم سليماني قائد فليق القدس الإيراني، الذي كان يقف وراء استهداف القيادات السنية".

وفي ضوء هذه التطورات، غرد النائب فائق الشيخ علي عضو اللجنة القانونية بالبرلمان العراقي في 18 يونيو/ حزيران: "سأقول كلاما أنا مسؤول عنه أمام الله والتاريخ. بحكم مسؤوليتي النيابية عضوا في اللجنة القانونية ورئيسا لها لاحقا وعضوا أيضا حاليا اطلعت على ملفات قضايا السياسيين السُنّة العراقيين. فوجدت معظمها كيدية وملفقة وكاذبة افتعلها ضباط بالسلطة تزلفا وتقربا إلى رئيس الوزراء المالكي".

وأضاف الشيخ علي في تغريدة أخرى، قائلا: في عام 2009 زرت رئيس مجلس النواب العراقي إياد السامرائي وقلت له: انتبه، لا تكن طائفيا في تصريحاتك مثل طارق الهاشمي. هذا هو رأيي بالهاشمي، ولكني أقولها علنا وبجرأة بأنه بريء من كل التهم الكيدية والملفقة التي وجهت إليه.. وليسمع العالم. لقد خسر العراق سياسيا سنيا مهما".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2011، أصدر المالكي أمرا بالقبض على الهاشمي وجميع أفراد حمايته، وفق اتهامات تتعلق بالإرهاب، إلا أن الأخير غادر إلى إقليم كردستان وبعدها إلى تركيا، حيث يقيم حاليا، واعتبر ما جرى له استهدافا سياسيا بأمر من الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

تهديد شيعي

على وقع الأنباء عن قرب تبرئة رافع العيساوي، شنت القوى السياسية الشيعية القريبة من إيران حملة عشواء ضد وزير المالية الأسبق، والجهات التي تقف وراء عودته إلى العراق، وحذرت القضاء من الاستجابة إلى الضغوطات.

وفي مقدمة تلك الرافضين لعودة العيساوي، كان رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي، قائلا: "يجب أن يلتزم القضاء العراقي بمهنيته المعهودة بالبعد عن التسييس وأن لا يخضع لأي ضغوط سياسية إذا حاول البعض ممارستها عليه من خلال صفقات سياسية مرفوضة يتحمل القضاء تبعاتها".

وأضاف المالكي في تغريدة على حسابه في "تويتر" في 17 يونيو/ حزيران 2020 قائلا: "وبالنسبة إلى قضية رافع العيساوي فما يقرره القضاء المهني الملتزم النزيه وفق سياقاته القضائية سنحترمه".

وعلى نحو مماثل، أعلن الأمين العام لمليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، أن "إرجاع الشخصيات التي كانت مسؤولة عن تأجيج الطائفية جزء من المشروع الأميركي".

ودعا الخزعلي عبر بيان له في 21 يونيو/ حزيران 2020 إلى ضرورة الوقوف بحزم أمامه، والقضاء العراقي أمام اختبار حقيقي في إثبات استقلاليته وعدم خضوعه للمساومات والصفقات السياسية في قضايا المتورطين بالإرهاب والفساد، في إشارة إلى العيساوي.

وتابع: أن "مراد إرجاع هذه الشخصيات واحدا تلو الآخر هو خدمة المشروع الأميركي في تفعيل الوضع الطائفي من جديد بعد أن انتهى في العراق بفضل التلاحم الوطني الذي حصل بين مكونات هذا الشعب العظيم أثناء التصدي لخطر تنظيم الدولة".

أما تحالف "الفتح" (ممثل لفصائل الحشد الشعبي بالبرلمان) بزعامة هادي العامري، فقد أصدر بيانا أعلن فيه تحفظه على عودة من وصفه بـ"المدان" رافع العيساوي والتي كانت بعلم رئاستي الجمهورية والوزراء.

وقال التحالف خلال بيان في 22 يونيو/ حزيران 2020: " تفاجأنا في الأيام القليلة الماضية بخبر عودة المطلوب للقضاء رافع العيساوي، والغريب أن يتم هذا الأمر بعلم وموافقة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وبعض المسؤولين إضافة إلى بعض قادة القوى السياسية".

وأردف "الفتح" حليف إيران الأقرب: "نسجل تحفظنا على هذه المواقف من قبل الرئاستين، نأمل ألا تتكرر هذه الخطوات، وإلا فسيكون لنا موقف شديد وواضح ضد هذه الأفعال".

وزعم التحالف "الحصول على معلومات مؤكدة عن ضغط سياسي يتعرض له القضاء بهذا الشأن". وأشار إلى أنه "يقف إلى جانبه ويرفض أي ضغوط تمارس ضده"، داعيا إلى العمل على وفق أسس العدالة والقانون.